المسلمون برؤية بعض الغرب (2)
قد كنت كتبت تعليقًا على أحد المقالات المترجمة المتعلقة بنظرة غربيَّة للإسلام كدين، والمسلمين كأُمَّة وفكر ومنهج، وأوضحتُ فكر كاتبِ ذلك المقال، والخلفية التي تدعم نظرته، التي أفصح عنها في مقاله، وكذلك تعرضت لتصحيح ما ذكره في مقاله من الأخطاء المتعلِّقة بالإسلام ورسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - والمسلمين وفكرهم الإسلامي.
ولقد أردَفَ ذلك الكاتبُ مقالَه الأول بمقالٍ آخر، تعرَّض فيه لما يظهر لنا موقفه تجاه الإسلام والمسلمين، وبين يدي - أحبَّائي القراء - ترجمة إجماليَّة لذلك المقال الثاني، مع التعليق المفيد الذي يسفر عمَّا حواه مقالُ ذلك الكاتب من مواقف وآراء.
أولاً: ترجمة المقال:
يقول الكاتب في مقاله: "إسلام واحد من كل عَشَرَةِ مساجين خلف القضبان":
"إنها لقِصَّة كانت على إحدى صفحات الجرائد المحليَّة بواشنطن، والتي انتشر خبرها فجأة عبر (الإنترنت)؛ حيثُ أوضح تقريرها لشهر فبراير عن أن ما يُطلق عليه "الإسلام في السجون" كان أسرع الجماعات الدينية نموًّا في المؤسسات الإصلاحيَّة الأمريكية.
بعض هؤلاء العُبَّاد يدَّعون انتسابهم إلى حركة "أمة الإسلام"، تلك الحركة الانفصاليَّة التي أطلقها، وروَّج لها اثنان من المُدانين، وعلى وجه التحديد، فهي تُعَدُّ نوعًا من الإسلام السياسي على غرار الإسلام الأصولي، الذي يُقدَّم كبديل عن النصرانيَّة للأمريكيِّين ذوي الأصول الإفريقيَّة.
وعلى أيَّة حال، فقد أخبر أحدُ أساتذة الجامعات المتخصصين في دراسة شؤون السجناء المسلمين، ويُدعى: "لورانس ميميا": "أن واحدًا فقط من كل خمسة يعتنقون الإسلام هو الذي يبقى على مُعتقده بعد الإفراج عنه"، مع العلم بأنَّ تَعداد المسلمين في أمريكا يُمثِّل على أعلى التقديرات: واحدًا بالمائة من الكثافة السكانيَّة للولايات المتحدة؛ أي: ثمانية ملايين فرد".
وقد أرجع بعضُ الخبراء نسبة العشر بالمائة - التي أظهرتها الإحصائيَّة - إلى رغبة المساجين في الحُصُول على العطايا الخاصَّة بالمسلمين؛ مثل: سجاد الصلاة، والبخور، والطعام الحلال المتميِّز.
ولكن هذه الحقيقة يَجبُ أن تستوقف القارئ، فإنَّ هذه المطالب الدينيَّة التي لا حصر لها تقوِّي إحساس الرديكاليِّين الإسلاميِّين الفطري بالسُّمُو على غيره، ورغبته في أن يُرى دائمًا متميزًا.
بل إنَّ الأمر وصل إلى أنَّ جهة حقوقيَّة - كاتِّحاد المدافعين عن الحرِّية المدنيَّة - قد تقوم برفع قضية؛ لضمان نوع من المعامَلة الخاصَّة للسجناء المسلمين، فعلى سبيل المثال في قضية عام 2008م، وافق القاضي "كلارنس بريمر" على إحضار نوعٍ من الطعام الدِّيني لإحدى الطوائف، وأمر بإعداد الأفران الجديدة للسجناء، الذين لا يتناولون لحمَ الخنزير؛ لتحريمه لديهم، كالمسلمين وبعض الطوائف الأخرى.
وفي قضيَّة أخرى في نوفمبر عام 2008م، قضت إحدى مَحاكم كاليفورنيا بالسَّماح لإحدى السجينات المسلمات بارتداء الحجاب، وبدفع غرامة تعويض قدرها 45 ألف دولار لهذه السجينة الآسفة.
ويعلِّق أحد مُتابعي حركة الجهاد، ويُدعى: "روبرت سبنسر" بسخرية على مثل هذه القضايا غير المعقولة قائلاً: "مرة أخرى يطالب المسلمون في أمريكا غَيْرَ المسلمين بتكييف ممارساتهم واعتقاداتهم مع ما يُناسب المسلمين، حتَّى ولو كانوا سجناء".
في الواقع، إنَّ الإسلامَ يعلِّم أتباعَه أنَّ "الكفَّار" ملتزمون بدفع الجزيَة لأسيادهم من المسلمين، ويرى كثير من الأصوليِّين الإسلاميِّين أنَّ الغنيمة، التي يُحصِّلونها من القضايا ما هي إلاَّ نوع من الجزية، يَحصُلُون عليها بنوع من الابتزاز الخفيِّ، إلى أن يتمكَّنوا من إقامة نظام الخلافة الإسلامي العالمي.
وبصورة أو بأخرى، فإنَّ هذه المؤسسة الحقوقيَّة تتعاون مع أعدائنا بصورة تبدو مُضحكة، عندما تقارن بنتائج مواقف أكثر جديَّة مع الإسلاميِّين.
وكذلك فإنَّ إحدى الدِّراسات التي سُمِّيت "خارج الظلال" أثبتت أنَّ المجتمع الإسلامي المتماسك بالسُّجون قد أصبح متهيئًا للأصوليَّة الإسلاميَّة، ومن السَّهل عليه أنْ يتحوَّل إلى خلايا إرهابيَّة.
ويوضح "ستيفن شوارز": لماذا أصبح لرجال الدِّين الإسلاميِّين الأصوليِّين هذا الشأن؟ فيقول: إنَّهم قد ترَبَّوا على فكرٍ أجنبي في مُؤسسات تعليم مُمولة بدعم أجنبي، ويتعاونون مع هذه الجهات من أجل فرض خطة مُتطرفة لاحتكار الأنشطة الإسلاميَّة في مُختلف السُّجون الأمريكيَّة.
ويضيف أيضًا: إنَّ هؤلاء الأصوليِّين إذا قبض عليهم، وسجنوا إِثْرَ ارتكاب أو تخطيط بعض الأعمال الإرهابيَّة - فإنَّهم يتسبَّبون في إحداث نوع من الاضطراب في نظام السجن، طبقًا لتقريرٍ صدر من مؤسسة "نيفا" عام 2008م.
وكذلك طبقًا لهذا التقرير، فإنَّ الجهاديِّين بالسُّجون مستمرُّون في الدَّعوة إلى فكرهم، وتحويل السُّجناء إلى منهجهم، والتخطيط لعمليَّات الهروب، مع مُمارسة الرِّقابة على منظماتهم والتخطيط للهجمات.
ولكن التصدِّي لنحو هذه الحال يسير ببطْءٍ، إلاَّ أنَّه في الفترة الأخيرة أظهرت ورقة بَحْث قدِّمت عن "الأصوليَّة خلف القضبان وخلف الحدود": أنَّ عشرةً من رجال الدين الأصوليِّين هم المسؤولون عن الاستقطاب والتعاقد مع المتطوعين لدخول السُّجون؛ للإسهام في النَّشاط الديني في نوع من المهام الصَّعبة، بالنظر لآلاف المتطوعين الذين يدخلون السُّجون شهريًّا.
ويوضح "هرفي كوشنر" مؤلف "موسوعة الإرهاب": أنَّه إضافةً إلى مسار التَّصحيح السياسي الحالي، والتهديدات التي تُمثلها القضايا باهظة الثَّمن، فإنَّ نظامَ السُّجون مَحكومٌ بنوع من الثقافة، ومن البيروقراطيَّة التي تعوق عمليَّة الإصلاح.
فإنَّ بعض المسؤولين قد يرَوْن أنه من المفيد السَّماحُ بنوع من الأنشطة المنظَّمة - العصابيَّة - لأنَّ السُّجناء بذلك سَيُراقبون أنفسهم، ولو بنوعٍ من الهمجيَّة، ويضيف "كوشنر": إنَّ المناخ الاقتصاديَّ الحاليَّ سيتسبب في إنزال مرتبة الاهتمام بإصلاح أحوال السُّجون؛ للتصدي للجهاديين أكثر مما كانت عليه من قبل في قائمة الأولويات.
وبوضوح، فإنَّ الأمريكيين لديهم السبب القوي للقلق من هذا الأمر، فإنَّ المؤسسات التي عُنِيَت بحماية الأمن العام تُسهم بدَوْرها في تهيئة المناخ لخلق مساحات من العنف والأصوليَّة، وسيكون من الصَّعب تصوُّر الموقف من التغيير في المستقبل، في ظل التحرك البطيء للمؤسسات الرسمية، كالمكتب (الفيدرالي) لشؤون السجناء.
مع العلم أنَّ السجينَ من هؤلاء بعد الإفراج عنه يعودُ للمجتمع للالتحاق ببعض الأعمال، التي تتم تحت الإدارة الإسلاميَّة، والتي يرى "كوشنر" أنَّ هذه الأعمال - إضافةً إلى المطاعم التي تقدم الطعام الحلال للمسلمين - تتضمَّن دَعْمَ أمنِ أمَّة الإسلام، بالتوافُق مع القوانين المحليَّة لضبط النظام في المجتمعات الأمريكيَّة، التي يُمثِّلها كثير من ذوي الأصول الإفريقيَّة، بينما ينجرف البعضُ تجاه ما يُسمَّى بالمراكز التِّجارية الإسلاميَّة، والبعض يلتحقُ بالعمل في الإطفاء.
وهذه الظاهرة هي مادة في الحلقة القادمة من سلسلة "المسلمون في أمريكا"، انتهى.[1]
فانظر - أخي القارئ - إلى الموضوع من وجهتين:
الأولى: النَّشاط الذي عليه المسلمون في أمريكا، وحَماسهم العالي في نُصرة الإسلام، ونشره بكُلِّ الوسائل؛ بل بلغ بهم إلى أن يدخلوا السِّجن؛ من أجل مُمارسة الدَّعوة إلى الإسلام، وإخراج الناس من الظُّلمات إلي النور، وفي هذا دَرس للأحرار من الدُّعاة والطُّلقاء من الوعَّاظ في كل مكان.
وهذا بالطبع يعكس مدى قناعة هؤلاء المسلمين بدينهم وقضيتهم، وقُدرتهم على تَحمُّل المشاق من أجل دَعوتهم، وكذلك القُدرة على العمل تحت الضُّغوط، وفي أسوأ الظُّروف، فلله - تعالى - دَرُّهم.
الثانية: الذُّعر الذي تضطرب له نُفُوس أعداء الإسلام؛ خشيةَ انتشار الإسلام، وإشراق شمس التوحيد على بلاد "العم سام"؛ بل انظر إلى مدى الرِّقابة التي يقومون بها على أنشطة الإسلاميِّين، ومُتابعتهم لأحوالهم حتَّى في السجون، فليسَ الأمر مقصورًا على المسلمين في أمريكا والبلاد الأخرى، بل أيضًا شمل مَن هم خلف القضبان.
وكذلك يتبيَّن النظرة التي ينظرون بها إلى الإسلام، فهم ينظرون إلى الإسلام على أنَّه ملة إرهابية، ولا أدري هل هذه هي فكرتُهم الحقيقيَّة عن الإسلام دين السَّلام، أو أنَّ هذه نوع من تشويه صورة الإسلام والصدِّ عنه؟ وكذلك فالخوف عند هؤلاء من "الإسلام الأصولي"، فأمَّا لو كان علمانيًّا أو صوفيًّا أو رافضيًّا، لعُقد له لواءُ الولاء، ودُفع عنه راية البراء.
ولعلنا - بإذن الله تعالى - نستمر في رصد مَوقف هؤلاء من خلال ترجمة مقالتهم القادمة عن الإسلام؛ لنرى نظرتَهم وتحركاتِهم، ونُدرك كيفيَّة التحرُّك لمواجهة هذا العَداء، وكيف يُمكن نصرة قضيتنا.
ولكن على كلِّ حال، يَجب علينا أنْ نأخذَ كلَّ ما يطرحونه في كلامهم وكتابتهم مأخذَ الجد، ونُبيِّن للناس زَيْفه، بعرض الوجه الحقيقيِّ للإسلام، من خلال التاريخ والواقع المعاصر، وإذا فتح الباب في الكلام عن الإرهاب والاعتداء، فحريٌّ بالمُناظر أنْ يُظهر التاريخ الأسود، والواقع المعاصر للصهْيَونيَّة الصليبيَّة، ثم يستأصل بَيضتها بمِعْوَل التوحيد، والنُّور الإسلامي، وقذائف الحق من كتاب الله - تعالى - وسنة رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لتُملأَ العقولُ والقلوبُ بالإسلام تعبيدًا لله تعالى.
[1] رابط المقال:
http://www.globalpolitician.com/25458-islam-muslims-