اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 هل المسلمون متعصبون؟!

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100210
هل المسلمون متعصبون؟! Oooo14
هل المسلمون متعصبون؟! User_o10

هل المسلمون متعصبون؟! Empty
مُساهمةموضوع: هل المسلمون متعصبون؟!   هل المسلمون متعصبون؟! Emptyالأربعاء 15 مايو 2013 - 10:47

هل المسلمون متعصبون؟!

التَّعصُّب معناه: نُصْرَة القوم للرَّجل منهم، ومنه العُصْبة بالفتح والسكون، وعصبة الرجل: بنو قرابته لأبيه أو قومه الذين يتعصبون وينصرونه [1].
والمراد بالعصبيَّة هنا: إحساس المرء بالغيرة والحمية؛ كي ما ينهض ناشطًا مدافعًا عن أهله وقرابته وقومه، وحافز المرء لذلك إحساسه بوجوب الانفعال والغيرة إذا ما مس أهله وأقاربه وقومه شيء من ضيم أو عدوان، فهو بذلك لا يعبأ أو يستشاط، ويأخذه الانفعال والحماسة بما يقع لغير واحد من هذه الأصناف منَ الأذى والضَّرر.

وهو في ذلك لا يتجاوز بغيرته وحميته تلكمُ الأصناف؛ كي لا يبالي بعد ذلك إذا ما أصاب القرح آخرين غرباء عن أهله وعشيرته وبني قومه، وربما امتدَّ التَّعصب واتَّسع ليندرج فيه تعصب كثير منَ النَّاس للملَّة بغير حق أو تعصب آخرين لأجناسهم وأعراقهم، وذلك في شريعة الإسلام باطلٌ.
وبعد هذه المُقدمة عن حقيقة التَّعصب، نعرض للحديث بشيء منَ التَّفصيل عن جملة وجوه أساسية منَ التَّعصب.

أولاً: التَّعصب للذَّات:
وذلك أن يعبأ الإنسان بنفسه فقط ليُحقق لذاته كل ما يصبو إليه من الآمال والمكاسب، وهو يبذل مِن أجل ذلك أقصى الدَّرجات من النَّشاط والكد والاهتمام، وذلك لفرط انشغاله بنفسه دون سواها، ولشِدَّة اهتمامه البالغ بمصالحه التي تخصه دون غيره، فلا يعبأ بعد ذلك بغيره منَ الناس أقرباء أو غرباء، مظلومين أو مكروبين، مغلوبين أو مضيعين، وتلك أثرة بغيضة ممقوتة تتلطَّخ به نفوس القساة الأَشِحَّة منَ الناس أولي الطَّبائع القاسية الكزَّة، أولئك الذين لا يكترثون لما يصيب الناس منَ القروح والجوائح والمِحَن، ولا تلين قلوبهم مما يحيق بغيرهم من النوازل والخطوب؛ وإنما يقلقون ويتغيظون لما يمسهم وحدهم من السوء، لا جرم أن هذه مثلبة خسيسة تلبست بها طبائع كثير من البشر على وجه هذه الأرض، وأولئك موغلون في الأنانية المقيتة البشعة، وذلك هو دَيْدَن الأكثرين في المجتمعات المادية في سائر أنحاء العالم.

أمَّا المسلمون فهم أبعد الخليقة كافَّة عن لوثة الأثرة، أو التعصب للذات (الأنانية)، والأصل في ذلك أنَّ المسلمين قد تنشؤوا على تعاليم الإسلام، وتربوا على مائدة القرآن بما حواه هذا الكتاب الحكيم المعجز من عقيدة راسخة سمحة، وتشريع شامل كامل، ومعاني رقاق في غاية الجمال، كل هذا النظام المتسق الهائل قد صنع المسلمين بعظيم أخلاقهم المميزة، وكريم صفاتهم الممجدة، فمنَ الحق أن نصْدَع في مجاهرة يسمعها الناس جميعًا، وهي أن المسلمين أبعد الخلائق طرًّا عن خسيسة الأنانية الوضيعة التي تدمغ الإنسان بوصمة التبلد والانكماش والسلبيَّة، ليظل - وهو أسير نفسه - مستغرقًا في الطمع والجشع وحب الذَّات، والغفلة الكاملة عمَّن سواه منَ العباد.

وهذه حقيقة تتجلَّى في خلق المسلمين، وهم يتحررون من ربقة الأنانية والتَّعصب للذَّات فيحب بعضهم بعضًا؛ بل يتمنَّى الواحد فيهم من تحصيل الخير لغيره بقدر ما يتمنَّاه لنفسه، وفي ذلك يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) [2].
ذلك إعلان مجلجل يهتف به إمام المسلمين الأول، رسول البشرية كافة مبينًا فيه أن المسلمين أبعد الخليقة عن الأنانية، والانكماش، والتَّعصب.

ثانيًا: التَّعصب للأهل والعشيرة:
وهذا الضَّرب منَ التَّعصب كريه ومقيت؛ لأنه يكشف عن خسَّة في اهتمام المرء وفي هواه، إذ يجنح لأهله وأقربائه في الحق أو الباطل، وينصرهم ظالمين ومظلومين، ويؤيدهم في عامة الأحوال والوقائع بالرَّغم من ضلالهم وتلبسهم بالشر والخطيئة، وذلك خُلُق ذميم وبغيض، تنفر منه قلوب المسلمين المخلصين الذين لا تملك أعصابهم ومشاعرهم صيحة الباطل، يرددها الأهل وأولوا القربى، وإنما يترفعون في أنفة واستعلاء على الظالمين والمعتدين، ولو كانوا أولي قربى.

المسلمون أوفياء مقسطون لا يتعصَّبون للباطل، ولا يقفون في الملمات وسائر الأحوال إلى جانب المعتدين والخاطئين؛ وإنما يهرعون مهرولين ناشطين لنصرة الحق وأهله، وإن كانوا منَ الأجانب أو الغرباء؛ مسلمين أو غير مسلمين.

ومما لا شكَّ فيه أنَّ العصبيَّة للباطل بغيضة، وأن المتعصبين للشر وأهله لكونهم أولي قربى، قد استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم الشيطان ذِكْر ربهم، وأضلَّهم ضلالاً ظاهرًا، وبذلك يندد الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالعصبية والداعين إليها؛ لأنها شر ومفسدة وانحدار بالطبائع والأذهان إلى ديجور التَّخلف والانحطاط، فقال - عليه الصلاة والسلام -: ((ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منَّا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية))[3]، وقوله: ((ليس منا)) يعني: ليس على طريقنا ومنهجنا الحق وهو الإسلام بقيمه وتعاليمه المنافية للهوى الظالم، أو التعصب للشر وأهله، أو مُناصرة المبطلين والظالمين في عامة الأحوال؛ وإنما المسلمون متناصحون مقسطون بررة، لا يشهدون الزُّور، ولا يقولون غير الحق والصدق مهما تكن الظروف، فلا يمنعهم أن يقولوا الحق والصواب مهابة الناس أو استحياء من عشيرة أو أولي قربى.

فتلك حميَّة جاهلية باطلة يندد بها الإسلام، ويحرض الناس على الاستعلاء عليها، والانعتاق من طغيانها على العقول والقلوب.
وفي التَّحريض على العدل والاستقامة والصدق في الشهادة والقضاء، دون انثناء أو محاباة أو جنوح لأولي قربى، يقول - جل وعلا -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}[4]، وذلك تحريض منَ الله للمسلمين على قول الحق والصدق، والحكم بالعدل بين الناس، وألا يلووا في الحكم والشهادة سواء كان المحق قريبًا أو بعيدًا، مسلمًا أو غير مسلم، وهذه غاية في القسط والاستقامة، وذروة سامقة في الفضيلة، والصدق، ومجانبة الزور، أو التَّعصب للباطل.

وفي التَّحذير منَ الجاهليَّة وتصوراتها واهتماماتها يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ الله - عز وجل - أذهب عنكم عبية الجاهلية، وفخرها بالآباء؛ الناس بنو آدم وآدم من تراب، مؤمن تقي، وفاجر شقي، لينتهين أقوام يفتخرون برجال؛ إنما هم فحم من فحم جهنم، أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع النتن بأنفها))[5]، والعبية: بضم العين منَ التَّعبية؛ أي الكبر.

في الترهيب من عصبية الجاهلية والتفاخر بالآباء والعشيرة يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا كان يوم القيامة أمر الله مناديًا ينادي: ألا إني جعلت نسبًا، وجعلتم نسبًا، فجعلت أكرمكم أتقاكم، فأبيتم إلا أن تقولوا: فلان بن فلان خير من فلان بن فلان، فاليوم أرفع نسبي وأضع نسبكم، أين المتقون؟)) [6].

ثالثًا: التَّعصب للأوطان والأقاليم:
وهذا ضرب آخر من ضروب التعصب وخلاف ذلك حب الأوطان، فحب الأوطان إحساس بالغ مركوز في النفس لا مندوحة للمرء عن استشعاره والاعتراف به، وهذه حقيقة ظاهرة لا ينكرها إلا مكابر، ذلك أن الناس مفطورون على حب الأوطان، لا جرم أن للأوطان ومساقط الرؤوس خاصة من زاخر الذكريات وكثيف الخيالات - ما يستنهض في النفس على الدوام أمواجًا منداحة تترا منَ الأفكار والتأملات، فالأوطان بمركباتها المختلفة، المائية، والهوائية، والترابية، والحجرية، وما حوته من سهول، ووهاد، وهضاب، ووديان، وأنهار، وأبحار، وأشجار، كل أولئك يؤزُّ القلب والوجدان إلى دَيْمُومة التصور والتذكر والانفعال، فما يبرح المرء شيئًا من سلوك أو عادة أو تصرف حتى تراود خياله ذكريات الوطن المحبوب، وهذه خليقة منثورة في شغاف الوجدان منَ الإنسان، ليجد صداها في مشاعره وأحاسيسه كلما مضى أو سعى، ومع كل جيئة وذهوب.

وبالرغم من هذه العاطفة المستعرة والإحساس المشبوب بحب الأوطان، فما ينبغي أن تتجاوز المسألة هذا الحد من عاطفة الحب؛ كيلا تتيه النفس فتميل ميل الجانحين للضَّلالة والجهالة إذا ما اتخذت الأوطان معبودات من دون الله! وهنا المنزلق والسقوط في التيه والخسران، فإنما المعبود هو الله وحده؛ وإنما الكائنات على اختلافها ليست غير مخاليق، ذرأها الله في أرجاء هذا الكون لتكون عبرةً للمعتبرين من أولي التدبر، والتفكر، والنظر.
وما ينبغي كذلك أن يتعصب الناس لأوطانهم وأقاليمهم بغير حق، فليس ذلك من خصال المقسطين منَ الناس؛ وإنما ذلك ديدن الجاهليين المستغرقين في الجهالة والضلال في هذا الزمان وفي كل زمان، أولئك هم الجاهلون خُواة العقول والضمائر، الذين لا يهرعون للعدوان على المظلومين المحقين لكونهم أباعد عنهم في الأوطان، وأنهم مقدور لهم أن يسكنوا بقاعًا أخرى من جنبات الأرض، وليس ذلك كله من خلق المسلمين، فإن المسلمين وقد صنعهم الإسلام بعقيدته وقيمه وتعاليمه - لا جرم أنهم مقسطون أبرار؛ بل إن القضاء بالحق والقسط ديدن المسلمين وخليقة ملازمة لهم، لا يبغون عنها حولاً مهما تكن الظروف.

والمسلمون يقضون بالحق والقسط وإن كان صاحب الحق غريبًا عن الوطن، أو منَ الأباعد الذين لا تربطهم بالمسلمين آصِرَة، فذلكم القرآن الكريم يوجب على المسلمين أن يحكموا بين الناس بالعدل، وأن لا يميلوا مع الهوى لسبب منَ الأسباب أو دافع من دوافع التعصب للذات، أو العشيرة، أو الوطن، أو الملة؛ وإنما يقضي لصاحب الحق سواء كان قريبًا أو غريبًا، مسلمًا أو غير مسلم، فقال: {فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [7]، وقال جل جلاله: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [8].

رابعًا: التَّعصب للعرق واللون:
وهذا النَّوع منَ التَّعصب بغيض وممقوت، وهو إيغال في السَّفه والجهالة، وصفاقة في الحس والضمير، وهذه حقيقة لا تقبل المراء، ما دمنا نستيقن أن البشرية أصلها واحد وهو التراب، فكيف يليق إذًا بذي عقل وبصر، أو بذي وجدان وحس، أن يتعصب للدم أو اللون على اختلافه وتعدده ما دام ذلك يغني منَ الحق والسداد والمنطق شيئًا، فالناس جميعًا في ميزان الإسلام سواسية لا يميزهم إلا الفضيلة والاستقامة وصالح الأعمال.

ومن عجائب ما سقطت فيه الشعوب والأمم على مدار التاريخ والزمن، تلك الجهالات المُسِفَّة، والضلالات الصمَّاء الموغلة في التَّعسف والطغيان، والتي تلبس بها كثير منَ الأمم طيلة الأدهار، أولئك الذين غلبت عليهم قسوة القلوب الغُلف، وغاصت فيهم خصائص الإنسانية الشفيفة من رأفة، ورقة، ولين، فراحوا يعذبون البشر، ويضطهدونهم اضطهادًا، ويسومونهم ألوان الطغيان والإذلال والمهانة؛ لكونهم منَ السود أو الملونين!!

يا لله لهذا الهول الشَّنيع، وتلكمُ الحماقة المفحشة المسترذلة! هؤلاء العُتاة الجبابرة الأشقياء ينكلون بالأبرياء منَ الناس بغير حق، ويسفكون دماءهم لعبًا ولهوًا واستهتارًا، وبما تسوله لهم أمزجتهم المريضة، وطبائعهم الكزة الحافلة بالسقم والاعوجاج، ودون سبب إلاَّ أنهم سود البشرة والوجوه!
ولقد تحدثنا في مواضيع سابقة من هذا الكتاب عن فظاعة الأفاعيل الرهيبة النكراء التي أنزلها الأوربيون المتعصبون بالهنود الحمر في أمريكا وبالأفارقة الذين سيقوا عبيدًا، إذ قتلوا منهم ما لا يقل عن مائتي مليون، لكونهم ملونين!! إن ذلكم لهو التَّعصب الشنيع المذهل، والفظاعة المريعة النكراء، وأولئك هم المتعصبون الأشقياء!!

وفي هذه الغمرة منَ التعصب المجنون، والحماقة البالغة المفحشة، يأتي دور المسلمين الذين جاؤوا إلى الدنيا على قدر منَ الله؛ لكي يشيعوا العدل والرحمة في الأرض، وليعلموا البشرية منهج الحق والصَّواب، وليحملوا الناس على الصدق، والرحمة، والقسط.
لا جَرَم أنَّ المسلمين صادقون مقسطون رحماء، وهم أبعد الخلق عن الجنوح للعدوان والجور، أو التعصب للضلال والباطل في سائر الأحوال والظروف.
المسلمون رحماء بالإنسانية كافة، بغض النظر عن ألوانهم، وأجناسهم، وأوطانهم، وأديانهم؛ بل إن المسلمين رحماء بالأحياء منَ الكائنات التي لا تعقل، وهم مأجورون في الرَّأفة بها، والحدب عليها.

المسلمون أبر الناس بالخلق وأشدهم حرصًا على القضاء بالحق والقسط، فلا جنوح، ولا زيغ، ولا تعصب، ولا هوى، إلا الحكم بعدل ونصفة، وعلى القسطاس المستقيم.
تلك هي حقيقة المسلمين في هذه المسألة، وهم في ذلك كله على الحق الظاهر وعلى جادة الصواب كما علَّمهم الإسلام؛ وكما أنشأهم القرآن بهديه وكمال شرعه وروعة مثله وتعاليمه.

وفي التنديد بالتعصب للون أو الجنس أو الأعراق، يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - منبهًا محذرًا: ((انظر فإنك لست بخير من أحمر، ولا أسود، إلا أن تفضله بتقوى)) [9]، قال ذلك مخاطبًا أبا ذر الغفاري، وعن جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أوسط أيام التشريق من خطبة الوداع فقال: ((أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ألا هل بلغت؟)) قالوا: بلى يا رسول الله. قال: ((فليبلغ الشاهد الغائب)) [10]، وعنه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا كان يوم القيامة أمر الله مناديًا ينادي: ألا إني جعلت نسبًا وجعلتم نسبًا، فجعلت أكرمكم أتقاكم، فأبيتم إلا أن تقولوا: فلان بن فلان خير من فلان بن فلان، فاليوم أرفع نسبي وأضع نسبكم، أين المتقون؟))، ومن حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه)) [11].

خامسًا: التَّعصب للمِلَّة:
ليس من تعصُّبٍ لدى المسلمين ألبتة، وليس في الإسلام أصلاً من تعصب، ذلك أن الإسلام يقوم على العدل والمساواة والموضوعية وبساطة العقيدة ويسر التَّشريع، فلا حاجة إذًا للتعصب الذي لا يتفق وطبيعة هذا الدين.

على أن المسلمين وهم يلتزمون بعقيدة الإسلام وما تضمنه من أركان ومعانٍ وتعاليم، ويلتزمون بشريعة الإسلام العظيم الواسع مع صادق انتمائهم الكامل لهذا الدين، وحماستهم المشبوبة للتمسك به، ولإشاعته ونشره في ربوع العالمين - فهم أكثر الناس التزامًا بقول الحق في ثبات وصدق ويقين، وهم بذلك أبعد الناس عن الجنوح للزَّيغ، والهوى، أو الميل عن جادة الحق والعدل في كل الأحيان.

ذلك هو شأن المسلم إذا ما لزمه القضاء أو الشهادة؛ فإنما يقضي بالحق ولا يشهد إلاَّ بالحق؛ سواء كان المشهود له مسلمًا، أو يهوديًّا، أو نصرانيًّا.
هذه حقيقة جليَّة ليس لها في الأديان والملل والعقائد نظير، ليس كالإسلام في إحقاق الحق وإلزام الناس بشهادة الصدق بعيدًا عن الكذب والظلم والتَّحيز، وإنَّما يتحيَّز المسلم لدى القضاء أو الشهادة إلى ذي الحق كائنًا ما كان، وبغض النظر عن ملته واعتقاده، أو لونه وجنسه وعرقه، وفي ذلك يقول سبحانه: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [12].

وفي تكريم غير المسلمين من أهل الكتاب الذين يعيشون في كنف المسلمين وفي ظل الإسلام، وفي وجوب إنصافهم والذَّب عنهم ودرء الأذى والشر والعدوان عنهم، وفي التَّنديد بإيذائهم، أو الحيف عليهم يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((من ظلم معاهدًا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفسه، فأنا حجيجه يوم القيامة)) [13].

ومن وصية عمرَ بن الخطاب للخليفة من بعده: "وأوصيه بذمة الله وذمَّة رسوله أن يوفي لهم بعهدهم، وأن يقاتل من وراءهم، ولا يكلفوا إلا طاقتهم"، والمراد بذمَّة الله وذمَّة رسوله، أهل الذمَّة منَ اليهود والنَّصارى، فَهُم في ذمَّة المسلمين؛ أي أمانهم ورعايتهم، فقد استوصى عمر خليفته من بعده بهم فلا يؤذون، ولا يكلفون ما لا يطيقون.

ومِنْ روائع الحقائق عن عدل المسلمين ما ذكر عن الخليفة عمر لمَّا جيء إليه بالرَّجل العظيم سليل البيت الطهور، وصهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلكمُ الفذ المِغْوار الهصور علي بن أبي طالب - كرَّم الله وجهه - وخصمه اليهودي، إذ اختلفا في درع فقضى به عمر لليهودي؛ لانْعِدَام البينة التي تعزز قول علي، لا جَرَم أنَّ ذلكم غاية العدل الذي عزَّ نظيره في العالمين، عدل كامل تجلَّى في القضاء الإسلامي إبَّان مجد الإسلام وعزَّة المسلمين.
أنَّى لمثل هذا العدل المميز أن يقارن بظُلْم اليهود الذين بغوا في الأرض، والذين أثاروا الفتن والمؤامرات من حول المسلمين، فألبوا عليهم أمم الأرض في الغرب والشَّرق، وما فتئ المسلمون يكابدون المكائد، والنَّكبات، والخيانات، خلال سنين طوال، وذلك كله بتمالُؤ اليهود ومماكرتهم وكيدهم للإسلام والمسلمين.

وكذلك الصَّليبيون الذين عاثوا في بلاد المسلمين التَّخريب، والتَّدمير، والفساد، وذلك عبر ذكريات كثيرة مشؤومة يأتي في طليعتها أربع فوادح تهز الأبدان والمشاعر، وتنكل بالقلوب تنكيلاً.
فأولها: إبادة المسلمين في الأندلس، وذلك بالقتل والاستئصال والتَّشريد والتَّنصير، وغير ذلك في مختلف الفظائع والويلات.
وثانيها: الحروب الصَّليبية في العصور الوسطى، والتي دهم فيها الصَّليبيون بلاد المسلمين في الشام، فأنزلوا بهم سوء الأفاعيل والتَّنكيل إلى أن واجههم القائد المظفر المسلم صلاح الدين الأيوبي؛ حتى إذا نصره الله فردَّ كيدهم وعدوانهم، عاملهم عقب هزيمتهم بالبر والرَّحمة والحسنى.

وذلك هو خُلُق المسلمين في الحروب إذ يعاملون المهزومين من أعدائهم بالرفق والرَّحمة خلافًا لأعدائهم الذين إذا جاسوا ديارهم نكلوا بهم أشد تنكيل، وأذاقوهم صنوف العذاب والوَيْلات؛ كالذي فعله بهم الصَّليبيون والتتار وأحفاد صِهْيَوْن.
وثالثها: ممالأة الصَّليبيين في أوربَّا وأمريكا لأحفاد صِهْيَوْن، وتمكينهم من احتلال فِلَسْطين، واقتلاع أهلها المسلمين منها؛ ليتيهوا في البلاد مُشرَّدين مقهورين، وها هم حتى الساعة يكابدون آلام الغربة والإبعاد عن الديار والأوطان، ويكابدون من أحفاد صِهْيَوْن العدوان المستمر عليهم؛ حيث القمع والتَّقتيل والاغتيال والإرهاب.

ورابعها: فظاعة التَّعصب الصَّليبي المتوحش من شعب الصِّرب ضد مُسلمي البُوسْنَة، التَّعصب الغاشم الذي عزَّ نظيره في بشاعة العدوان والطُّغيان، وغير ذلك من ألوان التَّعصب الصَّليبي الصِّهْيَوْني المزدوج، ومن جملته تمالؤ الطَّرفينِ على المسلمين من أهل فِلَسطين في لبنان، إذ قتلوهم شر قتْلَة في صبرا وشتيلا، وهي مذابح مشهودة ستظل مسطورة في الضَّمائر وفي بطون الكتب، لترددها الأجيال على مر الزَّمن وإلى أبد الآبدين! إن ذلكم لهو التَّعصب الشَّنيع الذي يكشف عن طبائع ممسوخة كزَّة [14]، لا تعرف الرَّحمة وليس للإنسانيَّة فيها من متَّسع ولو في حجم ذرة؛ بل إنَّها تهش وتبتهج للطغيان المتوحش، والعدوان العاتي على المقهورين والمسلمين خاصَّة، أين ذلك من جمال الإسلام في كامل عدله، وروعة نظامه، ومن خلق المسلمين في بِرِّهِمْ ورحمتهم وعطفهم على البشريَّة؟!

أين ذلك من أمَّة القرآن، الذي أشاعوا الرَّحمة والتَّسامح حيثما نزلوا وأحلوا، فاستقبلتهم الشعوب على اختلاف أجناسهم وألوانهم خير استقبال؛ بل بادروا جميعًا للدخول في دين الإسلام أفواجًا، فما هؤلاء بالمتعصبين، ولكن خصومهم ومبغضيهم منَ الماديين الإباحيين والاستعماريين الغربيين وأعوانهم من أحفاد صِهْيَوْن هم المتعصبون الذين أثاروا الرُّعب والدَّمار والفساد والإرهاب في معظم بِقَاع الأرض - وبلاد المسلمين خاصَّة، وفي هذا الكلام المقتضب ما يبين أصدق تبيين أنَّ المسلمين أبرار كرام، وأنهم رحماء بالناس جميعًا، مسلمين وغير مسلمين، وأنَّ النَّاس في ظل الإسلام والمسلمين لا جَرَم آمنون مطمئنون سالمون، لا يمسُّهم سوء ولا أذى.

[1]"المعجم الوسيط" ج 2، ص 604.
[2]رواه البخاري، ومسلم، وأحمد، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه عن أنس.
[3]رواه أحمد، وأبو داود عن جبير بن مطعم.
[4]سورة النساء الآية: 135.
[5]رواه أبو داود والترمذي عن أبي هريرة.
[6]رواه الطبراني والبيهقي عن أبي هريرة.
[7]سورة النساء الآية: 135.
[8]سورة النساء الآية: 58.
[9]رواه أحمد عن أبي ذر.
[10]رواه البيهقي عن جابر بن عبدالله.
[11]رواه الطبراني والبيهقي عن أبي هريرة.
[12]سورة المائدة الآية: 42.
[13]رواه أبو داود عن صفوان بن سليم.
[14]كزَّة: من الكزازة وهي الانقباض واليبس، انظر: "مختار الصحاح" ص 569.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
هل المسلمون متعصبون؟!
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» لماذا فتح المسلمون الأندلس؟
» المسلمون برؤية بعض الغرب (2)
» أمثولة الإنسانية هم المسلمون
» المسلمون برؤية بعض الغرب (1) ترجمة وتقييم
» المسلمون التركستان.. مأساة قابلة للانفجار

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ Known to the islam ۩✖ :: شبهـات حــول الاسـلام-
انتقل الى: