المسلمون برؤية بعض الغرب (1)
ترجمة وتقييم
بسم الله، والحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم.
أمَّا بعدُ، فبين يدَي إخواني القرَّاء مقالٌ أَعرض فيه قضيَّة مهمَّة من القضايا الَّتي ينبغي الاعتناءُ بها على جميع المستويات والأوساط الإسلاميَّة، مبيّنًا نافذة يَنظر بها الغربُ على الإسلام وأهله، من خلال ترْجمة لمقالٍ نُشِر في أحد المواقع الغربيَّة[1]، وفي الرَّدّ على ذلك المقال أتعرَّض لأربع نقاط، وهي:
أوَّلا: ملخَّص مترجم لذلك المقال الَّذي يوضّح نظرة كثيرٍ من غير المسلمين تجاه الإسلام وأهله.
ثانيًا: تصنيف المقال وقيمته فكريًّا.
ثالثًا: الرَّدّ على أخطاء ذلك المقال، مقصودة كانت أوْ لا، مبيِّنًا الحقَّ في ذلك - إن شاءَ الله تعالى.
رابعًا: توْجيه رسائلَ إلى جِهات متعدِّدة.
ولكن قبل الخوْض في غمار هذه النِّقاط، أريد أن أُطَمئِن القارئ المسلم وأخبر غيرَ المسلم بأنَّ القضية محسومة، والحكمُ فيها منتهٍ غيرُ قابل للاستئناف ولا التغيير أو التعطيل؛ لأنَّ الذي حكم فيها وبها هو الحكيم الخبير الفتَّاح العليم؛ حيث أخبر الله - تعالى - به في كتابه فقال - تعالى -: ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 33]، وقال - سبحانه -: ﴿ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [المجادلة: 21]، وقال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الدِّينُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ، حتَّى يَدْخُلَ بَيْتَ المَدَرِ، وبَيْتَ الوَبَرِ، حتَّى يُعِزَّ اللَّهُ بِهِ الإسْلامَ، ويُذِلَّ الكُفَّارَ))، قَالَ تَمِيمٌ: قَدْ عَرَفْتُ ذَلِكَ في أهْلِ بَيْتي؛ قَدْ أصَابَ مَنْ أسْلَمَ مِنْهُم الخَيْرُ، والشَّرَفُ، والعِزُّ، وأصَابَ مَنْ ثَبَتَ مِنْهُمْ على الكُفْرِ الذُّلُّ، والصَّغَارُ، والجِزْيَةُ[2].
فصدق الله - تعالى - وصدق رسولُه - صلَّى الله عليه وسلَّم - وما تراه الأعينُ في ظاهره مخالفًا لمقتضى هذه الآيات إنَّما هو مقتضى الحِكْمة الإلهيَّة البالغة: ﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴾ [آل عمران: 140 - 142].
أوَّلاً: ملخَّص المقال:
كاتب المقال قد عنْوَنه "المسلمون في أمريكا - السلسلة - الجزء الأوَّل"، ثمَّ بدأ مقاله بوصف المسلمين بأنَّهم يشربون "الجهاد كولا" بدلاً عن المياه الغازية، مستغربًا أن يُنتخب "باراك حسين أوباما" رئيسًا لأمريكا بعد بضْع سنوات من تعرُّض أطول الأبْراج في قلب نيويورك إلى التَّدمير على أيدي مختطفي الطَّائرات، مستنكرًا عدم مبالاة كثيرٍ من الأمريكيِّين بتزايُد ونموّ الإسلام الأصولي، أو "الراديكالي" على حدّ تعْبيره، مع ما يُذاع بين الحِين والآخر من اكتِشاف خليَّة إرهابيَّة أو تنظيم إسلاميّ مشبوه قد يعْصِف بأمريكا في أيّ وقت.
ويؤكّد الكاتب:
"إنَّه لا يصحّ النَّظر السَّطحي للإسلام على أنَّه مجرَّد دين آخر؛ لأنَّ الإسلام ملَّة تنظر للمرأة على أنَّها أدْنى من الرَّجُل، وتبيح للرّجال ضرب الزَّوجات، وتشجِّع تعدُّد الزَّوجات، وتؤيِّد الزَّواج من صغيرات السّنّ اقتداء بمحمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - كنموذج لهذا الصَّنيع؛ بزواجه بعدد من النساء إحداهنَّ بنت تسع، بل إنَّ القرآن عند المسلمين يَجعل الرّقَّ ومعاداة السامية واستِعْمال العنف مع المخالِف من المقدَّسات، لقد أدْرك المسلمون في أمريكا أنَّهم ليسوا بِحاجة لقنابل وعمليَّات اختِطاف طائرات لتدْمير أمريكا، بل يمكنهم ذلك من خِلال الاعتِماد على كفالة الدّستور الأمريكي حرّيَّةَ العبادة وحرّيَّة التَّعبير، فبحُسن الضَّغط على هذه الوتيرة يُمكنهم تحقيقُ مرادهم في ظلّ مسار التَّصحيح السياسي الَّذي تنتهجه أمريكا الآن.
والمثال على ذلك عمليَّة (أسلمة) نظام التَّعليم وتوْجيه الكتُب الدِّراسيَّة لتغْطية التَّاريخ الإسلامي الملوَّث بالدّماء، التَّلاميذ المسلمون يَمتنعون من أداء النَّشيد الوطني ويبدّلونه بنشيد "المسلم اليوم"، بل إنَّ الأمر وصل إلى مسارعة الجامِعات في توفير قاعات للمسلمين لإقامة الصَّلوات وتقْديم (الكفتريات) الوجباتِ الحلال عند المسلمين، بل تصاعد الأمرُ إلى أنَّ الموظَّفين والعمَّال المسلمين يقومون باستِصْدار حُكْم قضائي يُمكنهم من الحصول على حقِّ الامتِناع من حَمْل لحم الخنزير "الرجس"، أو الخمور، أو خلْع الحجاب، وتفاقَمَ الأمر بإرْسال العمَّال المسْلِمين رسائل يلوِّحون فيها بمقاضاة المؤسَّسات التي تمتنع من ذلك، وتعدَّى الأمر إلى أن وصل خلْف جدران السجون، حتَّى طالب السُّجناء - ممَّن تلقَّى تدريباتٍ على أيْدي متطرِّفين أجانب - بنوع متميّز من المُعاملة، بل إنَّ المسلمين الآن يقومون برفْع قضيَّة كبيرة باهظة التَّكْلِفة يقاضون فيها الَّذين يتعرَّضون للإسلام بالإساءة، ممَّا تسبَّب في إحداث حالة من الهلَع والرُّعْب في أوساط الكتَّاب والنَّاشرين والسينمائيِّين الأمريكيِّين من مواجهة مثل هذه القضايا، حتَّى إنَّ بعض دور النَّشْر الكبرى قد تلقَّت تهديدات لتمْتنع من نشْر رواية متعلِّقة بمحمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم.
عدد قليل من الأمريكيّين يدرك أنَّ المسجد المجاور له قد تمَّ بناؤه وتَمويله من جهات خارجيَّة تدعم التَّطرّف، ولكن في الواقع 80 % من المساجد قد بُنِيَت بتمْويل سعودي لتكون مأوًى للأئمَّة المتطرِّفين والجمعيَّات الخيريَّة المناهضة للأجندة الأمريكيَّة.
وليس هذا فحسب؛ بل إنَّ التطرّف الإسلامي قد وجد مأوًى آخر من خلال الإنترنت؛ إذ تزْدهر من خلاله عمليَّات الاتّصالات والتَّنظيم والتَّجنيد والتَّدريب بعيدًا عن قبضة الرّقابة، حتَّى وصف أحد مجالس الخبراء البريطانيَّة بإقامة للخِلافة الرَّاشدة عبر الإنترنت.
ومع ذلك لا يُدْرِك الأمريكيُّون الذين يبحثون عن حماية الدَّولة من هذا الخطر أنَّ المؤسَّسات الفيدراليَّة في ظلّ عمليَّة تصحيح المسار السياسي قد حدَّت من الحرْب على الإرْهاب.
نعم، قليلٌ من المسلمين يشغلون وظائف حكوميَّة في الدَّولة، ولكن قد يغيِّر الديمقراطيّون هذا الوضع إذا ما وجدوا هؤلاء مصدرًا للتبرُّعات والصوت الانتخابي.
وفي خلال الأشهر القليلة القادمة سأكون لكُم مرشدًا لنموّ الإسلام الراديكالي بالدَّاخل والخارج، سأتحدَّث مع الخبراء في مجال المخابرات والدّين والجريمة والسّياسة الخارجيَّة؛ لنتشارك جميعًا في تبادُل وجهات النَّظر، فإنَّ كثيرًا من الأمريكيِّين قد نسُوا، أو لا يريدون التَّفكير في أحداث 9/11، وخوْفنا واشْمِئْزازُنا وعدم المبالاة الَّتي نُعانيها، هي ما يرتكز عليه الرَّاديكاليون الإسلاميّون، ولكن الواجب - مهْما بلغ بنا الجهْد والإحباط - أن نعلم أنفُسنا مواجهة الحقائق، وأن نستحْضِر دائمًا أنَّ ثمنَ الحرّيَّة هو اليقظة الدَّائمة".
ثانيًا: تصنيف المقال وقيمته فكريًّا:
إنَّ النَّاظر في هذا المقال ليجد حقيقتَه واحدة، وفكره ظاهرًا متميّزًا لا يحتاج لكثير كلام، إنَّه نفس الفكر الَّذي سطِّر في القرآن علاماته وزُبِرت أماراته لكلّ لبيب، بل لكلّ مؤمن يرى بنور الشَّرع وعين الوحي.
إنَّ روح المقال ليصدقُ فيها قول الله - تعالى -: ﴿ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ﴾ [آل عمران: 18]، وقول الله - جلَّ ذِكرُه -: ﴿ إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ ﴾ [التوبة: 50]، ولا يخفى على أحدٍ أنَّ الهدف من نحو هذا المقال وما على شاكلته من المقالات قد ذكره الله - تعالى - في كتابه الكريم، ليس ذلك فحسب؛ بل حكَم فيه وقضى فيه بآثار وعواقب هذا الهدف والأهداف التي على شاكلته، كما في قوله - سبحانه -: ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 32 - 33].
فلا يخفى على أولي الأحلام والنُّهى نبرةُ الكاتب التي تُفصح عن نفسيَّة معيَّنة، وخلفيَّة محدَّدة، وموقف عدائي واضح من الإسلام والمسلمين، وأبيِّنها مجملة في النقاط التالية:
1- الجهل بحقيقة الإسلام جملة وتفصيلاً.
2- نسبة ما يحدُث من بعض المسلمين إلى الإسلام، بمعْنى أنَّ ما يصدر منهم هو ما يعبّر عن الإسلام.
3- إنكار الكاتب دفاعَ المسلمين عن العقيدة والدِّين وحقوقهم الَّتي من المفترض أن تكفل بما يسمَّى "الديمقراطيَّة"، خصوصًا في البلد المصدّر الأوَّل للديمقراطية!
وأمَّا من حيث المغالطات التي تعرَّض لها الكاتب بمكيال من الجوْر، وسوء الفهْم، وخبث الطوية، فهي:
1- نسبة الإرْهاب إلى الإسلام.
2- موقِف الإسلام من المرأة وتفْضيل الرَّجُل عليها.
3- الخوف من الإسلام وتخويف الناس منْه، على حدّ قول الله - تعالى -: ﴿ وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾ [الأنعام: 26].
وهذه النقاط والنتائج هي التي نتعرَّض إلى الرَّدّ عليْها - بأمر الله تعالى - في الحلْقة الثَّانية من هذا المقال بعنوان: "بيان الحق وإنذار الخلق".
ولله الحمدُ في الأُولى والآخِرة، وصلِّ اللَّهمَّ على نبيِّنا محمَّد وآله وصحبه وسلِّم تسليمًا كثيرًا.
يتبع بإذن الله تعالى.
[1] رابط المقال:
/25459-ISLAM-IN-AMERICA
HTTP://GLOBALPOLITICIAN.COM[2] صحيح؛ رواه أحمد (16998) وابن حبان (6701) والطبراني في "الكبير" (1280).