اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 المسلمون برؤية بعض الغرب (3) بيان الحق وإنذار الخلق

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100205
المسلمون برؤية بعض الغرب (3) بيان الحق وإنذار الخلق Oooo14
المسلمون برؤية بعض الغرب (3) بيان الحق وإنذار الخلق User_o10

المسلمون برؤية بعض الغرب (3) بيان الحق وإنذار الخلق Empty
مُساهمةموضوع: المسلمون برؤية بعض الغرب (3) بيان الحق وإنذار الخلق   المسلمون برؤية بعض الغرب (3) بيان الحق وإنذار الخلق Emptyالجمعة 10 مايو 2013 - 6:39

المسلمون برؤية بعض الغرب (3)
بيان الحق وإنذار الخلق



الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحقِّ؛ ليظهره على الدين كله، وكفى بالله وكيلاً، والصَّلاة والسلام على من أرسله الله - تعالى - داعيًا إليه بإذنه وسراجًا منيرًا.

أمَّا بعد:
فقد سبق أنْ عرضتُ ترجمةً لأحد المقالات الغربيَّة، التي تُمثِّل وجهة نظر خاطئة عن الإسلام؛ بل هي وجهة نظر جاهلة بالإسلام وحقيقته، ومبادئه وأهدافه وغاياته، وأردفت هذه الترجمة بتعقب يوضح أهمَّ المعالم والخلفيَّات الممثلة لقلم الكاتب وفكره.

ووعدت بأنني - بإذن الله تعالى - أُتبعُ تلك المقالة بمقالة أخْرى تبيِّن الحقَّ فيما ادَّعاه ذلك الكاتب من الباطل على الإسلام وأهله.

والكاتبُ قد تعرَّض في مقاله لنقاط عديدة تشمل الإسلام كدين، وكذلك تشمل بعض الأحكام الفقهيَّة والحكم التشريعيَّة الربانيَّة؛ كالتعدُّد، وتأديب الزوجات، والرِّق، إضافةً إلى التعرض بسخرية لأجلِّ وأسْمَى العبادات التي يبذل فيها الإنسانُ النفسَ والمال وهي "الجهاد".

وليس هذا فحسب، بل الكاتب قد تكلَّم عن انتشار الإسلام، كأنَّه يتكلم عن انتشار وباء، أو نوعٍ من الفيروسات الفتَّاكة، أو نوع من الخلايا السرطانيَّة، التي تنمو حتَّى تُردي الإنسان ميِّتًا؛ لَهذا فهو ممن يصدق فيهم قول الله - تعالى -: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [الزمر: 45].

وكذلك دندنته حول الإسلام (الرديكالي)؛ أي: الأصولي، وبمعنى أوضح وأشد صراحةً: الإسلام الحقيقي النقي الذي يقوم على الأركان الثلاثة: كتاب الله - تعالى - وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ومنهج السلف الصالح في اتِّباع الوَحْيَيْن في القرون الثَّلاثة الأولى المفضلة.

وأمَّا لو كان المنهج الإسلامي المطروح بين يديه هو المنهج العقلي، الذي يُحكِّم العقل في النَّقل، ويجعل الشَّرع تابعًا له، أو كان منهج التخاريف الصُّوفية والانحرافات القبورية، والتشتُّت والتشرذم في دياجير التعدُّدية الطُّرُقيَّة الضالة، وما نحو ذلك من المناهج الكدرة - لكَالَ له الكاتبُ الرضا والقبول والدعم بالمكيال الأوفى.

ومهما كان الأمرُ، فالأهمُّ هنا التعليقُ على النقاط، التي أثارها ذلك الكاتبُ في مقاله: بيان وجهها الحقيقي، والتعرض للحِكَم الربانيَّة بحسب ما يفتح الله - تعالى - به، وهذه النِّقاط هي:
أولاً: الجهاد.
ثانيًا: الرق.
ثالثًا: الأسرة المسلمة، ومكانة المرأة، ومكانة الرجل فيها.
رابعًا: تعدُّد الزوجات، وزواج الفتيات الصَّغيرات في السن.
خامسًا: الخوف من انتشار الإسلام.

أولاً: الجهاد:
مفهوم الجهاد في الإسلام ليس القتل، ولا سلب الأموال، ولا الاعتداء على الآمنين، ولا طرد الناس من أوطانهم، أو احتلالها والتحكم في مقدرات شعوبها، وليس انتهاكَ الأعراض وإجبار النساء على الفاحشة بالقُوَّة، ولا قتل الأولاد والصبيان، وبَقْر بطون الحوامل، وإهلاك الحرث والنسل، كما هو التاريخ الأسود العَفِن لأوربا النصرانيَّة، وأمريكا الصهيونيَّة التي أبادت الشَّعب الأمريكي الأصلي "الهنود الحمر" بكامله، واستباحت دَمَه وأرضه، وسلبته ملكه فيه.

تقول بعضُ المصادر: "لما استعمرهم الأوربيُّون في القرن 15 الميلادي، واجهوا تحديات كبيرة؛ لكنَّ بعضَهم تعايش وتبادل التجارة معهم، واستوعبوا تقنياتهم، لكن الأوربيِّين استولَوا على أراضيهم، وكانوا يبيدونهم في كندا وأمريكا، وكانت هذه القبائل يطلق عليها قبائل أوننداجو وموهاك وشيروكي، وكلهم كان يطلقُ عليهم الهنودُ الأمريكان، أو الهنود الحمر، وفي كندا كان يطلق عليهم عادة شَعْب أبورجينال، ولما وصل كريستوفر كولومبس عام 1492م أرضهم، كان عددهم يقدَّر ما بين 40 إلى 90 مليونًا.

ولما جاء الأسبان وجدوا 50 قبيلة هندية في الغرب، بما فيها شعب بيبلو وكومانش وبيمان ويمان، وكان لهم لغاتهم المتنوعة، وجلب الأوربيون معهم الأمراض عن طريق الحرب البيلوجية؛ كالجدري والحصبة، والطاعون والكوليرا، والتيفويد والدفتريا، والسعال الديكي والملاريا، وبقية الأوبئة التي كانت تحصد السكان الأصليِّين، وكانت توزع عليهم السلطات البريطانية الألحفة الحاملة للأمراض عن قصد بهدف نشر الأمراض".

فلا حولَ ولا قوةَ إلا بالله، إبادة شعب كامل لا شيء؛ بل الاحتلال لعالَمٍ جديدٍ والسيطرة على ثرواته والانفراد بها.

وليس ما فعله الأمريكيُّون وأعوانهم من الحلفاء والموالين بالعراق وأفغانستان من السمع والبصر ببعيد.

فعلى العكس من هذه الهمجيَّة والوحشية، فإنَّ الجهاد في الإسلام دعامة لقضية وسند لمبدأ وهدف، ومن المعلوم والمقرر فطريًّا أنَّ الحق يحتاج لقوة تحميه، ويحتاج لقوة تذبُّ عنه السوء والعوائق، التي تعرقل وصوله إلى الناس، وانتشاره في ربوع البسيطة.

ولما كان الإسلامُ الدينَ الخاتم، ورسالته آخر الرِّسالات، وقام على ذلك البرهان العقلي والنقلي، فكان حتمًا ولا بد من تشريع الجهاد لحماية هذا الحق من أعدائه، ودفعهم ومنعهم من حرمان النَّاس من الخير، الذي يحمله لهم الإسلام في الدُّنيا والآخرة.

فما الجهاد في الإسلام إلاَّ لإعلاء كلمة الله - تعالى - وإقامة شرعه وتوحيده وتعبيد الناس له، وهذا الحق الذي فُطر الناس عليه، ثم اجتالتهم الشياطينُ، فأخرجتهم عن السبيل المستقيم والمنهج القويم؛ قال - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه - سبحانه -: ((إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمْ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا))[1].

فالغاية العُظمى من الجهاد وتشريع القتال في الإسلام هو نُصرة العقيدة، التي اختارها الله - تعالى - لنفسه، ورضي بها لخلقه؛ قال - صلَّى الله عليه وسلم -: ((أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَمَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ))[2].

وما كان الفاتحون في التاريخ الإسلامي كالأوربيين أبدًا؛ بل إنَّ الأراضي والأملاك والأرواح والأبدان تركت على حالها لأهلها وأصحابها، وكان الأمر أحد ثلاث: الإسلام؛ لأنه دين الله - تعالى - فإنْ تكبَّر الإنسانُ عن الانقياد للتوحيد وشريعته، فالجزية على القادرين من الذكور؛ لبقائه تحت الحماية الإسلاميَّة، فإن أبى الإسلامَ، وأعرض عن التزام الجزية، فإنَّ خطره يصبح كالوباء سريع الانتشار، وتزداد خُطُورته على الخلق، فكان بقاؤه إفسادًا في الأرض وضررًا يلحق بالبشريَّة؛ بل زيادة له في الكفر والطُّغيان، فشرع الإسلامُ السيفَ في هذه الحالة؛ للحِكَم البالغة، ولحماية المجتمع من أمثال هؤلاء الذين يُفسدون العقائد والأديان.

ثانيًا: الرق:
جاء الإسلامُ والرِّقُّ منهج مُقرر وسبيلٌ متبع، سواء في الشعوب والقائل العربية الجاهليَّة أم في الشعوب الغربيَّة والملل الأخرى، وهذا لا ينكره إلاَّ مُكابر أو جاهل.

فلم يكُن ما أتى به الإسلام شيئًا جديدًا؛ لسبق تقريره فيما بين أيدي النَّصارى واليهود من الكتب المحرفة، التي اتَّبعوها وعملوا بها، وهو فعل الجاهليَّة وفارس والرُّوم في حروبهم؛ ولكن الجديد الذي أتى به الإسلام هو فتحُ الباب على مصراعيه، والترغيب في تحرير الرَّقيق بجعله جزاء في الكفَّارات؛ كما في قوله - تعالى -: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة: 3]، وكما في قوله - سبحانه -: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: 4]، وهي دليلُ مَن قال من العلماء بالتخيير بين المنِّ والترك مجانًا، أو الفداء بغيره من الأسرى المسلمين بيد الكُفَّار.

وقد جعل الإسلامُ للرقيق حقوقًا من نفقة وطعام وكسوة وحُسن مُعاملة؛ كما في حديث أبي ذرٍّ - رضي الله عنه - مرفوعًا: ((هُمْ إِخْوَانُكُمْ جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ، وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ، وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ))[3].

بل إن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - جعل جزاء إساءة مُعاملة الرقيق عتقَه، وفكَّ وَثاقه من يد سيده، الذي لم يتَّقِ الله - تعالى – فيه؛ كما في حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - مرفوعًا: ((مَنْ لَطَمَ مَمْلُوكَهُ أَوْ ضَرَبَهُ، فَكَفَّارَتُهُ أَنْ يُعْتِقَهُ))[4].

ثالثًا: الأسرة المسلمة ومكانة المرأة ومكانة الرجل فيها:
اعتنى الإسلامُ بالأسرة؛ لأنَّها لبنة المجتمع المسلم، والأساس الذي يُبنى عليه؛ ولذلك تولَّى الإسلام وضْعَ قواعد الأسرة، وتشييد أركانها، وتقسيم الأدوار فيها، خصوصًا بين ركني الأسرة الأب والأم، أو الزوج والزوجة.

فالله - تعالى - خلق الرجل، وفطره على خصائص جبليَّة، وخلق المرأة وفطرها على خصائص جبليَّة، وهو عليم خبير بخلقه؛ {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14]، فعندما يُنيط تعالى التكليفَ بعباده يراعي ما فطره عليهم من الأمور الخِلقيَّة الجِبليَّة؛ {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 28]، حتَّى يكون لكُلٍّ دَوْرٌ لا يصلح إلاَّ له؛ جريًا على مقتضيات الحكمة الإلهيَّة.

فالله - تعالى - خلق المرأة، وخصَّها بالرقَّة والعاطفة والضَّعف، وتغليب جانب المشاعر على جانب العقل غالبًا، وخلق الله - تعالى - الرَّجُل، فجعل فيه من الخصائص ما يكمل به النقص الذي في المرأة؛ ليحصل الألفة والانسجام بين الطرفين في علاقتهما المشروعة ببعضهما البعض.

وإن كان ظاهرُ ما خصَّ الله به الرجل تشريفًا؛ ولكن الواقع أنَّه نوع من التكليف، والرجل مسؤول عليه بين يدي الله - تعالى - أفرط أم ضيَّع؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْؤولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ))[5].

ولاية الرجل على المرأة، وتقديمه عليها من هذه الجهة - ما هو إلاَّ نوع من الحفاظ والصِّيانة على هذه الجوهرة المكنونة المصونة في الإسلام وتشريعاته.

وهذا بيِّن في قوله - تعالى -: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} [النساء: 34].

قال ابن جرير: "الرجال أهلُ قيامٍ على نسائهم، في تأديبهن، والأخذ على أيديهن فيما يجب عليهن لله ولأنفسهم، {بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}؛ يعني: بما فضَّل الله به الرِّجال على أزواجهم: من سَوْقهم إليهنَّ مهورهن، وإنفاقهم عليهنَّ أموالهم، وكفايتهم إياهن مُؤَنهنَّ.

وذلك تفضيل الله - تبارك وتعالى - إيَّاهم عليهنَّ؛ ولذلك صارُوا قُوَّامًا عليهن، نافذي الأمر عليهن فيما جعل الله إليهم من أمورهن، فتأويل الكلام إذًا: الرِّجال قوامون على نسائهم، بتفضيل الله إيَّاهم عليهن، وبإنفاقهم عليهنَّ من أموالهم"[6].

وأستغلُّ ذكر هذه الآية، وأُعَرج على الكلام في مسألة ضرب الزَّوجات، اللاتي قد تعرض لَهُنَّ ذلك الكاتب في مقاله، وأقول:
إنَّ ضرب الرجل زوجته نوعٌ من التأديب المشروع، الذي أقرَّته الفطر والعقول، فالتأديبُ مشروع للتقويم، وللشَّرع الإسلاميِّ القدَحُ المُعلَّى في تقويم النُّفوس، وحملها على الطاعة، لا لمصلحة تعودُ على الشارع؛ بل لمصلحة الخلق، فكما يقومُ الأبُ بجبر ابنه على طاعته وامتثال أمره، يقوم الشارع بهذا الأمر، ولله - تعالى - المثل الأعلى، فحمل الأب للابن قد يكون لمصلحة دنيويَّة، وقد يكونُ فيه حظٌّ للنفس؛ ولكنَّ الله - تعالى - يفعلُ هذا بعبده؛ لمصلحة العبد، ولما أعدَّ الله - تعالى - من الثَّواب العظيم.

فضَرْب الرجل زوجته من هذا الجنس؛ أي: التأديب والتقويم، عندما يصدر من المرأة علاماتُ الترفع والتكبُّر على زوجها، وعدم الانقياد له فيما يُرضي الله - سبحانه - من حقوق الزَّوج، فيشرع هذا التأديب، الذي يبدأ بالموعظة الحسنة، والتذكير بحقوق الزوجيَّة، التي ذكرها الله - تعالى - في كتابه وسنة نبيِّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - فإن لم تستجب المرأة لأمر الله - تعالى - ورسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيأتي نوعٌ آخر من التأديب، وهو الهجر في الفراش، بأنْ يُولِّيها ظهره، أو لا يُجامعها، أو يترك لها الفراش؛ للتأثُّر بهذا، فتستقيم على دين الله - تبارك وتعالى - فإن عتت المرأة وغلبها هواها وأطاعت الشيطان في معصية الرَّحمن، كان حتمًا على الرجل أن يسعى في ردِّها إلى الشَّرع بوسيلةٍ أشدَّ تأثيرًا، فلمَّا لَم تنجح الوسائل المعنوية التي تُخاطب القلوب والوجدان، احتجنا إلى وسيلة حسيَّة،على ولكن بالمثال تضح المعاني فشرع الضرب غير المبرح؛ كما في حديث: ((اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٍ عِنْدَكُمْ، لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ، إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ، فَإِنْ فَعَلْنَ، فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ، وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً))[7]؛ أي: ضربًا غير شديد.

فالنَّاظر في هذا النوع التدريجي من التأديب يُدرك الحِكْمة الشرعيَّة البالغة في مَسألة استخدام الضَّرب في التأديب، وأنَّه منتهى المراحل فيه، وأنَّ القصد منه قَمْع النَّفس، وانقيادها لخالقها وبارئها؛ إنقاذًا لها من سخط الله - تعالى - وعقابه، فهذه المسألة ظاهرها وباطنها رحمة من الله تعالى.

رابعًا: تعدد الزوجات والزواج من الفتيات الصغيرات في السن:
الله - تعالى - له الحكمة البالغة فيما يشرِّع، وفيما يقضي، وفيما يأمر؛ {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54]، والتعدُّد سنة ماضية في الخلق في جميع العصور، حتَّى الأنبياء والرُّسل على مدار التاريخ البشري، فمَن دُونهم من عوام الناس على اختلاف المشارب والملل.

ولكنَّ الإسلام شرعه من ناحية، وقيَّده بالضَّوابط التي بها يتحقق العدلُ والقسط بين الزوجات، ويُمكن ذكرُ طرفٍ من الحكم التي تناسب تشريع التعدد، فمنها:
1- رأفة الله - تعالى - بالأرامل والمطلقات، فبدلاً من ألاَّ يجدوا مَن يقومُ لهم بشأنهم، شرع الله - تعالى - للقادرين من الرِّجال بالأموال وبغير ذلك أنْ يتزوَّجوا منهنَّ؛ إعفافًا لهن، وقيامًا على حاجتهن.
2- قد تَمرض الزَّوجة الأولى، فتقصر في دَوْرها، فشرع التعدُّد؛ ليستدرك الرجل حاجَتَه الفطريَّة والبشرية.
3- الرغبة في الولد؛ فقد تكونُ الزَّوجة عقيمًا، أو لا تستطيعُ كَثرة الإنجاب، والرجل يريد كثرة الولد؛ إيمانًا واحتسابًا لله - تعالى - كأن يريد أنْ يَجعلهم علماء ومُجاهدين، ويُسهِم بهم في نفع المسلمين، فله أن يستعينَ بزوجة أخرى.
4- قد يكون الرجل شديدَ الغُلْمَة، فيحتاجُ لأكثرَ من امرأة، فحينئذ يلجأ للتعدُّد.
5- اقتداء بسنة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقبولاً لنعمة الله - تعالى - بالتوسعة على عباده في هذا الباب وإباحته، بشرط إقامة العدل والقسط بين الزوجتين فيما تدخله القُدرة.

وأمَّا فرية أو شُبهة إباحة الإسلام الزَّواج من الفتيات الصَّغيرات، فيردُّه أن نسألهم عمَّا أشارت إليه الموسوعة الكاثوليكية النصرانية من أنَّ "السيدة مريم العذراء حينما كانت مُتزوجة أو مخطوبة - بشهادة النَّصارى - من يوسف النجار، وولدت السيد المسيح، كان سنها 12 سنة فقط، في حين كان يوسف النجار على مشارف التسعين من عمره، حوالي (89)؛ يعني: أكبر منها بحوالي 77 سنة، وهذا الكلام مُوثق في الموسوعة الكاثوليكية"، وكذلك إنَّ هذا كان موجودًا قبل البَعثة، لم يحدثه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم.

خامسًا: الخوف من انتشار الإسلام:
اعلم - أخي القارئ - أنَّ الله - تعالى - قد حَكَم وقضى في كتابه في هذه المَسْألة، ولم يَجعلْ لنا فيها خيارًا ولا رأيًا؛ قال سبحانه: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}[ التوبة: 32 - 33].

وقال جلَّ ذكره: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [الصف: 8 - 9].

وقال - تبارك وتعالى -: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات: 171 - 173].

فالله - سبحانه - بيَّن أنَّ دينه سينتصر، وسيظهرُ على كلِّ ملل الكُفر، وسيقودُ الناس إلى ربِّهم طوعًا أو كرهًا، وسينتشر الإسلام على رُبوع الأرض، وسيحكم بالتوحيد، وسيعز أهله، ويدحض الكُفر والشِّرك وأهله، ومن سِمَة المؤمن: التحلِّي بالصبر، والثَّبات، واليقين، أمام إخبار الله - تعالى - بذلك، وأمام ما نراه من الواقع العملي، الذي وراءه الكثير من الحِكَم البالغة، التي لا يُحصيها إلا الله تعالى.

وأقول لذلك الكاتب ومَن هم على شاكلته: ما الذي يُخيفُكَ من أن يُعبد الله وحْدَه، ويحكم شرعه، وتنصر سنة نبيه؟!

ما الذي يُخيفك من إقامة العَدْل والقسط بين الناس بالقرآن والسنة؟! ما الذي يُخيفك من مُحاربة الفساد والقضاء عليه؟! ما الذي يُخيفك من حفاظ الإسلام على النِّساء، وحمايتهم من الشرِّ وأهله؟! أَمَا يكفيك الانحلال الذي يشكو منه العالم، والفساد الذي يأكل في جسده؟!

أَمَا علمت أنَّ كثيرًا من الناس قد ضلُّوا الطريقَ إلى ربِّهم، فكانَ لا بُدَّ من توصيل الإسلام إلى الناس؛ ليُرَدوا إلى دارهم التي أخرج الشيطانُ منها الأبوين؟!

أقول لك ولمن هم على شاكلتك: الإسلامُ خيرٌ لكم، لو كُنتم تعلمون؛ ولكن صَفِّ قلبك من كدر الجهل بالإسلام وحقيقته، وأقصد الحق والنجاة، فلعلك تُدرك مَحاسن الإسلام، التي سمت على كل الملل والأديان، فإنْ لم تفعلْ، فلا أقلَّ من أن تتنحَّى جانبًا بالحقد الذي يقطر من قلمك، والسوء الذي تنطق به كلماتك، ولا تصدَّ عن سبيل الله - تعالى - وتحرِم البشريَّة من الإسلام والاستسلام لله - سبحانه - ولا تقعد لهم بطريق الخير، واعلم أنَّ الله - تعالى - مُتمُّ نوره، وناصر دينه ونبيه - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهازم أعدائه وأوليائهم لا مَحالة؛ {أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة: 22].

وصلِّ اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.



ـــــــــــــــــــ
[1] "مسلم"، (5109).
[2] "مسلم"، (29).
[3] "مسلم"، (3139).
[4] "مسلم"، (157).
[5] "مسلم"، (1829).
[6] (8/290).
[7] "الترمذي"، (1163).


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
المسلمون برؤية بعض الغرب (3) بيان الحق وإنذار الخلق
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» المسلمون برؤية بعض الغرب (2)
» المسلمون برؤية بعض الغرب (1) ترجمة وتقييم
» أمثولة الإنسانية هم المسلمون
» إرشاد الخلق إلى نور التوحيد و دين الحق
» نحن في الحق إذ نحن في ابنه يسوع المسيح. هذا هو الإله الحق و الحياة الأبدية. يا بني احذروا الأصنام

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ Known to the islam ۩✖ :: شبهـات حــول الاسـلام-
انتقل الى: