اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 المستشرق Regis Blachere وحديثه عن القرآن[1] (3)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 99980
المستشرق Regis Blachere وحديثه عن القرآن[1] (3) Oooo14
المستشرق Regis Blachere وحديثه عن القرآن[1] (3) User_o10

المستشرق Regis Blachere وحديثه عن القرآن[1] (3) Empty
مُساهمةموضوع: المستشرق Regis Blachere وحديثه عن القرآن[1] (3)   المستشرق Regis Blachere وحديثه عن القرآن[1] (3) Emptyالخميس 9 مايو 2013 - 15:57

المستشرق Regis Blachere وحديثه عن القرآن[1] (3)



سور المرحلة المكية الأولى:

فلنمض مع المصحفِ العثماني ابتداءً من سورةِ "النجم"، ولسوف نجد عندئذٍ مجموعةً من السورِ التي تَقْصُر تدريجيًّا كما هو متوقَّع.



ويُمكِننا - بناء على قول "نولدكه" و"شفالِّي" - أن نستبقي منها سبعًا وأربعين سورة تشكِّل مجاميع مصطَنَعة غالبًا كما سلف القول، وتَسُودها "الطريقة" الأولى للدعوة القرآنية.



وثَمَّة مجموعةٌ ربما كانت أقدم ما نزل من الوحي، وهي تضمُّ ثمانيةَ نصوصٍ تتضمَّن دعوةً إلى التوبة والتطهُّر، ثم تَلِيها مجموعةٌ أغنى مضمونًا، قوامُها ثلاث وعشرون سورة، وفيها نلحظُ - بخاصة - الحجةَ التي استعملها "أتيناجون" قبل ثلاثة قرون في العالَم النصراني، وهي أن الحياة الجَنِينية تدلُّ على وجودِ بعثٍ بعد الموت؛ إذ ليس مستحيلاً على الله أن يُحْيِيَ ثانيةً مَن سَبَق له أن خلقهم.



ثم إننا نفاجأ في هذه المجموعةِ بأن محمدًا لمَّا يكن قد دعا إلى وحدانيةِ الله؛ إذ كان يأملُ دائمًا أن يستطيع تحقيقَ تركيبةٍ تضمُّ إلى عبادةِ ربِّ الأرباب الخالقِ أربابًا ثانويينِ.



وإذا بحثنا عن الموضوعِ الغالبِ على هذه المجموعة، فسنجدُ أنه تصويرُ يومِ القيامةِ الذي يَجمَع في هذه السورةِ بين التعدد والإفاضة.



ومن المرهِق أن ندرسَ على حدةٍ كلاًّ من العناصر المختلفةِ، التي تتكون منها الواقعة الأخيرة، وبعث الموتى، ومصيرهم إلى الجنة أو النار.



وهذه العناصرِ في الواقع مترابطةٌ، ومتكرِّرة، ومتداخلةٌ:

• ﴿ إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا * يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا * وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا * وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا * إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا * لِلطَّاغِينَ مَآبًا * لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا * لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا * إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا * جَزَاءً وِفَاقًا * إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا * وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا * وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا * فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا * إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا * حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا * وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا * وَكَأْسًا دِهَاقًا * لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا * جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا * رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا * يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا * ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا ﴾ [النبأ: 17 - 39].



والأغلبُ في هذه النصوصِ أن يُراوحَ بين عرضِ لذائذِ الفردوسِ ووصفِ آلامِ الجحيمِ:

• ﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً * تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ * لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ * لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ * لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً * فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ * فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ * وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ * وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ * وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ ﴾ [الغاشية: 1 - 16].



وتتحرَّك الشخصيَّات ذاتُها من: حورياتٍ نُجْلِ العيونِ، وسُعداءَ يتلذَّذون بالتمدُّد على أرائكَ مفروشةٍ بالبُسُط، وغلمان يطوفون بأكواب، وملعونين يعذَّبون بالنارِ ولهيب العطش في مناظرَ هي هي دائمًا:

جناتٌ تشقُّها الجداولُ، وظلالُ أشجارٍ محمَّلةٍ بالثمار في متناولِ اليدِ، وهُوِيٌّ تتأجَّج بنارٍ تسعِّرها الشياطين.



والشواهدُ قائمةٌ على أن هذه التفاصيلَ التي قلَّما تتنوَّع - وإن كان تأثيرُها عنيفًا على المكِّيين الذين كانوا يعيشونَ على تلك الأرض التي تسفعُها الشمسُ سفعًا - إنما فُهِمَتْ بمعناها المادِّي فقط.



ثم حدث بعد ذلك أن بعضَ العلماء قد ضايقهم هذا الوصفُ المادِّي المحض للذَّات العالَم الآخرَ وآلامِه؛ فحَاوَلوا أن يَجِدوا في النصِّ القرآني أنغامًا أخرى.



وهكذا، فإن صورةَ العالَم الآخر في هذه السورةِ لها الطابعُ الاستحضاري الذي يميزُ العقلية العربية؛ إذ بدلَ أن يُضعِف تكرارُ تفصيلةٍ بعينِها تأثيرَها، فإنه يسيطرُ على العقلِ مع إثارتِه لمجموعةِ مشاهدَ ثانويةٍ[2] تكوِّن - بكل تأكيدٍ - لوحةً، وتخلقُ مع ذلك جوًّا.



ولنذكر كذلك ما كان لهذه الأوصافِ من جاذبيةٍ على هؤلاءِ المستمعِين، الذين سرعان ما تلهبُهم صوَرُ اللذائذِ والشهواتِ[3].



ولنتخيَّل أيضًا الرعبَ الذي كان يُوقِعه التهديد بـ "اليوم الرهيب" بنفوس بعض البسطاء:

• ﴿ إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ * وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ ﴾ [الانفطار: 1 - 4].



إن هذا الوصفَ وأمثالَه لَيَبرُقُ في العيونِ ويدُقُّ في الآذانِ على مرِّ العصورِ.



أما كيف كان تأثيرُه على أصحابِ محمدٍ المتعوِّدين على تنبؤاتِ "العرَّافين" العديمةِ القيمة، فذلك يجرُّنا إلى إعجازِ الوحي القرآني.



وفي مجموعةٍ ثالثة من إحدى عشرة سورةً نجدُ ذاتَ الموضوعاتِ الأخروية التي أحيانًا ما يُزَاد عليها الردُّ على المعارضينَ.



ولا بدَّ أن النبي قد تلقَّى هذه الآياتِ في الوقتِ الذي لم يعد فيه متأكدًا من كسبِ خصومِه إلى صفِّه؛ إذ نبرةُ الحجاجِ صارمةٌ، تأخذُ بخناقِ مَن نزلت في حقِّهم، وليس الأمرُ هنا أمرَ مجادلاتٍ، بل أمر عباراتٍ خاطفةٍ، وردود قاطعةٍ، ودمدمات غاضبة متحدية:

• ﴿ كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا * وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا * كَلَّا ﴾ [الفجر: 17 - 21].



وقد وضَع "نولدكه"، و"شفالِّي" - وإن لم يخلُ الأمرُ من تردُّد - في نهايةِ هذه الفترة خمسَ سورٍ قصار هي أدعية أو رُقًى، وأشهرُها هي "الفاتحة"، التي تقومُ في العباداتِ الإسلاميةِ - إلى حدٍّ ما - مقامَ الصلاة الربانية عند النصارى:

• ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 1 - 7].



والتشابهُ الأسلوبِيُّ في هذه السورةِ الأولى شديدُ الوضوحِ؛ فهذه الوحداتُ الإيقاعيةُ الواضحةُ القِصَر لا تزيدُ عمومًا عن عشرةِ مقاطعَ، وهذه الجملُ الصغيرةُ ذاتُ إيقاعٍ جد ملحوظ، وتنتهي بفواصلَ متنوعةٍ، مقسَّمة ثلاثًا أو أربعًا أو أكثر.



إن سورة "الناس" مثلاً مكوَّنة من ثمانِي وحداتٍ إيقاعيةٍ ذاتِ فاصلةٍ واحدةٍ، ويَرجِع تأثيرُها أولاً إلى خبطة الفاصلة، كما يرجع أيضًا إلى تكريرِ الصيغ والتراكيبِ ذاتها.



وكثيرة جدًّا - بخاصة - هي الأقسامُ التي يُستشْهَد فيها بالكونِ وبتنوعِه اللانهائي على قربِ يوم الحسابِ: ﴿ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [الشمس: 1 - 10].



ولا يستطيعُ الإنسانُ إلا أن يفكِّر في الصيغ التي يستعملها "العرافون "في ذلك الحين. وإن تفاوت الوحدة الإيقاعية مضافا إليها قصرها لَيُضفي على الأسلوب حركة متقلقلة لاهثة:

• ﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ * وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ * وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ * وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ * وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ * وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ * وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ * وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ * وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ * فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ * وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ * وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ ﴾ [التكوير: 1 - 22].



والواقع أنه لولا استخدامُ الجملِ القصيرةِ المسجوعة، لكنَّا جد قريبينَ من لغةٍ عفويةٍ مؤسَّسةٍ على هذيانِ "الموحَى إليه"[4]، إلا أننا نكرر أن الوحي القرآني عبارة عن توجيه. وفي نصوص هذه الفترة سوف يظهر هنا وههنا لمحات من الأسلوب الخطابي بجمله المدوّرة وتكريراته ومقابلاته اللفظية:

• ﴿ إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا * فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا * وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً * فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ * عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ * مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ * يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ * وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ * وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ * جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا * وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ * فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ * وَظِلٍّ مَمْدُودٍ * وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ * وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ * وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ * إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا * لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ * ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ * وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ * فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ * لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ * إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ * وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ * وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ * قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ * ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ * لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ * فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ * فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ * هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ ﴾ [الواقعة: 4 - 56].



هذا، ونشيرُ أخيرًا إلى ما في اثنتينِ من السورِ من تركيبٍ ذي قرارٍ؛ ولأن القرارَ لا يتكرَّر ظهوره على فترات متساويةٍ، فإننا لا يُمكِننا الحديثُ عن تركيبةٍ مَقْطعيةٍ، بل عن طريقةٍ قُصِد بها الإلحاحُ على السامعينَ:

• ﴿ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾ [الرحمن: 19 - 28]



ومن المؤكَّد أن أيةَ ترجمةٍ لا تستطيعُ أداءَ الجلجلةِ اللفظيةِ لأَوْحَاء هذه الفترة.



إن الأمرَ هنا في الواقع أمرُ شِعْرٍ صافٍ، حيث موسيقا الكلماتِ وترتيبُها يتأبَّيان - عند معاودة النظر - على عملِ العقلِ، ولقد أخطأ خصومُ محمدٍ، فلم يَرَوْا فيها إلا تعاويذَ وتعازيمَ سحرية.



ورغمَ أن معرفتَنا بتنبؤاتِ الكهَّان مقصورةٌ على الاستنتاجِ، فإننا - مع ذلك - نعتقدُ أن مثلَ هذا الحكمِ يفتقرُ إلى سندٍ؛ إذ إن ما جاء به الرسول في هذه السورِ له من النبضِ والإشراقِ والجلالِ في الواقع ما لا يلحقُ بغبارِه ارتجالاتُ الكهَّانِ "العرَّافين"، على قدر معرفتنا بها من خلال ما وصَلنا من نصوصٍ غير موثَّقة.



[1] من كتاب "Histoire de la litterature Arabe "لـ Regis Blachere ( ط. Librairie d' Amerique et d' Orient , Paris , 1964) / ج 2 / من ص 19 فصاعدًا.

[2] – المستشرق - كمعظم الأوربيين - يتهم العقلية العربية بهذا، مع أنه هو وقرناءه يعتمدون أسلوب التكرار والإلحاح على أفكارهم المتهافتة؛ من أجل غرسها في نفوس قرائهم من الأوربيين قبل المسلمين، مما يدل على أن العقل البشري هو هو في أوربا وآسيا وأفريقيا، رغم أنف النظريات العرقية الاستعلائية، التي لفقتها أوربة بعد نهضتها؛ كرد فعل لما كانت تقاسيه من الإحساس العنيف الحاد بالقلة والنقص في مواجهة الحضارة الإسلامية المتفوقة، تلك الحضارة التي أرعبتهم بتفوقها العلمي والاقتصادي والعسكري قبل ذلك قرونًا طوالاً.

[3] كيف يستقيم كلام هذا المستشرق هنا مع قوله سابقًا: إن الرسول في مكة كان "يصرخ في البرية"؛ أي: إنه لم يستجب له إلا القليل جدًا في خلال 13 سنة؟

ثم كيف تنسي لذة حسية موعودة في العالم الآخر العذاب والأذى الذي كان كفار مكة يوقعونه بالمسلمين الأوائل؟

إنه الإيمان الذي يشكل الاعتقاد في الجنة جزءًا منه، وليست اللذائذ الحسية.

[4] يعني أن القرآن - وهو ما هو جلالاً، وروعةً، ونبل مبادئ، وحلاوة أسلوب، - هو نتيجة هذيان محمد- صلى الله عليه وسلم - "ارجع إلى التعليق 4 على الفصل الماضي".


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
المستشرق Regis Blachere وحديثه عن القرآن[1] (3)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» المستشرق Regis Blachere وحديثه عن القرآن[1] (2)
» المستشرق Regis Blachere وحديثه عن القرآن[1] (6)
» المستشرق Regis Blachere وحديثه عن القرآن[1](4)
» المستشرق Regis Blachereوحديثه عن القرآن[1] (5)
» المستشرق "بلاشير" وحديثه عن القرآن (4)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ Known to the islam ۩✖ :: شبهـات حــول الاسـلام-
انتقل الى: