السؤال
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
لي
أختٌ علاقتي بها طيبة جدًّا، وأودها وأتقرَّب إليها، ولكن حدَث أن
تدخَّلْتُ بينها وبين زوجِها للصُّلح والنصح، فاتَّهَمَنِي زوجُها بأنني
أريد أن أخربَ بيتهما، وأني أسعى لتدمير أُسْرتهما، وافترى عليَّ كذبًا! مع
أني - والله - ما تدخَّلْتُ إلَّا بنيَّةِ الصلح بينهما!
وصل الأمرُ أن شوَّه صورتي أمام أهلي، وتسبَّب في قطْع علاقتي بأختي، فلم تعدْ تكلمني أو تتصل بي!
فكيف التصرُّف مع أختي؟ وهل أصِلُها بالرغم مما قال زوجُها عني؟
الجواب
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، ومَن والاه، أما بعدُ:
فاعلمي - رعاكِ الله - أنَّ صلة
الرحِم مِن الواجبات المحتمات، وأنَّ قطيعة الرحِم من الكبائر المتوعَّد
صاحبها باللعن والطرد مِن رحمة الله، والأدلة على ذلك أكثر مِن أن يُحاطَ
بها؛ منها: قوله - سبحانه -: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ﴾[النساء: 1]، وقوله- عزَّ وجلَّ -: ﴿ فَهَلْ
عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ
وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ
فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ﴾ [محمد: 22، 23] .
فيجب عليكِ الحذَر مِن القطيعة،
خاصة إن كانتْ مع أقرب الأقارب؛ كالإخوة والأخوات، أمَّا قسوةُ زوج أختكِ،
وكونه على الصفات التي ذكرتِها، وتقصيره فيما افترضه الله عليه - فلا
يُسْقِط حق أختكِ في الصِّلة، وكذلك تقصير أختك أو غيرها من الأرحام تُجاهك
لا يبرِّر قطيعتهم؛ فقد قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس
الواصلُ بالمكافِئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلَها))؛ رواه
البخاري، قال الحافظُ في "الفتح": "أي: الذي إذا منع أعطى".
ولتحتسبي الأجرَ في وصل مَن
قطعكِ، وإعطاء من حَرَمكِ، ولتُوقِني أنَّ اللهَ - عز وجل - مُعِينكِ،
وناصركِ، ويزيدكِ في أجرِ صلة مَن يقطعكِ، ويُسدِّدكِ، ويوفِّقكِ،
ويَكْلَؤُكِ؛ ففي "صحيح مسلم" عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رجلًا
قال: يا رسول الله، إن لي قرابةً أَصِلُهم ويقطعونني، وأُحسِن إليهم
ويُسِيئون إليَّ، وأَحْلُم عنهم ويَجْهَلون عليَّ، فقال: ((لئن كنتَ كما
قلتَ، فكأنما تُسِفُّهم المَلَّ، ولا يزال معك مِن الله ظَهِير عليهم ما
دمتَ على ذلك))، والمَلُّ: الرماد الحار.
وفي "مسند أحمد"
- بإسناد حسن -: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال لعقبةَ: ((يا
عقبةُ، صِلْ مَن قطعكَ، وأَعطِ مَن حَرَمك، وأَعرِض عمَّن ظلمك)).
وليس في تلك الصلة مذلَّةٌ ولا
إهانةٌ، بل مَن فعلها تواضُعًا لله - تعالى - وابتغاء للمثوبة عنده؛ فستكون
سببًا لرفع القدر عند الله، وعند الناس.
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن سرَّه أن يُبْسَط له في رزقِه، وأن يُنْسَأ له في أثرِه، فليَصِلْ رحِمَه))؛ رواه البخاري ومسلم.
واحذري أن تدفعكِ قسوةُ زوج
أختكِ وسوءُ خلقه إلى قطع الرحِم؛ فما مِن ذنبٍ أحرى أن يعجِّل الله لصاحبه
العقوبة في الدنيا - مع ما يدَّخر له في الآخرة - من قطيعة الرحم والبغْي؛
كما صحَّ عن الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم.
أمَّا الطرقُ المُثْلَى لمعامَلة هذا الرجل: فالاستمرار
في دفع الإساءة بالإحسان، والقطيعة بالصلة؛ فعسى الله أن يشرحَ صدرَه
للحقِّ، ويردَّه لرشده، ويتحوَّل إلى حُسن الخلق؛ فقد قال الله - تعالى -: ﴿
وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا
السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ
وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا
إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [فصلت: 34، 35].
ومِن أعظم الأسباب الجالبة للتراحُم: المعاشَرة الحسنة, والصبر على الأذى, ودَفْع السيئة بالحسنة, والزُّهد فيما عند الناس.
كما
يجب عليكِ أن تنصحي لأختكِ، وتبيِّني لها - بحكمةٍ ولُطفٍ - خطأها وخطأ
زوجها، ويُمكنكِ الاستعانة في ذلك بكتيبٍ، أو شريطٍ، أو بأحد مِن أهل العلم
والصلاح؛ كإمام مسجد، أو أحد الدعاة، أو قريب، أو كبير ذي وجاهة عندهما.