القمص - عبد المسيح بسيط يتساءل : كيف يحفظ الله القرآن ولا يحفظ التوراة والإنجيل ؟!
كتب ابوعبيده
يتساءل - القمص - عبد المسيح بسيط في كتابه الجديد " هل يشهد الكتاب المقدس على نفسه بالتحريف ؟ ص 39 " قائلاً : ( أجمع المفسرون على أن أهل الذكر هم أهل الكتاب، التوراة والإنجيل الذي يجب الرجوع إليهم في مسائل وأمور العلوم والكتب السماوية . فإذا كان الأمر هكذا والقرآن يعتبر التوراة والإنجيل هما الذكر الصحيح ويطلب من القريشيين أن يرجعوا إليهم ويسألونهم فيما يختص بما جاء فيها، فهل كان هذا الذكر محرفاً؟ والإجابة المنطقية مستحيل!! فهل حرف الذكر بعد ذلك يؤكد الدليل والبرهان أن هذا مستحيل أيضاً لأننا نملك مخطوطات أقدم من الزمن الذي قيل فيه هذا الكلام بفترات تترواح ما بين 900 سنة إلى زمن نبي المسلمين نفسه وما بعد ذلك!! كما جاء في القرآن " إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" (الحجر:9)، وقد وصف التوراة والإنجيل والقرآن بالذكر، فهل تعني الآية حفظ الذكر الأخير دون الأول والثاني؟؟!! أو أن الله فشل في حماية الذكر السابق (التوراة والإنجيل) ونجح في حفظ الأخير؟؟!!! أم يقال أن الذي فشل في حفظ الأول والثاني فشل أيضاً في حفظ الثالث بدليل تأكيد علماء الشيعة وقولهم بتحريف القرآن؟؟!! ) .
في البداية نبارك للقس عبد المسيح بسيط حصوله على رتبة " القمص " مقدرين الجهد الذي بذله من خداع وتحريف وكذب على رعاياه - البسطاء - للحصول على هذه الرتبة!
يقول البسيط : ( أجمع المفسرون على أن أهل الذكر هم أهل الكتاب، التوراة والإنجيل الذي يجب الرجوع إليهم في مسائل وأمور العلوم والكتب السماوية) , وذلك عند تناوله التعليق على قول الله عز وجل : " وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ" (النحل: 43 و الأنبياء:7). ثم قال بعدها ( ص 36 ) : ( وهنا يدعو القرآن أهل قريش أن يسألوا أهل الكتاب " أهل الذكر" إن كانوا لا يعلمون، أي كالمرجع لهم في أحوال عمل الله في الكون، بقوله لهم: " فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ" (النحل:43) ) .
فانظر إلى العمى والعمه الذي يعاني منه البسيط , لأنه بنص الآية الكريمة السؤال خاص وليس بعام!
قال الطبري: ( يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم : وما أرسلنا من قبلك يا مـحمد إلـى أمة من الأمـم , للدعاء إلـى توحيدنا والإنتهاء إلـى أمرنا ونهينا , إلاّ رجالاً من بنـي آدم نوحي إلـيهم وحينا لا ملائكة , من قَبلهم من الأمـم من جنسهم وعلـى منهاجهم. ويقول الله لـمشركي قريش : وإن كنتـم لا تعلـمون أن الذين كنا نرسل إلـى من قبلكم من الأمـم رجال من بنـي آدم مثل مـحمد صلى الله عليه وسلم وقلتـم هم ملائكة أي ظننتـم أن الله كلـمهم قبلاً , فـاسْئَلُوا أَهْلَ الذّكْرِ وهم الذين قد قرءوا الكتب من قبلهم: التوراة والإنـجيـل , وغير ذلك من كتب الله التـي أنزلها علـى عبـاده ) ( تفسير الطبري 7/587) .
وقال ابن كثير : ( قال الضحاك عن ابن عباس : لما بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم رسولاً أنكرت العرب ذلك أو من أنكر منهم وقالوا : الله أعظم من أن يكون رسوله بشرًا فأنزل الله : {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَـذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ }يونس2 , وقال : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } يعني أهل الكتب الماضية أبشرًا كانت الرسل إليهم أم ملائكة ؟ فإن كانوا ملائكة كفرتم , وإن كانوا بشرًا فلا تنكروا أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم رسولاً .... والغرض أن هذه الآية الكريمة أخبرت بأن الرسل الماضين قبل محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم كانوا بشرًا كما هو بشر ) ( تفسير ابن كثير 4/327-328) .
وقال القرطبي } : َفَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذّكْر ِ} قال سفيان: ( يعني مؤمني أهل الكتاب ) ( تفسير القرطبي 5/72) .
والذين أمنوا من أهل الكتاب كما هو معلوم من الدين بالضرورة هم أهل الكتاب الذين يعلمون النبي صلى الله عليه وسلم رسول الله من صفته المكتوبة عندهم, كما أخبر الله تعالى في القرآن الكريم في شأن أتباع موسى المؤمنين: { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }الأعراف157, فعليكم إذاً الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم إذا كنتم تريدون أن تشير هذه الآية إليكم !
لكن البسيط استغل الآية فحرف معناها قائلاً : ( وهكذا أجمع المفسرون على أن أهل الذكر هم أهل الكتاب ، التوراة والإنجيل الذي يجب الرجوع إليهم في مسائل وأمور العلوم والكتب السماوية ) . في حين أن القرآن الكريم ما دعا إلا مشركي قريش فقط أن يسألوا أهل الكتاب عن أمر محدد ألا وهو : أكان رسل الله قبل محمد صلى الله عليه وسلم بشرًا أم ملائكة ؟!
فأين أجمع المفسرون على دعواك يا بسيط , أم أنك تطمح لنيل رتبة الباباوية!
وإني لأتساءل ما الذي عندكم يا بسيط للتعليم ؟ أو حتى يستحق التعليم ؟! تعلم الصفات المعيبة التي تنسبونها إلى الله عز وجل في كتابكم ( تعالى الله عما تصفون ) مثل أن موسى يرى أجزاء الله المؤخرة؟ " ثم ارفع يدي فتنظر ورائي وأما وجهـي فلا يرى " ( الخروج 33-23 ) , أو أن يعقوب تصارع مع الله وقدر عليه " فقال لا يدعى اسمك فيما بعد يعقوب بل إسرائيل لأنك جاهدت مع الله ومع النــاس وقدرت " ( التكوين 32-28 ) , أو أن الله مثـل الإنســان الثمـل " فاستيقــظ الرب كنائــم كجبـار معيط من الخمر " ( مزامير 78-65) , أو أنــه نـــدم علــى خلـــق الإنســان " فحــزن الرب أنه عمـل الإنسـان فــي الأرض وتأســف فــي قلبـــه " ( التكوين 6-6) !
والقرآن الكريم لا يقر في أي آية من آياته أن توراة العهد القديم التي نسبت النقص لله جل وعلا أنها ذكر , وكذلك أناجيل العهد الجديد التي طعنت في المسيح عليه السلام بشنيع الأقوال والأفعال لا يقر القرآن الكريم في أي آية من آياته أنها ذكر , بل هذه الكتب داخلة في قول الله تعالى : {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ }البقرة79 . وما أقره القرآن الكريم هو توراة موسى , وإنجيل عيسى , وهذا ما ليس عندكم , بل بإجماع علمائكم أن أسفاركم لم يكتبها موسى ولا حتى عيسى, بل لا يعلمون عنها شيئًا أصلاً!
أما ربط البسيط بين الذكر في قوله تعالى : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }النحل43 . وقوله تعالى: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } الحجر9 , فهو غلط محض, وتحريف لآيات القرآن الكريم , لأن القرآن الكريم أخبر أن الذكر المعني في قوله تعالى : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } الحجر9 . هو القرآن الكريم فقط وليس غيره , فقال تعالى: { الَرَ* تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مّبِينٍ * رّبَمَا يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ * ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * مّا تَسْبِقُ مِنْ أُمّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ * وَقَالُوا يَأَيّهَا الّذِي نُزّلَ عَلَيْهِ الذّكْرُ إِنّكَ لَمَجْنُونٌ * لّوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ الصّادِقِينَ مَا نُنَزّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاّ بِالحَقّ وَمَا كَانُواْ إِذاً مّنظَرِينَ * إِنّا نَحْنُ نَزّلْنَا الذّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحَافِظُونَ } الحجر1-9.
فالشبهة لا تحتاج إلى رد أصلاً لأن سياق الآيات كلها منذ البداية يتحدث عن القرآن الكريم كما لا يخفى على الجاهل فضلاً عن المتعلم المدرك لمحكم التنـزيل , ولكن لأن البسيط يزيف الحقائق استخلص ذلك الهراء من مخيلته عمدًا لتضليل رعاياه!
الآيات كما قلت منذ البداية تتحدث عن القرآن الكريم , فلقد ذكر الله تبارك وتعالى القرآن الكريم صراحة فى بداية الآيات ثم ذكر تبارك وتعالى حال أهل الكفر مع الذي نزل عليه الذكر وهو محمد صلى الله عليه وسلم , وأسأل سؤالاً لا للمسلمين فقط بل للنصارى أيضًا , بل لأهل الأرض أجمعين: ما هو الذكر الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم ؟ إنه القرآن الكريم , ثم تحدث الله بعد ذلك عن حفظ ذلك الذكر الذي أخبر الله عنه في الآيات السابقة أنه أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم, إذًا ما هو هذا الذكر المقصود في الآيات ؟ أجيبوني يا أهل الأرض , الشقي منكم والسعيد , الكبير منكم والصغير , القوي منكم والضعيف , العالم فيكم والجاهل!
نعم .. إنه القرآن الكريم , فمن الذي أقحم الكتاب(المقدس) في الآيات ؟ إنه البسيط الذي نعلم يقينًا كذبه وتزيفه للحقائق!
وننقل هنا بعض التفاسير التي جاءت في تفسير هذه الآية:
* تفسير الجلالين ص 338:
" (إِنّا نَحْنُ ) تأكيد لإسم إن أو فصل ( نَزّلْنَا الذّكْرَ ) القرآن( وَإِنّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) من التبديل والتحريف والزيادة والنقص" .
* تفسير ابن كثير 4/302:
" ثم قرر الله تعالى أنه هو الذي أنزل عليه صلى الله عليه وسلم الذكر وهو القرآن وهو الحافظ له من التغيير والتبديل" .
* تفسير القرطبي 5/5:
" قوله تعالى: {إِنّا نَحْنُ نَزّلْنَا الذّكْرَ} (الحجر: 9) يعني القرآن. {وَإِنّا لَهُ لَحَافِظُونَ} من أن يزاد فيه أو ينقص منه. قال قتادة وثابت البُنَانيّ: حفِظه الله من أن تزيد فيه الشياطين باطلاً أو تنقُص منه حقاً فتولّى سبحانه حفظه فلم يزل محفوظاً , وقال في غيره: {بِمَا اسْتُحْفِظُواْ} (المائدة: 44), فوَكَل حفظه إليهم فبدّلوا وغيروا" .
* تفسير الطبري 7/493-494:
" يقول تعالـى ذكره: {إِنّا نَحْنُ نَزّلْنَا الذّكْرَ} وهو القرآن, {وَإِنّا لَهُ لَحَافِظُونَ} قال: وإنا للقرآن لـحافظون من أن يزاد فـيه بـاطل مّا لـيس منه, أو ينقص منه ما هو منه من أحكامه وحدوده وفرائضه. والهاء فـي قوله: «لَهُ» من ذكر الذكر....وقال قتادة , قوله:{ إِنّا نَحْنُ نَزّلْنَا الذّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحَافِظُونَ} قال فـي آية أخرى: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ }فصلت 42 .... فأنزله الله ثم حفظه, فلا يستطيع إبلـيس أن يزيد فـيه بـاطلاً ولا ينتقص منه حقًّا فحفظه الله من ذلك" .
وقال السعدي : ( إن أفضل أهل الذكر هم أهل هذا القرآن العظيم بإتفاق علماء الأمة ، فإنهم أهل الذكــر علــى الحقيقة وأولى من غيرهـم بهـذا الإســم ولهذا قال تعالى : " وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ " أي القرآن الذي فيه ذكر ما يحتاج إليه العبــاد مــن أمور دينهم ودنياهم الظاهرة والباطنة) ( تفسير السعدي 1/592) .
أما قول البسيط : ( فهل تعني الآية حفظ الذكر الأخير دون الأول والثاني؟؟!! أو أن الله فشل في حماية الذكر السابق (التوراة والإنجيل) ونجح في حفظ الأخير؟؟!!! )
فنقول للبسيط : إن الله لا يحابي أحدًا من عباده , لكن إذا علم الله صدق العبد وإخلاصه في إبلاغ كلامه إلى البشرية , وفقه وسدده , وهيأ له أسباب حفظ هذا الكلام , وجعل الأمر عليه يسيرًا , ولنقارن بين حال حفاظ الوحي وكتبة القرآن الكريم , وبين كتبة الكتاب المقدس:
1- كتبة القرآن الكريم هم الصحابة رضوان الله عليهم الذين زكّاهم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم , فعدالتهم موثقة بأعلى درجات التوثيق , وسيرتهم معروفة بأعلى مراتب التواتر , أما كتبة الكتاب المقدس , فلا يعلم من هم, وسيرتهم وأحوالهم وعدالتهم مجهولة تمامًا , ولم يثبت معاشرتهم للأنبياء الذين نقلوا سيرتهم , ولا توثيق الأنبياء لهم , بل ذمهم الرب في مواضع كثيرة : ( كَيْفَ تَدَّعُونَ أَنَّكُمْ حُكَمَاءُ وَلَدَيْكُمْ شَرِيعَةَ الرَّبِّ بَيْنَمَا حَوَّلَهَا قَلَمُ الْكَتَبَةِ المُخَادِعُ إِلَى أُكْذُوبَةٍ؟) إرمياء 8: 8.
2- الصحابة رضوان الله عليهم أخذوا القرآن الكريم من شفتيه صلى الله عليه وسلم وكتبوه بين يديه صلى الله عليه وسلم , وكانوا يتعبدون يوميًا بهذا المحفوظ في الصدور والسطور , أما كتبة الكتاب المقدس كتبوا الكتاب المقدس بعد مئات السنين من وقوع الحدث اعتمادًا على الإشاعات وأقاويل كل من هب ودب دون تمحيص , وكل ما كتبوه لم يخطر على بالهم أنه وحي أو كلام تعبدي , وما سمعنا عن يهودي في عصر حزقيال كان يقوم الليل بقصة أهولا وأهوليبة!
3- يقول سيدنا زيد بن ثابت مصوراً وموضحاً قداسة مهمة جمع القرآن الكريم وجلالتها : " والله لو كلفوني بنقل جبل من مكانه لكان أهون عليّ مما أمروني به من جمع القرآن " ( أخرجه البخاري ) , فأخذ زيد ومن معه ممن أخذوا القرآن الكريم من شفتيه صلى الله عليه وسلم وكتبوه بين يديه صلى الله عليه وسلم بجمع القرآن الكريم وكتابته اعتمادًا على ما حفظ وكتب في المراجعة الأخيرة قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وفي حضرة جبريل عليه السلام, وكان أمر الجمع بين أيدي الحفظة الذين كانوا بالألاف , فجمع زيد شهاداتهم على أنهم سمعوا هذه الآيات من فم النبي عليه الصلاة والسلام , رغم أنه هو ومن معه كانوا أحفظ لكتاب الله من غيرهم وقد شهد لهم النبي عليه الصلاة والسلام بذلك , لكنه حرص رضي الله عنه على أن يكون الأمر علنيًا , وهذا من توفيق الله له رضي الله عنه , أما كتبة الكتاب المقدس فلا يعلم أحد ماذا كتبوا ؟ ولا أين كتبوا ؟ ولا متى كتبوا ؟ ولا من الذي اعتمد لهم ما كتبوا ؟ ولا يوجد شهود على صحة ما كتبوا ؟ ولا يعلم أحد القصد مما كتبوا ؟!
فأخبرونا معشر النصارى من الذي يستحق حفظ كتابه ؟!
قال تعالى : {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }الحجر9 , قال القرطبي في تفسيره 5/5 : " قوله تعالى: {إِنّا نَحْنُ نَزّلْنَا الذّكْرَ} (الحجر: 9) يعني القرآن. {وَإِنّا لَهُ لَحَافِظُونَ} من أن يزاد فيه أو ينقص منه. قال قتادة وثابت البُنَانيّ: حفِظه الله من أن تزيد فيه الشياطين باطلاً أو تنقُص منه حقاً فتولّى سبحانه حفظه فلم يزل محفوظاً , وقال في غيره : {بِمَا اسْتُحْفِظُواْ} (المائدة: 44), فوَكَل حفظه إليهم فبدّلوا وغيروا" .
أما المخطوطات التي تتبجح بها , فأنت تعلم قبل غيرك يا بسيط أن هذه المخطوطات بها من تحريف النُساخ ما لا يمكن دفعه أو إنكاره , بل ويصعب حصره !
يقول علماء الكتاب المقدس عن الكتبة : ( فإن نص العهد الجديد قد نُسخ ثم نُسخ طوال قرون كثيرة بيد نساخ صلاحهم للعمل متفاوت وما من واحد منهم معصوم من مختلف الأخطاء التي تحول دون أن تتصف أية نسخة كانت مهما بُذل فيها من الجهد ، ويضاف إلى ذلك أن بعض النساخ حاولوا أحيانًا عن حسن نية أن يصوبوا ما جاء في مثالهم وبدا لهو أنه يحتوي على أخطاء واضحة أو قلة دقة في التعبير اللاهوتي ، وهكذا أدخلوا على النص قراءات جديدة تكاد تكون كلها خطأ ثم يمكن أن يضاف إلى ذلك كله أن الإستعمال لكثير من الفقرات للعهد الجديد في أثناء إقامة شعائر العبادة أدى أحيانًا كثيرة إلى إدخال زخارف غايتها تجميل الطقس أو إلى التوفيق بين نصوص مختلفة ساعدت عليها التلاوة بصوت عال ، ومن الواضح أن ما ادخله النساخ من التبديل على مر القرون قد تراكم بعضه على بعضه الأخر فكان النص الذي وصل آخر الأمر إلى عهد الطباعة مثقلاً بمختلف ألوان التبديل ظهرت في عدد كبير من القراءات ) ( الترجمة الكاثوليكية للرهبنة اليسوعية ص 13) .
فهولاء القساسة البسطاء لا يستحيون من الإستدلال بتلك المخطوطات المحرفة , ويا ليتها كانت الأصلية!
جاء في كتاب " مرشد الطالبين إلى الكتاب المقدس الثمين " تأليف صفوة من علماء الكتاب المقدس ما نصه : ( وأما صيانة الكتب المقدسة إلى يومنا هذا فإنه وإن كانت النسخ الأصلية قد ضاعت لكن كتب العهد الجديد قد حُفظت بلا تحرف ولا خلل جوهري وهى مثلما صدرت أولاً من أيدي كاتبيها في جميع الظروف المعتبرة . ومن المعلوم أنه في نساخة هذه الكتب خطَّا من زمان إلى زمان لعدم معرفة صناعة الطباعة يومئذ ربما وقع حذف أو تغيير أو خلل في الحروف أو الكلمات في بعض النسخ ) ( مرشد الطالبين إلى الكتاب المقدس الثمين ص 15) .
ويقولون : ( وأما وقوع بعض الإختلافات في نسخ الكتب المقدسة فليس بمستغرب عند من يتذكر أنه قبل صناعة الطبع في القرن الخامس عشر كانت كل الكتب تنسخ بخط القلم ولا بد أن يكون بعض النساخ جاهلاً وبعضهم غافلاً فلا يمكن أن يسلموا من وقوع الزلل ولو كانوا ماهرين في صناعة الكتابة ومتى وقعت غلطة في النسخة الواحدة فلابد وأن تقع أيضاً في كل النسخ التي تنقل عنها وربما في كل واحدة من النسخ غلطات خاصة بها لا توجد في الأخرى وعلى هذا تختلف الصور في بعض الأماكن على قدر اختلاف النسخ . وفضلاً عن ذلك ربما جعل بعض النساخ جهالتهم حرفاً مكان آخر أو كلمة مكان أخرى أو أسقطوا بغفلتهم شيئا من ذلك. وإذا نظرنا إلى هذه الإختلافات اليسيرة يحصل من ذلك ألوف قراءات مختلفة في مئات النسخ الموجودة من الكتب المقدسة ) ( مرشد الطالبين إلى الكتاب المقدس الثمين ص 16) .
فكيف يحفظ الله كتابًا خان أصحابه الأمانة وبدلوا وغيروا ؟! بل الأولى أن يزيد الله في طغيانهم وتحريفهم جزاءً وفاقًا , وهل يعقل أن يقال أن كتبة كلام الله أخطأوا وتعمدوا تزوير كلامه ؟!
ولا ننسى أيضًا أن هذه الكتب ( التوراة والإنجيل ) قد نزلت لأقوام بعينهم لا عامة للناس , فنزلت بأمدٍ ينتهي بزوال سبب نزولها , ولهذا لم تكن معصومة من التحريف خاصة بعد فساد القوم وإهمالهم في حفظها بعد أن قيدهم الله لهذه المهمة , أما القرآن الكريم فهو الرسالة الخاتمة وسيبقى حجة على الخلق أجمعين إلى يوم القيامة , لذا قيد الله لحفظه رجالاً صدقوا ما عاهدوا الله عليه وما بدلوا تبديلاً , فكان الجزاء من جنس العمل!
أما قول البسيط : ( أم يقال أن الذي فشل في حفظ الأول والثاني فشل أيضاً في حفظ الثالث بدليل تأكيد علماء الشيعة وقولهم بتحريف القرآن؟؟!! ) , فنحن معشر المسلمين لا نرى فرقًا بينكم وبينهم كما قال ابن حزم عندما ناظر النصارى وأحضروا له كتب الرافضة للرد عليه : ( وأما قولهم ( يعني النصارى) في دعوى الروافض تبديل القرآن فإن الروافض ليسوا من المسلمين , وليس قولهم حجة على الدين , إنما هي فرقة حدث أولها بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس وعشرين سنة .. وهي طائفة تجري مجرى اليهود والنصارى في الكذب والكفر ) ( الفصل في الملل والنحل ( 2 / 213) ) .
وفي النهاية لم يعد لك يا بسيط إلا أن تُقر بما جاء في القرآن الكريم على لسان النبي العظيم عليه أكمل الصلوات وأتم التسليم : {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ}البقرة79.
وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين