قردة زانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه .
تزوج قرد ! وماذا تعتقدون أنه تزوج ، أكيد مقرودة مثله ، قردة طبعاً ، يعني راح يتزوج غزالة مثلاً ، المهم حصل الزواج ، وفي يوم من الأيام والقردة في أحضان زوجها القرد ، جاءها قرد شاب صغير شقي لعَّاب ، وغمزها ، فانتبهت ، فأشار إليها _ يعني الحقي بي _ فانسلت بهدوء من بين أحضان الزوج الغافل النائم ، ولحقت بذلك القرد الشاب ، فهربا بعيداً جداً ، حيث حصلت الخيانة الزوجية هناك ، فزنيا _ والعياذ بالله _ ثم عادت إلى زوجها ، وأخذت مضجعها بين يديه ، وبينما هي تفعل ذلك ، إذ انتبه الزوج لها ، فاستيقظ من نومه ، وإذا به يشم رائحة غريبة ، فصاح وصرخ مستنجداً بمن حوله ، فأتت القرود من كل حدب وصوب ، وبدأت القرود في التحقيق مع القردة الزانية حتى اعترفت بفعلتها الشنيعة ، ثم أتوا بالقرد الذي زنا بها ، وحفروا لهما حفرة فوضعوهما فيها ، وقام الجميع برميهم بالحجارة حتى الموت .
هذه القصة ليست من نسج الخيال ، أو ضرب من الأمثال ، بل هي قصة صحيحة موجودة في صحيح البخاري مختصرة ، وفي غيره مطولة ، رواها عمرو بن ميمون رضي الله عنه ، وهو صحابي جليل ، والصحابة كلهم عدول ، كما هو معلوم عند العلماء وغيرهم ، حتى قال عمرو بن ميمون رضي الله عنه : لقد رجمتهما مع القرود ، وإليك حديث البخاري :
عن عمرِو بن مَيمونٍ رضي الله عنه قال : " رأيتُ في الجاهليةِ قِردةً اجتمعَ عليها قِرَدةٌ قد زَنَت فرَجموها، فرَجمتها معهم " [ أخرجه البخاري ] .
وللعلماء مع هذا الحديث كلام ، ولي مع هذه القصة وقفات :
الوقفة الأولى : تحريم الزنا :
الزنا حرام ، وفيه تعد لحدود الله تعالى ، وهو جريمة بشعة ، فيه اختلاط الأنساب ، وضياع الأسر ، وتفرق الأبناء ، ولم يُحل في ملة قط ، لفظاعته وبشاعته وقذارته ، ولقد جاءت الأدلة من كتاب الله تعالى ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وإجماع الأمة على تحريمه ، وتجريم فاعله ومرتكبه .
قال تعالى : { وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً } [ الإسراء32 ] ، وانظر إلى قوله تعالى : { ولا تقربوا الزنى } ، ولم يقل سبحانه : { ولا تزنوا } ، لأن التحذير من قرب الزنا ودواعيه ودوافعه أبلغ في الزجر والنهي .
وقال تعالى : { وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً } [ الفرقان68 ] .
فالذين يوحدون الله ، ولا يدعون ولا يعبدون إلهًا غيره ، ولا يقتلون النفس التي حرَّم الله قتلها إلا بما يحق قتلها به : من كفر بعد إيمان ، أو زنى بعد زواج ، أو قتل نفس عدوانًا ، ولا يزنون ، بل يحفظون فروجهم , إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم ، ومن يفعل شيئًا من هذه الكبائر يَلْقَ في الآخرة عقابًا أليماً شديداً .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ. وَلاَ يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ. وَلاَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ. وَالتَّوْبَةُ مَعْرُوضَةٌ بَعْدُ " [ متفق عليه ] .
قال ابن المنذر رحمه الله في كتاب الإجماع : " وأجمعوا _ أي العلماء _ على تحريم الزنا " [ 160 ] .
الوقفة الثانية : عقوبة الزاني والزانية في الدنيا :
نظراً لأن الزنا كبيرة من كبائر الذنوب ، وعظيمة من عظائم الخطوب ، فإن جل وعلا رتب عليه عقوبة في الدنيا ، فالزاني إما أن يكون أعزباً أو متزوجاً .
فإن كان أعزباً وزنا فإنه يقام عليه الحد ، بجلده مائة جلدة ، ويسجن ويبقى في غياهب السجن مدة من الزمن كما يحكم عليه القضاء ، فإن تكرر منه الفعل فإنه يرجم .
قال تعالى : { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ } [ النور2 ] .
أما إذا كان الزاني _ الزانية _ متزوجاً فإنه يرجم حتى الموت .
عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ : رَأَيْتُ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ حِينَ جِيءَ بِهِ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، رَجُلٌ قَصِيرٌ أَعْضَلُ ، لَيْسَ عَلَيْهِ رِدَاءٌ ، فَشَهِدَ عَلَىٰ نَفْسِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أَنَّهُ زَنَىٰ ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : " فَلَعَلَّكَ ؟ " قَالَ : لاَ وَاللّهِ إنَّهُ قَدْ زَنَى الأَخِرُ ، قَالَ : فَرَجَمَهُ ، ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ : " أَلاَ كُلَّمَا نَفَرْنَا غَازِينَ فِي سَبِيلِ اللّهِ، خَلَفَ أَحَدُهُمْ لَهُ نَبِيبٌ كَنَبِيبِ التَّيْسِ، يَمْنَحُ أَحَدُهُمُ الْكُثْبَةَ، أَمَا وَاللّهِ إنْ يُمْكِنِّي مِنْ أَحَدِهِمْ لأُنَكِّلَنَّهُ عَنْهُ " [ أخرجه مسلم ] .
عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : " خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَلَ الله لَهُنَّ سَبِيلاً، الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ، جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ " [ أخرجه مسلم ] .
ففي الزنا تحد لقوة الله وقدرته وجبروته وبطشه ، وارتكاب نهيه ، فمن حكمة الله تعالى أنه لا يأخذ بالذنب لأول وهلة ، وأول مرة ، بل يملي للظالم لعله يتوب ويرجع عن غيه وفساد قلبه ، وانتكاس فطرته ، فإن لم يعد فقد أنزل الله بالعالم اليوم بلاءً يعرفه كل إنسان ، هذا البلاء سببه جريمة الزنا واللواط والشذوذ الجنسي عند الجنسين ، فما داء الإيدز إلا نذير للبشر ، لمن شاء أن يتوب أو يقع في المقدَّر ، وكم هي الإحصاءات العالمية التي تشير إلى ارتفاع معدل الإيدز في العالم نتيجة ارتكاب فاحشة الزنا _ أعاذانا الله منها _ فهذه العقوبة الدنيوية بسبب تعد الحدود الإلهية ، وفعل الفواحش الشهوانية ، والنزوات الشيطانية ، وارتكاب الجرائم البشعة الجنسية .
فقارن أيها المسلم بين لذة دقائق أو ثوان ، وعقوبة مئات السنين أو آلافها في نار جهنم ؟
وتأمل هذا الحديث العظيم في خطورة الزنا على الأمم والأفراد ، عن ابنِ عُمَرَ رضيَ اللَّهُ عنهُمَا قال :
أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : " يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ ! خَمْسٌ خِصَالٌ إذا ابتليتم بهن ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ : لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا ، إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ فِي أَسْلاَفِهِمْ الَّذِين مَضَوْا . . . " [ أخرجه ابن ماجة وغيره وصححه الحاكم والذهبي ، وذكره الألباني في صحيح الجامع برقم 7978 ] .
وربما سأل سائل فقال : ليس في القرآن آية تدل على الرجم ؟
والجواب : أن آية الرجم كانت موجودة في كتاب الله تعالى ، ثم نُسخت لفظاً وبقيت حكماً ، وهي قوله تعالى : { والشَّيْخُ والشَّيْخَةُ إذَا زَنَيا فارْجُمُوهُمَا البَتَّةَ نَكَالاً مِنَ الله والله عَزِيزٌ حَكِيم } [ كانت موجودة في سورة الأحزاب ثم نُسخت أي رفعت لفظاً ، وحكمها باق إلى يوم القيامة ] .
وقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه ، وَهُوَ جَالِسٌ عَلَىٰ مِنْبَرِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : " إنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ مُحَمَّداً بِالْحَقِّ ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ ، فَكَانَ مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةُ الرَّجْمِ ، قَرَأْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا ، فَرَجَمَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ ، فَأَخْشَىٰ ، إنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ ، أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ : مَا نَجِدُ الرَّجْمَ فِي كِتَابِ اللّهِ ، فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللّهُ ، وَإنَّ الرَّجْمَ فِي كِتَاب اللّهِ حَقٌّ عَلَىٰ مَنْ زَنَىٰ إذَا أَحْصَنَ ، مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ، إذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ ، أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوْ الإِعْتِرَافُ " [ أخرجه البخاري ومسلم ] .
ثم اعلم أيها المسلم أن السنة جاءت لتدل على ما أجمله القرآن ، وتفسر ما أُبهم من الكتاب العزيز ، وجاءت مكملة لكثير من الأحكام التفصيلية ، ومما جاء فيها وجوب الرجم على الزاني والزانية المتزوجين ، وقد رجم النبي صلى الله عليه وسلم ماعزاً ، والغامدية ، وصاحبة العسيف رضي الله عنهم أجمعين ، ورجم اليهودي ، ثم رجم أصحابه من بعد ، وهكذا تقبلت الأمة هذا الحكم بالتنفيذ والسمع والطاعة ، وهذا محل إجماع بين العلماء لم يخالف فيه أحد البتة .
فهذا الدين محفوظ بحفظ الله له ، لا يستطيع التشكيك فيه إنسان أو جان أو شيطان ، لأن الله تعالى أنزله وتكفل بحفظه ، فلله الحمد والفضل والمنة .
فائدة مهمة :
من وقع في فاحشة الزنا ، ثم تاب وأقيم عليه الحد رجماً أو جلداً ، فهذا الحد كفارة له يوم القيامة بألا يمسه العذاب بإذن الله تعالى ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللّهِ _ صلى الله عليه وسلم _ فِي مَجْلِسٍ ، فَقَالَ : " تُبَايِعُونِي عَلَىٰ أَنْ لاَ تُشْرِكُوا بِاللّهِ شَيْئاً ، وَلاَ تَزْنُوا ، وَلاَ تَسْرِقُوا ، وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إلاَّ بِالْحَقِّ ، فَمَنْ وَفَىٰ مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللّهِ ، وَمَنْ أَصَابَ شَيْئاً مِنْ ذٰلِكَ فَعُوقِبَ بِهِ ، فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ ، وَمَنْ أَصَابَ شَيْئاً مِنْ ذٰلِكَ فَسَتَرَهُ اللّهِ عَلَيْهِ ، فَأَمْرُهُ إلَىٰ اللّهِ ، إنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ ، وَإنْ شَاءَ عَذَّبَهُ " [ أخرجه البخاري ومسلم ] .
الوقفة الثالثة : عقوبة الزاني والزانية في القبر :
كما أسلفت أن الزنا جريمة بشعة ، وتغيير للفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها ، في الزنا إرضاء للشيطان ، وإغضاب للرحمن ، ولهذا رتب على فعل الزنا عقوبة شديدة في القبر ، وذلك بوضع الزُناة والزواني في تنور _ فرن _ أعلاه ضيق ، وأسفله واسع ، ومن أراد تشبيهاً له ، فليذهب لفرن الخبز _ التميس _ ولينظر شكله في الدنيا ، لكن فرن القبور يختلف شدة وحرارة ، فيوضع فيه أهل الزنا ، ويأتيهم اللهب من كل مكان ، يصرخون ويستغيثون ، ولكن هيهات هيهات أن ينقذهم أحد من العالمين ، ويستمر بهم العذاب إلى قيام الساعة ، فإذا قامت القيامة ، فالساعة أدهى وأمر .
عن سَمُرَة بن جنْدب رضيَ الله عنه قال : " كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يعني مما يكثرُ أَن يقول لأصحابِهِ : هل رأى أَحدٌ منكم من رُؤيا ؟ قال : فيَقصُّ عليه ما شاء الله أن يَقصَّ ، وإِنه قال لنا ذاتَ غَداةٍ : إِنَّه أتاني الليلةَ آتِيان وإِنهما ابتعثاني وإِنهما قالا لي : انطلِق ، وإِني انطلقتُ معهما ، وإِنا أَتينا على رجل مَضْطجع . . . إلى أن قال : " فانطلقنا فأتَينا على مثل التنُّور " ، قال : وأَحسِبُ أَنه كان يقول : فإِذا فيه لَغَطٌ وأَصواتٌ ، قال : فاطلعْنا فيه فإذا فيه رجالٌ ونساء عراةٌ ، وإِذا هم يأتيهم لَهَبٌ من أسفلَ منهم ، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضَوْضَوا _صرخوا _ قال : قلتُ لهما : ما هؤلاء ؟ قال : قالا لي : انطلِق انطلق . . . إلى أن قال : " وأما الرجالُ والنساءُ العراةُ الذين في مثلِ بناءِ التنور فهمُ الزُّناة والزواني " [ أخرجه البخاري واللفظ له ، ومسلم ] .
ألا فاعلم أيها المسلم ، وأيتها المسلمة ، أن الوقوع في مثل هذه الجرائم العظام ، كالزنا واللواط والربا وغيرها من الكبائر ، ما هي إلا طريق سهل ميسر ومُعَبَّدٌ إلى نار جهنم والعياذ بالله ، فالنار محفوفة بالشهوات ، فمن وقع في الشهوات وقع في النار ، عَنْ أنسٍ رضي الله عنه قالَ : قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّم : " حُفَّتِ الجنةُ بالمكارِهِ ، وحُفَّتِ النارُ بالشهواتِ " [ متفق عليه واللفظ لمسلم ] .
الوقفة الرابعة : عقوبة الزاني والزانية في الآخرة :
ونأتي إلى نهاية المشوار البشري منذ خليقته وحتى مماته ، ثم بعثه ونشره وحشره ، فالزاني في الدنيا إما أن يُرجم ، وإما أن يجلد ، وفي القبر مصيره تنور فيه نار محرقة تحرق الجلود والأبدان ، وتتأثر منها الأفئدة والقلوب ، وفي نهاية المشوار ، استقرار في نار جهنم إلى أمد يريده الله عز وجل ، لا يعلم مداه إلا هو سبحانه ، فربما استمر مئات السنين أو ملايين السنين ، ومع ذلك ، فالله عز وجل لا ينظر إلى الزناة يوم القيامة ، ولا يلقي لهم بالاً ، ومن لا ينظر الله إليه ، فمن يرحمه ، ومن ينقذه من النار ، وغضب الجبار .
قال تعالى : { وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً } [ الفرقان68_79 ] .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّم : " ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَلاَ يُزَكِّيهِمْ ، وَلاَ يَنْظُرُ إلَيْهِمْ ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ : شَيْخٌ زَانٍ _ رجل كبير _ وَمَلِكٌ كَذَّابٌ ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ " [ رواه مسلم ] .
ورواه الطبراني في الأوسط ولفظه : " لاَ يَنْظُرُ اللَّه يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَى الشَّيْخِ الزَّانِي ، وَلاَ الْعَجُوزِ الزَّانِيَةِ " .
الوقفة الخامسة : أخذ الحيطة والحذر :
فأخذ الحيطة والحذر هو السبيل بإذن الله تعالى إلى إصلاح المنزل وأهله ، وفي مقابل ذلك الحذر من الشك ، فإن الشك دمار ، لاسيما إذا لم يكن له سبب ، فعلى رب الأسرة أن يسعى جاهداً لتفقد أسرته ، ولا يترك لهم الحبل على الغارب ، تسرح الأم ، ويسرحن البنات ، بلا زاجر ولا رادع .
فمن النساء من تقول لزوجها : أنها ذاهبة لزيارة جارتي ، وبعد ذلك سأسهر مع فلانة ، وإذا تأخرت اخلد أنت للنوم ، وسوف آتي متأخرة ، وربما قالت البنت مثل كلام أمها ، فهذا الأب مسؤول عما يحصل لزوجته وابنته أمام الله تعالى عن هذه الأمانة الملقاة على عاتقه ، أحفظ أم ضيع ؟
وما يدريك أيها الزوج أين تذهب زوجتك ، ومع من تتحدث ، ومن ستقابل ، وكذلك ابنتك ؟
ولا شك أن ذلك غشٌ للرعية التي بين يديه ، وسيعاقب عليها يوم القيامة عقاباً أليماً ، عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً ، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ ، وَهُوَ غَاشٌّ رَعِيَّتَهُ إلاَّ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ " ، وفي رواية : " فَلَمْ يَحُطْهَا بِنُصْحِهِ لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ " [ رواه البخاري ومسلم ] .
وكم قبضت الهيئات على نساء وبنات وهن في حالة خلوة غير شرعية مع رجال أجانب لا يمتون لهن بصلة ، فأين القوامة ؟ وأين الغيرة ؟ وأين الخوف من الله ؟
الوقفة السادسة : التحذير من أقارب الزوج والزوجة :
هناك من الأزواج من يدمر بيته بيديه ، وذلك بإدخال أقاربه أو أقارب زوجته إلى بيته في غيبته ، ولا ريب أن ذلك خطر عظيم ، فهناك من الأزواج من يأتي بأخيه ليدرس عنده ، أو يكمل جامعته ، أو غير ذلك ، ثم يقع ما لم يكن في الحسبان ، ولهذا جاء الشرع القويم ، بالتحذير من مغبة وخطورة هذا الوضع القائم في كثير من بيوت المسلمين اليوم ، بقصد العفة والشرف والثقة ، وإذا بالأمور تنتكس فطرها ، وتتغير أوضاعها ، فيجد الزوج زوجته وهي بين أحضان أخيه والعياذ بالله ، فيقول : معقول ؟ أخي ، وزوجتي ، فنقول له : نعم أخوك وزوجتك ، وما الذي يمنعهما من ارتكاب الفاحشة ، إذا وفرت أسبابها ، وأُغلقت عليهم الدور أبوابها ، وكان الشيطان ثالثهما ، وقد ضجَّتِ الصحف بخبر ذلك الرجل ، الذي أنجبت زوجته خمسة من الأبناء ، وكان أخوه يسكن معه مدة طويلة من الزمن في بيت واحد ، وفي يوم من الأيام احتاج الزوج أن يذهب إلى المستشفى لأجراء بعض الفحوصات الطبية ، ويا للمفاجأة ، فعندما هو مع الطبيب يتحدثان إذ دخل عليه أولاده عند الطبيب ، فسأله الطبيب من هؤلاء ؟ قال : أبنائي ، قال الطبيب : لا يمكن ، لأنك عقيم لا تنجب ، وعندما أُخذت عينه من الأطفال والزوج وأخوه ، اتضح أن الأبناء للأخ ، وليسوا للزوج ، وهذه قصة حقيقية وليست خرافية .
فلو أننا تتبعنا زواجر الشريعة ، وحمايتها للأسرة المسلمة ، وعنايتها بها ، وأغلقنا باب الحرام ومداخلة لسلمنا من أمور كثيرة ، ولهذا جاء في الحديث ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَىٰ النِّسَاءِ " فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ : يَا رَسُولَ اللّهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ ؟ قَالَ : " الْحَمْوُ الْمَوْتُ " [ متفق عليه ] ، أتدرون من الحمو : إنه قريب الزوج ، فالأخ هو الموت هو المصيبة هو الطامة .
وربما قال قائل : أنا أُحسن إلى أخي ، بل أنت تسيء إلى أخيك ، وتعين الشيطان عليه وعلى زوجتك وقريبتك .
نعم أيها الأخوة هناك من الأزواج من بلغت به السذاجة مبلغها ، حتى أدخل على زوجته أخوه ، وابن عمه ، وابن خاله ، وابن عمها ، وابن خالها ، وغيرهم ممن هم في سن المراهقة أو أكثر منها ، فيذهب لعمله أو يخرج من بيته ويترك النار مع البنزين ، ونسي المسكين أن للشيطان مداخل ، ولهذا جاءت النصوص الشرعية بالتحذير من ذلك ، وسد الباب أمام الفواحش كي لا تقع ، قال تعالى : { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ } [ الأحزاب 53 ] .
وعن بريدة رضي الله عنه قال : قاَل النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : " لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ ، فَإنَّ الشَّيْطَانَ ثَالِثُهُمَا " [ أخرجه الطبراني ] .
الوقفة السابعة : التحذير من دواعي الزنا :
للزنا دواع كثيرة ، ومثيرات وفيرة :
فمن أعظم ذلك الخلوة بين الرجال والنساء الأجانب .
ومن ذلك تعطر المرأة وخروجها من بيتها وهي متعطرة متطيبة .
ومن ذلك خروج المرأة من بيتها دون محرم ، لاسيما وهي بكامل زينتها .
ومن ذلك تحدثها مع الرجال الأجانب بتكسر وميوعة وخلاعة .
ومن ذلك ضحك المرأة في الهاتف مع الرجال الأجانب .
مشاهدة النساء والرجال عبر التلفاز ، فهذه المشاهد تسبب فتنة كبيرة ، وعواقب وخيمة .
ومن أعظم ذلك مشاهدة الأفلام الخليعة الفظيعة التي تجلب الشر للناس ، وتحرك مكامن غرائزهم وشهواتهم .
ومن ذلك خروج المرأة مع السائق لوحدها دون محرم ولو كان لعدة أمتار ، فالشيطان معهما وهو ثالثهما .
الخلوة بين الرجال والنساء في العمل ، ولقد أثبتت الوقائع والحوادث خطورة الوضع القائم اليوم في المستشفيات وغيرها .
وختاماً ، يا أيها الزاني ! أقلع عن الذنوب ، فلعل الله عليك يتوب ، أما تستحي حين زنيت بأمته ، أما خفت حين انتهاكك لحرمته ؟ أظننت أنك لا توقف بين يديه ؟ أم زعمت أنك لا تعرض عليه ؟ كلا ، فإنك مسؤول عن ذلك ، ومطلع على تلك المهالك .
أسأل الله سبحانه وتعالى أن أكون قد وفقت في هذا الموضوع الحساس ، لتذكير من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ، لينتبه لنفسه ، ويأطرها على الحق أطراً ، ويحذرها من عاقبة فعل الزنا .
ونسأل الله الثبات على دينه ، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا وحبيبنا محمد بن عبد الله ، والحمد لله رب العالمين .