شرح الحديث الشريف - الشرح المختصر - الدرس ( 043 - 207 ) : ما يزال عبدي المؤمن يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه........
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2001-05-12
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الأخوة الكرام: لا زلنا في إتحاف المسلم بما في الترغيب والترهيب من صحيح البخاري ومسلم، واليوم نحن في كتاب النوافل، والبحث هو الترغيب في المحافظة على اثنتي عشرة ركعة من السنة في اليوم والليلة.
أولاً: يقول الله عز وجل في الحديث القدسي:
(( وما يزال عبدي المؤمن يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته ))
(اختصار الصابوني)
الفرائض فرائض، الإنسان إذا دفع الضريبة بالنظام المدني، هل يقام له حفل تكريمي ؟ لا، ضريبة، يجب أن يدفعها، ملزم أن يدفعها، إن لم يدفعها فيها غرامة كبيرة، أما إذا قدم بناء فخم ليكون جامعة، الدولة تقيم له حفل تكريمي، فالشيء المستنبط من هذا الحديث: أن الذي يقرب إلى الله كثيراً النوافل.
(( ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه))
أصبح نور في قلبه، يسمع كل شيء وفق نور الله عز وجل، الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، قد يجد بناء فخم جداً لكن صاحبه جمعه من أموال غير مشروعة تحتقره، تنظر إلى هذا البيت بنور الله، هذا بيت مغتصب، جُمعت أمواله من أموال أناس مظلومين، فالمؤمن ينظر بنور الله، يجد إنسان فقير لكن صادق، إنسان غني لكن كاذب يحترم الفقير ويحتقر الغني، فإذا في قلبك نور تُقّيم كل شيء وفق هذا النور.
أولاً: كل شيء تسمعه لا تأخذ إلا ما وافق الكتاب والسنّة، والباقي تركله بقدمك، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، لا يتحرك إلا بالحق، قال: عندي يتيم أفأضربه ؟ قال نعم، مما تضرب منه ولدك، مقياس دقيق: إذا عندك ابن وكذب أو سرق وأردت أن تؤدبه، أي أن تحدث فيه خبرة مؤلمة لئلا يعود لمثل هذا الذنب إذا كان هذا اليتيم فعل ذنباً لو فعله ابنك لأدبته، لك أن تؤدبه، من أروع المقاييس، عندي يتيم أفأضربه ؟ فقال عليه الصلاة والسلام: مما تضرب منه ولدك.
(ورد في الأثر)
ويده لا يبطش إلا بالحق، ورجله التي يمشي بها، لا يتحرك إلا لعمل صالح.
(( عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي لِلَّهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ لك أت تقول اثنتي وثنتي، رَكْعَةً تَطَوُّعًا غَيْرَ فَرِيضَةٍ إِلَّا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ أَوْ إِلَّا بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ.....))
(صحيح مسلم)
فالنوافل يجب أن تؤدى محبة برسول الله:
﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ﴾
(سورة آل عمران)
رجل صالح كان يصلي الفرائض ويهمل النوافل، فرأى النبي عليه الصلاة والسلام وقد أعرض عنه، يستنبط من هذا المنام أو الرؤيا أنه قد جاف النبي بترك النوافل !
وفي حديث آخر: يقول:
(( أربعاً قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل صلاة الغداة ))
(رواه مسلم - الحاكم)
ركعتان قبل صلاة الفجر وست ركعات قبل وبعد الظهر ثمانية، وركعتين بعد المغرب عشرة، وركعتين بعد العشاء اثنا عشر، هذه يسميها الفقهاء السنن الرواتب التي فعلها النبي دائماً.
(( عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ))
(صحيح مسلم)
لذلك السنن لا تقضى إلا ركعتي الفجر، لو رجل فاتته صلاة الظهر، يقضي أربع ركعات الفرض، فاته المغرب يقضي المغرب، أما إذا فاتته صلاة الفجر عليه أن يقضي سنّتها وفرضها، فسنّة الفجر آكد السنن، لقول النبي الكريم: رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا.
وفي آية كريمة تقول:
﴿ أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ﴾
(سورة الإسراء)
قال القرآن الذي يقرأ في صلاة الفجر.
﴿ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً (78)﴾
(( عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهَا قَالَتْ لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى شَيْءٍ مِنَ النَّوَافِلِ أَشَدَّ مِنْهُ تَعَاهُدًا عَلَى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ ))
(صحيح البخاري)
هذه الركعات تصلى مع الفرائض الخمس، أما الضحى وقته لا علاقة له بالفرائض الخمس.
(( عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ فَإِنَّ صَلَاةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ وَذَلِكَ أَفْضَلُ ))
(صحيح مسلم)
هو الأكمل أن يصلى الوتر قبل النوم، أحياناً الإنسان يصلي العشاء في المسجد ومعه ركعتين وينصرف، لا ينبغي أن يساء الظن به، هو يطبق السنّة، أراد أن يصلي الوتر قبل أن ينام، بل لا شيء على واحد منا لو صلى الفرض في المسجد والسنّة في البيت، وهكذا كان يفعل النبي عليه الصلاة والسلام، ممكن أن تصلي ثلاث ركعات المغرب في المسجد والاثنان بالبيت لتجعل بيتك مسجداً، لتجعل بيتك يُصلى فيه.
أيها الأخوة: المشكلة في الصلاة أن تكون مستقيماً قبلها، حتى تأخذ من الصلاة ثمراتها، قال تعالى:
﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ﴾
(سورة هود)
هل تذكر قول النبي الكريم:
(( عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِي اللَّهم عَنْهم يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ شِبْتَ قَالَ شَيَّبَتْنِي هُودٌ ))
(سنن الترمذي)
لا قوم هود بل سورة هود، والآية التي شيبت رسول الله في سورة هود:
﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ﴾
وكل إنسان يتبجح ويقول: أنا لست نبي، ومن قال لك: أنك نبي ؟ لكنك كمؤمن مأمور أن تأخذ بسنّة النبي، إن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين.
فلو أن الإبرة التي ينبغي أن تعطى للمريض لا يمكن إلا أن تعقم، وإلا المريض يصاب بمرض بعدوة بمشكلة، هل يقول لك الممرض: أنا لست طبيباً لأعقمها ؟ هذه من شأن الأطباء، لا لو أعطى هذه الإبرة أقل ممرض في الأرض عليه أن يعقمها، ولو أعطاها أعلى طبيب في الأرض عليه أن يعقمها، هذه قضايا حديّة لا تحتمل، لا علاقة لها بمراتب الإنسان قد تكون أقل إنسان تقود سيارة لابد من أن تستخدم المكبح، وقد يقودها ملك لابد من أن يستخدم المكبح، فلا علاقة لأن يكون السائق ملك أو غفير العلاقة أن هناك قواعد عامة في القيادة لابد من أن تطبق، وهذا معنى كلام النبي عليه الصلاة والسلام: شيبتني هود، لقوله تعالى:
﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ﴾
بالمناسبة الاستقامة حديّة، أما العمل الصالح نسبي، كيف ؟ عندك مستودع للوقد، هذا المستودع محكم أو غير محكم لا يوجد حالة ثالثة، فإذا كان محكم لو ملأته ألف ليتر لا ينقص منها ولا ميلي بالعشر سنوات هذا المحكم المغلق، أما إذا كان يهرب ليتر كل يوم لم يعد محكم، فنحن نتحدث عن الاستقامة والاستقامة لها حد واحد حدّية، لكن العمل الصالح نسبي، أنا عندي مستودع محكم لكن دخلي محدود، عبأت فيه مائة ليتر فقط، ففي العمل الصالح ما استطعتم، أما في الاستقامة يجب أن تستقيموا الاستقامة الحدية، الصغيرة تؤدي إلى كبيرة، وكلما تهاونت بالصغائر انقلبت إلى كبائر، لقول النبي الكريم:
(( لا صغيرة مع الاصرار ولا كبيرة مع الاستغفار ))
(ورد في الأثر)
يوجد حديث للنبي الكريم يفهمه الناس فهماً مغلوطاً:
(( أصحابي لو تركوا العشر لهلكوا، أما أحبابي لو أخذوا العشر لنجو ))
(ورد في الأثر)
العشر من ماذا ؟ هنا المشكلة ! إذا فهمنا الحديث: لو أخذنا من الاستقامة العشر لنجونا، لا والله لا ننجو، أما لو أخذنا في العطاء كان نعطي من مالنا ومن وقتنا وعلمنا عشر ما أعطى الصحابة لنجونا، أخذ الزمان صعب جداً، هذا الحديث متعلق بالأعمال الصالحة، ليس متعلقاً بالاستقامة، الاستقامة حدّية، الكذب حرام الغش حرام، هل معقول بآخر الزمان لو غششن بالمائة تسعين أن تنفذ ؟ وعشرة بالمائة مستقيم، ولو الصحابة غشوا واحد بالعشرة يهلكوا ؟ لا، هذا الحديث لا ينصرف للاستقامة أبداً، ينصرف للعمل الصالح، نحن في زمن صعب في ضغط في مكاسب قليلة الحياة معقدة، لو بذلنا عشر ما بذله الصحابة لنجونا، أما في الاستقامة نحن وإياهم سواء واحد، الاستقامة حديّة، المسلم لا يغش ولا يكذب، لو كان بآخر الزمان بزمان الفتن، لو كان بزمن انحلال خلقي المسلم لا يزني نصف زنوة يحق له لأنه بآخر الزمان ! هذا كله كلام مرفوض. إن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، هذا الحديث، القرآن:
﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا﴾
أما بالعمل الصالح، سيدنا الصديق قدم ماله كله، أنت قدم جزء من مالك
(( رجل قال للنبي الكريم: والله إني أحبك، قال: انظر ما تقول ! قال: والله إني أحبك، قال: انظر ما تقول ! قال: والله إني أحبك، قال: إذا كنت صادقاً فيما تقول للفقر أقرب إليك من شرك عليك ))
(ورد في الأثر)
هذا اسمه فقر الإنفاق، غير معقول أن يكون معك مال وفير وحولك مؤمنين فقراء معذبين وقلب المؤمن رقيق لا يعطيهم ! فالمؤمن إذا كان قلبه رقيق وماله وفير ينفق ماله في سبيل الله، هذا الفقر وسام شرف، اسمه فقر الإنفاق، قال:
(( تصدق الصدّيق رضي اللّه عنه بجميع ماله، فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم:"ما أبقيت لأهلك؟" فقال رضي اللّه عنه: أبقيت لهم اللّه ورسوله))
(اختصار الصابوني)
عندنا فقر الكسل، صاحبه مذموم، وفقر القدر صاحبه معذور، وفقر الإنفاق صاحبه معزز ومبجل فقر الإنفاق وسام شرف، وفقر الكسل وسمة عار كالدول المتخلفة، إهمال تسيّب، عدم إنجاز وعود، عدم ضبط الأمور.
أجروا إحصاء بهولندا عن الشركات التي أعلنت إفلاسها قال: خمس وتسعين بالمائة من الشركات التي أعلنت إفلاسها بسبب سوء الإدارة، عدم ضبط.
﴿ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28)﴾
(سورة الكهف)
والحمد لله رب العالمين