شرح الحديث الشريف - الشرح المختصر - الدرس ( 036 - 207 ) : لا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه.......
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2001-04-21
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الإخوة الكرام ؛ لا زلنا في إتحاف المسلم بما في الترغيب والترهيب من صحيح البخاري ومسلم، واليوم الترغيب في انتظار الصلاة بعد الصلاة،
((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا دَامَتْ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ لَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْقَلِبَ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا الصَّلَاةُ ))
(رواه مسلم)
أي ما دمت في المسجد فأنت في صلاة، هذا المعنى مأخوذ من معنى الاعتكاف، كل من دخل المسجد ابتغاء مرضاة الله ليصلي، أو ليستمع إلى مجلس علم بحسب هذا الحديث فهو في صلاة، ولا تنسوا أن النبي عليه الصلاة السلام حينما مر بقبر مع أصحابه قال عليه الصلاة و السلام: صاحب هذا القبر إلى ركعتين مما تحقرون من تنفلكم خير لخ من كل دنياكم..." فالصلاة عماد الدين، لكن كرم ربنا عز وجل أنك ما دمت في المسجد فأنت في حكم المصلي، فإذا الإنسان دخل المسجد ليصلي الظهر فوجئ بمكتوب " الصلاة بعد عشرين دقيقة من الأذان " مثلا، هكذا نظام المسجد، هو دخل مع الأذان، ومعه عشرون دقيقة، يجب أن يؤمن أن الله عز وجل يحسب له هذه الدقائق وكأنه يصلي، فأنت إذا انتظرت الصلاة ففي صلاة، لكن بأي عمل دنيوي يحسب لك الوقت الحقيقي الذي بذلته في هذا العمل، لكن عند الله عز وجل ما دمت في الصلاة فأنت في صلاة، ما دمت في انتظار الصلاة فأنت في صلاة، ما دامت الصلاة قد حبستك فأنت في صلاة، كرم ربنا عز وجل إنسان مريض صلى قاعدا، إنسان مسافر أفطر في رمضان، تحسب له عبادته كما لو كان مقيما، هذا كلام سيئ الخلق لا ينطق عن الهوى،
(( لَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا دَامَتْ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ لَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْقَلِبَ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا الصَّلَاةُ)) مما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو مما يؤثر عنه - كما تعلمون سنته ؛ أقواله وأفعاله وإقراره وصفاته، أربع فقرات، أقواله الأحاديث، وأفعاله سيرته، أفعاله كيف كان يصلي، كان إذا مشى لم يلتفت، كان إذا سلم على أصحابه أمسكهم صافحهم و لم يسحب يده، كل هذه الأحاديث في كتاب الجامع الصغير، من ألطف الكتب، ولو أضيف إليه صحيح الجامع الصغير، هناك من نقّحه، لكن هناك باب طويل جدا يبدأ بكان، كان إذا فعل كذا فعل كذا، كان إذا دخل بيته دعا، كـ إذا خرج من بيته، كان إذا توضأ، فنحن أمام أقواله وأمام أفعاله، وأمام إقراره، إقراره سنة، أنت إنسان عادي، لو أن واحدا تكلم كلاما غير صحيح أمامك ليس عليك شيء، لا تتكلم، أحيانا يكون الوضع صعبا، وضع حرج وصعب، و الشخص الذي يتكلم لا يمكن أن تكلمه كلمة، لست بمستواه، فسكتت، لكن النبي عليه الصلاة و السلام إذا تُكلم أمامه بكلام وسكت، فهذا الكلام سنة، نقطة مهمة، لا يمكن أن يسكت النبي على باطل، ولا يمكن أن يؤخر الحق إلى وقت آخر، الآن امرأة، رجل توفي من أصحاب رسول الله سمع النبي من وراء الستار كلام امرأة مفجوعة، قالت: هنيئا لك أبا السائب، لقد أكرمك الله، صحابي جليل، ولعله استشهد، لو أن النبي سكت لكان كلامها صحيحا، قال لها: وما أدراكِ أن الله أكرمه ؟ قولي أرجو الله أن يكرمه، وأنا نبي مرسل لا أدري ما يُفعل بي و لا بكم، هذا هو الأدب مع الله، هو يرجو رحمة الله، ونحن جميعا نرجو رحمة الله، أما على وجه الجزم هذا تألي على الله، هذا تطاول، هذا خرجنا عن عبوديتنا لله، كل إنسان يمكلم المستقبل، كيف طلاب العلم بنية طيبة أن فلان في الجنة، من قال لك في الجنة، ينبغي أن تنتظر حتى يختم عمله، ما دام حي قد ينتكسن في الهند في العصور قبل مئتي عام أعتقد عالم أخذ سمعة مخيفة، أقبل عليه الناس بمئات الألوف، وصار له أتباعا بالألوف، دعاة نواب عنه، وانتشرت سمعته، ما انتهت به الحياة إلا وقد ادعى الألوهية، لذلك قال: قولي أرجو الله أن يكرمه، لو أنه سكت لكان كلامها صحيحا، فالنبي لا يسكت على باطل، ولا يؤخر بيان الحق إلى وقت آخر، فإذا شيء النبي ما بحثه، ولا بين فيه شيئا، فنحن ينبغي أن ننصرف عنه.
بالمناسبة جهاز الهضم، جهاز هضم الأغنام، يعرفه النبي ؟ لا، وليس لازما أن يعرفه، كل شيء متعلق بعلاقتك مع الله و بآخرتك لو يؤثر على علاقتك مع الله واحدا بالمليار ذكره النبي، كل شيء يؤثر إيجابا بعلاقتك مع الله بينه النبي، وكل شيء يؤثر بعلاقتك سلبا مع الله واحدا بالمليار ذكره النبي، أن معالجته للأمور تامة و كاملة، لكن هناك سخافات وهناك حيوانات، هناك حشرات، و هناك معلومات لا يليق به أن يعرفها، هكذا يقول بعض المفسرين في قول النبي: أنتم أعلم بأمور دنياكم........." أي مهما كنت أنا مخلصا، مهما كانت محبتي لله عالية لو واحد سألني لا سمح الله و لا قدر، قال لي: أنا محتار، عندي مشكلة في قلبي، بالون أم زرع شريان ؟ هل أستطيع أن أعرف، مهما كنت ورعا، مهما كنت مخلصا، هذه قضية اختصاصية، اذهب إلى طبيب قلب، ولكن أقول له: اذهب إلى طبيب قلب مؤمن، لا يبتزك، اذهب إلى طبيب قلب ماهر حاذق ورع مسلم، ولكن فتواي له، كذلك الكون خُلق من أجله مبالغة، ولكن خُلق البشر ليكونوا على شاكلته، هذا هو الحق، أما الكون خُلق من أجله، واهتز العرش طربا، ومال الكرسي عجبا، هذا ليس صحيحا، مبالغات، ما أراد النبي أن يكون فوق مقام العبودية، هو في أعلى مقام حينما يكون عبدا لله، فلذلك يجب أن نطمئن إلى أن النبي عليه الصلاة و السلام كل شيء قاله لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، يا رسول الله إنك تغضب، هل نأخذ عنك إذا كنتَ غاضبا ؟ أمسك بلسانه و قال: والذي بعثني بالحق إن هذا اللسان لا ينطق إلا بالحق، في الغضب والرضا، أبدا.
(( وللبخاري رواية: الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ تَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ ))
مادام في المسجد الملائكة تدعو لك أن يرحمك الله، قد تقول لي أنت: ليس هناك ثمرة ملموسة من المجيء إلى المسجد، أكبر ثمرة يمكن أن تأخذها ضيافة من الله لأنك في بيته أن تُلهَم الحكمة، كم إنسان دمّر نفسه، كم إنسان حفر مصيره بيده، لأنه أحمق، كم إنسان طلق زوجته طلاقا تعسفيا، أنا كنت قبل أن آتي إليكم بمكان سمعت قصة لا تصدق، إنسان عنده زوجة صالحة جدا، لها اختصاص في العلم الشرعي، وله منها خمسة أولاد ويحب أن يأخذ الأولاد منها و أن يدعَها بلا شيء، فعمل مؤامرة عليها، ترك البيت عشرة أيام، ولا تملك شيئا، فاضطرت أن تخرج من البيت لتقترض من إخوتها أو أبيها ثمن خبز فقط، هيّأ من يتحرش بها في الطريق، ويدفعها إلى أن تسبه، ثم دعيت إلى المخفر فإذا الدعوى قائمة متهمة أنها مجنونة، وأودعت في المستشفى، وليس عندها شيء من الخلل، هو في هذا الوقت أخذ أولاده وسافر بهم خارج القطر، إنسانة ما فعلت معه شيئا، أراد أن يكيد لها، وأن يتهمها بأنها مجنونة، وتآمر مع أشخاص، و القصة طويلة، أقول لكم ملخصها، في البلاد الآخر اتهم بتهمة هو بريء منها، بقي في السجن ثماني سنوات، هو وضعها ثمانية و عشرون يوما، بعد ذلك أخرجوها بالعصفورية، قلت: هذا الإنسان لا يغرف الله أبدا، لو إنسان لم يدرس الشرع ولا قرأ، و لكن يخاف من الله على علم، احفظوا هذا الحديث " كفى بالمر علما أن يخشى الله، وكفى به جهلا أن يعصيه............" لمجرد ألا تدخل حساب الله في حساباتك، لمجرد ألاّ تدخل خالق الكون، وانتقامه وعدله في حساباتك فأنت لا تعرف الله، ليأتين على القاضي العدل يوم القيامة ساعة، يتمنى أن لو لم يقض بين اثنين في تمرة قط، عدل الله محقق مائة في المائة، أما عدله محقق جزئيا في الدنيا، الله يعاقب بعض المسيئين ليردع بقية المسيئين، و يكافئ بعض المحسنين ليشجع بقية المحسنين، قد تجد مسيئا لم يعاقَب في الدنيا، و قد تجد محسنا مات في السجن، ممكن، أما الرصيد الكامل،
﴿ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾
(سورة آل عمران)
إن لم نؤمن باليوم الآخر إيماننا فيه خلل كبير، يجب أن تؤمن أن هناك ساعة سوف تحاسب عن كل شيء.
وفي رواية ثالثة:
(( لَا يَزَالُ الْعَبْدُ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَ فِي مُصَلَّاهُ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ وَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ حَتَّى يَنْصَرِفَ أَوْ يُحْدِثَ ))
(رواه مسلم)
((عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ أَخَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ ذَاتَ لَيْلَةٍ إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا فَلَمَّا صَلَّى أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ إِنَّ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا وَرَقَدُوا وَإِنَّكُمْ لَنْ تَزَالُوا فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرْتُمْ الصَّلَاةَ ))
(رواه البخاري)
إذًا أنت في صلاة ما دمت في المسجد تنتظر الصلاة، وما ذكرته لكم أن النبي عليه الصلاة و السلام من أفعاله، حدثتكم عن أقواله وعن أفعاله وعن إقراره، أيسكته، إذا الإنسان تكلم كلمة أمامه وسكت، إذا أنت طبيب مثلا، و قال لك مريض: يا دكتور: واللهِ أنا سببي أني كلما أكثرت من الملح ينزل ضغطي، يقول لك: لا، هذا خطأ فاحش، إذا أنت طبيب مخلص، توهم المريض أنه كلما أكثر من الملح ينزل ضغطه، هو بالعكس يصعد الضغط، تتم ساكتا ؟ لا تتم ساكتا، ولأن النبي أرحم الخلق بالخلق، فإذا تكلم الإنسان أمامه بكلمة خطأ، كنت اليوم بمؤتمر صحي، و كنت مندوب وزارة الأوقاف، رئيس المؤتمر قال كلمة، قال: إن هناك مركز مكافحة الإدمان، هذا جيد جدا، قال: فيه قسم منه ديِّنين و ملتزمين عالجناهم بسهولة، كيف تقول: ديِّن و ملتزم، وهو مدمن مخدرات، كيف تعقل هذه، مدمن مخدرات هو ديِّن و ملتزم، ما هذا الكلام، هذا كلام يوقع إشكالا، كنا مرة في الجامعة، لكن أستسمح منكم، جاءنا دكتور من البلد، مسلم، من بلدنا، درس في فرنسا، ألف لنا كتابا في التاريخ، وفي المقدمة أن العرب خرجوا من الجزيرة العربية - خطأ - بحثا عن أماكن خصبة، لأنهم فقراء، أما هذه الرسالة التي حملوها للعالم لم يأت على ذكرها إطلاقا، لأنه مستغرب، ما فهم من خروج العرب من الجزيرة بعد مجيء الإسلام إلا من أجل البحث عن مكان حيوي يعيشون منه، فقط، أستاذ ثان، ألّف لنا كتابا عن أ؛د الشعراء، أنا حافظ العبارة حرفيا " كان بشار بن برد - هذا شاعر في العصر العباسي - كان عالما تقيًّا ورعا، لولا زندقته لعُدّ من كبار أئمة الدين، يمكن عمل ترجمة حرفية، لولا زندقته لعُدّ - الشاعر بشار بن برد - من كبار أئمة الدين، ما هذا الكلام ؟ المؤمن له مقاييس، الزندقة خطأ بسيط، هو ديّن وورع وتقي، فقط زنديق، ما هذا الكلام.
فيا أيها الإخوة ؛ رواد المساجد لهم ميزة لا تعرفونها، لا ترعفها إلا أن تجلس مع واحد تائه، تعرف قيمة نفسك، تظلون جالسين فيما بينكم معكم نعمة لا تعرفونها، اجلس مع واحد شارد يقول لك: هذا واحد مدمن مخدرات ديِّن و ملتزم، لا تعقل، و ليس لها وجه، ما دام مدمن مخدرات لا ديّن و لا ملتزم.
فيا أيها الإخوة ؛ من أجل أن تعرف نعمة الهدى، اجلس مع شخص من سنك، ما يعرف شيئا عن الدين، فانظر بماذا يتكلم، تكاد تخرج من جلدك من كلامه، كلامه غير منضبط، فيه سخافة، و فيه ضيق أفق، فيه تصورات باطلة، فيه أنانية، فيه أساليب ملتوية، فأنت قلت لك: لولا زندقته لعدّ من كبار أئمة الدين، هذا مؤلف الكتاب دكتور في الآداب في السوربون، والذي قال: إن العرب خرجوا من الجزيرة فقط ليبحثوا عن مجال حيوي لهم كذلك دكتور في التاريخ من السوربون، فنحن طلابنا ينقلون نقلا حرفيا من كتب المستغربين.
والحمد لله رب العالمين