شرح الحديث الشريف - الشرح المختصر - الدرس ( 016 - 207 ) : ما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه …..
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2001-02-17
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الأخوة المؤمنون: لا زلنا في الترغيب والترهيب، لازلنا في إتحاف المسلم بما في الترغيب والترهيب من صحيح البخاري ومسلم، واليوم الترغيب في ركعتين بعد الوضوء، وقبل المضي في الحديث عن هذا الموضوع، لابد من وقفة حول الفرائض والنوافل.
مواطن عليه ضريبة للمالية هذه يؤديها، فإن لم يؤديها يوجد غرامات وحجوزات وعقاب لكن لو أن مواطناً قدم للوطن بناء ليكون جامعة كما فعل بعضهم في بعض المحافظات لو قدم مستوصفاً لو قدم عملاً عن طيب نفس منه من دون إجبار هذا يستحق حفل تكريم وأن يوجه له كتاب شكر وأن ترفع مكانته، ففرق كبير جداً بين أن تؤدي ضريبة، وبين أن تؤدي عملاً طيباً نافلة لا ترجو إلا رضاء الله عز وجل، هذا يذكرنا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه:
((َمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ ))
(صحيح البخاري)
فرق كبير بين أن تصلي الفريضة وبين أن تصلي قيام الليل، بين أن تصلي الفجر وبين أن تصلي الضحى، النوافل دليل المحبة أما الفرائض دليل خوف، أنت حينما تؤدي الفرائض تنجو من غضب الله ومن العقاب ومن النار، لكن لو كان هناك حب حقيقي لله عزو جل هذا يعبر عنه بالنوافل.
الآن استمعوا لهذا الحديث:
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهم أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِبِلَالٍ عِنْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ يَا بِلَالُ حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الْإِسْلَامِ فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الْجَنَّةِ قَالَ مَا عَمِلْتُ عَمَلًا أَرْجَى عِنْدِي أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طَهُورًا فِي سَاعَةِ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ إِلَّا صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ ))
(صحيح البخاري)
بالمناسبة إذا الإنسان في ضائقة أو مشكلة، أحياناً يكون لك عدو مخيف أو إنسان يكيد لك، شخص يتمنى أن يدمرك وهو أقوى منك شبح مرض مشكلة بالبيت أو بالصحة، الإنسان إذا واجه شدة النبي الكريم علمنا أن ندعو الله بصالح أعمالنا، فكل واحد له عمل قد ينجيه عند الشدة حدثني أخ من كبار تجار الغنم، فكان يقضي بالبادية شهر أو شهرين قال: مرة وأنا في خيمتي اشترى غنم ونائم بخيمة فوقعت فوقه فتاة في ريعان الصبا، وكان بعيداً عن زوجته أكثر من شهرين، فدفعها وقال: ماعاذ الله إني أخاف الله رب العالمين، جاء بعد سنتين كلمة البادية وضللنا الطريق وكدنا نموت عطشاً، قال: دعوت الله بهذا الدعاء قلت يارب إن كنت تركت هذه المرأة خوفاً منك فنجنا الآن، هي عرضت نفسها وبالليل وبخيمة ولا يوجد أحد.
فالمفروض أن يكون لكل واحد منا عنده كذا عمل احتياط مشكلات كثيرة جداً، أنت بحاجة لعمل لا ترجو فيه مديح الناس ولا ثنائهم ولا أن ينوه به أحد.
﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً (9)﴾
(سورة الإنسان)
فهنيئاً لمن له عند الله رصيد كبير بالأعمال الصالحة، والغنى الحقيقي هو العمل الصالح، عندما سيدنا موسى سقى للمرأتين ثم توجه إلى الظل قال:
﴿ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24)﴾
(سورة القصص)
هذا الكلام يعبر عنه بكلام موجز، سيدنا عمر أمسك تفاحة قال: أكلتها ذهبت، أطعمتها بقيت، سيدنا رسول الله وزع شاة كاد أن يوزعها كلها قالت له زوجته:
(( عن عائشة قالت ذبحنا شاة فتصدقنا بها فقلت يا رسول اللّه ما بقي منها إلا كتفها قال كلها بقي إلا كتفها))
(فيض القدير، شرح الجامع الصغير للإمام النووي)
فكل شيء مستهلك انفرض والحديث الدقيق جداً:
(( عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْرَأُ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ قَالَ يَقُولُ ابْنُ آدَمَ مَالِي مَالِي قَالَ وَهَلْ لَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إِلَّا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ.... ))
(صحيح مسلم)
الذي عنده ألف مليون رقم فلكي سوف يحاسب عنها درهم درهم كيف اكتسبها أما الذي له منها الذي أكله فقط والذي لبسه فقط والذي تصدق به فقط، إذاً حتى الذي لك جزء كبير منه يذهب أدراج الرياح إِلَّا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ إلا أما الذي يبقى مما هو لك يوم القيامة أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ ومن أجمل ما قرأت عن تفسير قوله تعالى:
﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27)﴾
(سورة الرحمن)
لا يبقى لك إطلاقاً إلا عمل صالح ابتغيت به وجه الله عز وجل، من هنا قال سيدنا علي: الغنى والفقر بعد العرض على الله، الحديث:يَا بِلَالُ حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الْإِسْلَامِ فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الْجَنَّةِ من بلال ؟ بلال عبد حبشي، وكان ملكاً لسيد في قريش، فلما اسلم كان يضع على صدره صخرة في أيام الحر ويقول: أحدٌ أحد، جاء سيدنا الصديق اشتراه من سيده مبالغة في إهانته قال له سيده: لو لم تدفع به إلا درهماً لبعتكه، ليس له قيمة عندي، فقال له سيدنا الصديق: والله لو طلبت مائة ألف لأعطيتكها، ووضع يده تحت إبطه وقال سيدنا الصديق هذا أخي حقاً، فأصحاب رسول الله كانوا إذا ذكروا الصديق يقولون: هو سيدنا وأعتق سيدنا، الصحابة القرشيون: هو سيدنا وأعتق سيدنا، وسيدنا عمر خرج لاستقباله في ظاهر المدينة فقال له:
((يَا بِلَالُ حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الْإِسْلَامِ فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الْجَنَّةِ قَالَ مَا عَمِلْتُ عَمَلًا أَرْجَى عِنْدِي أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طَهُورًا فِي سَاعَةِ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ إِلَّا صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ ))
الصلاة النافلة، سمع النبي دف نعليه في الجنة كان إذا توضأ يصلي، ويقول عليه الصلاة والسلام:
((ما مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ يُقْبِلُ بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ عَلَيْهِمَا إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ))
(سنن أبي داوود)
ركعتان تقبل بهما على الله تخشع بهما وتناجي ربك بهما ترجو رحمتك فيهما، إلا وجبت له الجنة فيهما.
((عَنْ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ دَعَا بِوَضُوءٍ فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ إِنَائِهِ فَغَسَلَهُمَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الْوَضُوءِ ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثَلَاثًا ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ ثُمَّ غَسَلَ كُلَّ رِجْلٍ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا وَقَالَ مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ))
(صحيح البخاري)
حدثنا أحد علماء دمشق شفاه الله قال: صلى أحدهم إمام بعشرة فصلى أول ركعة والثانية والثالثة والرابعة وقام للخامسة مضيّع، أما العشرة قاموا معه، ولا أحد متذكر أن الإمام أخطأ ! هو مضوّع وهم كذلك، فلما سلّم قال أنا كنت أبيع قمح، أنتم ماذا كنتم تفعلون ؟ ! فكل واحد داخل بموضوع خمس ركعات ثلاثة،
((أحدهم تشاهد وهو واقف يقرأ الفاتحة ثم التشهد فرفع إصبعه، هذه ليست صلاة، فثلاثة أحاديث: نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا وَقَالَ مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ))
فكل واحد يصلي ركعتين كما أرادها النبي معنى ذلك أنها سبب بمغفرة ذنوبه ودخوله الجنة والحمد لله رب العالمين.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم
والحمد لله رب العالمين