الدكتور منصور أبو شريعة العبادي
جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية
إن الوصف الدقيق الذي وصفه القرآن الكريم للطريقة التي تتكون من خلالها الغيوم أو السحب في سماء الأرض وكذلك ذكره لأنواع هذه الغيوم ينفي نفيا قاطعا أن يكون هذا القرآن من تأليف البشر بل هو منزل من لدن عليم خبير سبحانه وتعالى. ومما يثير الدهشة أن عالم الأرصاد الجوية الإنجليزي لوك هوارد
(Luke Howard) عندما قام في مطلع القرن التاسع عشر بوضع تصنيف لأنواع الغيوم أعطى لأحد أنواعها نفس التسمية القرآنية لهذا النوع وهي السحب الركامية حيث أعطى هوارد الكلمة اللاتينية
(Cumulus) والتي تعني ركام أو متراكم.
بل إن الأعجب من هذا أن القرآن الكريم قد أكد على أن البرد لا ينزل إلا من غيوم لها امتدادات في السماء تظهر لمن يراها من أعلاها كأنها الجبال وهو ما أظهرته الصور التي التقطتها الطائرات والأقمار الصناعية. ومما يثير العجب أيضا أن يصف القرآن الكريم بعض السحب بأنها ثقيلة وهذا ما لا يمكن أن يستوعبه عامة الناس فالغيوم بكل أنواعها تطير في الهواء فكيف يمكن أن يكون بعضها ثقيلا وبعضها الآخر خفيفا. ولكن علماء الأرصاد في العصر الحديث يعلمون جيدا ما معنى أن تكون السحب ثقيلة بل ويطلقون عليها اسم السحب الثقيلة
(Heavy clouds) وهي سحب محملة بكميات كبيرة من الماء فلا تكاد تطير في الهواء بسبب ثقلها ولذا نراها قريبة من سطح الأرض كما يظهر في الصورة العليا وصدق الله العظيم القائل
"هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (12)" الرعد. لقد أكد القرآن الكريم في آيات كثيرة على وجود معجزات كثيرة في هذه السحب التي تتكون في السماء وحث البشر على التفكر فيها لكي يكتشفوا الآليات العجيبة التي تقف وراء تكونها بهذه الأشكال العجيبة فقال عز من قائل
"إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164)" البقرة. ولقد اكتشف العلماء في القرن العشرين حقائق مذهلة عن آليات تكون السحاب وطرق نزول المطر منه والآليات التي تضمن وصول المطر إلى مختلف مناطق اليابسة. إن المادة الخام اللازمة لتشكل السحب هو بخار الماء الذي يصعد من المسطحات المائية المختلفة وعلى الأخص المحيطات وذلك بفعل حرارة الشمس وكذلك البخار الذي يخرج من أجسام الحيوانات والنباتات. إن عملية نقل الماء من المحيطات وتوزيعها على اليابسة تتم بآليات بالغة الإتقان حيث تستخدم الطاقة الشمسية لتبخير الماء من المحيطات بدون أن يتم رفع درجة حرارة الماء إلى درجة الغليان.
|
الشكل يوضح دورة تشكل الأمطار |
ويقدّر العلماء كمية الماء المتبخر من المحيطات في السنة الواحدة بأربعمائة وعشرين ألف كيلومتر مكعب ومن اليابسة بسبعين ألف كيلومتر مكعب وتحتاج هذه الكمية الهائلة من الماء المتبخر إلى كمية هائلة من الطاقة تقدّر بمائتين وخمسين مليون بليون كيلواط ساعة في السنة الواحدة. وتتكفل الشمس بتوفير هذه الكمية الهائلة من الطاقة لعملية تبخير الماء من خلال الإشعاع الذي يصل إلى الأرض على شكل أمواج ضوئية وحرارية.
ولو قدر لهذه الكمية الهائلة من الماء المتبخر أن تنزل دفعة واحدة على سطح جميع القارات لوصل ارتفاع الماء عليها إلى عشرة أمتار ولكن من لطف الله بعباده أن 380 ألف كيلومتر مكعب منها ينزل على المحيطات بينما ينزل على اليابسة فقط مائة ألف كيلومتر مكعب تقريبا. وبما أن بخار الماء أقل كثافة من الهواء فإنه يصعد إلى الأعلى ليختلط بالهواء الملامس للمسطحات المائية فيصبح الهواء رطبا وتعتمد كمية بخار الماء التي يمكن للهواء أن يحتويها على درجة الحرارة. إن من أهم الآليات التي يعتمد عليها تشكل السحاب هي أن كمية بخار الماء التي يحتويها الهواء تزداد مع زيادة درجة الحرارة فالمتر المكعب من الهواء على سبيل المثال يمكنه أن يحمل حتى 30 غرام من البخار عند 30 درجة مئوية ولا يمكنه أن يحمل أكثر من ذلك عند هذه الدرجة ويسمى هذا الحد بحد التشبع أو ما يسمى بنقطة الندى
(Dewpoint).
وإذا ما انخفضت درجة حرارة الهواء إلى عشرة درجات مئوية فإن المتر المكعب من الهواء لا يمكنه أن يحمل أكثر من تسعة غرامات من البخار وإذا ما انخفضت درجة حرارة الهواء أكثر فأكثر فإن كمية البخار فيه تقل إلى كمية لا تكاد تذكر. وعلى هذا فإن الهواء المشبع ببخار الماء عندما يبرد يحول بخار الماء الزائد عن حد الندى عند درجة الحرارة الجديدة إلى قطرات من الماء فالمتر المكعب من الهواء المشبع تماما بالبخار عند درجة 30 مئوية ينتج 21 غرام من الماء عندما يبرد إلى درجة 10 مئوية.
أما الآلية الثانية التي يعتمد عليها تشكل السحب فهي أن درجة حرارة الجو تقل تدريجيا مع ارتفاعه عن سطح البحر حيث تقل درجة حرارته بمعدل ستة درجات مئوية تقريبا لكل كيلومتر في الارتفاع. إن هذه الخاصية هي التي تعمل على تحويل بخار الماء المنبعث من أسطح المحيطات إلى غيوم ومن ثم إلى ماء ليعود إلى الأرض ثانية ولولا هذا التقدير في الخلق لاختفى الماء من الأرض منذ زمن بعيد حيث أن بخار الماء أخف من الهواء ولذا فإنه سيهرب إلى الفضاء الخارجي لولا هذه الخصائص العجيبة.
إن بخار الماء المنبعث من المحيطات سيعود إليها حتما أثناء ارتفاعه إلى الأعلى بسبب نكثفه إلى ماء مع انخفاض درجة حرارة طبقات الجو الأعلى ولكن المطلوب هو إيصال هذا الماء إلى اليابسة لإدامة حياة الكائنات عليها.
يتم إيصال الماء المتبخر من المحيطات والبحار إلى اليابسة من خلال الآلية الثالثة وهي الرياح فبدونها ستبقى اليابسة صحراء مقفرة لا حياة عليها رغم وفرة المياه في المحيطات. إن ظاهرة الرياح على الأرض ظاهرة عجيبة لا يمكننا أن نخوض في تفصيلاتها في هذه المقالة وسنفرد لها مقالة خاصة ولكن سنشرح بعض خصائصها التي ستساعدنا على شرح ظاهرة السحب. تنشأ الرياح بسبب اختلاف درجة حرارة سطح الأرض فهو أشد حرارة عند خط الاستواء وتقل تدريجيا كلما تحركنا باتجاه القطبين.
|
الشكل يوضح جهة حركة الرياح على كوكب الأرض |
وبما أن كثافة الهواء تقل مع ارتفاع درجة الحرارة فإن الضغط الجوي عند خط الاستواء أقل منه عند القطبين مما يعمل على تحرك الهواء من القطبين باتجاه خط الاستواء بسرعات عالية منتجا ظاهرة الرياح. ويكون اتجاه الرياح من الشمال إلى الجنوب في النصف الشمالي من الكرة الأرضية ومن الجنوب إلى الشمال في النصف الجنوبي. ولكن وبسبب دوران الأرض وما حولها من الغلاف الجوي حول محورها فإن اتجاه حركة الرياح ينحرف إلى الغرب قليلا عند القطبين مما يؤدي إلى ظهور ثلاثة أنماط مسيطرة من اتجاهات الرياح في كل نصف من الكرة الأرضية كما تبين الصورة المرفقة. ولكن وبسبب اختلاف الحرارة النوعية بين البر والبحر وبسبب وجود تضاريس معقدة على البر وبسبب تأرجح محور دوران الأرض فإن حركة الرياح عند سطح الأرض تشذ عن هذه الحركة العامة في كل منطقة من الأرض منتجة أنماط لا حصر لها من حركة الرياح تتحدد حسب موقع المنطقة وفي أي وقت من السنة. وبسبب هذا التعقيد في العوامل التي تحدد حركة الرياح فإنه من الصعب التنبؤ باتجاه حركتها وكذلك سرعتها بشكل دقيق. تلعب الرياح الدور الرئيسي في تشكل السحب وفي نقل الماء من المحيطات إلى اليابسة وقد أكد القرآن الكريم في آيات كثيرة على هذا الدور البارز للرياح فقال عز من قائل
" وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ (9)" فاطر والقائل سبحانه "وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57)" الأعراف. وتدبر معي أخي القارئ في الآية السابقة قوله تعالى
"إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ " والتي تؤكد على عملية نقل الماء من المحيطات إلى اليابسة فبخار الماء الذي تنتجه المحيطات لا فائدة منه لولا الرياح فهي التي تمر عليه لتحمله بعيدا عن المحيطات ليسقط على اليابسة. وإلى جانب نقلها للسحب من مكان إلى مكان تعمل الرياح بما تحمله من ذرات الرمال والغبار والدخان على تكثيف بخار الماء على هذه الجسيمات الدقيقة وصدق الله العظيم القائل
"وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22)" الحجر. أما الآيات التي تبين بطريقة علمية دقيقة خطوات تشكل السحب من بخار الماء فهي قوله تعالى
"أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (43)" النور وقوله تعالى
"اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48)" الروم .ولكي يتضح للقارئ وجوه الإعجاز في هذه الآيات ومدى دقة التعبير القرآني في وصف عملية تشكل السحب وكذلك أنواعها لا بد من شرح مبسط لما اكتشفه العلماء من حقائق حول طرق تكون السحب وكذلك أنواعها.
تتشكل السحب كما ذكرنا سابقا نتيجة لتكثف بخار الماء الذي في الهواء عندما يبرد وتصل درجة حرارته إلى درجة الحرارة الحرجة وهي الدرجة التي يصل عندها البخار إلى حد التشبع
(نقطة الندى).
وتقوم الرياح بمهمة نقل بخار الماء من المحيطات أو من المناطق الرطبة في اليابسة إلى طبقات الجو الباردة لكي يتكثف ويتحول إلى مطر ينزل إلى الأرض وذلك من خلال عدة طرق.
|
الشكل يوضح دور الرياح في نقل بخاء الماء |
أولها من خلال التيارات الهوائية الصاعدة والتي تتولد عندما يسخن سطح الأرض فيتمدد الهواء الملامس له فتقل كثافته ويرتفع إلى الأعلى حاملا معه بخار الماء والذي يتكثف ليكون السحاب على ارتفاعات مختلفة وذلك حسب درجة رطوبة الهواء والتي كلما قلت كلما ازداد ارتفاع السحب المتكونة, أما الطريقة الثانية فهي من خلال قيام الرياح بحمل البخار من المحيطات وعندما تصل إلى السلاسل الجبلية على اليابسة فإنها ترتفع نتيجة لاصطدامها بها فتصل إلى طبقات الجو الباردة فيتكثف البخار وتتكون السحب.
وأما الطريقة الثالثة فهي من خلال التقاء جبهتين هوائيتين أحدهما دافئة رطبة والأخرى باردة جافة وعند اصطدامهما ترتفع الجبهة الدافئة فوق الباردة بسبب خفة وزنها فتصل بما فيها من البخار إلى الطبقات الباردة ليتحول إلى سحاب, وأما الطريقة الرابعة فهي من خلال هبوط درجة حرارة الهواء المشبع بالبخار إلى ما دون الدرجة الحرجة فيتحول بخار الماء إلى سحاب أو ضباب أو ندى. وعندما يتحول بخار الماء بإحدى هذه الطرق إلى سحاب فإنه يكون على شكل رذاذ
(water droplet) وهي قطرات ماء بالغة الصغر لا يتجاوز قطرها 20 ميكرومتر أو على شكل بلورات ثلجية صغيرة في حالة تكون السحاب عند درجات حرارة دون درجة تجمد الماء. ومن الجدير بالذكر أن البخار لكي يتكثف يلزمه وجود مواد صلبة بالغة الصغر يطلق عليها اسم نوى التكاثف
(Condensation nuclei) وهي متوفرة بكثرة في الجو كالغبار والدخان وحبوب اللقاح وأملاح البحر التي تعلق ببخار الماء عند تبخره ولا يتجاوز قطر هذه الجسيمات الميكرومتر الواحد. وعند وصول هذه السحب إلى مناطق باردة فإن رذاذ الماء يتجمع ليكون قطرات الماء والتي قد يصل حجمها إلى 20 ملليمتر أو ليكون حبات البرد التي قد يصل قطرها لعدة سنتيمترات أو ليكون رقاقات الثلج ذات الأشكال العجيبة. لقد تم تصنيف السحب إلى أنواع مختلفة وذلك حسب شكلها وارتفاع قاعدتها عن سطح الأرض وكذلك فيما إذا كانت ماطرة أو غير ماطرة.
|
الشكل يوضح أنواع السحاب بحسب أرتفاعها |
فمن حيث الشكل صنف العالم الانجليزي هوارد السحب من حيث شكلها إلى ثلاثة أنواع أساسية وهي السحب الركامية
(cumulus) وهي سحب كثيفة لكنها كالصوف المنفوش وقد تكون متقطعة وتغيير شكله بشكل سريع وتتكون من عدة طبقات تتراكم فوق بعضها البعض وسمكها في المتوسط عدة كيلومترات وقد يصل ارتفاع قمتها إلى خمسة عشر كيلومتر عند خط الاستواء والسحب الطبقية
(stratus) وهي سحب رقيقة ومتصلة رمادية أو بيضاء اللوم وتكون على شكل طبقة واحدة لا يتجاوز سمكها عدة مئات من الأمتار والسحب السمحاقية أو القزعية
(cirrus) وهي سحب عالية وخفيفة بيضاء اللون تكون على شكل قطع صغيرة تخرج منها امتدادات على شكل ذيل الفرس.
أما من حيث الارتفاع فقد تم تصنيفها إلى ثلاثة أنواع وهي السحب المنخفضة والتي لا يتجاور ارتفاع قاعدتها عن سطح الأرض كيلومترين اثنين والسحب المتوسطة والتي يتراوح ارتفاع قاعدتها بين كيلومترين وستة كيلومترات والسحب العالية والتي يتراوح ارتفاع قاعدتها بين ستة كيلومترات وخمسة عشر كيلومتر. ولا توجد السحب
(cirrus) إلا في الارتفاعات العالية بينما يمكن أن توجد السحب الركامية والطبقية عند جميع الارتفاعات فهناك السحب الركامية العالية
(Cirrocumulus) والمتوسطة
(Altocumulusِِ) والمنخفضة
(cumulus) وكذلك الحال مع السحب الطبقية. وأما من حيث المطر فقد أطلق العلماء على السحب التي يمكن أن ينزل منها المطر اسم السحب الماطرة أو المزن
(nimbus) فالسحب السمحاقية غير ماطرة بينما بعض السحب الركامية والطبقية تكون ماطرة وفي هذا الحال تسمى المزن الركامية
(Cumulonimbus) والمزن الطبقية
(nimbostratus).
ومن الواضح من الآيات القرآنية السابقة أنها تتحدث عن نوع محدد من السحب وهي السحب الماطرة أو المزن وبالتحديد المزن الركامية والتي تسمى السحب أو العواصف الرعدية ولذا سنشرح بشيء من التفصيل هذا النوع من السحب لنرى مدى التوافق بين ما أوردته الآيات القرآنية عن مواصفاتها وما اكتشفه العلماء عنها.
فالسحب الرعدية تنمو بشكل رأسي وتكون قاعدتها على ارتفاع يتراوح بين 300 و 500 متر عن سطح الأرض وقد تمتد قمة السحابة إلى ما يزيد عن عشرة كيلومترات وهي داكنة اللون عند أسفلها وبيضاء عند أعلاها. وتتكون مثل هذه السحب الرعدية في حالة عدم استقرار الجو وفي الغالب عند التقاء كتلتين هوائيتين أحدهما باردة جافة والأخرى دافئة رطبة مما يدفع الكتلة الهوائية الدافئة للصعود إلى الأعلى مكونة مثل هذه السحب التي تتميز بوجود تيارات هوائية صاعدة وأخرى هابطة في داخلها. وينتج عن الاحتكاك بين مكونات هذه السحب بسبب السرعات العالية للتيارات الهوائية شحنات كهربائية موجبة وأخرى سالبة تعمل التيارات الهوائية بفصلها عن بعضها البعض منتجة فرقا في الجهد بينها قد يصل إلى 380 كيلوفولت وعند تفريغ هذه الشحنات يحدث البرق يتبعه الرعد.
|
تظهر السحب أو العواصف الرعدية على شكل خلايا (Multicell cluster storms) يبلغ قطر الواحدة منها مابين 2 إلى 5 كيلومتر |
وقد تظهر السحب أو العواصف الرعدية على شكل خلايا
(Multicell cluster storms) يبلغ قطر الواحدة منها مابين 2 إلى 5 كيلومتر وهذه الخلايا تتكون تباعا وليس في نفس الوقت. وفي بعض خلايا السحب الرعدية يظهر في مقدمة السحابة من أسفلها جزء اسطواني الشكل ينتج عن الدوامات الهوائية في داخلها كما يظهر في قمة السحابة جزء على شكل السندل
(anvil) وذلك بعد أن تضعف شدة العاصفة.
وفي كل خلية يحمل التيار الهوائي الصاعد الذي قد تصل سرعته إلى مائة كيلومتر في الساعة بخار الماء من أسفل السحابة إلى طبقات الجو العليا ذات درجات الحرارة المتدنية التي قد تصل إلى خمسين درجة تحت الصفر فيتحول بعضه إلى ماء وبعضه إلى برد وثلج والتي تنزل إلى الأرض مع تيار الهواء الهابط التي تبلغ سرعته ثلاثين كيلومتر في الساعة.
وتعتمد كمية الماء في الخلية الواحدة على نصف قطرها وارتفاعها فخلية بقطر ثلاثة كيلومترات وارتفاع ستة كيلومترات قد تحتوي على ما يقرب من نصف مليون طن من الماء. ونأتي الآن على شرح الآيات القرآنية السابقة والمتعلقة بتشكل السحاب على ضوء الحقائق العلمية التي شرحناها آنفا, فالحقيقة الأولى التي أكدت عليها الآيات القرآنية هو أن الرياح تلعب الدور الرئيسي في عملية تكون السحب فهي التي تقوم بنقل بخار الماء من فوق البحار إلى اليابسة وهي التي تقوم برفعه إلى طبقات الجو الباردة لكي يتكثف ويتحول إلى ماء أو برد أو ثلج وهي التي تجلب ذرات الرمال والغبار اللازمة لعملية تكثيف البخار كما في قوله تعالى
" اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا"وقوله تعالى
" وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ".أما الحقيقة الثانية فهي أن السحاب يأخذ أشكالا لا حصر لها في جو السماء تدعو للتدبر والتأمل وتثير البهجة في النفوس لقوله تعالى
"فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ ". |
الشكل يوضح دور ا لرياح في تشكل السحب الركامية ثم نزول المطر والبرد |
أما الحقيقة الثالثة فهي ضرورة تجميع كميات كبيرة من بخار الماء في حيز واحد لكي يتم الحصول على كميات ماء كافية وهذا يتم من خلال تراكم الغيوم فوق بعضها البعض لقوله تعالى
"ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا". أما الحقيقة الرابعة فهي أن البرد لا يمكن أن يتكون إلا في طبقات الجو الباردة جدا وهذا يلزم رفع الغيوم لارتفاعات عالية تصل لما يزيد عن عشرة كيلومترات ولذا نجد أن بعض خلايا السحب الرعدية تبرز كالجبال فوق مستوى السحابة حيث يتكون البرد فيها لقوله تعالى
"وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ". أما الحقيقة الخامسة التي ذكرتها الآيات القرآنية وهي الأعجب أن السحب الرعدية يجب تقسيمها إلى خلايا لكي تتمكن من تكثيف ما بها من بخار بكفاءة عالية وفي وقت قصير كما شرحنا ذلك آنفا وذلك مصداقا لقوله تعالى
"وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ". أما الحقيقة السادسة فهي تأكيد الآيات على حقيقة وجود سحب ثقيلة تحمل كميات كبيرة من الماء تقاس بملايين الأطنان وذلك في قوله تعالى
"حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا" وقوله تعالى
"وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ". أما الحقيقة السابعة فهي ربط حدوث البرق مع هذا النوع من السحب الرعدية وهذا هو الحال فالبرق لا يتولد إلا بوجود مثل هذه السحب كما قال تعالى
" يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ". وبعد هذا الشرح لهذه الآيات القرآنية ومطابقتها لما اكتشفه العلماء من حقائق علمية عن السحب بعد مرور ما يزيد عن 1400 عام من نزول القرآن هل يمكن لإنسان عاقل ومنصف أن ينسب هذا القرآن الكريم لإنسان أمي عاش في بيئة صحراوية لا تظهر فيها السحب الرعدية إلا نادرا. إن الذي يتحدث عن هذه السحب بكل ثقة وبتأكيد لا يساوره أي شكل فيعطي تفصيلات بالغة الدقة عن تركيب هذه السحب لا زال أكثر الناس في هذا العصر يجهلها هو من خلق هذه السحب وهو من أنزل هذا القرآن وهو القائل سبحانه
"إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا(98) " طه.