أختي الغالية: يا من تحبين آل بيت النبي عليه وعليهم الصلاة والسلام، اسألي نفسكِ بعض الأسئلة لنعود إلى صدر ما بدأنا به من أهمية العقل وإعمال الفكر، وسأخاطب غيركِ؛ لأني أعلمُ أنكِ أرفع ممن سأخاطبهم بكثير!!
يقولون: (ارتد الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ثلاثة)!!
وأقول: إذاً فقد فشل النبي صلى الله عليه وسلم في تربية أصحابه؛ بعد أن أمضى معهم ثلاثاً وعشرين سنة، لم يستطع تربية وهداية أحد إلا ثلاثة!! وأين هم من آيات الثناء العاطر على الصحب الكرام في كتاب ربنا جل وعلا؟
فالله جل وعلا يقول: ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)) [البقرة:218].
ويقول تعالى: ((فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ)) [آل عمران:195].
وقال تعالى: ((وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)) [التوبة:100].
وقال تعالى: ((وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)) [النحل:41].
وقال تعالى: ((ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)) [النحل:110].
وقال تعالى: ((وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمْ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)) [الحج:58].
وقال تعالى: ((لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً)) [الفتح:18].
فماذا تفعلين أختاه بكتاب الله وآياته المحكمات في مدح الصحابة والصحابيات؟ هل تعرضين عن كلام العزيز الجبار وترضين بكلام البشر في أصحاب خير البشر صلى الله عليه وسلم؟! أم تتبعين ما تشابه من القرآن فتخلطين الآيات وتجعلين آيات المنافقين في الصحابة أيضاً، مع أن الله عز وجل بيَّن صفات كل منهم، وبيَّن أن هؤلاء غير هؤلاء، أم إنكِ سَتُسلِّمين لله وتقولين: سمعنا وأطعنا كلٌ من عند ربنا؟
يقولون: بجواز دعاء غير الله! والطواف بالقبور! وشد الرحل إليها!
وأقول: وهل يخرج من مشكاة آل البيت الأطهار ما يخالف صريح القرآن العظيم؟ والله يقول سبحانه: ((وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)) [غافر:60]، والله يقول: ((وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)) [الحج:29] ولم يقل: ادعوا غيري وطوفوا بقبر أو غيره!!
يقولون: أبو بكر وعمر وعائشة وحفصة كُفَّار بالله العظيم.
وأقول: أبو بكر وعمر، تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ابنتيهما: عائشة وحفصة! فهل يليق بمكانة النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج في الإسلام من كافرات بنات كفار؟! أليس هو المؤيد بالوحي؟ وعمر تزوج ابنة علي (أم كلثوم) رضي الله عنهم؛ فهل يُزوِّج عليٌ كافراً؟!
يقولون: أبو بكر وعمر كسرا باب بيت عليٍ وضربا فاطمة وأسقطا جنينها!!
وأقول: وأين علي الحيدرة أسد الأسود وبطل الأبطال؛ ألا يدافع عن زوجته وبيته؟!
يقولون: الإمامة نصٌ من الله لـعلي رضي الله عنه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم للحسن، ثم للحسين رضي الله عنهم!!
وأقول: كيف يخالف الإمام علي رضي الله عنه كتاب الله وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويُسلم الخلافة لـأبي بكر ثم لـعمر ثم لـعثمان رضوان الله على الجميع، وكذا الحسن كيف يتنازل عن هذا المنصب الإلهي لـمعاوية رضي الله عن الجميع؟؟
فإن قالوا: اجتهدا! قلنا: هل يجوز الاجتهاد مع وجود النص؟؟ إذ لو كانت الإمامة من أصول الدين -كما يذكر علماء الشيعة تخرصاً- فكيف يذكر الله في القرآن أصول الإيمان وأركان الإسلام، ولم يذكرها فيه لا نصاً ولا تلميحاً بالمعنى الذي يريده هؤلاء، علماً أن الله ذكر كلب أصحاب الكهف وحمار عزير وهدهد سليمان؟! قليلاً من التأمل يا أخية!!
يقولون: إن علياً أخفى القرآن الحق الذي لم يُحرَّف معه؛ وجعله مع القائم (المهدي)!!
وأقول: هل يجوز أن تبقى الأمة خليَّة من كتاب ربها طيلة هذه الدهور؟؟
يقولون: إن الأئمة يعلمون الغيب!!
وأقول: ألم يقل الله: ((قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ)) [النمل:65] وكيف يموت بعضهم مسموماً؟ فهل انتحر هذا الإمام مع علمه أنه يموت بالسم فأكله؟؟
ويقولون: إن الصحابة الكرام غير عدول!!
وأقول: يلزم من هذا عدم تواتر القرآن الكريم حيث هو عن طريقهم وصل إلينا.
يقولون: العداوة مُستحكمة بين الصحابة وآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم.
وأقول: فما بال المصاهرات بينهم؟ فهل تزوج ابنتك أو ابنك بمن تبغض؟ وما بال علي رضي الله عنه وأبنائه يسمون أبناءهم بأسماء الخلفاء: أبو بكر وعمر وعثمان؟ فهل تسمي ابنك باسم من تبغضه؟ وهنا بطل نهر مَعْقِل!!
ويقولون: بعصمة الأئمة من الذنوب والأخطاء والسهو والغلط!
وأقول: فما بال القرآن يُثبت الذنب لآدم والنسيان لموسى، والعِتاب للنبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم؟ وغير ذلك أخيتي كثير كثير.
فهذه عجالة من قلم، ولم أُرد التفصيل في مسائل كثيرة؛ أنتِ بها أعلم لواقع المعايشة والبيئة المفروضة، وصدق الله العظيم: ((وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً)) [النساء:82].
وقد أشار طائفة من علماء الشيعة في مصنفاتهم إلى كثرة الاختلاف في مذهبهم، واقفين موقف العاجز أمامها مرة؛ والمتخبط مرة أخرى، فمرة يحملونه على مخالفة العامة أهل السنة! وإن وافق القرآن وفعل النبي صلى الله عليه وسلم؛ ومرة يُحمِّلون التقيّة عِبء المسألة!
فهذا الطوسي عالم الشيعة الكبير يقول في أول كتابه: تهذيب الأحكام [1/2]:
(وما وقع فيها من الاختلاف والتباين والمنافاة والتضاد، حتى لا يكاد يتفق خبر إلا وبإزائه ما يضاده، ولا يسلم حديث إلا وفي مقابلته ما ينافيه، حتى جعل مخالفونا ذلك من أعظم الطعون على مذهبنا، وتطرقوا بذلك إلى إبطال معتقدنا.. إلى أن قال: سمعت شيخنا أبا عبد الله أيده الله يذكر أن أبا الحسين الهاروني العلوي كان يعتقد الحق ويدين بالإمامة، فرجع عنها لما التبس عليه الأمر في اختلاف الأحاديث وترك المذهب ودان بغيره..).
ولا يخفى عليكِ البون الشاسع والبعد الهائل بين هذا المذهب وبين القرآن الكريم والعقل السليم!
أختي الغالية: هذه آخر كلماتي وأسطري في رسالتي هذه إليكِ، سدد الله خطاكِ ورعاكِ، وأرجو منكِ -أخية- أن تأخذي بأحسنها وأن تنظري إليها بعين الإنصاف والعدل، وتجردي نفسكِ من الهوى والتعصب المذموم؛ فوالله ما أمسكت بالقلم إلا لأكتب لكِ محبة صادقة، وشفقة عليكِ في الدنيا والآخرة.
ولتعلمي بعد أني وإياكِ سنقف بين يدي الله، فماذا أنتِ قائلة بعد أن بَلَغتْكِ الحجة واتضح لكِ الأمر.
والله تعالى أعلم وأحكم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.