الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
أيها الآباء الكرام أكتب إليكم هذه الرسالة انطلاقاً من قوله تعالى:
وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:3] و من قوله
:
{ إذا أحببت أخاك فأخبره أنك تحبه } ومن قوله
{ الدين النصيحة } لقد حباكم الله محبة وهيبة وقبولاً في قلوب أبنائكم وإخوانكم وعشيرتكم ومَن عرَفَكُم وما ذلك إلاّ لإخلاصكم وصدق نيتكم وأريحية تعاملكم وقوتكم في الحق وحرصكم عليه.
من هذا المنطلق وددت أن أذكّرَكُم ببعض الأمور التي لا تخفى عليكم حيث أنكم تذكرونها وتعلمونها وتستشعرونها ولكن لحاجة في نفس يعقوب أحببت الكتابة إليكم مُذَكّراً وناصحاً ومحباً..
الأمر الأول: والذي أود أن أذكركم به هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تجاه أولادكم، فقد أصبح ثغرةً يجب أن تُسَدَّ ويحتاج إلى رباط وصبر
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران:٢٠٠].
فأين نحن من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر؟! أين واجبنا في إنكار المنكرات التي لا أقول أصبحت في الشوارع ولكنها دخلت إلى بيوتنا وإلى غرفنا الخاصة، وإلى عقولنا وعقول أولادنا وبناتنا؟! واجبنا أن نأمر أولادنا بالمعروف وننهاهم عن المنكر، ونبعدهم عنه، ونطهر بيوتنا من المنكرات، وألا نجلب لهم ما يؤدي إلى انحرافهم وفسادهم.
واجبنا أن نبذل مما أعطانا الله من الوقت والجهد والنصيحة والتوجيه والإرشاد وأن نربي أولادنا على معاني الرجولة والهمة ونجعل منهم رجالاً
لّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ [النور:٣٧] رجالاً
يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ [التوبة:١٠٨].
الأمر الثاني: أن نحرص على تعليمهم أصول الإيمان ومبادئ العقيدة الصحيحة وأن نُعرفهم بربّهم وخالقهم ورازقهم، وأنّه واحد لا شريك له، وليس معه إله ثان، وأنّه لا معبود بحق إلاّ الله، وأن نحذرهم من الشرك وأهله وصوره، ونحول بينهم وبين كل ما يخدش عقيدتهم أو يفسدها.
الأمر الثالث: أن نربي أولادنا على الطاعة... أن نربيهم على دين الله وعلى حفظ كتاب الله... وحفظ أحاديث رسوله
، ونكون قدوة صالحة لهم... فإنّ الأب هو القدوة في طيب كلامه وحسن معشره وبُعده عن الحرام... قدوة بحكمته في كل الأمور... قدوة بأسلوبه في التصحيح والرفق... قدوة باستشارته لهم وإشراكهم معه ومصادقته لهم... والعدل بينهم والصدق معهم.
الأمر الرابع: أن نحثهم على الصلاة ونحرضهم عليها، ونوقظهم لها وندرِّبهم عليها منذ الصغر، ونصحبهم معنا إلى بيوت الله، امتثالاً لأمر الله تعالى:
وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا [طه:١٣٢] ونعظم هذه الشعيرة العظيمة في قلوبهم... فمن عظّمها أحياها في قلبه... وأحياها في بيته... ونوصيهم بأن ترك الصلاة محاربة لله، وبتركها ينقطع عنهم مدد السماء، ويغضب عليهم من في السماء ومن في الأرض، ونعلمهم أن تارك الصلاة الذي لا يتعرف على بيت الله لا يُواكَل ولا يُشارَب ولا يُجالَس، ولا يُرافَق ولا يُصدَّق ولا يؤتمن، ولا يُغسل إذا مات ولا يُصلّى عليه، ولا يُقبر في مقابر المُسلمين والعياذ بالله.
الأمر الخامس: أن نربطهم بالقرآن، ونحثّهم على حفظه وقراءته وتلاوته وفهمه وتدبره وسماعه، وأن نحرص على تعليمه لهم منذ الصِغَر، فهم أقدر على الحفظ لصفاء ذهنهم وتفرغ عقولهم، كما أنّ ارتباطهم بالقرآن منذ الصغر أدعى إلى أن ينشئوا محبين له متعلقين به، مؤتمرين بأوامره، منتهين عن نواهيه، متخلقين بأخلاقه، سائرين على منهاجه.
الأمر السادس: أن نحول بينهم وبين الأسباب التي تؤدي إلى انحرافهم وضياعهم... فنجلب لهم ما ينفعهم وندفع عنهم ما يضرهم، ونكون على ثقة بوعد الله
وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69].
واعلم أيها الأب الكريم أن أهم ما يجب أن تحذر ابنك منه وتبعده عنه هم قرناء السوء، وأصدقاء الشر،، فالولد الذي يخالط قرناء السوء وخلطاء الشر لا بد أن يتأثر بأخلاقهم ويتعلم منها الفساد، ويكتسب منهم أحط العادات و أقبح الأخلاق.
أيها الآباء: بعد هذا كله أذكركم و نفسي بالإحتساب في كل عمل تقومون به، وفي كل كلمة تقولونها أو تكتبونها، وفي كل خطوة تخطونها، احتسبوا عند الله كل صغيرة وكبيرة وكل شاردة وواردة، وتحملوا مشاق التربية، وصعوبة التوجيه، واعلموا أنكم أول من يكتوي بنار انحرافهم وعقوقهم إن أهملتم تربيتهم، وفرطتم في حقهم.
وأختم حديثي معكم بهذه القصة لعل فيها عبرة لكل أب يهمل أولاده ويغفل عن تربيتهم..
جاء رجل إلى عمر بن الخطاب
يشكو إليه عقوق ابنه، فأحضر عمر الولد وأخذ يأنِّبه على عقوقه لأبيه. فقال الولد: يا أمير المؤمنين أليس للولد حقوق على أبيه؟ قال: بلى، قال: فما هي يا أمير المؤمنين؟ قال عمر
: أن ينتقي أمَّه ويحسن اسمه، ويعلمه الكتاب - أي القرآن - فقال الولد: يا أمير المؤمنين إنّ أبي لم يفعل شيئاً من ذلك، أمّا أمي فإنّها زنجية كانت لمجوسي، و قد سمّاني جُعلاً - أي خنفساء - ولم يعلمني من الكتاب حرفاً واحداً. فالتفت عمر إلى الرجل وقال له: جئتَ إليّ تشكو عقوق ابنك وقد عققته قبل أن يعقك، وأسأت إليه قبل أن يسئ إليك.
فاستعينوا بالله أيها الآباء على تربية أولادكم واطلبوا الهداية لهم منه، فهو وحده الهادي وهو وحده القادر على ذلك واسألوه الذرية الصالحة، وألحوا عليه في الدعاء
رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً [الفرقان:٧٤].
أسأل الله أن يرزقني وإيّاكم الذرية الصالحة، وأن يوفقنا لما يحبه و يرضاه.
وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.