فخورة بأنوثتي (الجزء الأول)
جمع وإعداد / د.ريم الباني .
يا أملاً للأمة قدركِ الإسلام وأنتِ طفلة فرعاكِ وحنّن عليكِ قلوب الوالدين , قالت عائشة زوج النبي صلى الله عليه و سلم : (جاءتنى امرأة معها ابنتان لها فسألتنى فلم تجد عندي إلا تمرة واحدة فأعطيتها فقسمتها بين ابنتيها ثم قامت فخرجت فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فحدثته فقال من يلي من هذه البنات شيئا فأحسن إليهن كُنّ له ستراً من النار ) . 1
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ وُلِدَتْ لَهُ ابْنَةٌ فَلَمْ يَئِدْهَا وَلَمْ يُهِنْهَا وَلَمْ يُؤْثِرْ وَلَدَهُ عَلَيْهَا يَعْنِي الذَّكَرَ أَدْخَلَهُ اللَّهُ بِهَا الْجَنَّةَ ) . 2
ورعاكِ زوجة وجعل مقياس الشهامة والرجولة في الحنو عليكِ , وجعل فيكِ من عاطفة الأمومة والمشاعر الفيّاضة للزوج والأبناء ما يجعل منكِ نهراً من عطاء , وشلالاً من حب .
أعلى قدركِ أماً فجعل حقوقكِ ثلاثاً, فقال صلى الله عليه وسلم لمّا سأله رجل فقال : يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي قال : (أمك قال ثم من قال ثم أمك قال ثم من قال ثم أمك قال ثم من قال ثم أبوك ) . 3
ومعاوية بن جاهمة السلمي رضي الله عنه قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : ( يا رسول الله : إني كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة , قال : ( ويحك أحية أمك ؟ ) قلت نعم قال : ( ارجع فبرها ) ثم أتيته من الجانب الآخر فقلت: يا رسول الله إني كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة قال: ( ويحك أحية أمك ؟ ) قلت نعم يا رسول الله قال: ( فارجع إليها فبرها ) ثم أتيته من أمامه فقلت: يا رسول الله إني كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة قال: ( ويحك أحية أمك ؟ ) قلت: نعم يا رسول الله قال: ( ويحك ألزم رجلها فثم الجنة ) . 4
وعظّم الدينُ حقكِ كزوجة , تأملي معاملة النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة (لمّا أن كان النبي صلى الله عليه وسلم عند بعض نسائه فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام فضربت التي النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها يد الخادم فسقطت الصحفة فانفلقت فجمع النبي صلى الله عليه وسلم فلق الصحفة ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة ويقول غارت أمكم ثم حبس الخادم حتى أتي بصحفة من عند التي هو في بيتها؛ فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كسرت صحفتها, وأمسك المكسورة في بيت التي كسرت). 5
ولا شك أن النساء شقائق الرجال، وبين الفريقين روابط تكوينية من أول وجودهما، أشار لذلك القرآن في أوائل السور المسماة باسمهن سورة النساء في قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}. [النساء1]
فهذا أصل علاقة النساء بالرجال، أن الجميع من أصل واحد هو آدم وزوجه التي خلقت منه، وأن المرأة فرع عن الرجال ابتداءً، ثم تناسل الأصل وتكاثر الفرع حتى تواجدت الأمم والشعوب، وظلَّت المرأة شقيقة للرجل في حياته على مدى العصور، حتى لعبت بها الأهواء، وتقاذفتها الأغراض، واختلفت وجهات النظر فيها، حتى أصبحت كالسلعة تباع وتوهب، ويكارم بها, حتى جاءت اليهودية؛ فكانت المرأة مهانة على أمر لم يسعها دفعه، فكان اليهود إذا حاضت فيهم المرأة لم يؤاكلوها ولم يشاربوها, وجاءت النصرانية فقالوا : (إن المرأة مخلوق نجس لا يحق لها أن تمس الكتاب المقدس ) ، أما المرأة العربية في الجاهلية فكان أمرها مضطرباً مابين تنصيبها ملكة (كبلقيس) في عهد نبي الله سليمان، وبين وأدها حية، أو ميراثها كرهاً عنها، وحرمانها من ميراث والديها وأولادها، وإكراهها على الزواج ممن ترضى ومن لم ترض, ولما جاء الإسلام أمر بتكريم المرأة وجعلها جزء من المجتمع وكان تعامل النبي صلى الله عليه وسلم تعامل لين ورحمة ومحبة, وهذا ما سنعرفه ويتبين لنا جميعاً وذلك من خلال متابعتنا لهذه النماذج الحية من حياته صلى الله عليه وسلم :
1. حسن خلقه - صلى الله عليه وسلم- مع النساء:
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خيُركم خيُركم لأهله وأنا خيرُكم لأهلي)6, قال الشيخ الألباني صحيح ، وكان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه جميل العشرة، دائم البشر، يداعب أهله، ويتلطف بهم، ويوسعهم نفقة، ويضاحك نساءه، حتى إنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، ويتودد إليها بذلك، قالت: (سابقني رسول الله فسبقته فلبثت حتى إذا أرهقني اللحم أي سمنت سابقني فسبقني فقال : هذه بتلك يشير إلى المرة الأولى)7 ، ويجتمع نساؤه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان، ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها، وكان ينام مع المرأة من نسائه في شعار واحد، يضع عن كتفيه الرداء، وينام بالإزار، وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله يسمر مع أهله قليلاً قبل أن ينام يؤانسهم بذلك صلى الله عليه وسلم وقد قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} . [الأحزاب 21]
روى الإمام أحمد وأبو داود عن كلثوم قالت: (كانت زينب تُفلي رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم, وعنده امرأة عثمان بن مظعون ونساء من المهاجرات، يشكون منازلهن أنهن يخرجن منه ويضيق عليهن فيه؛ فتكلمت زينب وتركت رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنكِ لست تكلمين بعينكِ، تكلمي واعملي عملك) 8 , وروى النسائي وأبو بكر الشافعي عن عائشة رضي الله عنها قالت: ( زارتنا سودة يوماً، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبينها، إحدى رجليه في حجري والأخرى في حجرها، فعملت له حريرة أو قال خزيرة فقلت: كلي, فأبت فقلت: لتأكلين أو لألطخنَّ وجهكِ، فأبت، فأخذتُ من القصعة شيئاً، فلطخت به وجهها؛ فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجله من حجرها تستقيد مني، فأخذت من القصعة شيئاً فلطخت به وجهي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك...... الحديث) . 9, وفي رواية " فمر عمر فقال: ( يا عبد الله، يا عبد الله، فظن أنه سيدخل فقال: قوما فاغسلا وجوهكما؛ فقالت عائشة: فما زلت أهاب عمر لهيبة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم) ، وروى النسائي عن النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنه قال: (استأذن أبو بكر رصي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم؛ فسمع صوت عائشة رضي الله عنها عالياً؛ فلما دخل تناولها ليلطمها، وقال: لا أراكِ ترفعين صوتكِ على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يحجزه، وخرج أبو بكر مغضباً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم حين خرج أبو بكر: (كيف رأيتيني أنقذتكِ من الرجل) ، قال: فمكث أبو بكر أياماً، ثم استأذن، فوجدهما قد اصطلحا، فقال لهما: أدخلاني في سلمكما كما أدخلتماني في حربكما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (قد فعلنا، قد فعلنا)) . 10
2. الرفق بالأرامل والإماء:
كان النبي صلى الله عليه وسلم من رعايته ورفقه بهما نجده يوليهما اهتماماً خاصاً، وعناية كسائر الضعَفة من المسلمين، بل أكثر، لما يترتب على ذلك من عظيم الأجر، كم دل على ذلك من أقواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم , وذلك في أمور كثير من أهمها:ــ
أ- عدم التكبر عليهم:
لقد أولاهم صلى الله عليه وسلم كامل رحمته ورفقه، والسماع لشكواهم، فكان صلى الله عليه وسلم لا يتكبر على الأرملة ولا يأنف منها, فقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( فكان لا يأنف ولا يستكبر أن يمشي مع الأرملة والمسكين فيقضي له حاجته ) 11, وهو عليه الصلاة والسلام يرى أنهم فئة محتاجة ولا عائل لهم بعد الله إلا هو صلى الله عليه وسلم ؛ فلذلك أهتمَّ بأمر الأرامل، وأولاهنَّ العناية الخاصة المناسبة لهن، حيث يتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بقضاء حاجة المحتاجين، وهم من رعيته، ويُسأل عنهم يوم القيامة.
وهو يضع ويوضح الطريق الصحيح والمبدأ التربوي للأمة بهذا التعامل والأسلوب العملي التطبيقي، لكي يقتدي به من يأتي من بعده، ويلي أمراً من أمور المسلمين.
ب- القيام بحاجة الأرامل والإماء:
فقد شاهد ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم صحابتُه الكرام في مواقف عدة، وتناقلوها بعدة روايات، وتأثروا بها، وطبقوها في حياتهم ؛ فقال أنس بن مالك رضي الله عنه: (إن كانت الأمَة من إماء أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت) 12، وهذا من تواضع النبي صلى الله عليه وسلم ولطفه بالأمَة المملوكة التي تحتاج المساعدة والرعاية منه، والرفق، حيث لا تجد من يعولها غيره صلى الله عليه وسلم فكسرت حاجز الهيبة بينها وبينه والخوف منه، لما تعرف من خلقه الرفيع، والتعامل الحسن.
والمقصود من الأخذ "باليد" لازمه، وهو الرفق والانقياد، وقد اشتمل على أنواع من المبالغة في التواضع؛ لذكره المرأة دون الرجل.
وقال في موضع آخر: والأخذ باليد إشارة إلى غاية التصرف، حتى لو كانت حاجتها خارج المدينة، والتمست منه مساعدتها في تلك الحاجة، لساعد على ذلك"13 , وبالإضافة إلى فعله وتطبيقه الرفق والشفقة بالأرامل، فهو يحث الأمة، ويأمر المسلمين بكفالتهم ويرغب فيه، كما في هذا الموقف.
ج- السعي على الأرملة والقيام بمصالحها:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، أو القائم الليل، الصائم النهار)11. والساعي هو الذي يذهب ويجيء ويتردد في تحصيل ما ينفع الأرملة والمسكين .