بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
دعاء الاستفتاح :
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما, وأرنا الحق حقاً وارزقنا أتباعه, وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
هذه مراتب الدنيا :
عقد الإمام النووي -رحمه الله تعالى- باباً في كتابه رياض الصالحين, من كلام سيد المرسلين عليه أتم الصلاة والتسليم, عقد باباً سماه: باب فضل ضعفة المسلمين والفقراء والخاملين.
يعني: هذه الدنيا فيها مراتب. قال تعالى:
﴿انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾
[سورة الإسراء الآية:21]
في معلم بقرية, في أستاذ بالجامعة, في مجند وفي رئيس أركان, في ممرض وفي جراح قلب, في بائع متجول في رئيس غرفة تجارة:
﴿انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾
[سورة الإسراء الآية:21]
الحظوظ موزعة في الدنيا توزيع ابتلاء :
الحظوظ -أيها الأخوة- موزعة في الدنيا توزيع ابتلاء.
يعني: الله عز وجل امتحنك في شيئين؛ امتحنك فيما أعطاك, وامتحنك فيما حرمك, ولك عند الله مادتا امتحان؛ الذي حرمك منه مادة امتحانك مع الله, لأن جوهر الحياة الدنيا هي دار ابتلاء, دار امتحان, فأحد مواد الامتحان: الشيء الذي حرمك إياه, وأحد مواد الامتحان: الشيء الذي أعطاك إياه, فأنت ممتحن فيما أعطاك, ممتحن فيما زوي عنك, من هنا: كان أروع دعاء للنبي -عليه الصلاة والسلام-:
((اللهم ما رزقتني مما أحب, فاجعله قوة لي فيما تحب, وما زويت عني مما أحب, فاجعله فراغاً لي فيما تحب))
[أخرجه الترمذي في سننه]
يعني: مثل المنشار تماماً, الذي نلته من الله, وظفته في الحق فارتقيت به, والذي حرمك إياه, وظفت وقته الفارغ في الحق فارتقيت به.
إنسان حُرم الزوجة التي تروق له هذه مشيئة الله, الفراغ الذي كان سيمضيه, سينفقه وهو إلى جانبها, لعله يمضيه في بيوت الله.
من هو الموفق؟ :
من يومين تقريباً أو أربعة أيام, تكلمت كلمة في جامع الناس, قلت: أن الإنسان الموفق يكتشف النواحي الإيجابية بالسلبيات, قال: كيف؟ قلت لهم: طريق كله خطر, هذا الطريق مزعج لمن يقود السيارة, له ميزة واحدة, لا تنام فيه أبداً, لا تنام فيه, أما الطرقات المستقيمة الثقيلة, حوادثها رهيبة, مع صوت رتيب, تنام, فأنت حينما تكتشف: أن هذا الطريق الذي في حفر, والمتعرج, والضيق, هذا يجعلك يقظاً دائماً.
هذه النقطة, هذا نوع من أنواع التوفيق في الحياة, تكشف النواحي الإيجابية بالسلبيات, ارتفع سعر اللحم, اللحم الإكثار منه يقسي القلب, ويرفع الكوليسترول, ويزيد حمض الأسيل, وهناك ثمانية أمثال أمراض القلب في الدول الغنية من أكل اللحوم.
دراسة أجريت في أمريكا :
يعني: أنا أجمل شيء قرأته: أنهم أجروا دراسة, دراسة بأمريكا حول غذاء الشعوب في العالم, توصلوا إلى أن أرقى غذاء بالعالم, غذاء شعوب المتوسط, لأنها فقيرة.
نحن ما عندنا إنسان كل عمره عصير شرب, يأكل تفاحة, برتقالة, هذه المادة السيللوزية بالتفاح, بالفواكه والخضروات مهمة جداً, أولاً مادة مالئة, ثانياً مادة محرضة, ثالثاً مادة تمتص كل الكوليسترول الزائد في الأمعاء, فإذا الإنسان أكل هذه الخضر والفواكه, ما أكلها عصير, أكلها كما خلقها الله عز وجل, هذا أفضل ألف مرة.
فشعوب المتوسط لفقرها, تأكل بكثرة المادة السيللوزية في الخضار والفواكه, هذه واحدة, ولفقرها تستخدم البروتين النباتي الفول والحمص, وتستخدم زيت الزيتون, زيت الزيتون+ البروتين النباتي+ السيللوز في الخضار والفواكه, هذا أفضل غذاء بالعالم.
هل تعلم؟ :
الدول: أعلى نسبة سرطان مستقيم باليابان؛ أن كل الطعام عصير, هذا العصير هذا نهايته, يعمل كسل في الأمعاء, والكسل إذا استمر يعمل سرطان, أعلى نسبة سرطان في الأمعاء في اليابان موجود, سرطان بالمستقيم بالذات, فإذا الإنسان استطاع, ليس عنده سيارة إنسان, هذا شيء مزعج, فإذا اكتشف أن المشي ......
قال له: إما أن تمشي, إما أن تمشي, (إما أن تمشي, إما أن تمشي), المشي خير الرياضة, فإذا الإنسان ليس عنده سيارة, فاكتشف: أن المشي مفيد جداً, دخله قليل, اكتشف أن الغذاء البروتيني النباتي أفضل من الحيواني, إذا وجد الطريق كله حفر, قال: الطريق المتوج الذي في حفر لا ينام فيه.
من علامة سعادة الإنسان :
أنا أضرب أمثلة: المؤمن يكتشف النواحي الإيجابية بالسلبيات, فقال لي شخص: كله واضح, لكن هذه الزوجة السيئة ما ميزتها؟ ما نواحيها الإيجابية؟ قلت له: هذه ميزتها, تأتي إلى عندنا على الجامع, يطفش من البيت, يأتي على الجامع, لو كان كما يتمنى, ضعها واجلس, جاء يوم القيامة مفلس مثلاً.
فالإنسان إذا كان الله عز وجل قسم له شيء في الدنيا, من علامة سعادته: أن يرضى بها, من علامات سعادته: أن يكتشف النواحي الإيجابية, يقول لك: دخلي لا يكفيني.
وقفة متأنية :
وقت قانون تحويل العملة, في تجار لم يناموا الليل, في سبعين ألف تاجر, انسحب من الاستيراد, عشرون سنة سجن, إذا كان حول عملة للخارج, فالذي آخذ له دخل محدود, يعيش ملك, يقول لك: ليس لي علاقة أنا بالموضوع.
أحياناً: تظهر قوانين, يهتم لها أصحاب الأموال الكبيرة, أما الفقراء في أمان الله:
﴿لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾
[سورة يونس الآية:62]
فيجب تكشف دائماً النواحي الإيجابية بالسلبيات, فالله عز وجل الحظوظ في الدنيا توزع توزيع ابتلاء, وسوف يوزع هذه الحظوظ توزيع جزاء في الآخرة, لذلك: مراتب الدنيا لا تعني شيئاً.
((رُبَّ أَشْعَثَ -أغبر ذي طمرين- مَدْفُوعٍ بالأبواب لو أقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ))
[أخرجه مسلم في الصحيح]
من هم أغنى الناس؟ :
في بناية فخمة جداً في أحد أحياء دمشق الراقية, يعني سكان هذه البناية والله لا أبالغ, لو أجريت لهم فحوص صحية, ما في شخص إلا معطوب, إلا هذا الناطور الذي يغسل السيارات, مثل الحصان ...... الله عز وجل المجموع ثابت, يعني أفقر واحد في هذه البناية, عنده أطيب صحة, عمله لأنه متعب, أما الطبقة الغنية كلهم مرتاحون؛ أسنصيرات, وسيارات, وكله أوتوماتيك, كله فل أوبشن, عملت له ترهل, عملت له أمراض بالقلب, عملت له ......
فالإنسان يرضى بما قسم الله له, تكن أغنى الناس, وارض بما قسمه الله لك, تكن أغنى الناس.
هذا الفرق بين مقاييس أهل الدنيا وبين المقاييس عند الله :
الآن النبي قال-اللهم صل عليه-:
((رُبَّ أَشْعَثَ -أغبر ذي طمرين- مَدْفُوعٍ بالأبواب لو أقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ))
[أخرجه مسلم في الصحيح]
لذلك: الله عز وجل في عنده مقاييس, وعند الناس في مقاييس, عند الناس: الغني محترم, القوي محترم, أما عند الله عز وجل: المستقيم محترم, الذي يخافه محترم:
﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ﴾
[سورة القمر الآية:54]
﴿فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾
[سورة القمر الآية:55]
دخل على النبي رجل, رجل يعني من عامة أصحابه, فوقف لهم, واستقبلهم استقبالاً حاراً, تعجب هذا الصحابي, قال له:
((هلا بمن خبرني جبريل بقدومه, قال: أو مثلي؟ قال: نعم يا أخي, خامل في الأرض, علم في السماء))
استسلم لقضاء الله وقدره :
((هذه الدنيا دار ابتلاء لا دار استواء, ومنزل ترح لا منزل فرح, فمن عرفها لم يفرح لرخاء, ولم يحزن لشقاء, قد جعلها الله دار بلوى, وجعل الآخرة دار عقبى, فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سببا, وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضا, فيأخذ ليعطي, ويبتلي ليجزي))
نعم.
والإنسان يجتهد ليرفع مستوى معيشته, لكن أين وصل به السعي, وانقطع به الأسباب؟ فهذا قضاء الله وقدره, الإنسان الراضي مرتاح.
يعني: الله عز وجل لحكمة يريدها: جعلني من أصحاب الدخل المحدود, ولعل الخير كله في الدخل المحدود, ولحكمة يريدها: جعلني من أصحاب الدخل غير المحدود, ولحكمة أرادها: جعلني كذلك, فأنت استسلم.
أعلى درجة بالإيمان هي :
يعني هو عظمة الإيمان: أن المؤمن راض عن الله عز وجل.
قال له: يا ربي, هل أنت راض عني, يطوف حول البيت, وراءه الإمام الشافعي, قال له: هل أنت راض عن الله حتى يرضى عنك؟ قال: يا سبحان الله! ومن أنت يرحمك الله؟ قال: أنا محمد بن إدريس, قال: كيف أرضى عنه وأنا أتمنى رضاه؟ فقال الشافعي: إذا كان سرورك بالنقمة كسرورك بالنعمة, فقد رضيت عن الله.
يعني: أعلى درجة بالإيمان -لا سمح الله ولا قدر-: أن تأتي مصيبة, وأن ترضى عن الله بها.
((إن لم يك غضب علي فلا أبالي, ولك العتبى حتى ترضى, لكن عافيتك أوسع لي))
فهذه الدنيا تغر وتضر وتمر.
((إن أسعد الناس فيها -دققوا- أرغبهم عنها, وأشقاهم فيها أرغبهم فيها))
الحياة فيها سر :
في بحالية قصر لأحد أمراء الخليج الكبار, ذكر لي واحد, قال لي: ولا أتى إلى هذا القصر ولا مرة في كل تاريخ بنائه, صار له عشرون سنة, قال لي: مرة جاء, وقف أمامه خمس دقائق ومشي, يأتي إنسان فقير, يأخذ أهله يجلسون, يضعون مدة, يأكلون لحمة, يسعدون, الأرض ملك الناس كلها, منظر جميل, ملك, الفقير والغني, الهواء العليل, ملك, الفقير والغني, الحياة فيها سر.
إذا كان الله عنك راضياً, لو أكلت أخشن الطعام فأنت أسعد الناس, لو لبست أخشن الثياب فأنت أسعد الناس, الله عز وجل قادر يتجلى عليك, ويلقي بقلبك السكينة, وأنت في أخشن حياة, وقادر يجعلك -لا سمح الله- أشقى, وأنت في أنعم حياتك, هذه رحمته, إذا حجبها عنك, إذا حجبها عن إنسان فهو أشقى الناس, ولو كان يملك ملايين مملينة.
وقائع :
أنا قال لي أخ هنا في الحريقة, قال لي: والله يعني صدفة, قابلت شخص يعد أحد أربعة خمسة في الحريقة, من كبار أغنياء القطر, قال لي: أربعة خمسة آلاف مليون, قال لي: دخلت عليه من شهرين ثلاثة, قال لي: بقدر ما شكا لي, لم يعد فيني أوقف؛ لا البلد تعجبه, ولا بيته يعجبه, ولا زوجته تعجبه, أولاده ليسوا يعجبونه, والسوق مسموم, وكساد, ودفع ما في سحب, ولا يعاش في هذه الحياة, أربعة خمسة آلاف مليون والله.
قال لي: دخلت لمحلي التجاري, جاءت امرأة محجبة, قالت له: دلوني عليه, أنا يلزمني ألف ورقة بالشهر, في مجال تساعدونا فيها؟ فهو عضو جمعية خيرية: أين يا أختي ساكنة؟ قالت له: في داريا, قال لها: والله في لجنة هناك, أنا أبلغهم يحققون معك.
قال لي: عندنا اجتماع صدفة بداريا, مساء طلعنا على داريا, قلنا لهم: في عندنا أخت كريمة, تريد بالشهر ألف مساعدة, فحققوا أنتم, قال: قم معنا نحقق, قال لي: طرقنا باب, تحت درج, بيتي تحت درج, المطبخ تحت الدرج, وبيت الخلاء بالقسم الأدنى, وغرفة صغيرة فيها تخت, لكن الجماعة بيتهم نظيف, زوجها مريض, وعندها ثلاثة أولاد, ثيابهم نظيفة.
قال لي: بيت لا يسكن, غرفة واحدة, ومطبخ تحت الدرج, وبيت الخلاء تحت الدرج, وممشى, قال لي: شعرت أن هذا البيت جنة, فقال له: أن الأولاد هكذا ثيابهم نظيفة, في ود مبين بالأسرة, في سرور.
قال لهم: بالله ماشي الحال, أعطوها ألفين بالشهر, قالت لهم: لا, نريد ألف واحد نحن, ألفين لا يلزمنا, نحن دخل زوجي يكفينا, لكن ينقصنا أجرة هذا البيت ألف.
قال لي: في يوم واحد التقيت مع إنسان, يتكلم بأربعة خمسة آلاف مليون, وفيما بدا من كلامه أنه أشقى الناس, والتقيت مع أسرة تسكن تحت درج, ودخلها يتيح لها أن تأكل أخشن الطعام, وهي من أسعد الناس.
فربنا عز وجل رحمته, إذا كان منحها لإنسان فهو أسعد الخلق, ولو كان في أخشن حياة, وإذا حجب عنك رحمته, فالإنسان أشقى الخلق, ولو كان معه ملايين مملينة.
مقولة قالها الإنسان :
فإذا قلنا فلان فقير: أن الله عز وجل قال:
﴿فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ﴾
[سورة الفجر الآية:15]
هذه مقولته هو, هذا كلامه.
يعني: يا عبادي, ليس عطائي إكراماً, ولا منعي حرماناً, عطائي ابتلاء, وحرماني دواء, لا تحس نفسك مهان, إذا الله لم يعطك المال.
ما وراء هذا المثال :
يعني بربكم: إذا إنسان له أب غني غنى كبير, ومع غنى الأب طبيب, وصار مع الابن التهاب أمعاء حاد, والأب الرحيم, الطبيب العالم, منعه من كل الأكلات الطيبة, علمنا كوسا محشي, قال له: لا يوجد لبن, بطاطا ولبن, يعني: أنت تظن هذا الابن مهان عند أبيه إذا أطعمه بطاطا ولبن, وفي أكل فاخر جداً؟ لا.
((إن الله ليحمي صفيه من الدنيا, كما يحمي أحدكم مريضه من الطعام, إن الله ليحمي عبده المؤمن من الدنيا, كما يحمي الراعي الشفيق غنمه من مراتع الهلكة))
نقطة دقيقة :
فمعه الحق الإمام النووي: أن يعقد فصلاً لضعفة المسلمين والفقراء, هؤلاء قد يكونون عند الله ملوكاً, قد يكونون أغنياء عند الله, ألا تقرأ قوله؟:
﴿إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ﴾
[سورة الواقعة الآية:1]
﴿لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ﴾
[سورة الواقعة الآية:2]
﴿خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ﴾
[سورة الواقعة الآية:3]
الذي كان في الدنيا أعلى مقام, قد يكون في الحضيض, إنسان مترف غني, غارق في النعيم, قد يكون في الآخرة في أسفل سافلين, وإنسان قد يكون فقير مستقيم, قد يكون في الآخرة في أعلى عليين.
هذه هي البطولة :
فالبطولة: أن تبتغي الرفعة عند الله, عند الناس الرفعة بالمال, وعند الناس الرفعة بالقوة, إذا إنسان قوي, له منصب رفيع, وعند الناس المتعة بالجمال؛ الجمال, والقوة, والمال, هؤلاء رفعوك بين الناس, أما عند الله يرفعك إيمانك, واستقامتك, وعملك الصالح:
﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾
[سورة المجادلة الآية:11]
﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا﴾
[سورة الأنعام الآية:132]
هذا تقديم لموضوع الفصل, فصل في ضعفة المسلمين.
قف هنا :
الله عز وجل يقول:
﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾
[سورة الكهف الآية:28]
ممكن تجلس في المسجد إلى جانب إنسان فقير على الأرض؛ لا يوجد مقعد يتسع لك, ولا يوجد كأس عصير, ولا في طرف هكذا تُلقى, لا يوجد؛ في سجادة, وفي متكلم, وفي كتاب أمامه فقط:
﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً﴾
[سورة الكهف الآية:28]
ما معنى المفردات التالية: العتل, الجواظ؟ :
وقد قال عليه الصلاة والسلام:
((ألا أخبركم بأهل الجنة؟ كل ضعيف متضعف, لو أقسم على الله لأبره, ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عُتُلٍّ جوَّاظ مستكبر))
[أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, والترمذي في سننه]
العُتل الغليظ الجاف, والجوَّاظ بفتح الجيم وتشديد الواو بالظاء: وهو الجموع المنوع, الجوَّاظ الجموع المنوع, شر الناس من يعيش فقيراً ليموت غنياً, بخيل, يترك أموال طائلة, وكان محروم.
هذا الجموع المنوع :
والله أخ من أخواننا, له صديق, قال لي: تجلس معه, يعني: أد ما يشكي لك همه, يعني: تقول: والله لأعطيه حوالي خمسة آلاف, أقسم بالله مات, ترك له حوالي مئتين وخمسين مليون, بيته صغير جداً, أثاث عتيق, كلما جلس معه يشكي لك الهم؛ أنه يا أخي ما في عمل, ما في دخل, مات على مئتين وخمسين مليون, هذا الجموع المنوع.
وسبحان الله! البخيل إذا كان مرض, يصبح عرس في البيت, إذا مرض يأتي الطبيب, يقول لهم: عرضية, ينزعجون انزعاج غير معقول, ماذا يعني عرضية؟ ما في شيء؟ ما في شيء, نحن لا نريد هكذا, نحن فكرنا القاضية كانت, فرق كبير بين الكريم والبخيل.
وفي آباء كثر, أنا أقدرهم تقديراً كبيراً, يعيش لأولاده, أولاده أقرب الناس له بحياته يزوجهم.
صنف من أهل النار :
والله جمعنا ثمن بيت لشخص, والله يا أخوان, أبوه عنده اثنتا عشرة بناية, جمعنا له ثمن بيت, أسكناه فيه, لا يعطيه قرش, هذا البخل مرض, مرض كبير:
﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾
[سورة التغابن الآية:16]
إنسان موظف فقير, له عمة معها ملايين مملينة, فتوفيت, هو وريثها, يبدو وريثها, كل الناس يقولون: عظم الله أجركم, إلا شخص فهيم, قال له: تهانينا, أثناء التعزية قال له: تهانينا, مبارك بموتها.
البخيل إذا كان مات, يصير عيد, أما الكريم يتمنى الناس حياته, يتمنى الناس حياته, لذلك أيها الأخوة:
((ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عتل غليظ, جاف جواظ, جموع منوع))
متفق عليه.
يجمع ويمنع, وقيل: الضخم المختال في مشيته –نعم- مستكبر.
ما محور هذا الحديث؟ :
وقد نقل عن أبي العباس, سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه- أنه قال:
((مر رجل على النبي -صلى الله عليه وسلم-, فقال لرجل عنده جالس: ما رأيك في هذا؟ فقال رجل من أشراف الناس: هذا والله حري إن خطب أن ينكح, وإن شفع أن لا يشفع, فسكت النبي -عليه الصلاة والسلام-, ثم مر رجل آخر, فقال له رسول الله: ما رأيك في هذا؟ فقال: يا رسول الله, هذا رجل من فقراء المسلمين, هذا حري إن خطب ألا ينكح, وإن شفع ألا يشفع, وإن قال ألا يسمع لقوله, فقال عليه الصلاة والسلام: هذا الفقير خير من ملء الأرض مثل هذا))
إذا الأرض بما فيها مجوفة, وفيها من الشخص هذا الأول. الثاني:
((خير من ملء الأرض من مثل هذا))
هكذا قال النبي.
هذا ما قضى الله بين الجنة والنار :
قال عليه الصلاة والسلام: احتجت الجنة والنار, فقالت النار:
((فيَّ الجبارون والمتكبرون, وقالت الجنة: فيَّ ضعفاء الناس ومساكنهم, فقضى بينهما: أَنَّكِ الجنة رحمتي, أرحم بك من أشاء, وأنك النار عذابي, أعذب بك من أشاء, ولكليكما عليَّ ملؤها))
[أخرجه مسلم في الصحيح]
رجل لا يزن عند الله جناح بعوضة :
و:
((إنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ الْعَظِيمُ يومَ القيامة, لا يَزِنُ عِنْدَ اللّه جَناحَ بَعُوضةٍ))
يعني: أكول جموع منوع, أذواقه عالية جداً, بيته فخم, لكن لا يخرج منه خير إطلاقاً, لا خير فيه, وهذا يوم القيامة: لا يزن عند الله جناح بعوضة.
من روائع هذا النبي :
وامرأة سوداء كانت تقمُّ المسجد, أو شاباً, ففقدها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, فسأل عنها أو عنه, فقالوا:
((مات, ماتت -يعني: زبالة, تكنس المسجد- قال النبي: أين هي؟ والله ماتت يا رسول الله, فقال: أفلا كنتم آذنتموني؟
-لماذا لم تقولوا لي؟- فكأنهم صغَّروا أمرها -من هي لنقول لك عنها: إنها ماتت, الموضوع يعني قليل الأهمية لنبلغك إنها ماتت.
امرأة تكنس المسجد ماتت-
فقال: دلوني على قبرها -اللهم صل عليه- فدلوه, فصلى عليها ثم قال: إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها, وإن الله تعالى ينورها لهم بصلاتي عليهم))
متفق عليه.
اعلم هذا :
و:
((رُبَّ أَشْعَثَ -أغبر ذي طمرين- مَدْفُوعٍ بالأبواب لو أقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ))
[أخرجه مسلم في الصحيح]
فلا تقل لي: أنا فقير, أنا درويش, أنا من أسرة متواضعة, أنا أسكن في غرفة ومنافعها, أنا عملي ضارب آلة كاتبة لا, أنا حاجب لا, قد تكون عند الله في أعلى مقام, قد تكون عند الله, وإن كان .....
أنا أقول: المؤمن القوي, المؤمن المستقيم, إذا كان قوي؛ قوي بماله, أو بعلمه, أو بمكانته, أو بمنصبه, نفعه للمسلمين كبير جداً, لكن أهم شيء الإيمان؛ إذا كنت مؤمناً, أنا أفضل تكون مؤمن قوي, أما إذا كان قوي غير مؤمن ظلف.
قلامة ظفر المؤمن الفقير, أفضل عند الله من مليون غني عاص, والحمد لله رب العالمين.
دعاء الختام :
بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
اللهم أعطنا ولا تحرمنا, أكرمنا ولا تهنا, آثرنا ولا تؤثر علينا, أرضنا وارض عنا. وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم. الفاتحة.
والحمد لله رب العالمين