اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

  أسدُ الله وسيِّد الشُّهداء حمزة بن عبدالمطلب رضيَ الله عنه

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100160
 أسدُ الله وسيِّد الشُّهداء حمزة بن عبدالمطلب رضيَ الله عنه   Oooo14
 أسدُ الله وسيِّد الشُّهداء حمزة بن عبدالمطلب رضيَ الله عنه   User_o10

 أسدُ الله وسيِّد الشُّهداء حمزة بن عبدالمطلب رضيَ الله عنه   Empty
مُساهمةموضوع: أسدُ الله وسيِّد الشُّهداء حمزة بن عبدالمطلب رضيَ الله عنه     أسدُ الله وسيِّد الشُّهداء حمزة بن عبدالمطلب رضيَ الله عنه   Emptyالخميس 6 يونيو 2013 - 16:11

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَنْ يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]، {يَا أَيُّهَا النَّاس اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71].

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:
في زمن الإخفاقات المتكرِّرة، والهزائم المتتابعة، والإحباط المتوالي، واليأس الذي يلفُ قلوب كثير من أهل الإسلام، وكل ذلك سببه الوهن الذي أصاب المسلمين؛ حتى جعلهم يقدِّمون مصالحهم على مصالح أمَّتهم، ويهتمُّون بذواتهم أكثر من اهتمامهم بالدين.
نعم! الوهنُ سبب ذلك: حبُ الدنيا وكراهية الموت، وضعفُ اليقين بالآخِرة، وعدم التفريق بين النَّصر والهزيمة، وعدم المبالاة بالغزو والمسخ والتَّزوير الذي يُمارس على تعاليم الإسلام وشرائعه.

في هذه الأجواء المعتمة، والأحوال المتردِّية؛ نحتاج إلى مطالعة تاريخ الصَّدر الأوَّل، والنَّظر في سِيَر الصحابة المجاهدين، والشهداء والمهاجرين، الذين بذلوا النفس والنفيس لإعلاء كلمة الدين، ونشر الإسلام في أرجاء المعمورة.
وهذه سِيرَة بطلٍ من أبطال الإسلام، وأسدٍ من أُسْدِ الله تعالى، كان قويًّا في إسلامه، بطلاً في جهاده، عظيمًا في استشهاده، لقَّبه النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: أسدُ الله، وسمَّاه: سيِّد الشُّهداء، رضع هو والنبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - من ثديٍ واحدٍ؛ فكان أخاه من الرضاعة[1].
إنه ابن عبدالمطلب، حمزةُ، عمُّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم.

كان من خبر إسلامه: "أنَّ أبا جهل مرَّ برسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فآذاه وشتمه، ونال منه ما يكره من العيب لدِينه، والتَّضعيف له؛ فلم يكلِّمه رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومولاةٌ لعبدالله بن جُدْعان في مسكنٍ لها فوق الصَّفا تسمع ذلك.
ثم انصرف عنه؛ فعَمِد إلى نادي قريش عند الكعبة، فجلس معهم، فلم يلبث حمزةُ أن أقبل متوشِّحًا قوسَه، راجعًا من قَنَصٍ له - وكان صاحب قَنَصٍ - وكان إذا رجع من قَنَصه بدأ بالطَّواف بالكعبة، وكان أعزَّ فتًى في قريش، وأشدَّه شكيمةً، فلما مرَّ بالموالاة قالت له: يا أبا عمارة، لو رأيتَ ما لقيَ ابنُ أخيك آنفًا من أبي الحكم، وجده هاهنا جالسًا، فآذاه وسبَّه وبَلَغ منه، ولم يكلِّمه محمدٌ.

فاحتمل حمزة الغضب، لما أراد الله به من كرامته؛ فخرج يسعى مُغذًّا لأبي جهل، فلما رآه جالسًا في القوم أقبل نحوه؛ حتى إذا قام على رأسه رفع القوسَ فضربه بها، فشجَّه شجَّةً منكرةً، ثم قال: أتشتمه؟ فأنا على دِينه، أقول ما يقول؛ فرُدَّ عليَّ ذلك إن استطعتَ.
فقامت رجالٌ من بني مخزومَ إلى حمزة لينصروا أبا جهلٍ؛ فقال أبو جهل: دعوا أبا عمارة، فوالله لقد سببتُ ابنَ أخيه سبًّا قبيحًا.
وتمَّ حمزةُ على إسلامه، فلمَّا أسلم؛ عرفت قريش أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قد عزَّ وامتنع، وأن حمزة - رضيَ الله عنه - سيمنعه؛ فكفُّوا بعض الشيء"؛ أخرجه البَيْهِقِيُّ والحاكم[2].

ولمَّا كانت الهجرة؛ هاجر إلى المدينة، وشهد بَدْرًا، وأبلى فيها بلاءً عظيمًا مشهورًا، بارز أبطال قريش فصرعهم، وأتى على صفوفهم فهدَّها، حتى قال أحد أسرى المشركين: "من الرَّجل المُعلَّم بريشة نعامة؟". قالوا: "حمزة - رضيَ الله عنه". قال: "ذاك فعل بنا الأفاعيل"[3].
ثمَّ في شوَّال من السنة الثَّالثة حضر أُحدًا وقاتل قتالاً عظيمًا؛ قال سعد بن أبي وقَّاصٍ - رضيَ الله عنه -: "كان حمزة يقاتل يوم أُحدٍ بين يَدَي رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم – بسيفَيْن، ويقول: أنا أسدُ الله"[4]. كان يُسيِّر فرسه بركبتيه، وفي يمينه سيفٌ، وفي يساره سيفٌ يقاتل بهما".
الله أكبر، ما هذه الجرأة! وكيف كانت تلك المهارة؟!

كانت شَهادَته - رضيَ الله عنه - في أُحُدٍ، يروي قصَّتها قاتِلُه؛ فقد أخرج البخاريُّ في "صحيحه" من حديث جعفر بن عمرو، أن وحشيًّا قال: "إن حمزة قتل طُعَيْمَة بن عَدِيٍّ بن الخِيار ببدرٍ؛ فقال لي مولاي جُبَيْر بن مُطْعِم: إن قتلتَ حمزة بعمِّي؛ فأنت حرٌّ. قال: فلما أن خرج الناس عام عَيْنَين - وعَيْنَين جبلٌ بحيال أحدٍ، بينه وبينه وادٍ - خرجتُ مع النَّاس إلى القتال، فلما اصطفُّوا للقتال، خرج سِباعٌ فقال: هل من مبارزٍ؟ قال: فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب؛ فقال: يا سِباعُ، يا ابنَ أمِّ أنمارٍ مقطِّعة البظور، أتحادُّ الله ورسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -؟! قال: ثم شدَّ عليه، فكان كأمس الذَّاهب! قال: وكَمَنْتُ لحمزة تحت صخرةٍ، فلما دنا مني رميتُه بحربتي، فأضعها في ثُنَّته، حتى خرجت من بين وِرْكَيْه، فكان ذلك العهد به"[5]، وفي روايةٍ: "فجعل حمزة يهدُّ النَّاس بسيفه"[6]، وفي أخرى: "فرأيتُ رجلاً إذا حمل لا يرجع حتى يهزمنا؛ فقلتُ: مَنْ هذا؟ قالوا: حمزة. قلتُ: هذا حاجتي"[7]، ثم ذكر بقيَّة الحديث.
قُتل حمزة - رضيَ الله عنه - ومَثَّلَ به المشركون؛ انتقامًا من رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقد تأثَّر لذلك كثيرًا، فوقف على حمزة، فرآه قد شُقَّ بطنُه، وقد مُثِّلَ به، فكره أن ينظر إليه، ثم وقف بين ظهراني القتلى فقال: ((أنا شهيدٌ على هؤلاء، لُفُّوهم في دمائهم؛ فإنه ليس من جريحٍ يجرح في الله إلا جاء يوم القيامة يَدْمى، لونه لون الدم، وريحه ريح المِسْك، قدِّموا أكثرهم قرآنًا فاجعلوه في اللَّحْد))[8].

وروى أبو هُرَيْرَة - رضيَ الله عنه - أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقف على حمزة حيث استُشْهِدَ، فنظر إلى منظرٍ لم ينظر إلى شيءٍ قطُّ كان أوجع لقلبه منه، ونظر إليه وقد مُثِّل به فقال: ((رحمة الله عليكَ، فإنَّك كنتَ - ما علمتُ - وَصُولاً للرِّحِم، فعولاً للخيرات، ولولا حزنُ مَنْ بعدكَ عليكَ؛ لسرَّني أن أترككَ حتى يحشركَ الله من أرواحٍ شتَّى، أما والله عليَّ ذلك لأمثِّلَنَّ بسبعين منهم مكانكَ))؛ فنزل جبريل - عليه السَّلام - بخواتيم النَّحل: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل: 126]؛ فكفَّر النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن يمينه، وأمسك عن الذي أراد، وصبر[9].
وعن ابن عباس - رضيَ الله عنهما - قال: لما قُتل حمزة أقبلت صفيَّة أخته، فلقيتْ عليًّا والزُّبير، فأرياها أنهما لا يدريان، فجاءت النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: ((فإني أخاف على عقلها)). فوضع يده على صدرها، ودعا لها، فاسترجعتْ وبكتْ. ثم جاء فقام عليه وقد مُثِّلَ به؛ فقال: ((لولا جَزَعُ النِّساء لتركته حتى يُحْشَر من حواصل الطَّير وبطون السِّباع)).
وفي رواية الزُّبير: أن صفيَّة - رضيَ الله عنها - جاءت بثَوْبين لتكفين حمزة، وكان إلى جنب حمزة قتيلٌ منَ الأنصار؛ فكرهوا أن يتخيَّروا لحمزة؛ فقال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أسهموا بينهما، فأيهما طار له أجودُ الثَّوْبَيْن؛ فهو له)). فأسهموا بينهما؛ فكفِّن حمزة في ثوبٍ، والأنصاريُّ في ثوبٍ[10]؛ ولكنَّ ثوب حمزة كان قصيرًا، فجعلوا يجرُّونه على وجهه فتنكشفُ قدماه، ويجرُّونه على قدميه فينكشفُ وجهه، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اجعلوه على وجهه، واجعلوا على قدميه من هذا الشَّجر)).

ورفع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - رأسه فإذا أصحابه يبكون، فقال: ((ما يبكيكم؟)). قيل: يا رسول الله، لا نجد لعمِّك اليوم ثوبًا واحدًا يَسُعُه! فقال: ((إنه يأتي على الناس زمان يخرجون إلى الأرياف؛ فيصيبون فيها مطعمًا وملبسًا ومركبًا))[11]؛ أي: من كثرة الخيرات وانفتاح الدنيا.
كان حمزةُ - رضيَ الله عنه - من شهداء أُحد؛ بل هو سيِّد الشُّهداء كما قال النبيُّ - عليه الصَّلاة والسلام -: ((سيِّد الشهداء حمزة، ورجلٌ قام إلى إمامٍ جائرٍ، فأمره ونهاه؛ فقتله))؛ أخرجه الحاكم وصحَّحه[12].
وشهد عليه الصَّلاة والسَّلام لشهداء أُحُدٍ بالجنَّة؛ فقال: ((لمَّا أصيب إخوانكم بأُحُدٍ؛ جعل الله أرواحهم في أجواف طير خُضْرٍ، تَرِدُ أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديلَ من ذهبٍ، معلقةٍ في ظلِّ العرش، فلما وجدوا طِيبَ مأكلهم ومشربهم ومَقِيلِهم قالوا: مَنْ يُبْلِغُ إخواننا عنَّا؛ أننا أحياءٌ في الجنة نرزق؛ لئلاَّ ينكلوا عند الحرب، ولا يزهدوا في الجهاد. قال الله: أنا أبلغهم عنكم؛ فأُنزلت: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا} [آل عمران: 169]))؛ أخرجه أبو داود[13].

وحَرَّم الله أجسادهم على الأرض أن تُبلِيها؛ فبعد أربعين عامًا من وقعة أُحد، أراد معاوية - رضيَ الله عنه - أن يجري عينه التي بأُحد؛ فكتبوا إليه: إنَّا لا نستطيع أن نجريها إلا على قبور الشهداء؛ فكتب إليهم: انبشوهم. قال جابر: فرأيتُهم يُحملَون على أعناق الرجال؛ كأنَّهم قومٌ نيامٌ، وأصابت المَسْحَاةُ طرف رجل حمزة بن عبدالمطلب؛ فانبعث دمًا[14].
كان عُمْر حمزة لمَّا استُشهد سبعًا وخمسين سنة[15]، فرضيَ الله عنه وأرضاه، ورضيَ عنِ الصحابة أجمعين.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} [الأحزاب: 23].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.

الخطبة الثَّانية
الحمد لله، حمدًا طيِّبًا كثيرًا مباركًا فيه، كما يحبُّ ربُّنا ويرضى، أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومَنِ اهتدى بهداهم إلى يوم الدِّين.

أما بعد:
فيا عباد الله؛ اتقوا الله تعالى بفعل ما أمر، واجتنبوا الفواحش ما بَطَن منها وما ظهر، واعلموا أن الله مع المتقين.
أيها الإخوة المؤمنون:
تُظهر سِيرةُ حمزة - رضيَ الله عنه - المعانيَ العظيمة للإسلام، حينما فعل المشركون في أُحُد الأفاعيل بشهداء المسلمين؛ من جَدْع أنوفهم، وبَقْر بطونهم، وشَرْط أجسادهم؛ حتى استخرجوا كَبِدَ حمزةَ من بطنه، ويحلف رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ليمثِّلن بهم إذا ظهر عليهم؛ لكنْ ينزل عليه الوحي في موقفه ذاك؛ لِيُبيِّن أنَّ العقاب لابدَّ أن يكون على قدر الجريمة، وأن المُثْلَة بالمُثْلَة، وأن الصبر خيرٌ من ذلك كلِّه، وما كان من رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلا أن صبر وكفَّر عن يمينه.

فأيُّ تزويرٍ يُمارس في حقِّ الإسلام والمسلمين وتاريخهم، على أيدي أعداء الله من الملاحدة واليهود والنصارى والمنافقين، حينما يَصِمُون المسلمين بالعنف والأصوليَّة، ومحبة الدِّماء، والتلذُّذ بتعذيب الضّحايا؛ وبالرغم من أن تاريخهم يحكي شرفهم في القتال، ويُثبت نزاهتهم في حروبهم، وما أكثر ما عفوا وصفحوا في حال ظهورهم وانتصارهم.
فالمرأة والوليد والشيخ الكبير لا يُقتلون، ومَنْ لم يشارك في الحرب لا يُقتل، والأسير يُكرَم حتى يُقضى في أمره، والجريح لا يُجْهَز عليه، والثَّمر لا يُقطع، والزَّرْع لا يُحرَق، والآمِن لا يروَّع.

والمسلمون ينفِّذون تلك الوصايا؛ لأنَّهم لا ينطلقون في جهادهم من تحقيق مصالحٍ ذاتيَّةٍ، وليس يدفعهم للقتال أحقادٌ دفينةٌ، أو أضغانٌ قديمةٌ.
ومع ذلك تُخفى الحقائق، ويمارَس التَّزوير في حقِّ المسلمين في كل وسيلةٍ تُسمع أو تُقرأ أو تُرى، بينما يصور غيرهم بأنهم رحماء، ومن العفو أقرب، وعن الانتقام أبعد.
ماذا فعل الصليبيُّون في بيت المقدس لما اغتصبوه، وبقي في أيديهم ما يزيد على تسعين سنة؟! إن التاريخ يذكر أن الدِّماء في الأقصى بلغت الرُّكَب، وأن الصليبيين لم يفرِّقوا بين طفل رضيع، أو امرأة ضعيفة، أو شيخ طاعن في السِّن؛ بل كانت سيوفهم تُعْمِل القتلَ في الرِّقاب كلِّها، ولست محتاجًا لأن أرجعكم إلى ذاكرة التاريخ؛ لأن ممارسات الصليبيين الصِّرب الدَّموية قريبة العهد؛ ولأن أفعال اليهود بمسلمي الأقصى تُنقل إلى الأسماع والأبصار كلَّ صباحٍ ومساء.

وما من فِرْيَة تُلْصَق بالإسلام إلا ويتولى كِبْرَها منافقو العرب ممَّن نزع الله منهم الإيمان؛ فامتلأت قلوبهم أحقادًا زُرْقًا على الإسلام وأهله؛ ولكنهم يَضُرُّون أنفسهم، ولن يضرُّوا الله تعالى شيئًا، ولن يضرُّوا المسلمين ما بقي المسلمون مستمسكين بشريعتهم، عاضِّين عليها بالنَّواجذ، وإن كيدهم ومكرهم عائدٌ عليهم بأمر الله - عزَّ وجلَّ - ولا تزال الأيام تفضحهم، وتُظهر عوراتهم ونفاقهم: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ} [آل عمران: 54]، {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهِّلِ الكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} [الطًّارق: 15-17].
ألا وصلُّوا وسلِّموا على خير خلق الله، كما أمركم بذلك ربُّ العزَّة والجلال.
[1] أسد الغابة (2/67) والإصابة وعزاه للصحيح (2/285) ومستدرك الحاكم (3/212).
[2] أخرجه الحاكم (3/213) والبيهقي في الدلائل (1/459) وابن سعد (3/9) وابن إسحاق كما في سيرة ابن هشام (2/34) وابن الأثير في أسد الغابة (2/67) وعزاه الهيثمي في المجمع للطبراني وقال: مرسل ورواته ثقات (9/267) ومعنى (مُغذًّا) أي: مسرعًا.
[3] أخرجه ابن سعد (3/6) وانظر: أسد الغابة (2/68).
[4] أخرجه الحاكم دون قوله «بسيفين» وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي (3/214) أما الرواية التي فيها ذكر قتاله بسيفين فأخرجها ابن أبي شيبة في مصنفه (6/382) برقم (32208) والطبراني في الكبير (3/149) برقم (2953) والحاكم (3/192) وذكرها ابن الأثير في أسد الغابة وعزاها لابن إسحاق (2/68).
[5] أخرجه أحمد (3/501) والبخاري في المغازي باب قتل حمزة بن عبدالمطلب - رضيَ الله عنه - (472) والطيالسي (2348) وهو في سيرة ابن هشام (3/70) والدلائل للبيهقي (3/241).
[6] هذه رواية ابن إسحاق كما في الفتح (7/427).
[7] هذه رواية ابن عائذ كما في الفتح (7/427).
[8] أخرجه ابن سعد (3/9) وابن أبي شيبة في المصنف برقم (18634) وذكره الحافظ في المطالب العالية (4269) وقال البوصيري في مختصر اتحاف السادة المهرة: رواته ثقات (5226) وعزاه الهيثمي في المجمع للطبراني وقال: ورجاله رجال الصحيح (6/119).
[9] أخرجه ابن سعد (3/9) والحاكم (3/218) وهو ضعيف لضعف صالح المري؛ ولكن في معناه حديث أبيّ بن كعب - رضيَ الله عنه - عند أحمد (5/135) والترمذي في التفسير باب من تفسير سورة النحل وقال: حسن غريب (3129) وصححه ابن حبان (487).
[10] أما حديث ابن عباس فأخرجه ابن سعد (3/9) وأما حديث الزبير فأخرجه أحمد (1/165) وأبو يعلى (686) والبزار كما في كشف الأستار (1797) والبيهقي في السنن (4/401) والدلائل (3/290).
[11] أخرجه ابن سعد (3/10) وابن أبي شيبة في المصنف برقم (18603) وذكره الحافظ في المطالب العالية (4266) وعزاه الهيثمي للطبراني وقال: ورجاله ثقات (6/119).
[12] أخرجه الحاكم وصححه (3/215) والطبراني في الأوسط (4079) وأورده الألباني في السلسلة الصحيحة واستوفى الكلام عليه، وذكر له شواهد يصحح بها (374).
[13] أخرجه من حديث ابن عباس - رضيَ الله عنه -ما أحمد (1/266) وأبو داود في الجهاد باب فضل الشهادة (2520) والحاكم (2/297) ونحوه عند مسلم من حديث ابن مسعود - رضيَ الله عنه - (1887).
[14] أخرجه ابن سعد (3/7) وابن الأثير في أسد الغابة (3/71)، وعزاه الحافظ في الإصابة لفوائد أبي طاهر (2/287).
[15] انظر: أسد الغابة (3/70).


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
أسدُ الله وسيِّد الشُّهداء حمزة بن عبدالمطلب رضيَ الله عنه
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  بطولات البراء بن مالك رضيَ الله عنه
»  دروس من سيرة أبي عُبَيْدَة رضيَ الله عنه
»  سيف الله المسلول: خالد بن الوليد رضيَ الله عنه
»  لمحات من سيرة: عمرو بن العاص رضيَ الله عنه
»  مقتل عمر رضيَ الله عنه

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: