الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومَنْ سار على نهجهم، واهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، فهي وصية الله لنا ولمن قبلنا، [وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ للهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللهُ غَنِيًّا حَمِيدًا] {النساء:131}.
أيها المؤمنون:
ليست سيرةُ أبي بكر، ولا سيرة عمر، وليست سيرةُ سعد وخالد وأولئك الأبطال العظماء إلا فصولاً متشابهة، أو نسخًا مكرَّرة من سيرة المعجزة الكبرى في تاريخ البشر.. سيرة الانبعاث الأعظم لقوى الخير في الإنسان، سيرة الفتح الذي حيَّر نوابغ القُوَّاد، وأعلام المؤرِّخين.. سيرة الجندي الذي كان منزويًا وراء الرمال، نائمًا في وهج الشمس، لا يعرف المجد إلا في الحب والحرب.. في كأس خمر أو قصيدة شعر، أو غزوة سَلْبٍ ونَهْب، فلما هذَّبته مدرسة الإيمان؛ صيَّرته الجندي الأكمل في تاريخ الحروب.
لم يعرف التاريخ جنديًّا أخلص منه لدينه، ولا أقدم منه إلى غايته، ولا يعرف نفسًا أطهر من نفسه، ولا سيفًا أمضى من سيفه. الجندي الذي مشى في كل وادٍ، وصعد كلَّ جبلٍ، خاض البحار، وعبر الأنهار، وجاب الأرض كلَّها حتى نصب للإسلام على كلِّ رابيةٍ رايةً، وأبقى للإسلام في كلِّ أرضٍ وطنًا لا تقوى على استلابه من أهله مِرْدَة الشياطين[1].
هؤلاء هم صحابة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم ورضيَ الله عنهم وأرضاهم - وهذا أحدهم: كان فارس الإسلام، وليث المشاهد، وقائدَ الجُنْد المجاهدين، هاجر مسلمًا في السنة الثامنة للهجرة[2]، فلقيه عمرو بن العاص في الطريق؛ فقال له: "إلى أين أبا سليمان؟ قال: أذهبُ والله أُسْلِمُ، إنه والله لقد استقام المَنْسَم - أي الطريق - إن الرجل لنبيٌّ ما أشكُّ فيه..."[3].
شهد مؤتة والفتح وحُنَيْنًا، وحارب أهل الرِّدَّة، وغزا العراق، وشهد حروب الشام، وهدم العُزَّى فلا عُزَّى بعدها. قاتل الأعداء من كلِّ الأجناس، وصارع الأبطال، وبارز الشجعان، ولم يبقَ في جسده قيدَ شِبْرٍ إلاَّ وعليه طابع الشهداء، ثم بعد ذلك ما مات إلا على فراشه! فلا نامت أعين الجبناء[4].
لما استُشهد قادة جيش مؤتة: زيدٌ ثم جعفرٌ ثم ابنُ رواحة - رضيَ الله عنهم وأرضاهم - أخذ الرَّاية ثابتُ بن أَقْرَم؛ فقال: "يا معشر المسلمين، اصطلِحوا على رجلٍ منكم. قالوا: أنتَ. قال: ما أنا بفاعلٍ، فاصطلح الناس على خالد بن الوليد..."[5].
حمل خالدٌ الراية، وما معه إلا بقية ثلاثة آلاف، ويحيط به من العدو مئتا ألف، وليس في الدنيا قائدٌ يستطيع أن ينقذ هذه القبضةَ من الرجال من وسط هذا اللُّج، إلا أن يأتيَ بأعجوبة؛ وقد أتى بها خالد، واستطاع أن يخرج من لُجَّة البحر من غير أن يبتلَّ، وأن ينسحب من وسط اللهب من غير أن يحترق، وأن يسجِّل للذكاء العربي الذي هذَّبه الإسلام هذه المَنْقَبَة في تاريخ الحروب[6].
لقد عمل خطةً أنقذ بها الجيش من الإبادة، شهد قادة الأعداء قبل الأصدقاء أن تاريخ الحروب لم يسجِّل مثلها؛ إذ كان يقاتل وهو يحتال للخلوص بالجيش من هذا المأزق المتضايق. وقتالُ الانسحاب شاقٌّ ومرهقٌ، لاسيَّما وخالد لا يريد إشعار الروم بالحفاظ على الجيش وسحبه.
ودخل الليلُ على المتحاربين فتوقف القتال، فأعاد خالد تنظيم قواته القليلة، فجعل مقدمتَه ساقته، وساقتَه مقدمتَه، وميمنتَه ميسرتَه، وميسرتَه ميمنتَه؛ فأنكر الأعداءُ ما كانوا يعرفون من رايات وهيئة المسلمين، وقالوا: قد جاءهم مددٌ؛ فرُعبوا، وكان هدفُ خالد مناوشتهم وإلحاقَ الخسائر بهم دون إدخال المسلمين في حرب عامة معهم، تكون خطرًا عليهم، واكتفى بذلك، ثم آثر الانصراف بمَنْ معه[7].
وهذا العمل من خالد جعل النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يسمِّيه سيف الله، ويطلق على الغزوة فتحًا؛ حيث قال عليه الصَّلاة والسَّلام: ((ثم أخذ الراية سيفٌ من سيوف الله، حتى فتح الله عليهم))؛ أخرجه البخاريُّ[8].
وكان النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لا يَعْدِلُ به وبعمرو بن العاص في الحرب أحدًا منذ أسلما[9].
وأثنى عليه النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: ((نِعْمَ عبدالله وأخو العشيرة خالد بن الوليد))؛ أخرجه أحمد والحاكم[10].
وأثنى على عقله؛ فقال عليه الصَّلاة والسَّلام: ((قد كنتُ أرى لك عقلاً رجوْتُ ألاَّ يسلمكَ إلاَّ إلى خيرٍ)).
وهذا العقل الذي مُدِحَ به خالدٌ صنع الأعاجيب في الحروب، وأبرز العبقريَّات في الشَّدائد.
كان - رضيَ الله عنه - لا ينام ولا يُنِيمُ إلاَّ على تعبئةٍ، ولا يخفى عليه من أمر عدوِّه شيءٌ[11].
ومن عجائب ذكائه ودهائه في فتح الأنبار:
أن العدو حفروا خندقًا يمنع المسلمين الوصولَ إليهم، فما كان من خالد - رضيَ الله عنه - إلا أن أمر بالإبل فنُحِرَتْ، ثم ألقاها في الخندق، وجعلها جسورًا في الخندق المحفور، حتى وصل إلى العدو وفتح الأنبار[12].
امتاز خالد - رضيَ الله عنه - في قيادة الجيش بحسن التنظيم، وسرعة الحركة، التي بَهَرَ بها عقول قادة الجيوش، العرب منهم والعجم؛ حيث انتقل بعشرة آلاف من الحِيرَة في العراق إلى الشام، مخترقًا الصحراء التي ليس فيها نقطةُ ماء، إلا ما حمله على ظهور الإبل، وما ابتكره من حمل الماء في بطونها؛ فحبس الإبل عن الماء حتى ظمأت، ثم أوردها عليه حتى ارتوت، ثم قطع شفاهها، فأصبح الماء في بطونها نقيًّا، ينحرون عددًا منها كل يوم؛ فيأكلونها ويشربون ما في بطونها من ماءٍ نقيٍّ[13]. كانت المسافةُ تقارب تسعمائة كِيلٍ، قطعها خالدٌ بجيشٍ جرَّارٍ في مدَّة لا تتجاوز خمسة أيام[14].
إنَّ الواحد منَّا لو قطع هذه المسافة بعربته لاحتاج أن يرتاح من عناء سفره؛ ولكنَّ خالدًا وجيشه قطعها على ظهور الإبل تحت شمس الهاجرة، ووسط برد الليل، مع الجوع والعطش والخوف.
فلما وصل رأى أمامه جيشًا كثيفًا منَ الروم، وجيشًا أكثف منه يتجمَّع قريبًا منه، والمجموع مئتان وأربعون ألف مقاتل مدجَّجين بالسلاح، وجيشُ المسلمين لا يزيد على ستةٍ وأربعين ألف مقاتلٍ، سلاحهم ضعيفٌ، ومنزلهم بعيدٌ، والمدد عنهم منقطعٌ. فما شكا خالدٌ بعد رحلته تعبًا، ولا ابتغى راحةً؛ بل حمل التَّبِعَة كاملةً، وبادر إلى العمل، وجمع فصائل الجيش تحت قيادته، ونظَّمه فأحسن تنظيمه.
وعمد إلى الجيش الرُّوميِّ الأدنى، فضربه في أجنادين ضربةً أذهبت رَوْعَه، وأطارت صوابه، ومزَّقته شرَّ ممزَّقٍ.
ثم وَثَبَ إلى الجيش الآخر في اليرموك، ويوم اليرموك هو اليومُ الأغرُّ في سيرة خالد - رضيَ الله عنه - وهو من أيام الإسلام المعدودات[15]، كسر فيه خالدٌ جيش الرُّوم القويِّ، وفرَّق شَمْلَه الكثيف، وولَّى الرُّوم مدبرين، ودخلت الشام في حظيرة الإسلام، بعد أن بكاها هرقل الروم وهو يقول: "عليكِ السَّلام.. سلامًا لا اجتماع بعده، ولا يعود إليكِ روميٌّ أبدًا إلاَّ خائفًا"[16].
فأين خالدٌ وجيشُه يرون الروم تصول وتجول في أرض الله، وتأمر وتنهى، وتعاهد وتغدر، وتقاطع مَنْ تشاء! وتضرب مَنْ تشاء! متى تشاء!! بكل أمنٍ واستعلاء، وتَغَطْرُسٍ وكبرياء!! ولا يمنعها أحدٌ، بعد أن أضاع الخَلَف كثيرًا مما كان عليه السَّلَف؟!! فالله المستعان.
لقد كان أعداءُ خالد - رضيَ الله عنه - يعلمون قوة إيمانه، ويدركون حدَّةَ عقلِه ودهائه، ألبسهم ثياب الهزيمة ثوبًا من بعد ثوب، وجرَّعهم كؤوس الذلِّ كأسًا من بعد كأس، وعرفه الروم حقَّ المعرفة.
وفي معركة الفِراض قال الروم لخالد: "إما أن تعبروا إلينا وإما أن نعبر إليكم. فقال خالد: بل اعبروا إلينا. قالوا: فتنحُّوا حتى نعبر. فقال خالد: لانفعل، ولكن اعبروا أسفل منَّا. وعندئذٍ قالت الروم والفرس بعضهم لبعض: احتسبوا مِلْكَكُم، هذا رجلٌ يقاتل عن دين، وله عقلٌ وعِلْمٌ، ووالله ليُنْصَّرَنَّ ولنُخْذَلَنَّ، فعبروا أسفل من جيش خالد، فاقتتلوا اقتتالاً شديدًا حتى هزمهم خالد وجندُه[17].
وفي معركةِ كاظِمة: نزل على غير ماءٍ، ثم أمر مناديه فنادى: "جالدوهم على الماء؛ فلعَمْري ليصيرنَّ الماء لأصْبَرِ الفريقَيْن، وأكرم الجندَيْن"[18].
وكان - رضيَ الله عنه - لا يعتبِر بالكَثْرة قدر اعتباره بالصبر والتنظيم والإقدام؛ فمن مأثورات قوله: "إنما تكثرُ الجنودُ بالنَّصر، وتقلُّ بالخِذلان، لا بعدد الرجال[19].
ومع هذه القيادة والسِّيادة؛ لم يكن بذلك القائد الذي يوجِّه جنده ولا يُقْدِم، أو يخطِّط للمعركة ولا يقاتل؛ بل كان يستأثر دون جنده بالمخاطر، ويؤثرهم بالخير والأمان، ويحبُّ لهم ما يحبذُ لنفسه، وكان حبُّهم له يزداد كلما ازداد إقدامًا وبلاءً وشجاعةً، بدليل أن جندَه الذين قاتلوا معه المرتدِّين، وصاحبوه في قتاله في العراق والشام - عندما عادوا إلى العراق نسوا الفخر كله، إلاَّ فخرهم بأيامهم مع خالد - رضيَ الله عنه وأرضاه[20].
ويكفي دليلاً على شدَّة بأسه وإقدامه أنه قاتل في مؤتة قتالاً مريرًا، حتى تكسرت تسعةُ أسيافٍ في يده، لولا أنَّ البخاريَّ أخرج ذلك في "صحيحه"؛ لما كان يُصَدَّق[21].
ويوم الوَلَجَة في حرب الفرس؛ جَبُن الناس عن فارسٍ كان يَعْدِلُ في الحرب ألف رجلٍ، فخرج إليه خالدٌ، فبارزه فصرعه.
وما جيشٌ قابلَ جيش خالدٍ إلاَّ كان مهزومًا، وما ذاق خالدٌ طعم الهزيمة، لا في الجاهلية ولا في الإسلام.
ولما وَلِيَ عمرُ الخلافة؛ خاف افتتان الناس بخالدٍ وانتصاراته، وعقله ودهائه؛ فعزله عن القيادة؛ ليُفْهِمَهُم أنَّ النصر منَ الله، وأنَّ الله ينصرهم بخالدٍ وبغير خالد؛ ليتَّكلوا على الله لا على بشرٍ، مهما سما وعلا شأنه. فأبى خالد إلا أن يضمَّ إلى انتصاراته العسكرية انتصاره على نفسه، فامتثل وأطاع، وصار جنديًّا تحت إمْرَة أبي عبيدة - رضيَ الله عنه - وقال قولته المشهورة: "إني لا أقاتل لعمر؛ ولكني أقاتل لربِّ عمر"[22]. فرضيَ الله عنه وأرضاه، وجعل الفردوس الأعلى مأواه.
وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثَّانية
الحمد لله، حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه، كما يحبُّ ربنا ويرضى، أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، والتَّابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين.
أما بعد:
فإن خالدًا - رضيَ الله عنه وأرضاه - لم يتخلَّف عن غزوةٍ منذ أسلم، وكان في طليعة جيوش المسلمين الجرَّارة، ومن أبرزهم حضورًا في المعارك الحاسمة، حتى شغله الجهاد عن كثرة قراءة القرآن. ونعم الشاغلُ الجهادُ في سبيل الله تعالى؛ قال قيس بن أبي حازم: "سمعت خالدًا يقول: منعني الجهادُ كثيرًا منَ القراءة"[23].
ومع شجاعته وإقدامه، ورغم كثرة المعارك التي حضرها، والجراح التي أصابت جسده؛ حتى ما فيه موضعُ شِبْرٍ إلاَّ وفيه جرحٌ؛ فإن الله تعالى كتب له السَّلامة في حروبه، وقدَّر له أن يموت على فراشه.
يقول - رضيَ الله عنه -: "لقد حضرتُ مائة زحفٍ أو زهاءَها، وما في جسدي موضعُ شِبْرٍ إلاَّ وفيه ضربة أو طعنةٌ أو رميةٌ، وها أنا أموت على فراشي كما يموت العَيْر؛ فلا نامت أعين الجبناء"[24].
لقد قويَ إيمانُه، حتى بلغ من قوَّته أنه أُشرب حبَّ الجهاد في سبيل الله تعالى وخدمة دينه، كان همُّه الأكبر الجهاد في سبيل الله، تعلق به قلبُه دون كلِّ محبوب، ولا أدلّ على ذلك من قوله: "ما من ليلة يُهدى إليَّ فيها عروسٌ أنا لها محبٌ، أحبَّ إليَّ من ليلةٍ شديدة البرد، كثيرة الجليد، في سريةِّ أُصَبِّح فيها العدو"[25].
فلله درُّ خالدٍ - رضيَ الله عنه وأرضاه - وهذا الشعور يملك عليه قلبَه، وتمتلئ به نفسُه، حتى يكون همُّه الأكبر الجهادَ في سبيل الله تعالى، وخدمة دينه.
وما تحطَّمت عروشُ كسرى وقيصر، وفتحت بلدانُ الشرق والغرب إلاَّ على أيدي رجالٍ كان هذا همُّهم، وذاك شعورهم. ولما تغيَّر ذلك الهمُّ في خَلَفِهم، وانحصر في الدنيا وحطامها؛ ذلُّوا وانهزموا، وهانوا واستُبيحوا، فهل من خالدٍ وأمثال خالدٍ يعود فيهم يومًا؟!
عن أبي وائل قال: لما حضرتْ خالدًا الوفاة قال: "لقد طلبتُ القتلَ مظانَّه، فلم يُقَدَّر لي إلا أن أموت على فراشي، وما من عملي شيءٌ أرجى عندي بعد التوحيد من ليلة بتُّها وأنا متترسٌ، والسماء تُهِلني، ننتظر الصبح حتى نغير على الكفار". ثم قال: "إذا مِتُّ فانظروا إلى سلاحي وفرسي، فاجعلوه عدَّةً في سبيل الله"[26].
فلما توفِّيَ خرج عمرُ على جنازته وقال: "ما على آل الوليد أن يَسْفَحْنَ على خالد من دموعهنَّ، ما لم يكن نَقْعًا أو لِقَلْقَلَةٍ"[27].
ورضي الله عن خالد؛ لم يخلِّف تركةً وهو الذي فتح الفتوح، وهدم العروش، وغنم الغنائم، وحمل مثاقيل الذهب والفضة؛ لأنه قاتل لله تعالى لا للدرهم والدينار، ولا للعرش والسُّلطة التي يتقاتل الناس عليها، ويبذلون في سبيلها كلَّ شيء.
قال نافع: "لمَّا مات خالدٌ؛ لم يَدَعْ إلا فرسَه وسلاحه وغلامه؛ فقال عمر: رحم الله أبا سليمان، كان على غير ما ظنناه به"[28].
وقال عمر لما مات خالد: "قد ثُلِمَ الإسلام ثَلْمَةً لا تُرْتَقُ"[29].
وقال: "كان والله سدَّادًا لنحور العدو، ميمون النَّقيبَة"[30].
ولقد كان - رضيَ الله عنه - جديرًا بمقولة أبي بكر - رضيَ الله عنه -: "عجز النساء أن يَلِدْنَ مثل خالد"[31]، وصدق الصدِّيق - رضيَ الله عنه وأرضاه.
أيها الإخوة:
كانت تلك أجزاءٌ يسيرةٌ من سيرة هذا البطل الكرَّار، والقائد المِقدام، الذي عاش ستِّين سنة، قضى ما يقارب شطرها في الجهاد في سبيل الله تعالى، فرضيَ الله عنه، ورضي عن الصحابة أجمعين.
ألا وصلُّوا وسلِّموا على محمد بن عبدالله، كما أمركم بذلك ربُّكم.
[1] بتصرف يسير من: رجال من التاريخ للشيخ علي الطنطاوي (45).
[2] انظر: سير أعلام النبلاء (1/366) والإصابة (1/70).
[3] أخرجه أحمد (4/198) وابن إسحاق كما في سيرة ابن هشام (2/276) والواقدي في المغازي (2/741) والحاكم (3/454) وقال الساعاتي: سنده جيد (21/134) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني ورجالهما ثقات (9/351). وفي رواية أحمد (المنْسم) وفي رواية الحاكم (الميسم) بالياء بدل النون. قال السهيلي: "من رواه (المِيسَمُ) فهي العلامة، أي: قد تبين الأمر واستقامت الدلالة، ومن رواه (المَنْسَم) بفتح الميم وبالنون، فمعناه: استقام الطريق، ووجبت الهجرة، والمنسم مقدّم خف البعير، وكنّي به عن الطريق للتوجه به فيه" الروض الأنف (6/386).
[4] سير أعلام النبلاء (1/366).
[5] انظر: صحيح السيرة النبوية لإبراهيم العلي (391).
[6] رجال من التاريخ (47-48).
[7] انظر: فقه السيرة للغزالي (368) والرحيق المختوم (391).
[8] جاء ذلك في أحاديث عدة كما في حديث أبي عبيدة عند أحمد (4/90) وحديث أنس عند البخاري في فضائل الصحابة باب مناقب خالد بن الوليد (3757) وحديث وحشي بن حرب عند أحمد (1/
والحاكم (3/298) وعزاه الهيثمي للطبراني وقال: رجالهما ثقات (9/348).
[9] أخرجه البيهقي في الدلائل (4/343).
[10] أخرجه أحمد (1/
والحاكم (3/298) والطبراني في الكبير (4/12) قال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني ورجالهما ثقات (9/348).
[11] أخرجه ابن سعد في الطبقات (4/252) وابن عساكر كما في تهذيب تاريخ دمشق (5/97).
[12] انظر: تاريخ الطبري (3/439) والكامل لابن الأثير (2/394).
[13] انظر: تاريخ الطبري (3/374) والكامل لابن الأثير (2/394).
[14] كانت المسافة بالتحديد ثمانمائة وستين كيلاً (860)، وانظر: تاريخ الطبري (3/408) ورجال من التاريخ (48).
[15] رجال من التاريخ (49).
[16] تاريخ الطبري (2/446).
[17] تاريخ الطبري (3/383) والكامل لابن الأثير (2/399).
[18] تاريخ الطبري (3/349).
[19] تاريخ الطبري (3/397) والكامل لابن الأثير (2/412).
[20] انظر: تاريخ الطبري (3/349) والقيادة العسكرية في عهد الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - للدكتور عبدالله الرشيد (599).
[21] أخرجه أحمد في فضائل الصحابة (1475) والبخاري في المغازي باب غزوة مؤتة (4265-4266) والبيهقي في الدلائل (4/373) وابن سعد في الطبقات (4/253) والحاكم (3/42).
[22] رجال من التاريخ (51)، وراجع: ج (2) ص (92).
[23] أخرجه أبو يعلى في مسنده (13/143) برقم (7188) قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح (9/350) وصححه البوصيري في مختصر اتحاف السادة المهرة (7671) وصححه الحافظ ابن حجر في المطالب العاليه (4/277) برقم (4008).
[24] انظر: أسد الغابة (2/143) والاستيعاب (3/169).
[25] أخرجه أبو يعلى في مسنده (13/141) برقم (7185) وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح (9/350) وانظر: الثقات لابن حبان (3/101).
[26] أخرجه ابن المبارك في الجهاد (53) والخرائطي في مكارم الأخلاق (177) والطبراني في الكبير (4/106) برقم (3812).
[27] أخرجه ابن المبارك في الجهاد (53) ونحوه عند الحاكم في المستدرك مختصرًا وسكت عنه الذهبي في التلخيص (3/297) وعلقه البخاري (3/160) وقال الحافظ في الفتح: وصله المصنف في التاريخ الأوسط (3/161)، وانظر: التاريخ الصغير للبخاري (1/46) وسير أعلام النبلاء (1/383) والإصابة (3/74) والنقع: وضع التراب على الرأس، واللقلقة: رفع الصوت.
[28] أخرجه ابن سعد في الطبقات (7/279) وذكره الذهبي في السير بلفظ: كان على ماظنناه به (1/383) والمعنى مختلف تمامًا.
[29] تهذيب تاريخ ابن عساكر (5/93).
[30] تهذيب تاريخ ابن عساكر (5/113).
[31] تاريخ الطبري (3/359) والكامل لابن الأثير (2/389).