اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 الرد على القول بأن الإسلام وسط بين الرأسمالية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100210
الرد على القول بأن الإسلام وسط بين الرأسمالية Oooo14
الرد على القول بأن الإسلام وسط بين الرأسمالية User_o10

الرد على القول بأن الإسلام وسط بين الرأسمالية Empty
مُساهمةموضوع: الرد على القول بأن الإسلام وسط بين الرأسمالية   الرد على القول بأن الإسلام وسط بين الرأسمالية Emptyالأربعاء 15 مايو 2013 - 11:49

الرد على القول بأن الإسلام وسط بين الرأسمالية
والاشتراكية في مجال الحرية الاقتصادية

تقديم:
من القضايا الأساسية المطروحة على مفكري العالم الإسلامي المعاصرين، ودعاة الالتزام بمقتضيات الشرع الإسلامي، في بناء مجتمع إسلامي محتكم في كل نشاطاته، وجوانب حياته إلى تعاليم الشريعة الإسلامية، قضية الاقتصاد. كيف نقيم اقتصاداً إسلامياً؟ وكيف ننظمه؟ وكيف نديره؟
وقبل أن يصل المفكرون المسلمون إلى جواب عن هذه الأسئلة، لابد أن يحرروا بعض المفاهيم والمقاصد، ويحددوا بعض الأهداف والغايات، كما يطرحها الإسلام، في ضوء الشريعة الإسلامية؛ وذلك أمام السبق المادي الهائل الذي حققته الحضارة الغربية المعاصرة في كل المجالات. وفى مجال الاقتصاد بصفة خاصة. وما ترتب عليه من سيادة لمفاهيم وأنماط فكرية وتطبيقية، بعيدة كل البعد عن توجه الإسلام؛ ولكنها مع ذلك حققت لنفسها الهيمنة، بسبب ما لها من بريق وإغراء، يخاطب حاجات الإنسان المادية العاجلة، في غياب فكر إسلامي حي، وممارسة إسلامية مقنعة، أساس هذا الغياب انفصال المسلم عن عقيدته الصافية، وفكره النابض، وشريعته المنضبطة.
ونتيجة لكل هذا، نجد المسلمين اليوم يواجهون صعوبات كبيرة، في إعادة بناء مجتمعهم، وفقاً لمنطلقات العقيدة الإسلامية، ومقتضياتها. فهم ما زالوا في مرحلة السعي والمحاولة؛ من خلال ما يبذله مفكروهم المخلصون، وعلماؤهم العاملون، من جهود في مجال البحث والدراسة، وتحرير المفاهيم، وتوضيح المقاصد، تمهيداً لخلق أرضية مناسبة، تساعد على بناء النموذج الإسلامي الصحيح للحياة الإنسانية على الأرض.
ولعل هذا البحث، الذي يسعد مركز البحوث التربوية – بكلية التربية – جامعة الملك سعود، أن يقدمه للنشر، تحت عنوان "الرد على القول: بأن الإسلام وسط بين الرأسمالية والاشتراكية، في مجال الحرية الاقتصادية" أقول: لعله يسهم – في ضوء توجهه الإسلامي – في توضيح بعض من تلك المفاهيم والمقاصد، التي تعاني من الخلط والضبابية، في مجال الاقتصاد والممارسة الاقتصادية.
فجزى الله الباحث الدكتور محمد رجاء غبجوقة كل خير، ونفع بجهده، وأعانه، وجميع المخلصين على خير. إنه جواد كريم. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
مدير مركز البحوث التربوية
د. محمد بن شحات الخطيب

المحتوى
ملخص البحث ((باللغة العربية)).
ملخص البحث ((باللغة الإنكليزية)).
المقدمة.
بيان تمهيدي موجز لمنهج الإحالات وغيرها من رموز البحث.

الفصل الأول: بيان مدى حرية الإنسان الاقتصادية في ظل المذاهب الوضعي:
الفرع الأول: مدى حرية الفرد الاقتصادية في المذاهب الرأسمالية.
المبحث الأول: مدى حرية الفرد في التملك والتصرف والإنتاج.
المبحث الثاني: مدى حرية الدولة في التدخل في نشاط الأفراد وحرياتهم.
المبحث الثالث: مدى حرية الدولة في القيام بالنشاطات الاقتصادية المنافسة لنشاط الأفراد.
الفرع الثاني: مدى حرية المجتمع الاقتصادية في ظل المذهب الاشتراكي.
المبحث الأول: سمات الاقتصاد الشيوعي.
المبحث الثاني: أهم مظاهر التطبيق العملي للشيوعية وآثاره.
الفرع الثالث: مدى الحرية الاقتصادية في الاتجاه المعتدل.
المبحث الأول: مدى الحرية الاقتصادية في الاتجاه المعتدل قي المذهب الرأسمالي.
المبحث الثاني: مدى الحرية الاقتصادية في الاتجاه المعتدل في المذهب الاشتراكي.
أولا- مدى الحرية في الاتجاه المعتدل في المذهب الاشتراكي داخل العالم الشيوعي.
ثانيا- مدى الحرية في الاتجاه المعتدل في المذهب الاشتراكي خارج نطاق العالم الشيوعي.
الفرع الرابع: مقارنة بين المذاهب الوضعية.
خاتمة الفصل الأول.

الفصل الثاني: في بيان مدى حرية الإنسان الاقتصادية في ظل الإسلام:
الفرع الأول: تنظيم علاقة الإنسان بالأموال والثروات بحسب أنواع الأموال ووظائفه.
المبحث الأول: تنظيم علاقة الإنسان بالأموال والثروات بحسب أنواعها.
المبحث الثاني: تنظيم علاقة الإنسان بالأموال والثروات بحسب وظائفها.
الفرع الثاني: تنظيم علاقة الإنسان بالأموال والثروات بحسب منهج التصرف فيها.
المبحث الأول: توجيهات الإسلام الاقتصادية فيما أمر به أو رغب فيه.
المبحث الثاني: توجيهات الإسلام الاقتصادية فيما نهى عنه أو رغب عنه.
الفرع الثالث: تنظيم العلاقة الاقتصادية بين الراعي والرعية.
المبحث الأول: في وظيفة ولي الأمر في الدولة الإسلامية في المجال الاقتصادي.
المبحث الثاني: ما يجوز لولي الأمر أن يقوم به في مجال النشاط الاقتصادي والإنتاج.
أولاً – الأسباب المسوغة لقيام الدولة بنشاط اقتصادي.
ثانياً – الحدود التي يلتزم بها ولي الأمر حين قيامه بنشاط اقتصادي لتلبية احتياجات الأمة.
المبحث الثالث: المعالم الرئيسية لعلاقة الراعي بالرعية.
خاتمة الفصل الثاني.

الفصل الثالث: نتيجة المقارنة بين الإسلام والاقتصاد الوضعي في مدى الحرية الاقتصادية:
الفرع الأول: نتيجة ما يتعلق بأصل الحرية الاقتصادية.
الفرع الثاني: الفارق بين الإسلام والمذاهب الوضعية فيما اتفقت عليه المذاهب الوضعية في مجال الحرية.
الفرع الثالث: الفارق بين الإسلام والمذاهب الوضعية فيما اختلفت عليه المذاهب الوضعية في مجال الحرية.
خاتمة الفصل الثالث.
ثبت الإحالات والمراجع.
ثبت-الحواشي.

ملخص البحث
إن من أبرز الموضوعات الاقتصادية وأهمها في هذا العصر، موضوع الحرية الاقتصادية. وقد ذهب بعض الباحثين إلى أن الحرية الاقتصادية في الإسلام وسط بين المذهبين الرأسمالي والاشتراكي في هذه الناحية، وهذا يعنى أن الإسلام يشبه في مجال الحرية – أو يماثل – مذهب المعتدلين من الرأسماليين والاشتراكيين. ولكن الحقيقة هي أن الحرية الاقتصادية نعمة من الله ومنحة منه للإنسان الذي استخلفه الله في الأرض، وكلفه بوظيفة العمارة فيها؛ فله من الحرية ما يساعده على القيام بها، حرية منظمة مقيدة بأحكام الشريعة الإسلامية.
ويختلف الاقتصاد الوضعي عن ذلك؛ فهو لا يؤمن بأن الإنسان مقيد بشرع سماوي يوجهه، وإنما يختار ما يشاء حسب رغبته، وتكون نتيجة ذلك جعل الإنسان صاحب حرية مطلقة حقيقية يتصرف بها كيف يشاء، إلا أن الوضعيين يختلفون فيما بينهم فيمن توجه إليه الحرية: أهي الجماعة؟ أم الفرد؟ أم هما معاً بحيث توزع بينهما؟ وقد كان لهذا
الاختلاف بين الإسلام والاقتصاد الوضعي آثاره الواضحة في المضمون والتطبيق، ويتلخص في أن الإسلام يوزع بين الفرد والمجتمع حرية منظمة مقيدة بأحكام الشريعة الإسلامية الربانية، بينما يوزع الاتجاه المعتدل في الاقتصاد الوضعي حرية مطلقة لا يقيدها إلا إرادة واضعيها التي لا تخضع إلا لأهوائهم. وهذا ما قصدنا إبرازه وتوضيحه في هذا البحث. والله من وراء القصد، وهو ولي التوفيق.

Summary of Research
Of the most prominent and important economical subjects in this era is the economical freedom. Some researchers went to say that freedom in Islam Iies some Where between capitalist and socialist beliefs. As such ، Islam's economical freedom is similar to the understanding of moderates' belief. But in fact ، the economical freedom is agift of allah to human beings who were appointed as successor by Allah to fill earth With life. To fulfill this appointment ، human beings were given enough freedom that assists them in performing this mission. Although (sharia'a).
Mean while ، man made economy laws are different in the fact that they do not believe of human beings as restricted by a heavenly law which directs them but instead human beings selects ، Whatever they want according to their desires. The result is that human beings shall have an actual absolute freedom which they.
exercise as they wish.
But some positivists differ on whom shall be given freedom? Is it the individual or the group or both together by distributing it between them? However ، such differences between Islam and positive economy has an obvious effects in content and practice and that is what we intended to highlight in this research.
May Allah Support Our Purpose
May Allah Grant us with success

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه.
وبعد: فإن موضوع الحرية مهم جداً في جميع جوانب الحياة البشرية بعامة. ومنها الجانب الاقتصادي الذي أولاه الإنسان اهتماماً كبيراً، وهذا الموضوع يستقي أهميته وخطورته من أمرين:
أولهما: كون الحرية من حيث طبيعتها وحدودها نابعة مما يعتنقه الإنسان من معتقدات ومبادئ.
وثانيهما: تأثيرها في سلوك الإنسان وتصرفاته في جميع جوانب الحياة البشرية.
ولقد كان فقدان الحرية الاجتماعية - بعامة - والحرية الاقتصادية منها – بخاصة - في مجتمعات بشرية – بشكل أو بآخر – سبباً لنشوء أوضاع غير طبيعية[1] وإضرابات مؤثرة[2] أثمرت بدورها أوضاعاً مناقضة لها في بعضها ومختلفة عن سابقتها في بعضها الآخر[3]. وكانت ولا تزال تلتقي بأجمعها عند عدم التزام الاعتدال والحدود الطبيعية السليمة. ولقد استقرت الأحوال أخيراً في عصرنا الحاضر، بعد تطور العلوم والمعارف - بعامة - وعلم الاقتصاد – بخاصة - على نتائج خطيرة كان لها أثرها الكبير والبعيد على وجهة المجتمعات الحديثة في جميع نواحي حياتها، وفى مقدمتها ناحية الحياة الاقتصادية. والبحث في هذا الموضوع ذو شقين:
أولهما: يتعلق بالمبادئ والركائز الأساسية التي تقوم عليها الحرية الاقتصادية في الإسلام؛ حيث أعرض في مقدمة تمهيدية ما تتضمنه المذاهب الوضعية، وأقوم بعد ذلك ببيان المبادئ والركائز الأساسية للحرية الاقتصادية في الإسلام، وفى ذلك كله أقتصر على ما يخدم موضوع البحث.
وثانيهما: يتعلق بما تؤدي إليه معرفة تلك المبادئ من ثمرات ونتائج تعين على الوصول إلى أمرين:
أ- إثبات المراد الذي عقدتُ هذا البحث من أجله، ويدل عليه عنوان البحث.
ب- دفع الأوهام التي ثارت حول هذا الموضوع، وتوضيح أن الإسلام فريد في مضمونه ومثالي في تحقيقه لمصالح البشر.
وإذا عرف أن هذا التقسيم يعنى أن يتضمن الشق الأول المقدمات التي لابد من معرفتها للوصول إلى النتائج المطلوبة؛ فإن مما لا بأس به الإشارة إلى أنه سيذكر فيه من تلك المقدمات المسلمة – بإيجاز مناسب، مع قضاء الغرض المطلوب بإذن الله – أن المذهب الرأسمالي في أساسه مذهب حرية الفرد، يمنحها لكل فدر حريةً مطلقةً من الناحية النظرية، وهي من الناحية الواقعية العملية من نصيب الأغنياء والأقوياء. وأن المذهب الاشتراكي يوجه الحرية الاقتصادية المطلقة إلى المجتمع ممثلاً بالدولة وسلطتها. وأن الإسلام يقوم على مبدأ أساسي مهم، وهو: أن الكون كله لله وحده، وأن الإنسان مجرد مستخلف في الأرض مكلف بالعمارة فيها في حدود شرع الله، وأن الإسلام يمنح كلاً من الفرد والمجتمع حقوقاً متوازنة ومتناسقة ومتكاملة ضمن ما يقيم المصالح ويدرأ المفاسد.
كما يتضمن الشق الثاني المخصص لبيان النتائج والثمرات: العرض والنقد، ومن بعدهما تصويب مقولة القائلين بأن الإسلام وسط بين الرأسمالية والاشتراكية في مجال الحرية الاقتصادية، وأنه اشتمل على محاسنهما وأبعد مساوئهما[4].
هذا، وقد استدعى منح هذا الموضوع – بمختلف جوانبه – حقه من التوضيح، جعلَ بيانِهِ في ثلاثة فصول:
الفصل الأول: لبيان مدى حرية الإنسان الاقتصادية في ظل المذاهب الوضعية.
الفصل الثاني: لبيان مدى حرية الإنسان الاقتصادية في ظل الإسلام.
الفصل الثالث: لبيان ثمرة النظر فيهما.
كما لا يفوتني أن أشير إلى أهمية توضيح الرموز المستخدمة في البحث لخدمة الإحالة إلى مصادر البحث، وكذلك بيان ما هو مستخدم لقراءة الحواشي، وقد جعلت لتوضيح ذلك كله – قبل الشروع في فصول البحث – بياناً تمهيدياً موجزاً لمنهج الإحالات وغيرها من رموز البحث.

بيان تمهيد
لمنهج الإحالات وغيرها من رموز البحث
لاشك أن الرموز تخدم البحث من جهة توضيح معاني إضافية يحتاج إلى معرفتها من يقرأ البحث، وينبغي الإشارة إليها في مناسباتها من عبارات البحث توثيقاً لها من جهة حين تحتاج إليه، أو رفعاً لِلَّبْس والغموض اللذين قد يقترنان بمضمون البحث في ذهن القارئ. والرموز هذه إشارات مختصرة تؤدي معاني معينة، فهي على ضآلة حجمها تؤدي خدمة جليلة، إلا أن هذه الإشارات إذا لم تكن واضحة في دلالاتها على المطلوب في ذهن القارئ لا تفي بالمطلوب، بل تزيد الغموض غموضاً، وتكون سبباً في شرود الذهن وضياع المعنى المقصود من نصوص البحث؛ لذا فإني عقدت هذا البيان لتوضيح المنهج الذي سلكته في الرموز المستخدمة أرقاماً كانت أو حروفاً أو إشارات تكون بين يدي من يقرأ البحث كي لا يكون أمامه أية عقبة تحول دون بلوغ المطلوب في البحث. وفيما يلي بيان هذه الرموز مقسمة إلى صنفين يتعلق أولهما برموز البحث والثاني برموز الإحالات.

1- رموز البحث
ويقصد بها الإشارات التي لها دلالات تخدم الأمانة العلمية في البحث من جهة، كما تخدم نصوص ومعاني البحث من جهة أخرى، وهي تتلخص فيما يلي:
1- جعلت نصوص القرآن والسنة – أي: الآيات والأحاديث – بين قوسين كبيرتين مزدوجتين تحيطان بالنص في بدايته ونهايته، هكذا (( )) تمييزاً لهذه النصوص الشريفة عن غيرها.
2- جعلت النصوص المقتبسة بألفاظها – حرفياً – بين قوسين هكذا – ( )- وهذا إذا لم يختصر النص، أو لم يذكر بمعناه فقط.
3- جعلت الكلمات أو العبارات التي تحتاج إلى إبراز لسبب من الأسباب – ككونها موضحة أو.. – بين قوسين صغيرتين هكذا (( )).
4- وأما الجمل الاعتراضية وما في حكمها فقد جعلت بين خطي الاعتراض الأفقيين هكذا.

2- رموز الإحالات
لقد استخدمت في البحث في هذه الناحية صنفين من الرموز أحدهما للإحالة على الحواشي والثاني للإحالة على المصادر.
أ- رموز الإحالة على الحواشي المتضمنة للتوضيحات أو التعليقات، وإنْ تضمّنت إحالة على المصادر تكون بكتابة رقم مجرد عن علامات تحيط به، ويكون الرقم مسلسلاً بحسب ترتيبه بين الإحالات التي من الصنف نفسه – إحالات الحواشي – دون أن يكون لهذا الرقم علاقة بأرقام المصادر المحاطة بعلامات تميزها، كما سيأتي بيانها فيما يلي.
ب- رموز الإحالة على المصادر العلمية سواء كانت الإحالة في صلب عبارات البحث أو في الحواشي. وقد جعلت للمصادر أرقاماً تشير إلى ترتيب كل مصدر في ثبت الإحالات على المصادر، وهذا الترتيب لا يعتمد على اسم المؤلف أو اسم الكتاب من حيث الترتيب المعجمي – أي: كما في المعاجم اللغوية – وإنما سلكت فيه المسلك المتبع حاليا في كثير من الجهات العلمية، وهو ترتيب الإحالة على المصدر – من بين الإحالات الأخرى على المصادر الأخرى – أي: أول مرة يحال فيها على كل مصدر – سواء كانت الإحالة في البحث مباشرة على المصدر أو الموضع الذي تكون فيه إحالة على حاشية تشتمل على إحالة على مصدر، حيث تدخل جميع الإحالات على المصادر في ترتيب واحد. وفيما يلي البيان التفصيلي لكيفية الإحالة على المصادر:
أ- جعلت الإحالات على المصادر إجمالاً بين علامتين هكذا [ ].
ب- جعلت أول رقم داخل العلامتين المذكورتين يشير إلى رقم الإحالة على المصدر كما ذكرت آنفاً.
ج- جعلت بعد هذا الرقم الفاصلة المعهودة هكذا( ،) وبعدها الحرف الذي يدل على رقم الجزء أو المجلد إن كان المصدر مؤلفاً من عدة أجزاء أو مجلدات، وهذا الحرف هو: (ج) وأتبعتُ هذا الحرف برقم يدل على رقم الجزء، هكذا ج3 أو ج2..........
د – بعدما سبق – في حالة كون المصدر أجزاء متعددة أو دون ذكر رمز الجزء ورقمه إذا كان المصدر كتاباً واحداً، جعلت للصفحة الحرف الذي يدل عليها وهو ص مسبوقاً بفاصلة تفصله عما قبله وبعد الحرف رقم الصفحة المحال عليها من المصدر.
ه – إذا كانت الإحالة على مصدرين معاً يتّبع للإحالة على المصدر الثاني ما اتبع للإحالة على المصدر الأول مع الفصل بينهما بفاصلة منقوطة تحتها، هكذا (؛)
و – جعلت الأرقام التي تدل على المصادر المحال عليها في ثبت الإحالات على المصادر في آخر البحث محاطة بين العلامتين [ ] بحيث تؤكد كون العلامتين دليلين على المصادر كما جعلت الأرقام التي تدل على الحواشي في ثبت الحواشي غير محاطة بعلامة ما كما هي الحال في صلب البحث، وقد سبق بيان ذلك.
أسال الله التوفيق للصواب والبعد عن الزلل، وهو من وراء القصد.

الفصل الأول[5]
بيان مدى حرية الإنسان الاقتصادية في ظل المذاهب الوضيعة
لما كان الإنسان في ظل المذاهب الوضيعة هو الذي يخطط لنفسه معيشته كيفما يشاء، ويخطط لما يقدر عليه من الكائنات كما يشاء، ويتصرف حسب مشيئته ورغبته، ولا يرى لأحد من غير البشر سلطانا على البشر؛ فإن من الطبيعي أن يكون ثمرة هذا الموقف من المذاهب الوضيعة جعل الإنسان – أي: الجنس البشري – صاحب حرية مطلقة في التصرفات، يمنح نفسه بنفسه ما شاء منها، ويقيد نفسه بما يريد من قيود حين يرغب في ذلك، كما أنه يتحلل من تلك القيود أو بعضها حين يشاء، ولا يشاركه في كل ذلك أيُّ كائن آخر من غيره.

والوضعيون: مابين منكر لإله خالق له السلطة على الإنسان وغيره من الكائنات، وما بين متجاهل متغافل غير آبه به، أو متصور لإله لم يشرع للإنسان إلا ما يطلق يده في الكون. والنتيجة واحدة بالنسبة للجميع، وهي: أن البشر يخططون لأنفسهم معيشتهم كما يشاؤون، ويرسمون لحياتهم الاجتماعية – بعامة - والجانب الاقتصادي منها – بخاصة - دون أن يقرِّوا بقيد يقيدهم من خارج إرادتهم، من إله كان أو دين. وإذا قيّدوا أنفسهم بشيء، فلهم أن يغيروه أو يعدّلوه أو يلغوه حسب رغبتهم ومشيئتهم. وهذا يعني أنهم يجعلون للجنس البشري – من حيث المبدأ – الحق الكامل والمطلق في أن يختار لنفسه ما يشاء، ويعدّل ما اختاره أو يغيّره كما يريد، دون أي قيد خارجي؛ ويكون له نتيجة ذلك: حرية مطلقة في جميع المجالات، يختار ما يشاء كما يحب ويرغب.
وهذا لا يعنى اتفاقهم كلياً في هذا المجال؛ بل إن بعضهم يوجه تلك لحرية إلى الأفراد، وليس للجماعات منها شيء إلا استثناء وفى حدود ما يخدم الأفراد، وهم أتباع المذهب الرأسمالي الأصلي ذي الاتجاه الفردي الحر الخالص. وبعضهم يوجهها – في الأصل – للمجتمعات العامة، دون أن يدع منها للأفراد إلا في حدود ما يخدم مصلحة الجماعة وحدها، وهم أصحاب المذهب الاشتراكي الشيوعي ذي الاتجاه الجماعي الموجّه. ثم إن فئات من الرأسماليين وفئات أخرى من الاشتراكيين نهجوا منهجاً آخر معتدلاً، بحيث تجعل الحرية المطلقة هذه توزّع بين الأفراد والمجتمعات حسب مناهج تخلتف فيها فئات هذه المجموعة، من حيث نسبة ما يمنح من الحرية لكلٍّ من الأفراد والمجتمعات. وهذا الاتجاه المعتدل يسمّيه بعض الاقتصاديين ((النظام الاقتصادي المختلط)) أو ((المذهب المختلط))[6] وهو في الحقيقة أقرب إلى أن يكون مجرد ((اتجاه)) للاعتدال من قِبَل بعض أتباع المذهبين المذكورين. وسوف نلقي الضوء على كل واحد من المذهبين والاتجاه المعتدل في فرع خاص به بما فيه الكفاية، وفي حدود ما يخدم الهدف من البحث. ثم نبرز بعد ذلك ما يسفر عنه عرضها من عظمة الإسلام ومزاياه.

الفرع الأول
مدى حرية الفرد الاقتصادية في المذهب الرأسمالي
يذهب الاقتصاديون الرأسماليون إلى القول بأن كل فرد من أفراد الجنس البشري له الحق الكامل والحرية المطلقة في القيام بما يشاء للحصول على الثروة أو تنميتها أو التصرف بها، دون أي قيد [4،ص46] مما يعنى ذلك إطلاق الحرية للإنسان فيما يملكه، وما ذلك إلا لأن الإنسان يتصرف فيما يملكه حقاً طبيعياً وملكية مطلقة لا حدود لها. ولقد كان من آثار ذلك مايلي:
1- عدم الاكتفاء بمنح الفرد حرية تملك أدوات الإنتاج؛ فقد امتد إلى إطلاق العنان لأصحاب المال والجاه كي يستثمروا ثروتهم وينموها بالطريقة التي يختارونها [4، ص 46] - أي: بغض النظر عن طبيعتها سليمة كانت أو سقيمة.
2- إبعاد الدولة عن التدخل في النشاط الاقتصادي للأفراد؛ لأن في ذلك انتقاصاً من حق الإنسان الطبيعي في الحرية المطلقة [4، ص 46]، وإن يكن للدولة مجال فهو قاصر على حراسة حريات الأفراد ومصالحهم الاقتصادية، إضافة إلى قيام الدولة بالخدمات والمصالح الاقتصادية التي يحجم عنها الأفراد لعجزهم أو لانعدام الربح الذي يحفزهم للقيام بها [5، ص 39 – 40؛ 6، ص 85].
3- عدم الالتزام بالمبادئ الخلقية[7]، ومخالفة أصول التعامل الإنساني السوي ممن يقدر على ذلك وتسمح له ظروفه وأوضاعه، بهدف تحقيق آماله وأمنياته الذاتية. فكان من أثر ذلك أن تفشى عدم التقيد بأصول الكسب الشريف، وانعدام الشعور النبيل تجاه الآخرين. بل ألبس كل منهما اللباس الشرعي؛ فاستقر التعامل العام على أساس الأثرة والسعي لجلب المنفعة الذاتية.
4- انعدام الاستقرار الاجتماعي بشكل عام، والاستقرار النفسي والاقتصادي منه لقاعدة المجتمع الحضاري العريضة بشكل خاص. مما أدى ويؤدي إلى سلسلة مستمرة من الاضطرابات، انتهت وتنتهي بوصول القائمين بها في كل حين إلى شيء مما رغبوا فيه، بالانتزاع من أفواه الأغنياء والأقوياء المتغلبين[8].
ويمكننا أن نستخلص ما أوردناه في الفقرتين السابقتين الأخيرتين – 3 و4 – ما سيأتي بيانه من جوانب الحرية في الاقتصاد الرأسمالي مستفادة من مؤسساته المختلفة، وسوف نجملها في المباحث الثلاثة التالية:
مدى حرية الفرد في التصرف والإنتاج والتملك.
مدى حرية الدولة في التدخل في نشاط الأفراد.
مدى حرية الدولة في القيام بالنشاطات الاقتصادية المنافسة لنشاط الأفراد.
كما نتبعها بالنتيجة النهائية التي تسفر عنها.

المبحث الأول
مدى حرية الفرد في التملك والتصرف والإنتاج
يجعل المذهب الرأسمالي من الفرد والنشاط الخاص المحور الرئيسي للحياة الاجتماعية - بعامة - والاقتصادية منها – بخاصة -. فيختصّ الأفراد – ومن في حكمهم من الجمعيات والشركات – بجميع أوجه النشاط الاقتصادي، من حرية للتملك أو الإنتاج أو التصرف.
ومما يدل على مدى حرية الفرد، أحد تعريفات النظام الرأسمالي الذي ينص على أنه (النظامُ الاقتصاديُّ الذي يمتلكُ فيه الأفرادُ – آحاداً أو جماعات[9] – الموارد الإنتاجية ملكية خاصة، كما لهم الحق في استخدام مواردهم بأية طريقة يرونها مناسبة) [2، ص 16]. فالتعريف يتضمن حق الفرد في استخدام ممتلكاته ومواهبه وطاقاته بالطريقة التي تحقق له رغباته الذاتية [2، ص 16] دون قيود. وقد بُنِي على هذا الأساس جميع مؤسسات النظام الرأسمالي.
فإطلاق الحرية يعم ما كان متعلقاً بالتملك أو الإنتاج أو التصرف بالثروات الخاصة. وفيما يلي ما يوضح ذلك باختصار:
أ- الملكية الخاصة: هي الأساس الذي يعتمد عليه النظام الرأسمالي [2، ص 23]. حيث يكون لصاحب المورد مطلق الحرية في الاستعانة بطريقة الاستخدام والاستثمار، كما يشجع النظام تراكم الثروات بأية طريقة ممكنة؛ لأنها وسيلة تنمية الطاقة الإنتاجية الإجمالية في المجتمع [2، ص 23].
فالحرية هذه تشمل وسائل الإنتاج وأساليبه وأدواته، كما تشمل المواد المنتجة والفئات التي يلبي المجتمع رغباتها في الإنتاج، إلى غير ذلك مما يمنحه القدرة الكاملة على توجيه ممتلكاته في الإنتاج وغيره إلى ما يراه أفضل في تحقيق مصالحه الذاتية. وهذا الأمر ساعد ويساعد بشكل طبيعي على توسيع الفوارق في الثروات والمكاسب بين أفراد المجتمع ومؤسساته [2، ص 23 - 26] وتغلب الأغنى والأقوى على الأضغف والأقل ثروة [2، ص 48]. ولذا فإن من الطبيعي أن يُرى في ظل هذا النظام ثروات صغيرة تصير ضحية أصحاب الثروات الضخمة.
ويفسرون ذلك بأن الثروات كلما ضخمت تمكن أربابها من تلبية حاجات المستهلكين، وتقديم الأفضل لمن يريده، والأيسر ثمناً لمن يحتاجه [2، ص 27، 7، ص 201 وما بعدها]، ويجعلون هذا التأويل مسوغاً لجعل المجتمع موجهاً – بشكل أو بآخر – سواء سعد عامته ورضوا أو شقوا وسخطوا – من قلة من أصحاب رؤوس الأموال الضخمة [7، ص 201] الذين يكون معظمهم غير عابئ بما هو خير للمجتمع، وبما يصلح شؤونه ومعيشة أفراده، وبخاصة منهم المحتاجون والضعفاء الذين يشكلون السواد الأعظم من الأمة.
ب – وأما الإرث فليس هناك قيود أو حدود لتوزيع الميراث، بل إن الأمر كله متروك لصاحب الممتلكات، وقد يوصي لشخص واحد أو عدة أشخاص [2، ص 24 - 25]. وقد تخرج الوصية عن حدود الأقارب والبشر كي تصير للحيوانات أو غيرها، مادام صاحب الثروة غير مقيد بقيود معينة.
ج – وأما حافز الربح فقد كان ولا يزال في ظل النظام الرأسمالي مرتبطاً بالاستغلال [2، ص 27] الذي ييسّر بشتّى أنواعه وأشكاله، ويساعد به قدرة المستغلين وإمكاناتهم [2، ص 28].
د- وفى ميدان المنافسة في النشاطات الاقتصادية، فإنها – أي: المنافسة – لا تتحقق بشكل تام، بسبب عدم التكافؤ بين القدرات الكبيرة والضئيلة في رؤوس الأموال والخبرات؛ فيكون ظهور الاحتكارات وتفشيها أمراً ملازماً للملكية الخاصة المطلقة وللحرية في النشاط الاقتصادي وللسعي في تحقيق أكبر قدر ممكن من الربح[10] [2، ص 28 - 29].
ومما يدعم هذا الأمر ويقويه ما يقوم به المحتكرون من تقليل كلفة السلعة لتصير رخيصة في الأسواق، وتزول المنافسة ويرسخ الاحتكار، ويكون تقليل كلفة السلعة مساعداً على انتشارها بين عامة الناس من الفقراء المحتاجين على حساب الجودة الحقيقية، إلا أن هذا العيب تتم تغطيته بتحسين المظهر، وبإضافة بعض الصفات الخداعة [2، ص 44 – 45 وص 48 وما بعدها وص 54 وما بعدها].

المبحث الثاني
مدى حرية الدولة في التدخل في نشاط الأفراد وحرياتهم
النظام الاقتصادي الرأسمالي يمنع الدولة من التدخل في النشاط الاقتصادي للأفراد كي لا تتعرض حقوقهم الطبيعية في الحرية المطلقة من الانتقاص. ويقتصر مجالها – أي: الدولة – على حراسة حريات الأفراد ومصالحهم الاقتصادية، إضافة إلى القيام بالخدمات العامة الاقتصادية التي يعزفون عنه؛ لعجزهم أو لعدم توافر ما يحفزهم على القيام بها، بسبب عدم إثمارها للربح المطلوب [4، ص 46؛ 5، ص 39 – 40؛ 6، ص 85]. وهذا يعنى أن الدولة مسخّرة لخدمة الأفراد بشكل مباشر أحياناً، وبشكل غير مباشر أحياناً أخرى. ويكون سَنّ القوانين اللازمة لحماية الممتلكات وتنفيذ العقود بأنواعها، واجب الدولة ومسؤولياتها الأساسية [2، ص 22]. وينبني على ذلك:
1- جعل السلطة التشريعية مسؤولة عن إصدار التشريعات والقوانين التي تحمي حقوق الأفراد ومصالحهم المطلقة، وتحرس حرياتهم وممتلكاتهم.
2- إلزام السلطة التنفيذية بتنفيذ ذلك الذي أصدرته السلطة التشريعية. ولا تقوم بشيء يتعارض معه، أو يتعارض مع مصالح الأفراد الاقتصادية وغيرها.
3- تكون وظيفة السلطة القضائية حماية الممتلكات والعقود ومختلف أنواع النشاط والمصالح الاقتصادية الخاصة، ومنع كل تجاوز لذلك، أو تعرّض لحقوق الأفراد أو لحرياتهم.

المبحث الثالث
مدى حرية الدولة في القيام بالنشاطات الاقتصادية المنافسة لنشاط الأفراد
يقتصر دور الحكومة في أصل النظام الاقتصادي الرأسمالي على الدفاع والأمن العام، وحماية الملكية الخاصة والمنافسة، وكفالة النشاط الاقتصادي وضمان الوفاء بالعقود والتعهدات؛ وذلك بسن القوانين اللازمة لذلك [4، ص 46، 5 ، ص 39 – 40؛ 6، ص 85؛ 2، ص 30]. وقد سبق بيان ذلك في حدود ما يتعلق بالجانب الاقتصادي.
أما ما يتعلق بدور الدولة في النشاطات الاقتصادية من جانبها الإيجابي الفعال في أصل النظام الرأسمالي، فيمكن حصره إجمالاً فيما يلي:
1- إصدار العملة وتحديد فئاتها.
2- تقرير الموازين والمكاييل والمقاييس التي تتطلبها الحياة الاقتصادية في حالة البيع والشراء.
3- فرض الضرائب اللازمة لتحويل المهام السابقة المذكورة، بحيث
لا تؤثر تلك الضرائب على خيارات المستهلكين، أو حسن توظيف الموارد [2، ص 30].
هذا ونخلص مما ذكرناه في المباحث الثلاثة إلى نتيجة واضحة، وهي قيام المذهب الرأسمالي على أساس إطلاق العنان للفرد، بمنحه الحرية المطلقة في التصرف لكسب المال. وقد كان من أثر ذلك أن فسح المجال للفئات الغنية والقوية، كي تتحكم بسائر طبقات المجتمع بما لها من قدرات، وتلحق بها صنوف الظلم والاستغلال، إشباعاً لروح الأثرة والتعامي عن المثل والحقوق الإنسانية العامة الحقيقة.

الفرع الثاني
مدى حرية المجتمع الاقتصادية في ظل المذهب الاشتراكي
يذهب الاشتراكيون من الاقتصاديين إلى أن منح الحرية الاقتصادية للفرد – بخاصة – يؤدي إلى ترسيخ التفاوت الطبقي بين أفراد المجتمع، وإلى نشر الظلم الاجتماعي، ويتلوهما عدم استقرار الحياة الاجتماعية بعامة، والجانب الاقتصادي منها بشكل خاص؛ لذا فإن الواجب عند الاشتراكيين جعل الحرية المطلقة للمجتمع عامة ممثلاً بالدولة وسلطتها الحاكمة باسمه، فلا يستأثر بها فرد دون فرد أو طبقة أو فئة دون أخرى [8، ص 33 وما بعدها؛ 4، ص 108 وما بعدها]، ولا يبقى ثم مجال لتسلط بعض الناس على غيرهم، إذ يكون الناس كلهم سواء بحكم كونهم أفراداً في هذا المجتمع، فيكون لزاماً عليهم الخضوع المطلق للنظام العام وخدمة المصلحة الاقتصادية العامة وحدها. وهذا يستدعي تغيير المؤسسات الاقتصادية الرأسمالية، وإناطة المسئولية بنظام التخطيط المركزي [2، ص 73]. الذي تهيمن عليه الدولة وتوجهه. وفيما يلي بيان سمات الاقتصاد الشيوعي، ومن بعدها بعض مظاهر التطبيق العملي وآثاره، وذلك في المبحثين التاليين:

المبحث الأول
سمات الاقتصاد الشيوعي
يتسم الاقتصاد الشيوعي إجمالاً بسمات عامة رغم تنوع أشكاله واختلاف مناهجه. ومن أهم هذه السمات ما يلي:

السمة الأولى: جعل العقارات الإنتاجية مملوكة من قبل الدولة، ومن ثم فإن كل إنسان يعتمد في معيشته على الحكومة [7، ص 223].
وهذا يعني:
1- إلغاء الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، وتحويلها إلى ملكية عامة [2، ص 74]، تديرها الدولة وتتصرف بها ممثلة بالجهاز الحاكم الذي هو الحزب الشيوعي، حيث يديرها إدارة شاملة [2، ص 83].
2- إلغاء حافز الربح نهائياً [2، ص 74]، أي: أن ما تدره المشروعات الإنتاجية من أرباح تؤول فائدتها إلى المجتمع وليس إلى الفرد.
3- إناطة مسؤولية توزيع الدخل بالدولة، فتقوم بالتوزيع على أساس القضاء على الفوارق الموجودة في الدخل، بإلغاء العوائد الناتجة عن الإيجارات والفوائد والميراث [2، ص 74].

السمة الثانية: إخضاع جميع العمال للتنجيد الشديد من قبل الحكومة [7، ص 223]، بحيث تنحصر فرص العمل في اتحادات العمال الشيوعية [7، ص 224 وص 229]. وتكون هذه الاتحادات حارسة لمصالح الحكومة ومثبتة لسلطتها، وليس للعمال من ذلك كله نصيب [7، ص 226].

السمة الثالثة: توجيه الإنتاج إلى توفير الصناعات الثقيلة والمعدات الحربية، بدلاً من توفير السلع الاستهلاكية التي يحتاجها عامة الشعب [7، ص 223 وص 248]. ولعل هذا جزء من كون التخطيط المركزي متحكماً في الحياة العامة بشكل عام والجانب الاقتصادي منها بشكل خاص. إذ إن هذا التخطيط يجعل رغبة الجهاز الحاكم هي المؤثرة على الخطط العامة، وليست رغبة المستهلكين أو المحتاجين أو المجتمع بوجه عام [2، ص 84 و85].

السمة الرابعة: ميل السياسات الخاصة بالضرائب والأجور إلى محاباة جماعة من عليه القوم من موظفي الحكومة، وزعماء الحزب، والرجال التنفيذيين في مجال الصناعة، والقادة في ميدان العلوم، وأشباههم.

المبحث الثاني
أهم مظاهر التطبيق العملي للشيوعية وآثاره
إن السمات المذكورة في المبحث السابق، تسوق كل فكر واع إلى استخلاص نتائج واضحة متوقع حصولها قبل رؤيتها على أرض الواقع، من خلال تطبيق المبادئ والقواعد التي يقوم عليها المذهب الاشتراكي. فكيف إذا وقعت وسادت في الأقطار التي حكمتها الشيوعية.
ويمكن إجمال النتائج التي تمخضت عن تطبيق الشيوعية فيما يلي:
1- قلة الحافز المادي للإنتاج [2، ص 74] أحياناً، بل فقدان هذا الحافز – لإلغائه - [2، ص 94] أحياناً أخرى.
2- حدوث التفاوت في الدخل وعدم تكافؤ الفرص الاقتصادية، وذلك لاستئثار القلة المنضوية في الحزب الحاكم بالفرص الاقتصادية المثلى والدخل الأعلى [2، ص 106 - 107] بل إنه ظهر عوار ما زعمه فلاسفة الشيوعية وقادتها واقتصاديوها، من أنهم قصدوا بإنشاء مذهبهم علاج ما في الرأسمالية من طبقية في المعيشة؛ حيث ظهر في ظل الشيوعية ما هو أنكى مما في الرأسمالية، حيث تشكلت عندهم طبقات اقتصادية أكثر في مجتمعهم، كما ظهرت الفوارق الطبقية في الميادين الأخرى الاجتماعية والسياسية [7، ص 240 – 243 وص 2254 و245].
3- عدم اعتراف الشيوعية بالملكية الفردية، إلا فيما يتعلق بالسلع الاستهلاكية مثل: الملابس، والكتب، والأثاث المنزلي... إلخ [7، ص 224]. فلا يسمح للأفراد بتملك أدوات الإنتاج. وتعتبر الشيوعية امتلاك العقارات الخاصة في ظل الرأسمالية، كالسرقة [7، ص 180] ولهذا لا تدفع الحكومات الشيوعية حين تستولي على الممتلكات الخاصة، أية تعويضات لأصحابها [7، ص 181].
4- وإذا كانت الدولة تملك وتدير جميع العقارات الإنتاجية في ميادين الزراعة والصناعة والنقل، فإن مما ترتب على هذا: كون العاملين في هذه الميادين تابعين للدولة اقتصادياً [7، ص 224].
5- نظراً لكون النظام النقدي والمالي والاقتصادي بعامة، والمؤسسات المالية منها بخاصة في قبضة الدولة [2، ص 86 وما بعدها وص 91 وما بعدها]، ونظراً لكون العمالة تابعة للدولة ومرتبطة بها ارتباطاً شبه تام، فإن المدخرات الشخصية من قبل عامة الناس في المؤسسات المالية تكون شكلاً من أشكال الثروات المصادرة من قِبل الدولة [2، ص 225].

الفرع الثالث
مدى الحرية الاقتصاد في الاتجاه المعتدل
يقصد بالاتجاه المعتدل ما ذهب إليه بعض فئات من أرباب المذهبين الوضعيين: الرأسمالي والاشتراكي – الشيوعي – وغيرهما من الاشتراكيين الغربيين، من تجنب التطرف الذي ذهب إليه أصحاب المذهبين الرأسمالي والشيوعي الأصليين. ويمكننا أن نقسم الكلام عن هذا الاتجاه في مبحثين: يخصص أحدهما للاتجاه المعتدل في المذهب الرأسمالي، والثاني للاتجاه المعتدل في المذهب الاشتراكي. ولكن لابد من الإشارة إلى أن هذا الاتجاه عموماً إنما يقوم على مبدأ توزيع الحرية الاقتصادية الأصلية الفردية أو الجماعية عليهما معاً مع اختلاف في نسبة ما يمنح من الحرية لكل منهما. فهو يوزع الحرية الاقتصادية المطلقة بين الفرد والمجتمع.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل


avatar


نقــاط : 100210
الرد على القول بأن الإسلام وسط بين الرأسمالية Oooo14
الرد على القول بأن الإسلام وسط بين الرأسمالية User_o10

الرد على القول بأن الإسلام وسط بين الرأسمالية Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرد على القول بأن الإسلام وسط بين الرأسمالية   الرد على القول بأن الإسلام وسط بين الرأسمالية Emptyالأربعاء 15 مايو 2013 - 11:50


المبحث الأول
مدى الحرية الاقتصادية في الاتجاه المعتدل في المذهب الرأسمالي
بعد أن لمس أرباب المذهب الرأسمالي آثار تطبيقه حسب أصوله التي بني عليها المذهب، والتي قامت – أي: هذه الأصول – على مبدأ التطرف للفرد على حساب الجماعة، اضطر العديد من الرأسماليين إلى إخراج جزء من الحرية الفردية إلى حيز الجماعة؛ لمشاطرة الفرد في بعض ما منحه إياه أصل المذهب. ولست هنا في صدد بيان الأسباب التي دعت إلى هذا الاعتدال من قبل بعض الرأسماليين في بداية الأمر، ثم قبوله من قبل جمهرتهم، سواء رضي منهم من رضي، أو كره منهم من كره، فقد اضطروا إلى منح ما كانوا يعتقدونه حقاً خلاصاً للأفراد – والمنتفع الأول والأكبر هم الأغنياء والأقوياء – حفاظاً على سائر ما اكتسبوه، بالاعتماد على قدراتهم المالية والفكرية وغيرهما، فإن معظم الناس وعامتهم فقراء ضعفاء يستغلون، ولكن ظروفهم وأحوالهم جمعتهم على دفع الظلم بظلم مماثل أو أعظم إذا لم يُعْطَوا بعض ما يستحقون. وهذا ما كان من ظواهر أوائل هذا العصر وحتى عهد قريب، حيث كان العمال يجتمعون في كثير من أقطارهم – والفلاحون في بعضها - من خلال نقاباتهم وجمعياتهم، على سلسلة من الاضطرابات والمظاهرات والاحتجاجات التي كان من نتائجها: رفع أجورهم أحياناً، وتقليل ساعات عملهم في بعض الأحيان، ومنحهم بعض ما كانوا يطالبون به من الحقوق أحياناً أخرى. كل ذلك كان يحصل في عالم الرأسمالية المتحضر المتقدم، مما ينبغي أن ينعدم فيه مثل هذا الأمر، من فقر أو احتجاج أو تظلم من قاعدة الأمة العريضة وعمود حياتها الاقتصادية. وما ذكرناه في هذا المجال لا يحتاج إلى برهان لكثرته وانتشاره وتجاوزه كل حدود الإخفاء من قبل رعاة المذهب، أو الجهل من قبل غيرهم. ولكن السؤال الذي يرد الآن في هذا المجال.. مجال تعديل المذهب الرأسمالي بحيث يصير للجماعة بعض ما كان خالصاً للفرد – هو: ما مدى هذا التعديل؟ وما مدى التغيير في أصول المذهب وقواعده وتطبيقاته؟. ويمكننا في هذا المجال أن نجمل في نقاط بعض م جرى من التعديل في النظام الرأسمالي، سواء ما كان من ترسيخ لحرية الفرد وقوته، أو منح للمجتمع بعض ما كان للفرد:
1- تأثرت المنافسة بكبر حجم المنشآت، وانتظام العمال في شكل نقابات، مما أعطى كلا من المنشآت والعمال قوة احتكارية؛ فأصبحت أسعار السلع تتحدد بقرارات إدارية في بعض الأحيان أكثر مما تتحدد بالعرض والطلب. كما أن أجور العمال صارت تتحدد أحياناً بالمفاوضات والتهديد بالإضراب من قبل النقابات العمالية [2، ص 44].
2- تدخلت الدولة وصارت تفرض الضرائب التصاعدية لتحسين توزيع الدخل، وهو مما يساعد على إفشال نظام السوق التلقائي إلى حد كبير، ذلك النظام الذي كان يؤدي إلى كثير من الاضطرابات والهزات الاجتماعية – الاضطرابات والمظاهرات – التي هددت النظام الرأسمالي بالانهيار، وصار قسط من هذه الضرائب لتقديم الخدمات والمساعدات بدرجات تتفاوت حسب الدول وظروفها [2، ص 45].
3- مع ازدياد الاحتكارات تدخلت الدولة لتنظيم الصناعات ذات التكاليف المتناقصة، بهدف حماية المستهلك من الأسعار الاحتكارية [2، ص 46]، وغير ذلك من صنوف تدخل الدولة في حرية النشاط الاقتصادي والربح، وتحول دور الدولة من السلبية إلى تنظيم الحياة الاقتصادية والنشاط الاقتصادي للفرد ، بحيث صارت تتدخل إيجابياً لصالح الخدمات والمرافق الاجتماعية وطبقات العمال والفلاحين [2، ص 47 - 48].
ومن الممكن القول في نهاية المطاف إنه مع حدوث بعض التغيير في بعض نواحي مؤسسات النظام الاقتصادي الرأسمالي، فقد استمرت هذه المؤسسات في جوهرها في السير على أصول المنهج الرأسمالي أثناء تطبيق التعديلات التي طرأت على هذا النظام[11] [2، ص 16 - 17]، وأن ما جرى من التعديلات في مسار المذهب الأصلي، إنما هو بسبب الضغط الحاصل من قبل القاعدة الواسعة المحتاجة، وليس بسبب الشعور بواجب إنساني في الأصل ولا الشعور بضرورة التقيد بدين سماوي ما، كما هي الحال في الإسلام.

المبحث الثاني
مدى الحرية الاقتصادية في الاتجاه المعتدل في المذهب الاشتراكي

مقدمة
لقد سبق الحديث عن الاشتراكية الأصلية المتمثلة بالشيوعية. ويحسن هنا أن نشير إلى بعض الأمور التي توضح نشوء الاشتراكية المعتدلة، لأن ذلك يؤدي إلى إبراز النتيجة، وهي مدى الحرية في الاتجاه المعتدل في المذهب الاشتراكي.
إن النداء للانتقال إلى حلول الجماعة محل الفرد مطلقاً – أي: التطرف إلى الجماعة – في مجالات الحياة بعامة، والاقتصاد منها بخاصة، لم يكن من قبل جميع خصوم الرأسمالية والنزعة الفردية من الاشتراكيين، وإنما كان ذلك منحصراً في نطاق اشتراكيي العالم الشيوعي. إذ ذهب المفكرون والاقتصاديون من الاشتراكيين خارج العالم الشيوعي إلى عدم التطرف في محاباة الجماعة، وذلك لأسباب اجتماعية وسياسية. فإنهم يعيشون في أنظمة ديمقراطية يقوم الحكم فيها على الانتخاب والاختيار حسب رغبة معظم الناس، وعامة الناس لا يرغبون العنف والقهر في الحكم، كما أن أصحاب رؤوس الأموال يرغبون في بقاء أموالهم بأيديهم. ولهذا فإن الاشتراكيين الغربيين اضطروا إلى نهج منهج معتدل يغري عامة الناس لاختيارهم في تسيير دفة الحكم وتوجيه الاقتصاد دونما مساس بالهيكل العام الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، فمزجوا ببعض أصول الاشتراكية – بعد تخفيفها – بعض ما فيه احترام الحرية الفردية في مجال الحياة بعامة والاقتصاد منها بخاصة. فصارت الاشتراكية خارج أسوار العالم الشيوعي – إجمالاً – ذات صبغة معتدلة وفى نطاق ضيق [7، ص 181].
بل إن هذا الاعتدال سرى فيما بعد إلى داخل العالم الشيوعي نفسه، حيث تسرب إليه النهج المعتدل من الاشتراكية [2، ص 97 وما بعدها] تدريجياً حتى آل الأمر إلى تحول بعض أقطاره إلى الرأسمالية، بعد سلسلة من الحوادث السياسية والعسكرة السريعة المتلاحقة[12].
وبعد هذا البيان الموجز للاعتدال وأسبابه ومكانه، ننتقل إلى موضوع ((مدى الاعتدال في الحرية)). وهنا نقول: إن مدى الحرية اختلف واختلفت نسبته وميدانه بحسب اختلاف الظروف والأحوال [2، ص 97 - 107]. وسنجتزئ لبيان ذلك أمثلة عما في داخل العالم الشيوعي، أولاً، ثم نذكر مما في خارج نطاق العالم الشيوعي بإيجاز ما يوضح الاشتراكية فيه.

أولاً - مدى الحرية في الاتجاه المعتدل في المذهب الاشتراكي داخل العالم الشيوعي:
1- في الاتحاد السوفيتي – سابقاً – اضطر الاتحاد السوفيتي إلى منح المزارعين قطعاً من الأرض خاصة، لفلاحتها من قبلهم ولمصلحتهم الخاصة [2، ص 98]، وذلك نظراً لرفض المزارعين أشكال المزارع الجماعية. وكذلك أيضاً زيدت الحوافز المالية للمزارعين والعمال والصناعيين لزيادة الإنتاج، بل زيدت الصلاحيات الإدارية والتنفيذية لمديري المشروعات مع المزيد من الحوافز [2، ص 98 - 99].
2- في ألمانيا الشرقية: زيدت الأسعار على كثير من السلع، وربطت الأسعار بالتكاليف لمزيد من الفعالية في استخدام الموارد. واعتبر رأس المال كعامل حقيقي في الإنتاج، كالعمل. وهذا اعتراف بأن العمل ليس هو المصدر الوحيد للقيمة – حسب النظرية الماركسية - [2، ص 99].
3- في الصين الشعبية: تمّ إدخال مبدأ تحقيق أقصى الأرباح في المشروعات الإنتاجية. وألزمت المشروعات دفع تكاليف رأس المال على شكل فوائد كما تم إيجاد نوع من السوق الموجهة لتحديد رغبة المستهلكين بدلاً من تحديدها بواسطة المخططين [2، ص 99 - 100].

ثانياً- مدى الحرية في الاتجاه المعتدل في المذهب الاشتراكي خارج نطاق العالم الشيوعي:
وأما نهج الأحزاب الاشتراكية خارج نطاق العالم الشيوعي في مجال حرية النشاط الاقتصادي، فلا يعدو تأثيرها – إذا وصلت إلى سدة الحكم – إصدار بعض القوانين التي تجعل بعض المرافق العامة أو المصانع الكبيرة أو الشركات الكبرى، ملكاً للدولة بعد نقل ملكيتها عن طريق التأميم، وذلك بعد تعويض أصحابها كامل حقوقهم، وغالباً ما تكون هذه المرافق أو المصانع في وضع مالي غير محمود، بأن تكون خاسرة أو ذات ربح غير كاف. ولا يكون وصول تلك الأحزاب إلى الحكم إلا بعد وعود في برامجها الانتخابية أنها ستسير في حال فوزها بالحكم على النهج الذي يرضى الناخبين وليس على نهج التطرف الذي يخشونه. وبذلك يكون تأثيرها – أي: تلك الأحزاب – غير ذي بال في مجال النهج الاشتراكي.

الفرع الرابع
مقارنة بين المذاهب الوضعية في مدى الحرية الاقتصادية
بعد أن تحدثنا عن طبيعة الحرية الاقتصادية ومداها في ظل كل من المذهبين الوضعيين والاتجاه المعتدل بينهما، فإننا نستطيع أن نجمل ما يمكن استنتاجه مما ذكرناه عن هذا الموضوع فيما يلي:
1- من الواضح أن كلاً من المذهبين الأصليين: الرأسمالي، والاشتراكي الشيوعي، يتسمان بجعل الحرية الموجهة مطلقة – إلى جانب التطرف نحو من توجه إليه الحرية -. فالجميع لا يختلفون في أن مصدر الحرية هو ما يخططه الجنس البشري ممثلاً بعلمائه وخبرائه. وهم غير مقيدين ولا موجهين من أحد غير البشر، ولا يتلقون الأحكام من أحد سوى ما يرونه لأنفسهم بأنفسهم. فهم لا يقولون بأي قيد من غير البشر يقيد الحرية البشرية في اتخاذ أي قرار يوجهها إلى الجهة المختارة المرغوبة من قبلهم.
2- ومن الواضح في الاتجاه المعتدل الذي لا ينفي أربابه انتسابهم إلى المذهبين المذكورين، كونهم مقرين بما أقر به غيرهم من أرباب المذهبين من كون إرادتهم جميعاً – كأفراد من الجنس البشري وممثلين لإرادته ورغباته – غير مقيدة بأي قيد خارجي، وأن الحرية البشرية مطلقة في الجانب الاقتصادي وغيره من جوانب الحياة البشرية، فيختار الإنسان ما يشاء، ويسلك ما يشاء، وإن قيد نفسه ببعض قيود، فله أن يتحلل منها بما يشاء كما يشاء حين يريد ذلك.
3- إنه لا يختلف الاتجاه المعتدل عن المذهبين الأصليين في أصل الحرية وطبيعتها ومصدرها وطبيعته، ولكنه يختلف عنهما فيما يتعلق بالتصرف في منهج الحرية، للفرد كما في الرأسمالية الأصلية أو للجماعة في الاشتراكية الشيوعية الأصلية. فأربابه يقومون باجتزاء قسط ما من الحرية الموجهة في أصل المذهب إلى جهة ما. فيوجهونه – أي: ذلك القسط إلى الجهة الأخرى سواء كان القسط ضئيلاً أو كبيراً، ولكنه غالباً ما يكون ضئيلاً، كما أن هذا الجزء ومقداره يتبعان الظروف التي تحيط الموجهين لدفة الاقتصاد، مما يفسر استمرار انتماء المعتدلين من كل من المذهبين إلى المذهب الأصلي.
4- إن المعتدلين لم يخالفوا غيرهم من الرأسماليين والاشتراكيين في أصل مبدأ الحرية البشرية المطلقة، وإنما خالفوهم فيمن توجه إليه الحرية من الجنس البشري. فبينما يقومون هم بالتوزيع بين الفرد والجماعة للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي ولو نسبياً يقول الآخرون في المذهبين بالتوجيه للحرية إلى واحد منهما – الفرد أو الجماعة – وما كان التوزيع ليحصل على يد المعتدلين إلا لشعورهم أنه سبيل للإبقاء على أصل مبادئ المذهبين الأصليين. فالتنازل عن جزء مما يمتاز به من وجهت له الحرية في المذهبين خير من أن يذهب كله.
5- إن أصحاب الاتجاه المعتدل ليس لديهم مذهب مستقل خاص يتميزون به عن غيرهم، كما هي الحال عند الرأسماليين أو الاشتراكيين. لذا فإنه لا يصح إطلاق لفظ ((مذهب)) على منهجهم، سواء باسم ((المذهب المختلط)) أو ((المذهب المعتدل))؛ لأن أصحاب هذا الاتجاه هم من الرأسماليين أو الاشتراكيين المتمسكين بمذاهبهم الأصلية، إلا أنهم يعتبرون فئات تركت جانب التطرف الذي في أصل مذاهبهم، وصاروا يمزجون منهج المذهب الأصلي بشيء محدود من المنهج الآخر، بحيث صار الاعتدال سمة واضحة لهم.

خاتمة الفصل الأول
مما ذكرنا نخلص إلى نتيجة موجزة في طبيعة الحرية الاقتصادية ومداها في ظل الاقتصاد الوضعي، ألا وهي: أن البشر هم الذين يخططون لأنفسهم، ويمنحون لأنفسهم مايشاؤون من الحرية الاقتصادية وغيرها، دون أن يساورهم أي شعور بأنهم محكومون أو موجهون بإرادة فوق إرادتهم. والاقتصاديون الوضعيون يشعرون – أو يعتقدون – بأنهم هم الذين يمثلون الجنس البشري، وأنه حري بهم أن يخططوا له وينفذوا ما يخططون. وإذا حدث أن وضعوا قيداً من القيود في جانب من الجوانب أو نشاط من النشاطات، فإن لهم أن يرفعوا القيد متى شاؤوا، أو يبدلوه بغيره إذا أرادوا؛ فيكون ذلك في حقيقة الأمر إعلاناً واضحاً لمبدأ إطلاق حرية الجنس البشري في الحرية الاقتصادية وغيرها. وفى اتخاذ ما يراه مناسباً في ذلك من تقييد أو تقيد أو عدمهما.

الفصل الثاني
في بيان مدى حرية الإنسان الاقتصادية في ظل الإسلام
لمعرفة مدى حرية الإنسان الاقتصادية في ظل الإسلام، لا بد من الإشارة إلى ثلاثة أمور تكون بمثابة التمهيد لما نقصد بيانه في هذا الفصل. وهي مكانة الإنسان في هذا الوجود، ووظيفته التي كلف بها، وأن الله مالك الكون كله.
1- فقد صرحت آيات الكتاب الكريم بأن ملك الكائنات لله وحده. قال تعالى: {لِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}[13]، مما يدل على انفراد الله تبارك وتعالى بملكية الكون كله بما فيه الإنسان نفسه.
2- ولقد بين الله تبارك وتعالى المقام الرفيع الذي جعله للإنسان قبل خلقه وبعده، قال تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}[14]، وهو مقام يشمل الجنس البشري من بعد آدم عليه السلام كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ}[15]،إلا أن هذا المقام لا يستمر إلا لمن كان أهلاً له، وهو من قام بما يقتضيه مقام الخلافة [9، ص 155 - 156].
3- ومقتضى الخلافة هو القيام بالوظيفة التي أناطها الله تبارك وتعالى بالإنسان، وتتمثل هذا الوظيفة بالعمارة في الأرض على أساس المنهج الرباني المنزل على الإنسان، وفي حدود ما منحه الله تبارك وتعالى للإنسان، من قدرات وطاقات، بما تتحقق به مصلحة الإنسان كجنس بجميع أشكالها ومظاهرها ديناً ودنيا وأخرى. قال تعالى: {هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا}[16] فمن قام بواجبه من العمارة في الأرض على النهج الذي يرضي الله سبحانه، فقد ثبت له مقام التشريف مقام الخلافة في الأرض. قال الراغب الأصفهانى[17]: (الخلافة: النيابة عن الغير إما لغيبة المنوب عنه، وإما لموته، وإما لعجزه وإما لتشريف المستخلف. وعلى هذا الوجه الأخير استخلف الله أولياءه في الأرض) [9، ص 155 - 156]. والعمارة المطلوبة كاملة، تشمل جميع جوانب الحياة البشرية: الروحية والفكرية والنفسية الغريزية والجسدية المادية. وجميع الصلات البشرية بأنواعها ومراتبها، بالخالق تبارك وتعالى وبأفراد الجنس البشري الآخرين وبالكائنات الأخرى، حتى جعل الله له كل عمل صالح بنية صالحة مخلصة – مهما كان نوع العمل ومجاله – عبادة يتقرب بها إلى الله تبارك وتعالى، ولو كان نفعه مادياً يعود على العامل نفسه أو غيره، وسواء كان بمقابل أو بدون مقابل. ومما يشهد لذلك ما روي أن جمعاً من الصحابة رأوا شاباً قويا يسرع إلى عمله، فقال أحدهما: لو كان هذا في سبيل الله. فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تقولوا هذا؛ فإنه إن كان يسعى على ولده صغاراً فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان))[18].
إن الإنسان مخلوق مملوك لله تعالى، وهو كسائر الكائنات المخلوقة المملوكة لله تعالى. إلا أن الله جل وعلا ميز الإنسان بتكريمه واستخلافه، فسير له الأسباب التي تعينه على القيام بمقتضى الخلافة، وهى العمارة بأكمل صورها وأمثلتها. فبعد أن خلقه الله في أحسن تقويم[19] سخر له من الكائنات بقدر ما يحتاجه في معيشته وأداء وظيفته وتكاليفه[20]. ومنحه من المواهب والطاقات ما يعينه
على ذلك أيضاً[21] بث في ذات الإنسان من الغرائز والدوافع ما يحمله على القيام بما أنيط به. ثم إن الله سبحانه أذن للإنسان – بل أمره – أن يستعين بما يقدر عليه ويعينه على بلوغ حاجاته ورغباته ويسعى في مناكب الأرض[22]. فهذا كله يعنى ما يلي:
1 - إن الحرية المطلقة في التصرف بالكائنات كلها هي لله تعالى وحده؛ لأنه مالكها الوحيد ملكية مطلقة دائمة، وأنه وحده الذي يملك منح قسط من تلك الحرية لأي من الخلق.
2 - إنه ليس للإنسان من الحرية في هذه الحياة كلها إلا ما منحه إياها الخالق المالك للكون؛ لأن الإنسان نفسه مملوك لله ولا يملك شيئاً فله ما يمنحه خالقه من حق الاختصاص[23] وحق التصرف[24] وحق الانتفاع[25]، ضمن ما يمكن تسميته بملكية مقيدة مجازية – إن صح التعبير- وعلى هذا الأساس يكون للإنسان من الحرية: حرية ((مقيدة)) بأحكام الله وشريعته ((مجازية))؛ لأن الحرية الحقيقية لله وحده، حرية تنظمها نصوص كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام والأحكام الشرعية المقتبسة منهما. وسوف يأتي فيما بعد كون الشريعة ((منظمة)) لتصرفات الإنسان دون تكبيل، تنظيماً يشتمل على توجيه معيشته إلى ما ينفعه ويفيده، ويصرفه عما يؤذيه ويضره، تنظيماً خالياً مما يجعل الإنسان في ضيق وحرج، بل إنه يرفع عن الإنسان كل إصر وحرج[26]، ويبني له وييسر كل مصلحة يحتاجها وينشد الوصول إليها. وسوف نعرف ذلك بإذن الله من خلال الفروع الثلاثة التالية وخاتمتها.

الفرع الأول
تنظيم علاقة الإنسان بالأموال والثروات بحسب أنواع الأموال ووظائفها
وسوف يكون الحديث هنا في مبحثين: أولهما يتعلق بأنواع الأموال والثروات، والثانى بوظائفها:

المبحث الأول
تنظيم علاقة الإنسان بالأموال والثروات بحسب أنواعها
يتمثل تنظيم الإسلام لعلاقة الإنسان بالثروات التي خلقها الله وأحاط الإنسان بها، بتنويع الأحكام الشرعية التي يطلب من الإنسان المسلم تطبيق ما تقتضيه – أي تلك الأحكام الشرعية. وتنوعها مرتبط بمدى نفعها وضررها. وهي – أي أنواع الأحكام الشرعية - خمسة عند جمهور الفقهاء وسبعة عند الحنفية كما هي معلومة في كتب الأصول. فالمتفق عليه منها: الفرض والندب والإباحة والكراهة والتحريم. وزاد الحنفية الواجب وسطاً بين الفرض والندب أو الاستحباب، كما زادوا حكماً آخر، يجعل الكراهة نوعين: كراهة تنزيه يقصد بها ما يقصده الجمهور من مطلق الكراهة، وكراهة التحريم التي هي دون التحريم. وهذا التنوع راجع إلى مدى ثبوت الأدلة المشتملة على الأحكام، أو إلى كثرة الأدلة وقلتها، أو إلى تنوع وتعدد دلالاتها... إلخ. ومختصر الكلام في هذا الموضوع: إن الأموال والثروات إما أن تكون نافعة أو ضارة. وكل منهما متفاوت في درجاته، أو متنوع في أشكال نفعه أو ضرره، أو بقدر الحاجة إلى النافع. وبقدر نفعه يكون الطلب، كما أنه بقدر الفساد الذي يلحق من الضار يكون النهي عنه، إضافة إلى اختلاف طبيعة
النهي والطلب بحسب كون الضار والنافع بذاته أو بأمر طارئ، فما كان بذاته مستمراً ثبتت أحكامه، وما كان لطارئ زال الحكم بزاول سببه. وهذا يعني أنه ما حكم الشرع بضرر شيء وحرمته مطلقاً، استمر حكمه أبداً، وكذلك العكس إن وجد. ومثال ذلك: الخنزير والميتة والدم، فإنه لا يجوز الانتفاع بها فيلزمها حكم التحريم. وما حكم الشرع بكونه محرماً لسبب، اقترن حكمه به ما دام السبب باقياً. فالخمر إذا بقيت على صفاتها المذمومة، استمر تحريمها من جميع وجوهها، وإذا تخللت بفعل الشمس – مثلاً – تحول حكمها إلى الحلال كما في كتب الفقه. وعندما يدقق النظر في الأشياء المحرمة يلحظ فيها الضرر الحقيقي بالإنسان أو بيئته الطبيعية أو الاجتماعية، كما يلحظ النفع والفائدة في الأشياء المطلوبة، سواء في ذلك كله ما ظهر ضرره أو نفعه للإنسان، أو خفي.

المبحث الثاني
تنظيم علاقة الإنسان بالأموال والثروات بحسب وظائفها
لما كانت وظيفة الإنسان في هذه الحياة الدنيا قيامه بالعمارة المطلوبة على الوجه الأمثل. وهذه العمارة تتجلى في كل مجال وفى كل شيء بحسبه؛ فكما أن العمارة الروحية تكون بحسن الإقبال القلبي على الله تعالى ودوام ذكره وعبادته وطاعته، وأن العمارة العقلية تكون بالتزود من المعرفة وإعمال الفكر، فإن العمارة المادية تكون في مجالات المادة، وهي البيئة الطبيعية المحيطة بالإنسان، والتي تعتبر وعاء الأموال والثروات الاقتصادية. وعلى هذا فإن وظيفة الإنسان تجاه الأموال والثروات التي خلقها الله هي أن يحسن استخدامها فيما خلقها الله له وأن ينتفع بها فيما يحقق مصالحه ويدفع عنه المفاسد.
وإذا نظرنا فيما أورده الفقهاء في كتبهم رأينا الأموال تنقسم إلى قسمين رئيسين: أحدهما ما خلقه الله لينتفع به إجمالاً [12، ج1، ص 222]. والثانى ما خلقه ليتوسل به – إجمالاً – في الحصول على ما ينفع[27] [12، ج1، ص 222]. وهو الأثمان. والأول هو العروض. ويشمل كل شيء ما عدا الأثمان [14، ج2، ص 228]. فإذا كانت وظيفة الأثمان التوسط في تداول الأشياء النافعة إلى أن تصير في أيدي من ينتفع بها. فإن قيام الإنسان بتيسير أدائها لوظيفتها هو الأمر الطبيعي، كما أن من الطبيعي عمل الإنسان في إيصال الأشياء النافعة لمن ينتفع بها. وينبني على ذلك: أن إخلال الإنسان بالتصرف الطبيعي بتلك الأشياء عروضاً أو نقوداٌ، يعتبر إخلالاً بالوظيفة التي أنيطت به. فالاكتناز الذي تمنع به النقود عن التداول بين الناس بحجب حقوق الله وحقوق العباد[28] عن أدائها منها، والاحتكار الذي تمنع به العروض عن أن ينتفع بها من يحتاجها سعياً لربح طائل يربحه التاجر باستغلال احتياج المحتاج، أمران غير مقبولين وكلاهما غير سليمين. وقد وردت نصوص في منعهما، مثل آية تحريم الكنز[29] في موضوع الاكتناز، وحديث: ((لا يحتكر إلا خاطئ))[30] وحديث: ((من احتكر حكرة يريد أن يغلي بها على المسلمين فهو خاطئ، وقد برئت منه الذمة))[31] في موضوع الاحتكار.

الفرع الثاني
تنظيم علاقة الإنسان بالأموال والثروات بحسب منهج التصرف بها
نظم الإسلام منهج تعامل الإنسان مع البيئتين الاجتماعية والطبيعية في جميع مجالات الحياة بعامة والجانب الاقتصادي منها بخاصة. فرسم له سبل الخير وكل ما يحقق مصالحه العاجلة والآجلة، ويسرها له. كما بصره بالسوء والشر والفساد ونهاه عنها، وأمره بالابتعاد عن كل ما يؤدي إليها. ولعل من أهم ما ينبغي الإشارة إليه مما نهى عنه الإسلام في المجال الاقتصادي وهو من أشد الآفات فتكاً بالثروات الطبيعية والقدرات الاجتماعية، أمرين: أولهما الإسراف والتبذير، والثانى الانحراف بالثروات لتستخدم في المعاصي التي تمثل مهالك الإنسان ومهاويه في دنياه وآخرته.
فالإسراف والتبذير يؤديان إلى ضياع جزء من الثروة عن الانتفاع به، عظم ذلك الجزء أو ضؤل. وقد يؤديان إلى الإضرار بالمسرف المبذر. إضافة إلى تفويت الفرصة على المحتاجين بعدم الانتفاع بما ضاع. وقبل ذلك كله فإن فيه استهتاراً بنعم الله وفضله. قال تعالى: {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}[32] وقال جل شأنه: {وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ}[33]. وأما الانحراف فإنه أسوأ من الإسراف والتبذير، حيث يشتمل على مساوئهما وزيادة. فهو مثلهما في كونه مضيعة للمال من غير فائدة، وأن فيه تفويتاً للمحتاج ما يحتاج إليه أو بعضه، كما أن فيه استهتاراً بنعم الله، وهو – أيضاً – ينطوي على مكابرة لله في نعمه باستخدامها فيما يبغضه. ويزيد الانحراف على الإسراف والتبذير بأن فيه إضراراً بذات المنحرف في جسمه أو عقله أو روحه، أو في مجموعها كلها، كشرب الخمر وأكل الخنزير وما شابههما.
وأما المنهج الذي بين الإسلام فيه للإنسان – أي للجنس البشري – ما يحقق له مصالحه ويبلغه الخير في جميع شؤونه بعامة وفى ناحيته المعيشية منها بخاصة، فيمكن إيجازه بالإشارة إلى بعض عناصره الرئيسة في المبحثين التاليين:



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل


avatar


نقــاط : 100210
الرد على القول بأن الإسلام وسط بين الرأسمالية Oooo14
الرد على القول بأن الإسلام وسط بين الرأسمالية User_o10

الرد على القول بأن الإسلام وسط بين الرأسمالية Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرد على القول بأن الإسلام وسط بين الرأسمالية   الرد على القول بأن الإسلام وسط بين الرأسمالية Emptyالأربعاء 15 مايو 2013 - 11:51



المبحث الأول
توجيهات الإسلام الاقتصادية فيما أمر به أو رغب فيه
أرشد الإسلام البشر إلى منهج، وطلب منهم سلوكه والالتزام به لتستقيم به معيشتهم في ديناهم، وينالوا الجزاء الكريم الأوفى في أخرهم. ويمكن إبراز أهم عناصره فيما يلي:

1- إرشاد الجنس البشري إلى الحق والعدل والخير ومطالبته بها. فإن الله خلق الأرض واستخلف الإنسان عليها ليقوم بمهمة العمارة على النحو الذي يليق بمكانته التي منحها الله إياه مادياً وفكرياً ووجدانياً وروحياً، سواء كان ذلك من الناحية الاجتماعية البشرية أو الطبيعية الكونية. وكل ذلك ضمن حدود الله وأحكام شريعته الآمرة بالحق الذي يستقيم به الكون كله، والعدل الذي تستقر به الحياة البشرية والخير الذي تتحقق به السعادة والهناء لكل إنسان، فرداً كان أو جماعة.

2- توجيه الإنسان إلى الأخلاق الكريمة التي تتحقق بها استقامة السلوك الإنسانى فرداً أو جماعة، وتستقر بها الحياة الاقتصادية، ويقوى بها النشاط الاقتصادي، وترسخ الفضيلة بجميع مظاهرها وعناصرها في النفوس، فلا تنافر ولا تناحر، وإنما التزام بالصدق والأمانة والعفة والاستقامة وحسن التصرف بالثروات الطبيعية وحسن النية والظن بالآخرين والثقة المتبادلة مع المحيط الاجتماعي والتنافس على فعل الخير والتسابق في استقامة العمل والتعامل.

3- التوجيه لصنوف الإنفاق على المحتاجين – على اختلاف أصنافهم وطبقاتهم – ضمن نظام فعال يشتمل على شطرين.
الشطر الأول: إلزامي يمثل نسبة ضئيلة من أموال الأغنياء.
وهو الزكاة المفروضة[34].
الشطر الثاني: تطوعي، وأبوابه كثيرة ومفتحة لا حدود معينة لها إلا أن تكون ضمن طاقة المنفق وقدرته على التبرع دون إخلال بمسؤولياته والتزاماته. ويشمل هذا الشطر صنوف البر والإحسان. ويكون حكم عدم الإلزام بهذا النوع في الحالات الطبيعية المعتادة[35]. إلا أن هذا الشطر قد يتحول في بعض أبوابه في بعض الظروف والأحوال إلى واجب شرعي يلزم القادر بفعله، فيتحول حكمه من تطوع اختياري إلى واجب إلزامي، كما في أوقات الكوارث والجوائح العامة[36]. وقد يتحول هذا الشطر في بعض الأحيان في بعض حالاته إلى محظور منهي، وذلك حين يؤدي إلى التهرب عن بعض المسؤوليات، أو عن أداء حقوق شرعية ثابتة، كالوصية لجهات بر بما يتجاوز حدود ثلث التركة حيث يكون التعدي على حقوق الورثة، ومثل ذلك أيضاً: المبالغة في الصدقات ممن عليه ديون لم يؤدها لغرمائه... إلخ.

4- إقرار مبدأ المساواة بين الحقوق والواجبات بين الناس مع مبدأ تكافؤ الفرص، مما يحفظ للفقراء والضعفاء حقوقهم، مع ضمان المعيشة الكريمة بموجب ما ورد في الإسلام من الأحكام المتعلقة بالضمان الاجتماعي بمختلف أنواعها وفروعها، كما حفظ للأغنياء وذوي المكاسب حقوقهم وثمرات كسبهم مع تكليفهم ببعض الواجبات اليسيرة المناسبة[37]. وقد جعل الإسلام العلاقة بين الفقراء والضعفاء وبين الأغنياء والأقوياء من جهة، وبين الفرد والمجتمع من جهة أخرى، قائمة على التوازن والتكافؤ مع المحبة والثقة المتبادلتين.

5- تنظيم التصرفات على الوجه الذي يتحقق به لكل فرد في المجتمع، مع نفسه أو مع مجتمعه أو مع البيئة الطبيعية، جلب المصلحة ودرء المفسدة، ويتجلى ذلك فيما يلي:
أ - التصرفات المنظمة للمعاملات المالية، سواء منها المنظم لنقل الملكية كالبيع والهبة، أو المنظم لنقل حقوق الانتفاع كالإجارة أو الإعارة، أو المنظم لتوثقة الحقوق كالرهن والضمان أو غير ذلك.
ب- التصرفات المتعلقة بالكسب والإنتاج في ميادين الزراعة والصناعة والتجارة. ويلحق بها ما يعرف بإحياء الموات والإقطاع[38] – بمدلوله الشرعي.
ج – التصرفات المتعلقة بالخلافة عن الإنسان في ماله والمضافة إلى ما بعد الموت، وتسمى في الشرع ((الوصايا)) وقد نظمها الإسلام بشكل يجعلها تؤتي ثماراً طيبة، وتنفي الخبث عن البناء الاجتماعي الأسري، وغيره مما هو أوسع من الأسرة والحفاظ على ثروات المجتمع الأخلاقية والوجدانية والمادية الطبيعية. ومن الأحكام التي يجدر أن يشار إليها في توضيح هذه المعاني، حصر حدود الوصية بثلث المال الموروث، حفاظاً على حقوق الورثة ورابطة القرابة، كما أن عدم جواز الوصية لوارث هو لمنع جعل الوصية تكأة في تغيير المنهج الرباني الأمثل في توزيع الميراث بين الورثة والعبث به عن طريق الوصية بزيادة نصيب بعضهم على حساب غيرهم.
د- تنظيم الخلافة عن صاحب الثروة بعد وفاته بالإرث بعد مراجعة رغبته عن طريق الوصية – بالحدود والضوابط المشار إليها آنفاً – والتي توفر المصالح الأسرية والاجتماعية والدينية ودوافع الخير في نفس المورث قبيل وفاته. وهذا التنظيم ملزم. وهو مما انفرد به الإسلام عن أي نظام آخر من حيث المبدأ، ومن حيث دقته وتلبيته لحاجات المجتمع البشري – أفراداً وجماعات – كي تسلم وتقوى أواصره، ويكون عاملاً من عوامل عظمة الإسلام وبناء المجتمع السعيد الأمثل الخالي من عناصر الاضطراب والخلل والانحراف والفوضى. وقد جعل الإسلام دعائم التنظيم الإسلامي للميراث أموراً مهمة ثلاثة [1، ص 57 ] هي:
1- مراعاة مدى القرابة في منح النصيب من الميراث ضئيلاً كان أو جليلاً. حيث جعل النسبة من حصة الميراث تزيد بحسب قوة القرابة.
2- مراعاة مدى الحاجة إجمالاً، بحيث جعل الأحوج – إجمالاً – بمقتضى السنن المعيشية البشرية العامة أعظم نصيباً من الميراث.
3- مراعاة مبدأ توزيع الميراث، مما جعل الثروات في طريقها إلى الانتشار وتعميم الفائدة والثمرات أكثر مما كانت عليه قبل وفاة المورث.

6- إن الإسلام حث الإنسان على الكسب والعمل في شتى الميادين الجائزة، وجعل ثمرة كسبه له. بل إن الإسلام جعل من واجبات المحيط الاجتماعي احترام ثمرة كسب الإنسان. ومما ورد في السنة النبوية المطهرة في ذلك:
أ- ((ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده)) رواه أحمد والبخاري من حديث المقدام رضي الله عنه [11، ج3، ص 81].
ب- ((إن قامت الساعة وفى يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليغرسها)) رواه أحمد والبخاري في الأدب من حديث أنس رضي الله عنه [11، ج1، ص 267].
ج- ((كل المسلم على المسلم حرام، ماله وعرضه ودمه)) رواه أبو داود وابن ماجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه [11، ج2، ص 322].

المبحث الثاني
توجيهات الإسلام الاقتصادية فيما نهى عنه أو رغب عنه
نورد فيما يلي أهم ما أمر الإسلام بالابتعاد عنه والحذر من فعله، على عكس ما أوردناه في القسم السابق:
1- منع الاستغلال بجميع أصنافه في التصرفات، سواء ما كان منها من صنوف الاستغلال التي تكون بين الأفراد بعضهم مع بعض، أو بين الأفراد وبين المجتمع. ممثلاً بالدولة؛ لأن ذلك يؤذي الحياة الاجتماعية بعامة، والنشاط الاقتصادي بخاصة.
2- منع الأعمال الضارة والتعامل الضار، سواء من ذلك ما كان راجعاً إلى بعض الأشياء لذاتها كالخنزير، أو ما كان منها راجعاً إلى صفة تتصف بها كالخمر أو ما كان منها راجعاً إلى سوء استخدامه كالربا.
3- منع العبث الذي يحتمل أن يصدر من صاحب الثروة مضافاً إلى ما بعد وفاته – على شكل وصايا – ويكون من الممكن أن يلحق الضرر بالروابط الأسرية والاجتماعية والثروات الاقتصادية.
فهذه الأمور المذكورة تتضمن قيوداً فعلية وتوجيهاً عملياً للتصرفات والمعاملات. فما التوجيه العام الإجمالي فيها؟
إن التوجيه هو فتح باب الخير للناس جميعاً كي يلجوا فيه ويسرحوا بحرية كاملة مع تشجيع التنافس فيه. إضافة إلى الحفاظ على مبدأ تكافؤ الفرص، والحفاظ أيضاً على الحقوق من أن تطول إليها أيدي الأقوياء والأغنياء بالعدوان.
وأما القيود فهي: كل حكم يمنع من أي فعل يضر بالفرد أو بالمجتمع أو بالعلاقة بينهما – العلاقات الاجتماعية – أو بالعلاقة بالبيئة الطبيعية وثرواتها. والكل – على اختلاف مراتب الغنى والقوة الاجتماعية – يخضع لرقابة النظام وأحكامه دون محاباة لطرف ما أو تجاوز مع أحد أو إغضاء عنه.
وقد أثمرت الأحكام هذه كلها حرية بناءة خالية عن جميع الآفات المؤدية إلى الإخلال أو الهدم للنظام الاجتماعي أو الاقتصادي أو ثروات الأمة أفراداً أو جماعات.
وبذلك يكون الإسلام الدين الكامل المشتمل على ما يوجه الإنسانية إلى سبل السعادة والرفاه، ويصرفها عن كل أذى وسوء، بنظام يشتمل على عناصر القوة الموجهة لحرية اقتصادية منظمة بعيدة عن الأهوال والشهوات العابثة المهلكة للفرد والمجتمع. ويعمل كل منهما – أي الفرد والمجتمع – بأمان وثقة واطمئنان، في كل ما يحقق مصالحه ورغباته، ويصرف عنه كل سوء وتجاوز وعدوان.

الفرع الثالث
تنظيم العلاقة الاقتصادية بين الراعي والرعية
إن العلاقات الاقتصادية في الإسلام لا تقتصر على الأفراد بعضهم مع بعض، وإنما تتجاوز تلك الحدود إلى تنظيم العلاقات الاقتصادية بين أفراد الأمة وبين ولاة الأمر فيها. وولي الأمر العام وأعوانه لا تقتصر علاقاتهم بالأمة في ناحية الجهاد – مثلاً – أو بعض النواحي الأخرى، وإنما تشمل سائر النواحي، وفى مقدمتها الناحية الاقتصادية التي لها أثرها الكبير في استقرار كيان الأمة ونموها، لذا فإن من المهم إبراز هذا الجانب في الفرع الذي شرعنا فيه.
ولكي نتمكن من توضيح العلاقة بين الرعية – الأمة أفراداً أو جماعات – وبين الراعي – وهو ولي الأمر العام ومن ينيبه في رعاية شئوون الأمة وتصريف أمورها – فإنه لابد من بيان وظيفة ولي الأمر في الدول الإسلامية – على وجه الإجمال - ثم نشرع في بيان ما يمكن أن يقوم به ولي الأمر. ثم ننتقل إلى بيان المعالم الرئيسة أو أهمها في علاقة الراعي بالرعية، بشكل يمكن من بيان تميز الإسلام عن الاقتصاد الوضعي في الموضوع الذي يدور البحث حوله وهو: مدى الحرية الممنوحة للجنس البشري في مجال الاقتصاد. ويكون بيان كل واحد من هذه الأمور الثلاثة في مبحث خاص به.

المبحث الأول
في وظيفة ولي الأمر في الدولة الإسلامية في المجال الاقتصادي
لولي الأمر في الدولة الإسلامية وظائف[39] [16، ص5 وص 15 - 16]. يمكن اختصار أهمها فيما يلي:
1- حراسة نظام الإسلام. وذلك بإقامة أحكامه كلها بعامة والجانب الاقتصادي منها بخاصة. كالإشراف على شئون الفيء، واستثمار الأراضي العامة – حسب اجتهاد بعض الفقهاء.
2- حراسة حقوق الناس العامة – والخاصة، وبخاصة منها الحقوق المالية، مع الحفاظ عليها من الضياع والعدوان، كالزكاة والحقوق المترتبة على المعاملات المالية بين الناس عن طريق القضاء [16، ص5 وص 15 - 16].
3 - إقامة المرافق العامة – أي ما يعم به صلاح المسلمين – ورعايتها ضمن حدود الإمكانات المتيسرة [15، ص 417] بادئاً بالمرافق المهمة ثم بما دونها أهمية. ومن الأمثلة المناسبة المثبتة لذلك:
أ- أنه حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم النقيع – وهو موضع بالمدينة – لخيل المسلمين [15، ص417].
ب- أنه حمى عمر رضي الله عنه الأرض لنعم الصدقة إلى أن توضع مواضعها وتفرق في أهلها.

المبحث الثاني
ما يجوز لولي الأمر أن يقوم به في مجال النشاط الاقتصادي والإنتاج
نظراً لكون ولي الأمر العام منصوباً لخدمة مصالح المسلمين، فإنه لا ينبغي أن ينشغل عن مهمته الأساسية بنشاطات أخرى اقتصادية. ويستثنى من ذلك ما يستدعيه الوفاء بحاجات الأمة والبلاد في حال عدم توافر ما يغطيها من الأموال في بيت مال المسلمين. وإذا كان لبيت المال موارد معروفة من أموال الفيء[40] والزكاة والأخماس[41] وغيرها، فإن له أيضاً مصارف توجه إليها تلك الأموال، معينة كانت تلك المصارف – كما في الزكاة مثلاً – أو غير معينة – كما في الفيء وتوابعه. ولقد ذكر الفقهاء – كما سبقت الإشارة إليه في المبحث السابق – أن من واجب ولي الأمر قيامه بما يحقق مصالح المسلمين، وهو يشمل إقامة المرافق العامة ورعايتها، كالمواصلات البرية والبحرية والجوية، والاتصالات السلكية واللاسلكية، والتعليم، والصحة، و... إلخ. ومما يمكن أن يحدث هو عجز بيت المال عن تغطية احتياجاته بموارده الطبيعية المعتادة في حال الإصابة بجدب أو غيره من الجوائح، مع اتساع الحاجات وتنوعها، فيؤول الأمر إلى أحد سبيلين لمواجهة تلك الحاجات من قبل ولي الأمر: السبيل الأول قيام ولي الأمر بجباية أموال إضافية. والسبيل الثاني: قيامه ببعض ألوان النشاط الاقتصادي لحساب بيت المال.
ولما كانت جباية أموال جديدة غير الأموال المعروفة المعتادة أمراً غير مقبول شرعاً إلا في حال الضرورة، فإنه يكون حينئذ قيام ولي الأمر ببعض أنواع النشاط الاقتصادي – عن طريق جهاز اقتصادي ينشئه ولي الأمر ويستعين به – أمراً جائزاً على أن لا يتسبب في ضعف قيامه بواجباته الأصلية من جهة، وأن لا يؤدي إلى زعزعة النشاط الاقتصادي المشروع لأفراد الأمة، حيث إن حدوث أي من هذين الأمرين قد يؤدي إلى الإخلال بالنظام العام، إلى جانب الإخلال بالنشاط الاقتصادي العام، وتصير الدولة منافسة للأفراد في نشاطهم، ويحل عدم التكافؤ بين أطراف النشاط الاقتصادي.

ويجدر بنا أن نبين هنا البيان الكافي الموجز لأمرين مهمين:
أولهما: الأسباب التي تسوغ للدولة ممثلة بولي الأمر العام ومن ينيبه من الأجهزة
المختلفة المتنوعة – الجهاز الإداري على سبيل المثال – القيام بالنشاط الاقتصادي.
وثانيهما: الحدود – الأحكام والقواعد – التي يلتزم بها ولي الأمر حين يقوم بتلبية احتياجات الأمة والبلاد عن طريق القيام بنشاط اقتصادي ما.
وسوف يتكشف من خلال بيانهما – بإذن الله – مدى حرية الدولة في القيام بالنشاط الاقتصادي، على أن يكون في الحسبان ما قد سبقت الإشارة إليه من بعض الضوابط التي تحكم قيام الدولة بأي نشاط اقتصادي.

أولاً – الأسباب المسوغة لقيام الدولة بنشاط اقتصادي:
لعل ما يجيز – إن لم يحبذ – للدولة القيام بنشاط اقتصادي مشتمل على دخولها – أي الدولة – في مسوغات إنتاجية زراعية أو صناعية أو تجارية أو غيرها، ما يلي من الأسباب:
أ- احتياج بيت المال لأموال لم تتوافر فيه من المصادر الشرعية المعتادة بقدر كاف، مما يؤدي إلى عدم توافر ما يغطي نفقات مهمة كالنفقات الإدارية أو القضائية أو الصحية أو... مما يشابهها. ومن المعلوم أن العجز عن نفقات مرافق عامة ضرورية كالتي أشرنا إليها يعني اختلال المعيشة والنظام العام، ووقوع الفساد وانتشاره.
ب- تلبية حاجات الرعية من منتجات لم تلب من قبل الأفراد أو من منتجات مرتفعة الأسعار لدرجة ترهق كاهل الناس أو المحتاجين مع احتمال السوق لكميات أكبر من المنتجات، بحيث يساعد نشاط الدولة في إنتاج هذه المنتجات المطلوبة على جعل الأسعار مناسبة للمحتاجين من جهة ولا تلحق الأذى والضرر – الخسارة بالمنتجين الآخرين من أفراد الأمة، وتتحقق بذلك المصلحتان الخاصة والعامة، وتدرأ المفسدة التي أدت إلى هذا التدخل بالإنتاج المحدود.
ج- تدعيم المستوى المعيشي لمن هم في حكم الفقراء ممن لا يملكون فائضاً عن حاجاتهم المعيشية، بإقامة مرافق مساعدة لهؤلاء تحميهم من هبوط مستوى معيشتهم إلى الفاقة والاحتياج إلى الصدقات والمعونات.
د- تنشيط الحركة الاقتصادية بإبراز فائدة بعض النشاطات الاقتصادية عن طريق توجيه انتباه الرعية إليها بالتطبيق العملي وإغرائهم بثمراتها الاقتصادية.
هـ- الدخول مع الأفراد المحتاجين بمشاريع مشتركة يعملون فيها، وتشترك الدولة ببعض طاقاتها المتوافرة لديها – عن طريق أموال الفيء، مثلاً – فيكون في ذلك تشغيل العاطلين، وتقليل المحتاجين الذين يرجع السبب في احتياجهم إلى عدم عثورهم على عمل يتناسب مع مواهبهم وقدراتهم وخبراتهم.

ثانياً – الحدود التي يلتزم بها ولي الأمر حين قيامه بنشاط اقتصادي لتلبية احتياجات الأمة:
إن الأحكام والقواعد الشرعية التي تحكم الدولة حين قيامها بشيء من أنواع النشاطات الاقتصادية المشتلمة على المشروعات الإنتاجية، إن هذه الأحكام والقواعد هي تلك التي تحكم نشاط الأفراد والجماعات دون أن تتميز عنها. بل إن جانب الأفراد يحظى بالحماية لكونه الجانب الأضعف، حيث إن الجانب الأضعف يحظى في ظل الإسلام بمزيد رعاية وعناية وحماية، كي يكون المجتمع بجميع عناصره في توازن عام لا يطغى فيه أحد على أحد، يحكم فيه الحق والعدل جميع الأطراف. وضماناً لذلك، وترسيخاً للشعور بالاطمئنان لدى عامة أفراد الأمة، منع كل من يعمل في الأجهزة العامة – إدارية كانت أو قضائية أو غيرهما – من أي لون من الألوان استخدام السلطة تشهياً أو لمصلحة خاصة، كما منع من بعض التصرفات كأخذ الهبات أو إبرام العقود التي يظهر فيها تجاوز الحد الطبيعي – زيادة أو نقصاً – في تحديد أحد البدلين أو كليهما، بل إنه إذا رأى ولي الأمر في ثروة أحد ممن يقومون بالأعمال العامة نماء ظاهراً في موضع تهمة، يكون لولي الأمر في مثل هذه الحالة انتزاع الثروة التي هي موضع التهمة من ذلك العامل في المصلحة العامة، ولو كان لذلك المتهم أدلة تبرئ ساحته، كما حصل مع أبي هريرة رضي الله عنه لدى الخليفة عمر رضي الله عنه [15، ص381 - 382] مما يؤكد التوازن بين الفرد والمجتمع على نحو يحفظ الحقوق لأصحابها ويقيم العدل ويؤمن المصالح ويدرأ المفاسد ويعالج الآفات ويلبي الحاجات تحت مظلة أحكام الله التي يخضع لها الجميع على حد سواء.

المبحث الثالث
المعالم الرئيسية لعلاقة الراعي بالرعية
يجدر بنا أن نوضح هنا أن ما ذكرناه من نشاط للدولة في مجال الإنتاج وغيره من ألوان النشاطات الاقتصادية وغير ما تتحمله الدولة ممثلة بولي الأمر من المسؤوليات المنوطة بولي الأمر والوظائف الموكلة إليه بحكم الشرع، فلولي الأمر وسائل خاصة يستعين بها للقيام بمهامه الأصلية تختلف عما ينتهجه حين يريد القيام بنشاط اقتصادي كالإنتاج ونحوه، فإن قيام الدولة بأداء مهامها يعتمد على أسس معروفة بقواعد السياسة الشرعية التي تجعل للدولة مزية في التطبيق والإلزام تمتاز بها عن الأفراد، أما حين يريد القيام بنشاط اقتصادي كالأفراد فإن الذي يحكم التصرفات في مجاله هو الأحكام والقواعد الشرعية العامة التي تحكم جميع أفراد الأمة، ويستوي في ذلك الراعي والرعية، ومثال ما تمتاز به الدولة في مجال قواعد السياسة الشرعية: إمكانية انفراد ولي الأمر في إلزام صاحب أرض ما يحتاج إليها حاجة ماسة في توسيع مسجد أو طريق لعامة الناس أو نحوهما، إلزامه بالتنازل عنها للمصلحة العامة مقابل قيمتها الحقيقية يقدمها له ولي الأمر تعويضاً عن أرضه. ومن الجدير بالذكر أن مثل هذا التصرف الذي تقدم فيه المصلحة العامة على المصلحة الخاصة يكون مقيداً بحال الضرورة وهي تقدر بقدرها. وهذا ما يفهم من قول عمر [15، ص418 - 419].

خاتمة الفصل الثاني
بعد هذا العرض الموجز لما في الإسلام مما يتعلق بالحرية الاقتصادية ومدى ما للجنس البشري منها فإنه يستنتج أن الإسلام لا يقول بحرية مطلقة للجنس البشري بأي شكل من الأشكال؛ لأنها لله تعالى وحده
الخالق المالك للكون كله، وليس للإنسان إلا ما منحه الله للحرية مقيدة بأحكام الإسلام وقواعده تتمثل بحرية الاختصاص والانتفاع والتصرف. وهي حرية منظمة غير مكبلة، موزعة بين الفرد والمجتمع توزيعاً يقوم على جلب المصلحة ودرء المفسدة، ويقيم مبدأ التكافؤ بين الأفراد من جهة وبينهم وبين المجتمع من جهة أخرى، بشكل يتحقق معه التوازن الاجتماعي بعامة والاقتصادي منه بخاصة، ويستقر به الحق ويقوم العدل، وتقوم الدولة ممثلة بولي الأمر – الإمام العام – بحماية السلوك الاجتماعي المثالي العام ((مبادئ الأخلاق الكريمة)) وحراسة المصالح العامة والخاصة على حد سواء على أساس النظام العام الذي جاء به الإسلام دون مماراة لأحد. كما تقوم الدولة بتلبية حاجات المجتمع سواء بخدمة المحتاجين، أو بإنشاء المرافق العامة، أو بتغذيتها وحمايتها وحراستها، مع عدم الإخلال بالحقوق الخاصة بالرعية، حتى غدا الإسلام الدين المثالي الواقعي القائم على الحق والعدل والتطبيق العملي الرفيع لكل ما ورد فيه، فكان – بحق، وإلى أن يرث الله الأرض وما عليها – خير دين أنزله الله على خير نبي، لتعمل به خير أمة على وجه الأرض. دين سما على غيره بكماله وقوته وكفالة الله له بحفظه إلى أن يرث الله الأرض وما عليها.

الفصل الثالث
نتيجة المقارنة بين الإسلام والاقتصاد الوضعي في مدى الحرية الاقتصادية
بعد أن انتهينا من العرض الموجز لما يتضمنه كل من الاقتصاد الوضعي بمختلف مناهجه والاقتصاد الإسلامي، وذلك في مجال مدى الحرية الاقتصادية التي يمكن أن يتمتع بها الجنس البشري من خلال المذاهب الاقتصادية المختلفة، وبعد أن أدركنا مدى الاختلاف بين ما في المذاهب الوضعية وبين ما اشتمل عليه الإسلام، فإننا نرى بيان نتيجة الحديث عنهما في ثلاثة نواح، أولاها: في أصل الموضوع. وثانيتها: فيما اتفقت المذاهب الوضعية على مخالفة الإسلام فيه. وثالثتها: فيما اختلفت فيه. وذلك في الفروع الثلاثة التالية:

الفرع الأول
نتيجة ما يتعلق بأصل الحرية الاقتصادية
يبدو للناظر فيما ذكر من مذاهب الوضعيين أن لهم في موضوع الإيمان بالله وبدين منزل وجهتين مختلفتين. فهم ما بين منكر للأديان وجاحد للإيمان بالله أصلاً وناهج منهج الإلحاد اعتقاداً وتطبيقاً عملياً، وما بين مؤمن بإله ودين – في الجملة – ولكن لا يؤمن بأن هذا الدين – بعد أن انتهى إلى ما انتهى إليه – يقيده بشيء دون رغبة الإنسان وإرادته. فكانت نتيجة ما لدى الفريقين –الملحدين وأهل الأديان غير الإسلام – واحدة، وهي: جعل الحرية المطلقة من نصيب الجنس البشري في تصرفاته كلها، وكأنه مالك الكون والمتصرف الوحيد به وليس أحداً غيره، وكأنه ليس للكون خالق مالك أمر بما يشاء من الشرائع يجب على الإنسان أن يطيع أحكامه بكل ما منحه الله من القدرة حيث إن عليه وظيفة العمارة في الأرض بمقتضى مكانته كخليفة في الأرض، فكان من نتيجة ذلك كله ما كان من هؤلاء الوضعيين من جعل الحرية لجنس البشر حرية ذاتية مطلقة وليست ممنوحة من أحد ولا مقيدة بقيد إلا بما يشاؤه الإنسان نفسه حين يرغب في التقيد، أو يقيده إنسان مثله فرداً كان أو جماعة. وأما في الإسلام: فالحال على نقيض ما عليه الاقتصاد الوضعي تماماً كما بينا ذلك.
فإن قيل: إن بين الإسلام وبين الاتجاه المعتدل في الاقتصاد الوضعي شبهاً، حيث يشتركان في مبدأ توزيع الحرية بين الفرد والمجتمع، والجواب عنه: إن هذا القول مردود. فإن الشبه موهوم. حيث إن الذي يوزعه الاتجاه المعتدل بين الفرد والمجتمع حرية مطلقة. أما الإسلام فيوزع منذ البداية حرية مقيدة بأحكام الإسلام وقواعده. فثبت الاختلاف بل التباين بين الإسلام وغيره.

الفرع الثاني
الفارق بين الإسلام والمذاهب الوضعية فيما اتفقت عليه المذاهب الوضعية في مجال الحرية
إذا أردنا أن نبين الفارق بين الإسلام والمذاهب الوضعية فيما اتفق عليه الوضعيون في مجال الحرية الاقتصادية، فإنه لا بد من معرفة ما اتفقت عليه المذاهب الوضعية – إجمالاً – مع استبعاد موضوع واحد في الفرع السابق. وأما بيان الموضوعات الأخرى فهو فيما يلي:
1- إن الأخلاق – كمثل توجه السلوك بدافع ذاتي دون ارتباط بمصلحة مادية آنية – ليست موجودة في الاقتصاد الوضعي، لعدم وجودها إجمالاً في المجتمعات غير الإسلامية في الحياة العامة.
2- في مجال الحرية: الإنسان هو الذي يتحكم بمدى ما للإنسان – فرداً كان أو جماعة – من الحرية الاقتصادية. وقد يعطيها للفرد وحده، أو للجماعة وحدها، وقد يوزعها بينهما.
3- كلما ازدادت قوة أحد في ظل نظام وضعي، اتسع مدى حريته على حساب الآخرين الأدنين قوة. فمدى الحرية منوط بمدى القوة زيادة أو نقصاً. ولقد أدى هذا الأمر إلى تعسف الأقوى وانحرافه – ويشكل قوة في المجتمع – على حساب الجهة الأخرى التي تشكل الكثرة الكاثرة في المجتمع. ومهما يكن من اعتدال فإن الحرية كلها صارت صيداً لا يقتصر القادر عليها من أن يقتنص منها أقصى ما يقدر عليه. وقد رأينا أصول المذهبين حكمت ووجهت – إجمالاً – المعتدلين كغيرهم.
4- إن المسفيدين من الحرية بالشكل الأكمل هم قلة- إجمالاً – بالنسبة إلى غيرهم من عامة الناس الذين يحكمهم أي نظام وضعي. وإذا عرفنا مجمل ما عليه المذاهب الوضعية في مجال الحرية الاقتصادية ومداها، فقد بقي أن نوضح الفارق بين الإسلام وتلك المذاهب – والحديث كله ضمن حدود ما اتفق عليه الوضعيون.
1- في مجال الأخلاق: يقف الإسلام موقفاً يخالف به غيره مخالفة تامة، حيث يجعل لها كل الاعتبار، ويدعمها بالثواب والعقاب، ويرتب عليها كثيراً من الأحكام.
2-3- وأما الذي يتحكم في مدى الحرية الاقتصادية في الإسلام فهو الشرع الرباني وليس الإنسان. لذا فإنه لا مجال لعبث الأهواء الجامحة أو الحيل الماكرة أو القوة الباطشة.
ومن نتيجة ذلك كون الحق والعدل أساس الحرية وإطارها؛ لأن الخلق عيال الله فهم عنده سواء، لا فرق بينهم إلا بالإخلاص وصدق الطاعة والعمل الصالح. وقد بينا أن كلاً من الضعيف والفقير والعاجز يحظى بالرعاية والحماية من القوي والغني والقادر، فيتحقق التكافؤ التام في الحرية الاقتصادية نظرياً وعملياً، فتعم الثمرة على أوسع مدى وأمثله.
4- ونتيجة لما سبق فإن القوة لا توسع من مدى الحرية ولا تزيدها في الإسلام، وإنما العبرة ((كما ذكرنا)) للحق ومعاملة الناس جميعاً على أساس العدل المجرد.
وبهذه العجالة يظهر التباين التام بين الإسلام وغيره من المذاهب الاقتصادية فيما اتفقت عليه تلك المذاهب في مجال الحرية.

الفرع الثالث
الفارق بين الإسلام والمذاهب الوضعية فيما اختلفت فيه المذاهب الوضعية في مجال الحرية
إن تعداد الأمور التي اختلفت فيها المذاهب بعضها عن بعض، يطول لكونه شاملاً لمعظم نواحي الحياة، بل قد يشملها كلها.
ومجمل الكلام في هذا الموضوع أنه ما حدث اختلاف بينها في أمر إلا وظهر تطرف في كل من المذهبين، حتى وفي الاتجاه المعتدل أيضاً في بعض النواحي.

فمما اختلف فيه المذهبان:
1- ملكية العقارات الإنتاجية الخاصة حين يثبتها مطلقاً دون حدود النظام الرأسمالي ويمنعها مطلقاًُ النظام الشيوعي.
2- إخضاع العمال للتجنيد العام في مزارع جماعية وما شابهها. إذ يثبتها النظام الشيوعي بشكل واسع جداً. وأما النظام الرأسمالي فيمنعه.
3- الإنتاج موجه حسب رغبة الحكومة في النظام الشيوعي، وأما في النظام الرأسمالي فهو موجه إجمالاً لما تتجه إليه السوق بالطلب، أي لرغبة القادرين على الشراء من الناس.
4- الخلافة عن الميت بميراث أو وصية: تكون حسب الرغبة المطلقة لصاحب الثروة، وهو الذي يوجهها إلى من يشاء في النظام الرأسمالي. وأما في النظام الشيوعي فالثروة للمجتمع، وهي ملك له ويرث صاحب الثروة.
وأما الإسلام فإنه لا يسرف ولا يتطرف في أية ناحية من نواحي الحياة الاقتصادية ولا النشاط الاقتصادي وإنما يمنح كل ذي حق حقه. فقد جعل لكل إنسان ثمرة كسبه، لا حق لأحد فيما يكسبه إلا جزءاً يسيراً منه يكون ضماناً اجتماعياً للمحتاجين ينقذهم ولا يرهقه ولا يثبط من عزيمته في الكسب والإنتاج موجه حسب رغبة المنتج والمحتاج ويكون ذلك بتكامل جهود المنتجين ومؤسسات الضمان الاجتماعي والدولة.
وأما الخلافة عن الميت فهي بموجب نظام دقيق يراعي القرابة والحاجة والتوزيع. ولا يجعلها معرضة لعبث صاحب الهوى ولا يلغيها. بل هي قائمة على أسس بناءة لمصالح الأسرة والمجتمع، ضمن إطار مثالي ودقيق.

خاتمة الفصل الثالث
وبما ذكرناه في هذا الفصل الأخير بخاصة ومع ما قبله بعامة يظهر الفارق بين الإسلام والمذاهب الاقتصادية الوضعية، على نحو تبرز فيه مزية الإسلام وقوة نظامه في جميع الجوانب بعامة والجانب الاقتصادي بخاصة، تترسخ به الحياة الاقتصادية المستقرة والاطمئنان الفردي والاجتماعي في مجال النشاط الاقتصادي بجميع فروعه وجوانبه، ضمن نطاق نظام مثالي رائع ودقيق يحقق المصالح ويدرأ المفاسد ويعمق جذور التوازن في المجتمع المسلم وبخاصة منه في جانب المعيشة – أي الجانب الاقتصادي.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

ثبت الإحالات والمراجع
1- العسال، أحمد محمد؛ وعبد الكريم، فتحي أحمد. النظام الاقتصادي في الإسلام. ط3، القاهرة: مكتبة وهبة، 1400هـ.
2- عبد الله، محمد حامد. النظم الاقتصادية المعاصرة. ط1، الرياض. جامعة الملك سعود بالرياض، 1987م.
3- بلول، محمد مختار. نظام اقتصادي إسلامي وليس اقتصاداً إسلامياً. صحيفة الشرق الأوسط ع 2992، 1987م.
4- مارليو، ليو، مآل الرأسمالية. تعريب على الحمامصي. القاهرة: مكتبة النهضة المصرية، 1946م.
5- هاشم، إسماعيل. المدخل إلى أسس علم الاقتصاد الإسكندرية: دار الجامعات المصرية، 1980م.
6- خياطة، عبد الوهاب. مبادئ في علم الاقتصاد والتخطيط. دمشق: مطبعة المفيد الجديدة، 1968م.
7- اينشتين، وليم. الديمقراطية والشيوعية. ترجمة وديع سعيد. القاهرة: دار الكرنك للنشر والطبع، 1965م.
8- قريصة، صبحي تادرس؛ وزميلاه. مقدمة في علم الاقتصاد والتخطيط. الإسكندرية: دار الجامعات المصرية، 1980م.
9- الأصفهانى، الراغب. المفردات في غريب القرآن. تحقيق محمد سيد كيلاني. القاهرة: مصطفى البابي الحلبي، 1381هـ/1961م.
10- الزركلي، خير الدين. الأعلام. ط3، بيروت، 1389هـ.
11- النبهاني، يوسف. الفتح الكبير في ضم الزيادة إلى الجامع الصغير، وهما للجلال السيوطي. القاهرة: دار الكتب العربية الكبرى.
12- ابن رشد، أبو الوليد محمد القرطبي، بداية المجتهد ونهاية المقتصد. ط2. القاهرة: دار الكتب الإسلامية، 1403هـ.
13- ابن عابدين، محمد أمين. مجموعة رسائل ابن عابدين. القاهرة: دار إحياء التراث العربي.
14- ابن نجيم، زين العابدين. البحر الرائق شرح كنز الرقائق. كراتشي: ايج ايم، سعيد كومپاني.
15- الزاوي، الطاهر أحمد. ترتيب القاموس المحيط على طريقة المصباح المنير وأساس البلاغة. القاهرة: عيسى البابي الحلبي وشركاه، ط2.
16- أبو عبيد، القاسم بن سلام. الأموال. ط1، القاهرة، مكتبة الكليات الأزهرية، 1968م.
17- الماوردي، أبو الحسن علي بن محمد. الأحكام السلطانية. ط3، القاهرة، مصطفى البابي الحلبي بمصر، 1393هـ.
ـــــــــــــــــــــــــ
[1] كما كانت عليه الحال بأوروبا في العصور الوسطى.
[2] كما حدث ضد الكنيسة والأباطرة في أوروبا.
[3] كما هي الحال في أوروبا بعد الثورة الفرنسية والثورة الصناعية التي تلتها، واللتين غيرتا وضع أوروبا. وكما هي الحال في روسيا وما كان يدور في فلكها – زمان وجود الاتحاد السوفيتي – وذلك بعد أن كان الإقطاع والرأسمالية من بعده يغلبان على أوضاع مجتمعاتها قبل حلول الاشتراكية محلها.
[4] على سبيل المثال انظر: [1، ص77 - 78]. وينبغي أن لا يغفل – في هذا المجال – أن بعض الباحثين يردون على هذه المقالة، بأن الإسلام لا يمكن أن يكون وسطاً بين مذاهب وضعية بشرية؛ لأنه شرع رباني منزل من عند الله. وهذا الكلام وإن يكن صحيحاً وثابتاً، إلا أنه لا يتضمن ما يرد على الخصوم في مجال دعواهم، فلا يكون له أثر إيجابي عملي.
[5] عندما تطلق كلمة ((الإنسان)) معرفة في هذا البحث عموماً: يقصد بها ((الجنس البشري)) كجنس وليس أفراداً منه أو مجتمعات.
[6] مع أن هذه التسمية وغيرها، مثل ((النظام المختلط)) أوردها بعض الاقتصاديين، مثل [2، ص109 وما بعدها؛ 3، ص8]، فإني لا أميل إليها، وإنما أختار ((الاتجاه المعتدل)) للأسباب التالية:
أ- لأنه ليس مذهباً مستقلاً عن غيره، محدد الأسس والمعالم، وإنما هو مجرد اتجاه نحو الاعتدال من بعض أتباع كل من المذهبين.
ب- لأنه مجرد تعديل جزئي يقوم به بعض أتباع المذهبين. لما يرون فيهما من التعسف والإسراف فيما يتجهان إليه.
جـ- لأنه لم يخرج أصحاب هذا الاتجاه إجمالاً عن أسس المذهبين الأصليين.
د- لأنهم تمسكوا بالانتماء إلى المذهبين الأصليين، واستمروا في ذلك.
[7] يقصد بالمبادئ الخلقية هنا بالدرجة الأولى: المستوى المثالي في التعامل على النحو الذي جاء به الإسلام وحث عليه الناس. ومنه على سبيل المثال: حب الخير للآخرين كحبه للذات، وكراهية الأذى والسوء للآخرين ككراهيتهما للذات، بحيث يكون من نتاج ذلك عدم إلحاق الأذى بأي طرف آخر في سبيل جلب مصلحة للذات. وانتفاء المبادئ الخلقية الأصلية بعامة، والمثال الذي ذكرناه بخاصة، من أصول الاقتصاد الرأسمالي وتصرفات أربابه. بل ينطبق أيضاً على سائر المذاهب الوضعية إجمالاً، بشكل أو بآخر. وسيرد ما يشهد لذلك فيما بعد في مواضعه المناسبة.
[8] منشأ هذه الحالة قيام طبقة أصحاب الثروات عملياً بحرمان الطبقات الأخرى من حقوقها الإنسانية المشروعة وثمرات كسبها الطبيعية، وذلك نتيجة تحكم روح الأثرة في نفوس أصحاب الثروات، وتسلطهم بما لهم من القدرات، وإمكان استغلال حاجة المحتاجين، مما أدى ذلك إلى ثورة الطبقات العاملة والفقيرة. وفورتها في كل مناسبة حانت أو تحين لها للحصول على بعض حقوقها المهضومة، فإن إطلاق حرية الناس بعضهم على بعض لا يفيد إلا أرباب القوى والأموال. ولما كان العمال والمحتاجون يشكلون أكثرية المجتمع، واتحادهم في اتجاههم يؤدي إلى نقيض سعي أصحاب الثروات، لذا فإن تأسيس المؤسسات التشريعية والاجتماعية صار وسيلة مفيدة لامتصاص ما في نفوس الفقراء الثائرين من مشاعر الغضب، فيمنحون عن طريقها بعض حقوقهم- من باب ذر الرماد في العيون - دون أن يؤثر ذلك تأثيراُ ذا بال في أحوال الأغنياء، فهم استطاعوا بذلك أن يحافظوا على مكاسبهم ومناهجهم في الكسب، بل إنهم تمكنوا في معظم الأحيان من زيادتها بتوجيه تلك المؤسسات لمآربهم بشكل أو بآخر، وكان من نتيجة ذلك بقاء طبقة أصحاب رؤوس الأموال الضخمة المستغلة دون أن تمس مصالحها بأذى يذكر، إلا مزيداً من ابتكار فنون الاستغلال.
[9] يقصد بـ ((الجماعات)) الجماعات المحدودة التي لها الصفة الخاصة كالأفراد.
[10] يعتبر ضعف تحقق المنافسة الحقيقية في الاقتصاد الرأسمالي ظاهرة غالبة فيه، لذا فإن من المعترف به أن يعتبر هذا أعظم نقد ضده [7، ص 209].
[11] ويلاحظ أن الرأسمالية اتجهت – ولو جزئياً – بعد أيامها الأولى إلى الاعتدال، وهذا الاتجاه ظهر ويظهر بمظهر تغيير أسلوب التطبيق وكيفية التعامل مع الجهة المهملة نسبياً من الرعاية الضرورية. ويتمثل هذا التغيير ببعض أشكال العناية والاهتمام – وقد أشرنا إلى أهمها – اللذين لا يخلان بهيكل المذهب العام ومعظم مبادئه الرئيسية. ولكن بعض الرأسماليين المتمسكين بكامل الأصول الأولى للمذهب لا يرضون بالتعديلات الجديدة المتزايدة، ويعتبرون ذلك خروجاً عن المبادئ والأركان الرئيسية للمذهب وتشويها له وليس تحسيناً. وهذا ما أطنب في الحديث عنه ((لوي مارليو)) حيث اعتبر ما طرأ من تغيير على المذهب الرأسمالي طمساً لأصوله، وسعياً في تقويض دعائم النظام الطبيعي المثالي، ونصح بالرجوع عنه إلى ما كان عليه من الانسجام مع قواعده الطبيعة، إذ بها يتمكن من الوصول إلى خبراتها والاستقرار على وضع سليم [4، ص 46]. والدول الرأسمالية الآن متفاوتة فيما أجرته من تعديل في أصل مذهب الرأسمالية، فأكثرها سعياً في القرب من التوازن بين الفرد والمجتمع: الدول الإسكندنافية. بينما تعتبر الولايات المتحدة أقرب من أصول المذهب [2، ص 45 وما بعدها].
[12] كما حدث أخيراُ في الاتحاد السوفيتي المنهار المتفكك، ودول أوروبا الشرقية التي كانت تدور في فلكه.
[13] سورة المائدة، الآية 130؛ وسورة الشورى، الآية 19.
[14] سورة البقرة، الآية 30.
[15] سورة فاطر، الآية 39.
[16] سورة هود، الآية 61.
[17] هو: أبو القاسم، حسين بن محمد بن المفضل، المعروف بالراغب الأصفهاني. توفي سنة 502 هـ [10، ج2، ص279].
[18] أخرجه الطبراني في معجمه الكبير، من حديث كعب بن عجرة [11، ج1، ص368 - 369].
[19] قال تعالى في سورة التين، الآية 4 {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}.
[20] تدل على ذلك آيات كثيرة في القرآن الكريم تفيد امتنان الله على عباده بأنواع النعم التي منها تسخير الله كثيراً من الكائنات للإنسان، ويرجع لمعرفة تلك الآيات إلى المعجم المفهرس لآيات القرآن الكريم مادة ((سخر)) على سبيل المثال.
[21] كالحواس والعقل وغيرهما.
[22] مما يدل على ذلك، قوله تعالى {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} سورة الملك، الآية 15.
[23] هو حق حيازة الأشياء، ووجوب احترام ذلك الحق من قبل الآخرين بعدم الاعتداء عليه. ويعبر عن ذلك في المعتاد بحق الملكية – أي الملكية المجازية – لأن الملكية الحقيقية لله تعالى وحده، كما سبق بيان ذلك. وهذا الحق قد أشارت إليه نصوص، كقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ} سورة النساء الآية 29، وحديث ((كل المسلم على المسلم حرام ماله وعرضه ودمه)) رواه أبو داود وابن ماجة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه [11، ج2، ص322].
[24] بأي نوع من أنواع التصرفات الناقلة لحق الحيازة أو حق الانتفاع، مثل الهبة والبيع والإجارة والإعارة والرهن و... إلخ.
[25] أي: حق التمتع بمنافع الأشياء ضمن الحدود الجائزة شرعاً، كالسكنى للبيوت ونحو ذلك.
[26] قال تعالى {هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} سورة الحج الآية 78. وقال {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} سورة البقرة، الآية 185.
[27] وقد ورد بهذا المعنى في [13، ج2، ص57].
[28] حقوق الله كالزكاة، وحقوق العباد كحقوق الوالدين.
[29] سورة التوبة، الآيتان 34، 35.
[30] رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث معمر بن عبد الله رضي الله عنه [11، ج3، ص355].
[31] رواه أحمد والحاكم في المستدرك من حديث أبي هريرة رضي الله عنه [11، ج3، ص150].
[32] سورة الأعراف، الآية 31.
[33] سورة الإسراء، الآيتان 26 و27.
[34] يشهد لهذا قول الرسول صلى الله عليه وسلم ((ليس في المال حق سوى الزكاة)) رواه ابن ماجه من حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها [11، ج3، ص63].
[35] ويشهد لهذا قول الرسول صلى الله عليه وسلم ((إن في المال لحقاً سوى الزكاة)) رواه الترمذي من حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها [11، ج1، ص401].
[36] ويشهد لهذا قول الرسول صلى الله عليه وسلم ((إن في المال لحقاً سوى الزكاة)) رواه الترمذي من حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها [11، ج1، ص401].
[37] إشارة إلى الزكاة المذكورة آنفاً.
[38] في القاموس ((أقطعه قطيعة: أي طائفة من أرض الخراج)) [15، ج3، ص649]. وفى الأموال لأبي عبيد ما يفهم منه أنه: منح ولي الأمر قطعة من الأرض العامة لمن يشتثمرها [16، ص386 وما بعدها].
[39] قد عبر المارودي عن وظائف ولي الأمر بقوله ((الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا)) [17، ص5].
[40] في كتاب ((الأموال)) لأبي عبيد ((وأما مال الفيء: فما اجتبي من أموال أهل الذمة مما صولحوا عليه من جزية رؤوسهم التي بها حقنت دماؤهم وحرمت أموالهم، ومنها خراج الأرضين التي افتتحت عنوة....)) [16، ص25]. وفي بداية المجتهد ((كل ما صار للمسلمين من الكفار من قبل الرعب والخوف من غير أن يوجف عليه بخيل أو رجل)) [12، ج1، ص467].
[41] الأخماس: ج خمس. ويقصد به خمس الغنائم الذي بينت آيات الغنائم في سورة الأنفال مصارفه.
مما يؤيد هذا ويدل عليه ما ورد في حديث أسلم، قال سمعت عمر وهو يقول لهني حين استعمله على حمى الربدة ((يا هني: اضمم جناحك عن الناس واتق دعوة المظلوم فإنها مجابة وأدخل رب الصريمة والغنيمة، ودعني من نعم ابن عفان ونعم ابن عوف فإنهما إن هلكت ماشيتهما رجعا إلى نخل وزرع، وإن المسكين إن هلكت ماشيته يصرخ: يا أمير المؤمنين. أذلك أهون علي أم غرم الذهب والفضة؟)) [16، ص418 - 419].


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الرد على القول بأن الإسلام وسط بين الرأسمالية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» طليعة "القول القويم في الرد على عدنان إبراهيم"
»  الرد على البكري المؤلف شيخ الإسلام ابن تيمية
»  الرد على افتراء انتشار الإسلام بالقوة والإجبار
» القول الشاذ في الفقه الإسلامي ودعوى اكتشاف الإسلام من جديد
» الرد على إنكار النصارى نبوءات المسيح بنبي الإسلام صلى الله عليه وسلم

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ Known to the islam ۩✖ :: شبهـات حــول الاسـلام-
انتقل الى: