الرد على إنكار النصارى نبوءات المسيح بنبي
الإسلام صلى الله عليه وسلم
هذا جزء من اعتراض طرحه النصراني على المسلم بخصوص الطعن فيما ورد في القرآن من التنصيص على أن عيسى بشر بمحمد صلى الله عليه وسلم فادعى أن عدم وجود هذه البشارة في الإنجيل يدل على كذب القرآن .
فأجبناه ، بأمرين :
الأول : لا نسلم بأي وجه من الأوجه صحة تلك الأناجيل التي بأيدي النصارى ولا نعتقد أبدا أنها كلها كلام الله المنزل على عبده عيسى عليه السلام، وبقراءة عابرة فقط لتلك الأناجيل تتضح لك جليا هذه الحقيقة فهي لا تعدو أن تكون بمثابة كتب سيرة سطر بعضها بعض تلاميذه " متى " وسطر البعض الآخر تلميذ تلميذه " مرقس " وسطر بعضه من لا ينتسب للمسيح بسند " لوقا تلميذ شاؤول اليهودي " وأما يوحنا فمعظم الباحثين على أن إنجيله صناعة فلسفية لا تمت ليوحنا الصياد تلميذ المسيح بصلة .
وقد خلطت كل هذه الأناجيل بآراء كاتبيها ولا سيما إنجيل يوحنا ولم تقتصر على النقل فقط ، وحتى لو اقتصرت على النقل فهي لا تعد أن تكون نقلا عن المسيح عليه السلام وبالتالي فليس فيها كلام الله عز وجل .
بل قد اعترف كاتبوها بأنهم كتبوها من تلقاء أنفسهم لأغراض تقصدوها ولم يصفوا كتبهم بصفة الإلهية ( انظر مقدمة إنجيل لوقا ، وآخر فقرتين من إنجيل يوحنا ) فكيف يقال بعد هذا إن هذه الأناجيل تمثل إنجيل عيسى الذي هو كلمة الله ووحيه إليه .
الثاني : رغم أننا نكذب بنسبة هذه الأناجيل إلى عيسى بمعنى أن عيسى كتبها أو أملاها على من يكتبها، ونقطع أنها ليست كلام الله، إلا أننا نعتقد أن فيها منقولات صحيحة عن عيسى عليه السلام ، ونحن بهذا نمارس عملية النقد بمنظار قرآني فما أثبته القرآن أثبتناه وما نفاه نفيناه وما سكت عنه سكتنا عنه ، وفي هذا الإطار بإمكاننا أن ننظر في هذه الأناجيل هل فيها ما يؤكد خبر القرآن عن بشارة عيسى بمحمد صلى الله عليهما وسلم فإن وجد فيها شيء كان ذلك تصديقا للقرآن وإن لم يوجد فيها شيء كان ذلك دليلا على تحريف هذه الكتب البشرية ، فإن قيل فلم لا يكون عدم وجود البشارة دليلا على كذب القرآن وتحريفه ؟ نقول إن القرآن الكريم كتاب الله عز وجل وهو مقطوع بثبوته عن الله ثبوتا قطعيا لا شك في ذلك ولا ريب والتواتر حاصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم في كل آية من آياته بل في كلمة من كلماته ، والأسانيد المتواترة المتكاثرة والنقل العام جيلا عن جيل ثابت في حقه ، بخلاف الأناجيل التي لم تدون – حسب معتقد النصارى – إلا بعد موت المسيح بسنوات طويلة ، ويوجد فيها انقطاع بين راويها وعيسى عليه السلام فلوقا مثلا لم يلق عيسى فكيف يروي عنه ما لم يسمعه ولم يشاهده ولم يذكر أنه روى ما روى عن تلامذة المسيح عليه السلام ، هذا ونحن نتحدث عن السند في أوله فكيف بالعصور المتأخرة وما حصل في تلك العصور من تعديل وتغيير " تحريف " فمن العقل بعد هذه المقارنة أن نقدم حكم المقطوع به " القرآن " على حكم المظنون به بل والمشكوك في أمره " الأناجيل " ويصبح القرآن كما أراد الله له حاكما وشاهدا على ما سبقه من الكتب السابقة .
وبعد هذا نعود فنؤكد وجود بعض البشارات التي نقلت عن المسيح عليه السلام في تلك الأناجيل ونعقتد أنها من بقايا الحق في تلك الكتب لشهادة القرآن بصدق تلك البشارات ، فمن تلك البشارات ما جاء :
- في إنجيل يوحنا (4/6/17) على سبيل المثال مما ينسب إلى المسيح: (أنا أسأل الأب فيهب لكم مؤيداً يكون معكم للأبد روح الحق) أهـ.
- وفيه أيضاً: (15/7-
: (إنه خير لكم أن أمضي، فإن لم أمض لا يأتيكم المؤيد أما إذا ذهبت فأرسله إليكم وهو متى جاء أخزى العالم على الخطيئة والبر والدينونة) ..
- وفيه (16/13-14): (متى جاء هو أي روح الحق أرشدكم إلى الحق كله لأنه لا يتكلم من عنده بل يتكلم بما يسمع ويخبركم بما سيحدث، سيمجدني لأنه يأخذ مما لي ويطلعكم عليه).
- وفيه (14/25-27): ( قلت لكم هذه الأشياء وأنا مقيم عندكم ولكن المؤيد .. هو يعلمكم جميع الأشياء، ويذكركم جميع ما قلته لكم، السلام استودعكم وسلامي أعطيكم ).
ودعونا نتأمل في صفات هذا المؤيد الذي بشرنا به المسيح عليه السلام ونذكر بعض صفاته التي ذكرها المسيح عليه السلام ،فمن تلك الصفات أنه يأتي بعد المسيح ، وهذا نص البشارة القرآنية : { وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ }(الصف:6) وهي مطابقة لخبر المسيح عليه السلام في أن النبي المبشر به يأتي من بعده . وعلى ذلك فصرف هذه البشارات الإنجيلية وإنزالها على تلامذة المسيح يرده هذا النص حيث أن تلامذة المسيح كانوا معه ولم يأتوا بعده . وإنزالها على "روح القدس" أيضا مردود فروح القدس موجود في عهد المسيح وقبله فكيف يبشر عيسى بقدوم ما هو موجود أساساً ، فلم يبق إلا إنزالها على نبي جديد يبشر بعيسى ويكمل رسالته وهذا ما ينطبق على النبي صلى الله عليه وسلم .
الصفة الثانية : بقاء شريعته ودينه وأنه الدين الخاتم الذي لا ينسخه دين، وهذا المعنى نفهمه من قول المسيح عليه السلام : " يكون معكم إلى الأبد " فهو بذلك لا يقصد ذات النبي صلى الله عليه وسلم وإنما أراد دينه وهو ما تحقق واقعا إلى يومنا هذا وسيبقى إلى أن يأتي أمر الله سبحانه عند قرب قيام الساعة .
الصفة الثالثة : أنه يأتي بالحق كله ، وهذا ربما لا يتضح إلا لمن عقد مقارنة بين القرآن وبين التوراة وبين الأناجيل، فمن عقد مقارنة بين هذه الكتب الثلاثة علم أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء بالحق كله في الأحكام والأخبار المتقدمة واللاحقة، وجاء بوصف دقيق لحال الإنسان بعد الموت إن كان في الجنة أو في النار ووصف الجنة ووصف النار، أما الأناجيل مثلا فهي لا تحتوي سوى على حكم أو حكمين أو على بضعة أحكام على أكبر تقدير ، وأما التوراة فمع وجود أحكام كثيرة تتعلق بالحلال والحرام في الطلاق والنكاح والأطعمة إلا أن تلك الأحكام قليلة جدا مقارنة بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من أحكام تفصيلة وشاملة لجميع مناحي الحياة ، وكذلك الأخبار فنجدها في القرآن تفصيلية عن الموت والبعث والحساب والجنة والنار وأوصافهما وأوصاف أهلهما وذكر الأعمال الموجبة لدخول الجنة والأعمال الموجبة لدخول النار في تفصيل لا يحتاج بعده إلى مزيد بيان ، وكل هذا التفصيل خلت منه التوراة أما الأناجيل فلا تسل عن هذا الجانب فيها ، وهذا مصداق لصفة النبي كما أخبر به المسيح " ويخبركم بالحق كله "
الصفة الرابعة : ( لأنه لا يتكلم من عنده بل يتكلم بما يسمع ويخبركم بما سيحدث ) وهذا لعمري من أصرح صفاتهصلى الله عليه وسلم أنه لا يتكلم من تلقاء نفسه بل بما يلقى إليه ، كما أخبر بذلك القرآن الكريم : { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى } ( النجم : 3-4)
فتطابق وصف المسيح للنبي صلى الله عليه وسلم مع الوصف القرآني فكان نورا على نور .
الصفة الخامسة : أنه سيمجد المسيح فقال عليه السلام : " سيمجدني لأنه يأخذ مما لي ويطلعكم عليه " فالنبي صلى الله عليه وسلم بما أنزل عليه من الوحي أخبر بحقيقة المسيح عليه السلام واضحة جلية بعيدة عن غلو النصارى وطعن اليهود، وأطلع الناس على ما له من النبوة والرسالة والمنزلة والمكانة عند الله سبحانه وتعالى .
فهذه بعض صفات المؤيد الذي أرسله الله عز وجل بعد عيسى عليه السلام وهي جميعها صفات منطبقة على نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، وليس هذا فحسب بل هذه الصفات لا تنطبق على أي أحد جاء بعد المسيح غير محمد صلى الله عليه وسلم , فهل بعد هذا يصر المسيحيون على دعواهم – نفي وجود البشارة بنبي الإسلام في أناجيلهم – تلك الدعوى التي لو تأملوها بإنصاف وتجرد لطلب الحق لعلموا بطلانها وتفاهتها .
منقول للفائدة.
هذا الموضوع موجه خصوصا إلى النصارى المتواجدين معنا، كما نرجوا من الجميع المشاركة حتى تعم الفائدة بإذن الله تعالى.