اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 مدخل إلى فهم مكانة المرأة في الإسلام

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100210
مدخل إلى فهم مكانة المرأة في الإسلام Oooo14
مدخل إلى فهم مكانة المرأة في الإسلام User_o10

مدخل إلى فهم مكانة المرأة في الإسلام Empty
مُساهمةموضوع: مدخل إلى فهم مكانة المرأة في الإسلام   مدخل إلى فهم مكانة المرأة في الإسلام Emptyالجمعة 10 مايو 2013 - 6:36

مدخل إلى فهم مكانة المرأة في الإسلام

المقدمة:

منذ فترة طويلة من الزمن تثار الشبهات هنا وهناك حول قضية حقوق المرأة – بزعم أن لها قضية مختلفة عن قضية حقوق الإنسان ككل – ووضعيتها في الدين الإسلامي والتصور الإسلامي، وكثيرا ما يتم النظر إلى التقاليد الشرقية أو العادات العربية المتناهية في القدم على أنها تمثل نظرة الإسلام أو المسلمين للمرأة، ومن خلال العلاقة القلقة التي سادت المجتمعات الغربية والتي واجهت فيها المرأة الغربية صعوبات جمة للحصول على بعض حقوقها المغتصبة، بين هذه الرؤى المتداخلة تثار كثير من الشبهات بعيدا عن الواقع والإنصاف، سواء أثيرت هذه الشبهات عن قصد وتعمد من أجل إحداث شرخ في المجتمع المسلم عبر ما يعرف بقضية المرأة، أو عن جهل بالحقائق التي تحكم تلك العلاقة في المجتمع المسلم، ويقف المسلمون حائرين أمام هذا السيل المتلاحق من الشبهات التي تُدفع كل فترة لتثار بقوة وعنف عبر مؤتمرات عالمية وإعلام موجه وتبنٍ من قوى داخلية عن جهل بعظمة التعاليم الإسلامية التي لو أحسنا قراءتها لا نخرج منها فقط بنتيجة حتمية مفادها أن المرأة لم تُنصف ولن تُنصف كما أنصفها الإسلام، ولكن يجب أن نخرج من هذه التعاليم الربانية كذلك بوجوب حصول المرأة في العالم كله على تلك الحقوق التي كفلها لها الإسلام وحرمتها منها الحضارة الحديثة، حيث يجب أن نتحول بعد هذه القراءات في التعاليم الإسلامية إلى دعاة ندعو العالم كله إلى إنصاف المرأة في كل المجتمعات قاطبة وإعطائها حقوقها التي دعا إليها الإسلام، ليس فقط بوصفه ديننا السماوي الذي نؤمن وندين به، ولكن بصفته كذلك المنهج الوحيد في التاريخ والحاضر والمستقبل الذي نظر للمرأة هذه النظرة العظيمة، مع تأكيدنا على أنه المنهج الذي تم تطبيقه على أرض الواقع فنضجت التجربة وأثمرت ولم تبقَ حلما في خيال الشعراء أو الفلاسفة.. إن خطورة هذه الأفكار والشبهات التي يروجها أتباع الغزو الفكري وأنصار التغريب وهؤلاء المنهزمين نفسيا وحضاريا وثقافيا أمام كل صيحة مستحدثة أو شبهة وافدة أو موجة فكرية جديدة بدت براقة رغم أنها لم يثبت نجاحها بالتطبيق في أرض الواقع.. خطورة هذه الشبهات والأفكار أنها باتت تتغلغل وتتسلل بنعومة وهدوء إلى فكر وثقافة الشعوب المسلمة التي يتم تغييبها بفعل منظومة واسعة من أدوات التطبيع الثقافي سواء في التعليم أو الإعلام أو غيرها من وسائل التأثير على الرأي العام واختراقه، الأمر الذي يجعلنا نقدم رسائلنا في المقام الأول إلى عوام المسلمين قبل أن نقدمها إلى ما يطلق عليها النخبة الثقافية المتصدرة للمشهد الثقافي في المجتمعات المسلمة.. ولذا يجب أن يكون حديثنا سهلا ميسرا بعيدا عن المصطلحات الصعبة والكلمات الرنانة والألفاظ الكبيرة ولو بدت براقة جذابة.. فلقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من موضع بالتبسط والتبسيط في توصيل دعوة الإسلام، كما ورد في البخاري عن عليّ موقوفا "حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذّب الله ورسوله".



وفي مسلم عن ابن مسعود قال "ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة "[1]. أو الحديث المشهور بين الناس: " أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم "[2]، كما ورد عنه ما يفيد كراهة التفيهق في الكلام واستخدام المبهم من الألفاظ والمعاني والأفكار!! ففي الحديث عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن من أحبكم إلى، وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقاً وإن أبغضكم إلى، وأبعدكم مني يوم القيامة، الثرثارُون والمتشدقون والمتفيهقون" قالوا: يا رسول الله قد علمنا (الثرثارُون والمتُشدقون) فما المُتفيهقُون؟ قال: (المتكبرون).[3]



منهجنا إذن في هذا البحث هو البساطة والتبسيط في التناول والمناقشة مع محاولة عدم إغفال العمق في الطرح والاستناد ما أمكن إلى الإحصائيات والدراسات للوصول ببساطة إلى عقل وقلب المتلقي في ذات الوقت..



كما أود أن أنوه في هذا المقام على شبهة أو اعتراض أو أرق يصيب بعض النساء – إن لم يكن الكثيرات منهن – عندما يتناول الشأن النسائي أو قضايا المرأة ويتصدى للحديث عنها أو التنظير فيها طائفة من الرجال.. حيث يعتبرن ذلك نوعاً من فرض وصايا ذكورية ما على قضايا المرأة.. والحقيقة أن منطلقنا في هذا البحث منطلق مختلف تماما عن هذه النظرة.. فهي رؤية موجهة إلى شقائقنا وفق قاعدة قرآنية ثابتة تجعل الرجال والنساء بعضهم من بعض، كما تجعلهم من نفس واحدة يقول تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1] ، كما قال سبحانه: ﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ ﴾ [آل عمران: 195] ، وقال عز من قائل: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة71]، كما هي رؤية موجهة كذلك إلى الرجال تذكّرهم بوصية النبي صلى الله عليه وسلم " استوصوا بالنساء خيرا " فمن حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال صلى الله عليه وسلم: " استوصوا بالنساء خيرا فإنهن خُلقن من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فاستوصوا بالنساء خيرا "[4].. فقضية المرأة في تصورنا ليست قضية خاصة معزولة عن قضية الإنسان ككل، بل إننا من خلال هذا البحث لا ننظر إلى قضية المرأة بخصوصية إلا بقدر ما خصصه لها الإسلام من خصوصية وظيفية تتعلق بتقسيم وظيفي وليس التمييز بين الذكر والأنثى في الحقوق والواجبات، وكذلك نتناول قضية المرأة في ضوء خصوصية الشبهات التي يلقيها المتاجرون بحقوق المرأة، متمسكين دائما بأن قضية حقوق المرأة في الإسلام هي قضية حقوق وكرامة الإنسان في الإسلام التي كفلها له الخالق سبحانه وتعالى في قوله: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾ [الإسراء: 70].



تمهيد:

وقبل أن نتناول شيئا عن مكانة المرأة في الإسلام يجدر بنا أن نتناول في عجالة شديدة نبذة عن واقع المرأة في المجتمع الجاهلي قبل الإسلام ونتناول كذلك وضعية المرأة في الحضارة الغربية الحديثة.



لقد قدمت فترة ما قبل الإسلام في التاريخ العربي نماذج نسائية شهد لها المجتمع بالتميز والريادة.. فلم تكن المرأة في المجتمع العربي متاع إلا بقدر ما كان الإنسان نفسه متاعا.. لم تكن القيمة للإنسان وإنما قيمة المادة، فيُحترم المرء لحسبه ونسبه وثرائه وماله ومكانته وصولجانه.. لقد سقطت حقوق الإنسان في الجاهلية وارتفعت قيمة المادية حتى حكمت الحياة.. ولم يكن ذلك حكرًا على المرأة دون الرجل وإنما طبق المجتمع الجاهلي ذلك على كل إنسان لا يملك المال والجاه والسلطان، فاستعبدوا العبيد وسفّهوا آراء الضعفاء، ولقد كان ذلك جلياً في محاربتهم لدعوة الإسلام في مطلع الدعوة إذ عَيروا النبيّ صلى الله عليه وسلم بأتباعه من الضعفاء والفقراء والعبيد.. ولقد أثبت الله تعالى هذه النظرية الجاهلية للمجتمع وأنها كانت ديدن الجاهلية مع كل نبي ورسول فقال تعالى عن تكذيب قوم نوح لنوح عليه السلام: ﴿ فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ ﴾ [هود27].



لقد فعلوا ذلك أيضا مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ * وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ﴾ [الأنعام: 52-53] ولقد جاء في التفسير: ﴿ وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ ﴾ بعبادتهم ﴿ وَجْهَهُ ﴾ تعالى لا شيئا من أعراض الدنيا وهم الفقراء وكان المشركون طعنوا فيهم وطلبوا أن يطردهم ليجالسوه وأراد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك طمعا في إسلامهم ﴿ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ ﴾ زائدة ﴿ شَيْءٍ ﴾ إن كان باطنهم غير مرضي ﴿ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ ﴾ جواب النفي ﴿ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾إن فعلت، ﴿ وَكَذَلِكَ فَتَنَّا ابتلينا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ﴾ أي الشريف بالوضيع والغني بالفقير بأن قدمناه بالسبق إلى الإيمان ﴿ لِيَقُولُوا ﴾ أي الشرفاء والأغنياء منكرين ﴿ أهؤلاء ﴾ الفقراء ﴿ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا ﴾ بالهداية أي لو كان ما هم عليه هدى ما سبقونا إليه قال تعالى: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ﴾ له فيهديهم [5].



وثبّت الله تعالى فؤاد نبيه والذين آمنوا معه من الفقراء والضعفاء في مواجهة هذه المادية الطاغية في المجتمع فقال تعالى: ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾ [الكهف28].



هكذا برزت نساء في الجاهلية قبل الإسلام واشتهرت أسماؤهن قبل البعثة فلقد كانت السيدة خديجة بنت خويلد قبل زواجها برسول الله صلى الله عليه وسلم سيدة فاضلة تشهد لها قريش بالفضل وكانت سيدة أعمال توظف الرجال في خدمة تجارتها.. كما برزت أسماء نساء شريفات لهنّ مكانة ومنعة في قريش مثل هند بنت عتبة، واشتهرت شاعرات عربيات مثل الخنساء.. مما يدل على أن أزمة المرأة في الجاهلية كانت أزمة الإنسان نفسه وأن طغيان قيم الحضارة المادية هي التي أدت إلى استضعاف المرأة لا بصفتها امرأة وإنما باعتبارها الحلقة الأضعف في المعركة المادية الطاحنة.. " كان اهتمام العرب قبل الإسلام بالمرأة استثنائيا بين الأمم، فاهتموا بحفظ كرامتها وسترها، فكان للنساء خدر في المسكن ويوفر السجف وهو الساتر لهم الحرية والخصوصية وفي الخارج كانت النساء تلبس ما يسترها وتركب في الهودج عند السفر لأن لا يطلع عليها الغرباء. كان من النساء قبل الإسلام الطبيبة كالشفاء بنت عمرو وسيدة الأعمال كخديجة بنت خويلد. ووصلت المرأة إلى مراتب عليا كما هو حال بلقيس ملكة سبأ، وزنوبيا ملكة تدمر، وزبيبة وشمسي ملكات قيدار، ومناصب كبيرة لاسيما عند الأنباط[6] ".. غير أن هذا المعنى لا يجعلنا نغفل ما تعرضت له المرأة من اضطهاد جاهلي لكن في تصور جديد لأسباب وبواعث هذا الاضطهاد، وفق هذا التصور الذي يركز على النظرة المادية الخانقة واستضعاف الأنثى بسبب وضعها المادي، فإن وضع المرأة العربية في الجاهلية قبل الإسلام إجمالا كان كالآتي:

1- كان العرب في الجاهلية ينظرون إلى المرأة على أنها متاع من الأمتعة التي يمتلكونها مثل الأموال والبهائم، ويتصرفون فيها كيف شاءوا.



2- وكان العرب لا يُورثّون المرأة، ويرون أن ليس لها حق في الإرث وكانوا يقولون: لا يرثنا إلا من يحمل السيف ويحمي البيضة.



3- وكذلك لم يكن للمرأة على زوجها أي حق، وليس للطلاق عدد محدود، وليس لتعدد الزوجات عدد معين.



وكان العرب إذا مات الرجل وله زوجة وأولاد من غيرها كان الولد الأكبر أحق بزوجة أبيه من غيره، فهو يعتبرها إرثاً كبقية أموال أبيه، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان الرجل إذا مات أبوه أو حموه فهو أحق بامرأته، إن شاء أمسكها، أو يحبسها حتى تفتدي بصداقها، أو تموت فيذهب بمالها. رواه أبو داود.



وقد كانت العدة للمرأة إذا مات زوجها سنة كاملة، وكانت المرأة تحد على زوجها شر حداد وأقبحه، فتلبس شر ملابسها، وتسكن شر الغرف، وتترك الزينة والتطيب والطهارة، فلا تمس ماء ولا تقلم ظفراً ولا تزيل شعراً ولا تبدو للناس في مجتمعهم.



4- وكان عند العرب أنواع من الزيجات الفاسدة منها: اشتراك مجموعة من الرجال بالدخول على امرأة واحدة ثم إعطاؤها حق الولد تلحقه بمن شاءت منهم فتقول إذا ولدت: هو ولدك يا فلان فيلحق به ويكون ولده.



ومنها: نكاح الاستبضاع وهو أن يرسل الرجل زوجته لرجل آخر من كبار القوم لكي تأتي بولد منه يتصف بصفات ذلك الكبير في قومه.



ومنها: نكاح المتعة وهو المؤقت.



ومنها: نكاح الشغار وهو أن يُزوج الرجل ابنته أو أخته أو موليته لرجل آخر على أن يزوجه هو موليته بدون مهر وذلك لأنهم يتعاملون على أساس أن المرأة يمتلكونها كالسلعة.



5- وكذلك كان العرب يكرهون البنات ويدفنونهن في التراب أحياء خشية العار كما يزعمون، وقد ذمهم الله بذلك وأنكر عليهم فقال الله تعالى: ﴿ وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ ﴾ [التكوير:8،9][7]



أما وضع المرأة في الحضارة الغربية الحديثة والتي ينظر إليها البعض على اعتبار أنها أنقذت المرأة من عهود الانحطاط، وأنها أعطتها حقوقا غير مسبوقة، فإنها وإن كانت وضعت لها الكثير من الضمانات والحقوق السياسية والقانونية، فإنها في المقابل مازالت تتاجر بجسد المرأة ومفاتنها في الإعلام والدعاية والإعلان، وغيرها من أنواع التجارة، حتى سادت تجارة الرقيق الأبيض في مختلف المجتمعات الغربية، حتى وصل الأمر إلى تصدير الرقيق الأبيض من روسيا والجمهوريات السوفيتية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي إلى بعض الدول العربية ذات الدخول المادية العالية، حيث تبيع الفتيات أنفسهن بشكل احترافي مقابل المال، فيما لم تكفل لهن الحضارة الغربية والشرقية – غير المسلمة كروسيا والصين وكوريا وغيرها - الحديثة أي حد من حدود الكفاية الاقتصادية والرعاية الاجتماعية إلى يومنا هذا، ومن جهة أخرى ما زالت هناك إحصائيات مثيرة عن العنف ضد المرأة في الغرب ففي فرنسا وحدها تموت أكثر من 3 نساء شهرياً نتيجة لهذا العنف. مما يشير بوضوح أن الإرث الحضاري لاضطهاد المرأة التاريخي لم يتخلص الغرب منه حتى الآن، بالرغم من التغييرات الكبيرة التي جرت على حياة المرأة ومفاهيمها وحقوقها[8].


الباب الأول مدخل إلى فهم مكانة المرأة في الإسلام

مقدمة الباب:

وحتى يمكننا أن نفهم مكانة المرأة في الإسلام وطبيعة العلاقة التبادلية بينها وبين الرجل في المجتمع المسلم لابد أن تحكمنا مجموعة من المحددات الأساسية التي يمكن أن نعتبرها مدخلا أساسيا لفهم نظرة الإسلام إلى المرأة أو فهم طبيعة مكانة المرأة في الإسلام، ومن هذه المحددات الأساسية:

المبحث الأول:

التفرقة الواعية بين المنهج والتطبيق مع اعتماد تطبيق المجتمع الإسلامي الأول لأنه التطبيق الأمثل الذي يفسر المنهج تفسيرا واضحا دقيقا، فلابد أن نؤمن أن النظرية الصحيحة القابلة للتطبيق على أرض الواقع هي التي تحكم الممارسة وليس العكس، فعند دراسة وضع المرأة في الإسلام يجب أن نركز على وضع المرأة ومكانتها في التشريع الإلهي والتطبيق النبوي، لا على الممارسة سواء كانت صوابا أو خطئا في حياة المسلمين، بحيث نُصوّب الممارسة ونرفعها إلى مستوى التشريع، وإن هذه النظرة البديهية المنصفة تجعلنا ننظر بموضوعية وتجرد إلى قيم الإسلام الثابتة التي لا تتغير بسوء التطبيق أو التفسير الخاطئ إن وجد، ولقد طبق النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام منهج الإسلام في نظرته إلى المرأة وردموا الفجوة القائمة بين النظرية والتطبيق، فأخرج لنا التاريخ نساء خالدات من أمثال خديجة وعائشة وأم سلمة وأم سليم وسمية والخنساء ونسيبة بنت كعب وأسماء بنت أبي بكر ونائلة بنت الفرافصة[9] وأم حرام والشفاء بنت عبد الله[10] وغيرهن، حتى تأتي المرأة تجادل رسول الله وتشتكي إلى الله ليقينها أن الله تعالى لا يرضى بظلم وقع عليها من زوجها، وتقف المرأة إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فتراجعه وتعظه.



المبحث الثاني:

نظرة الإسلام للمرأة هي نظرة الخالق سبحانه وتعالى ومنهجه الإلهي وليست نظرة الرجل المسلم، وليس للرجل أي دخل في تحديد هذه النظرة أو المكانة التي تتبوأها المرأة في الإسلام، وهذا هو الفرق الجوهري بين تشريع الله تبارك وتعالى وبين قوانين البشر ومن خصائص هذه النظرة الإلهية:

• إنها منهج الله تبارك وتعالى خالق الإنسان الذي خلقه من ذكر وأنثى فلم يحابي جنسا على آخر، ووضع كل منهما في المكانة الملائمة لطبيعة خلقه وتكوينه الذي سوّاه وصوّره عليه فأحسن صورته.. ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات 13].



• ونظرة الإسلام للمرأة ليست نظرة رجولية في مجتمع أبوي كما يحلو لبعض الدارسين لعلم الاجتماع أن يطلقوا على مراحل واسعة من التاريخ البشري في مجتمعات كثيرة أنها مجتمعات رجولية تحكمها النظرة الأبوية، فالمجتمع الإسلامي الرجل والمرأة فيه سواء كل منهما ينتظر التشريع من لدن حكيم خبير، لا مجال فيه أن يشرع الرجل، ولا أن يحكم الرجل بغير ما أنزل الله تعالى، ولا مجال فيه لأن يعطي الرجل لنفسه نوعاً من الامتيازات أو الحقوق، لأن الرجل لا يملك لنفسه شيئا غير الإتباع، حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو النبي المرسل يخاطبه الله تعالى فيقول: ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الجاثية: 18]، ويقول تعالى: ﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 188]، فجعل الله سبحانه نبيه مبلغا ومتبعا لمنهج الله وهو لا ينطق عن الهوى ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 3، 4]، فلا مجال في تشريع الإسلام لوصاية الرجل لكن التشريع كله لله وحده.



• تشريع الله تبارك وتعالى لم يخص المرأة وحدها من دون الرجل، ولم يخص الرجل وحده من دون المرأة، ولكنه تشريع عام انتظم الخلق جميعا فدعا الإسلام إلى الإحسان إلى جميع المخلوقات فحث على احترام الكبير والعطف على الصغير ورحمته، وبيّن حقوق الإنسان رضيعا وطفلا وشابا، وحث على الإحسان للمرأة (استوصوا بالنساء خيرا )، وأمر بالرأفة بالرقيق، وأمر بالإحسان إلى الحيوان، فدخلت امرأة النار في هرة حبستها [11]، و " إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته "[12]، الإسلام دين الإحسان ومنهجه منهج الإحسان إلى جميع خلق الله، وكرم الله تعالى الإنسان على سائر المخلوقات فقال: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ﴾ [الإسراء: 70]، وبني آدم تشمل الرجال والنساء على السواء ذهب إلى هذا المفسرون وأهل العلم [13].



• الأخوة العامة بين المسلمين والمؤمنين شعار المجتمع كله ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات: 10]، ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ [التوبة: 71]، علاقة الحب والأخوة والولاية التي تربط المجتمع المسلم كله ببعضه فتجعله كالبنيان يشد بعضه بعضا، وكالجسد الواحد يسهر بعضه لمرض بعض، هذا المجتمع المتحاب المتآخي لا يعرف تلك الانقسامات المتوقعة ولا التقسيمات المستحدثة، شباب وشيوخ، رجال ونساء، أطفال ومسنين، وما إلى ذلك ولكنه مجتمع ينصهر الجميع فيه في بوتقة الحب والرحمة والتكافل والتكامل.



المبحث الثالث:

نظر الإسلام للرجل والمرأة نظرة مساواة كاملة في كل الشؤون العامة، ما لم يأت فيه تخصيص، وأي تخصيص ورد بشأن أحدهما اعتمد على الاختلاف البيولوجي واختلاف طبيعة وظيفة كل منهما في الحياة، ومن هذه الشؤون التي ساوى فيها الإسلام بين الجنسين:

• المساواة في النشأة الإنسانية ووحدة ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى ﴾ [الحجرات: 13]، ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ﴾ [الأعراف: 189]، ﴿ خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا ﴾ [الزمر: 6].



• المساواة في الثواب والأجر في الآخرة على الأعمال الصالحة ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97]، ﴿ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [غافر: 40].



• المساواة في الثواب والعقاب في الدنيا، فالمسلمون رجالا ونساء أمام قانون العقوبات الإسلامي أو الحدود الشرعية سواء ﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ﴾ [النور: 2]، ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [المائدة: 38].



• المساواة في الموالاة والإجارة، ففي الولاء العام قال تعالى: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ [التوبة: 71] ، وفي الإجارة يقول النبي صلى الله عليه وسلم: قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ [14]، وكانت قد أجارت رجل من المشركين هو بن هبيرة[15]



• المساواة في التكاليف العامة من العقيدة والعبادة والعمل والتعليم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك من التكاليف الإسلامية العامة، وسيأتي تفصيل ذلك لاحقا.



المبحث الرابع:

نظرة الإسلام للمرأة هي نفسها نظرة كل دين سماوي للمرأة لأن صاحب الدين واحد هو الله سبحانه وتعالى.. يقول تعالى ﴿ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ﴾ [الشورى: 13] ، ولهذا قال نجاشي الحبشة لما سمع القرآن وهو يومئذ غير مسلم يدين بالنصرانية: إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة [16]، فنظرة الإسلام للمرأة ليست نظرة مستحدثة ولكنها مكانة ثابتة للمرأة عند الله تعالى، ومن أراد أن يرجع إلى مكانة المرأة في الكتب السماوية بعيدا عن أهواء البشر وفلسفاتهم، سيجد أن ما جاء به الإسلام في شأن المرأة هو ما أمرت به جميع الشرائع والأديان المنزلة، فلا مجال للظن بأن الإسلام قد انتقص المرأة حقوقها، لأن ما جاء به الإسلام هو ما جاء به الدين منذ خُلق الإنسان، وإنما نناقش مكانة المرأة في الإسلام لأنه الدين الخاتم الذي صدق ما قبله من الكتب والرسالات.



المبحث الخامس:

عدم الخلط بين الحقوق والواجبات لكل من المرأة والرجل، فكثير من الحقوق التي دعت حركات تحرير المرأة إلى تكريسها وعملت جاهدة من أجل حصول المرأة عليها، هي في الأصل واجبات أوجبها الإسلام على المرأة وتكاليف أمرها الإسلام بأدائها، فالمرأة مكلفة شرعا بما كُلف به الرجل، ومن ذلك:

• طلب العلم والتعلم يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: طلب العلم فريضة على كل مسلم [17]، ولقد اتفق العلماء على أن لفظة مسلم تشمل الرجال والنساء وإنها إنما تأتي بصيغة المذكر للتغليب، فطلب العلم كما هو فريضة على الرجل فهو فريضة على المرأة على السواء، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: إذا مات بن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له [18]، ولقد تقدم في قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ﴾ [الإسراء: 70] ، أن المفسرين قالوا بني آدم رجالا ونساء، فطلب العلم الذي تدعو إليه الحضارة الغربية على أنه حق من حقوق المرأة يراه الإسلام واجبا من واجبات المرأة وتكليفا يكلفها به الإسلام، وهذه هي السيدة عائشة رضي الله عنها "حاملة لواء العلم قال أبو بردة بن أبي موسى عن أبيه: ما أشكل علينا أصحاب محمد أمر قط فسألنا عنه عائشة إلا وجدنا عندها منه علما، وكانت رضي الله عنها من أكثر الصحابة رواية للحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي الثالثة بعد أبي هريرة وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم"[19].



• المشاركة في الحياة العامة وهو ما تملأ منظمات المرأة العالم به صراخا وضجيجا لإقراره كحق من حقوق المرأة، يعتبره الإسلام واجبا وتكليفا على المرأة أن تقوم به مع الرجل سواءً بسواء ومن أعظم ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ﴾ [التوبة: 71]، فلم يستثن الإسلام المرأة من القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو واجب اجتماعي عام، ومن المشاركة في الحياة العامة تقديم النصيحة حتى لأئمة المسلمين، وقفت السيدة خولة بنت ثعلبة[20] لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب تعظه فقالت: "هيها يا عمر عهدتك وأنت تسمى عميرا في سوق عكاظ ترعى الضأن بعصاك فلم تذهب الأيام حتى سُميت عمر ثم لم تذهب الأيام حتى سميت أمير المؤمنين، فاتق الله في الرعية واعلم أنه من خاف الوعيد قرب عليه البعيد ومن خاف الموت خشي الفوت" [21]، ومن المشاركة في الحياة العامة القيام بواجب الدعوة والتبليغ وهو واجب على المسلمين لقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [فصلت: 33] ، وقوله صلى الله عليه وسلم: بلغوا عني ولو آية[22]، ولقد فقهت أمهات المؤمنين نساء النبي رضوان الله عليهن هذا المعنى فبلّغن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثرت أم المؤمنين عائشة حتى صارت ثالث من حدث عن النبي.



• الجهاد في سبيل الله وهو من أعظم أنواع المشاركة في الحياة العامة، وهو واجب على المرأة المسلمة في حالة اغتصبت ديار المسلمين وتعرضت للخطر، قال العلماء يخرج إلى الجهاد الابن بدون إذن والديه والمرأة بغير إذن زوجها [23]، ولقد شاركت المرأة المسلمة في الجهاد الإسلامي في كل مراحله وأنواعه، ففي غزوة أحد " وقاتلت أم عمارة – نسيبة بنت كعب – فاعترضت لابن قمئة فضربها على عاتقها ضربة تركت جرحا أجوف، وضربت هي بن قمئة ضربات، وبقيت تقاتل حتى أصابها اثنا عشر جرحا" [24]، ولقد اشتركت في معركة اليمامة ضد مسيلمة الكذاب وقُطعت فيها ذراعها[25]، والسيدة صفية بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الأحزاب ضربت اليهودي الذي جاء يتجسس على حصن النساء بعامود فقتلته[26]، ومواقف المرأة المسلمة في الجهاد مع الجيش كثيرة لم تقتصر على التمريض والتطبيب والإمداد والتموين ولكنها تعدت ذلك إلى المشاركة في العمليات الحربية في مواقف عدة منها موقف خولة بنت الأزور، وأم حكيم بنت الحارث في اليرموك، وغزت أم حرام في أول غزوة للمسلمين في البحر.



• المشاركة في البيعة العامة وأمور السياسة والحكم، " في بيعة العقبة الثانية التي بايع فيها من الأنصار ثلاثة وسبعون رجلا، بايع فيها كذلك امرأتان من الأنصار هما نسيبة بنت كعب، وأسماء بنت عمرو بن عدي" [27]



• قيادة الحركة الفكرية والسياسية والثورية – إذا اقتضى الأمر – فأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تقوم بقيادة حركة المطالبة بالثأر لمقتل أمير المؤمنين عثمان بن عفان، وما تلا ذلك من أحداث أشهرها وقعة الجمل وما أنكر عليها تلك القيادة أحد من كبار الصحابة رضوان الله عليهم، " حتى يقول علي كرم الله وجهه بعد وقعة الجمل مثنيا عليها وقد جهزها للعودة إلى المدينة: يا أيها الناس صدقت والله وبرت وما كان بيني وبينها إلا ذلك – ما يكون بين الأحماء[28] – وإنها لزوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة" [29]، فلم تنعزل المرأة المسلمة الرائدة يوما عن الأحداث المحيطة، فلم تكتفِ أن تكون في بؤرة الحدث، ولكنها تعدت ذلك إلى توجيه الأحداث والتأثير فيها.



وهكذا وجدنا الإسلام يكلّف المرأة أن تشارك الرجل القيام بتكاليف بناء المجتمع المدنية منها والعسكرية، وأن ما يطالب به الآخرون على أنه حقوق أو ترف تسعى المرأة للحصول عليه، أوجبه الإسلام على المرأة لتشارك في بناء الدولة والمجتمع والحضارة الإنسانية مشاركة كاملة غير منقوصة، أما حقوق المرأة في الإسلام فهي شيء آخر يتعلق بحسن المعاملة والمعاشرة والإحسان إليها أُماً وأختا وزوجة وابنة وذات رحم، حق اختيار شريك الحياة – الزوج -، وحق الملكية الاقتصادية والذمة المالية المستقلة، والحجاب والحشمة الذي هو حق من حقوق المرأة كفله لها الشرع ضد المتاجرة في شرفها وجسدها.



المبحث السادس:

فلسفة الحجاب الإسلامي للمرأة، والحجاب فرض من فرائض الإسلام فرضه على المرأة ﴿ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ﴾ [النور: 31]، وأدب المؤمنين مع فرائض الدين أن يقولوا سمعنا وأطعنا، هكذا بلا مناقشة ولا بحث عن الحِكم والغايات، ولكننا لا نرى بأسا هنا من مناقشة فلسفة الحجاب تثبيتا للمؤمنين والمؤمنات ﴿ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ﴾ [البقرة: 260]، وردا على شبهات المبطلين والمتشككين بحيث يصبح لدراستنا صفة الحُجة، فمن فلسفة الحجاب:

• الحجاب فرض إلهي فرضه الله تبارك وتعالى ولم يفرضه الرجل على المرأة، وقد سبق القول أن التشريع كله لله وحده لا يشاركه فيه أحد من خلقه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم مُبلّغ عن ربه، وأن انصياع المرأة للحجاب هو انصياع وطاعة لأوامر الله وليس انصياعا لأوامر البشر.



• الحجاب الإسلامي للمرأة حماية للمرأة من الرجل، فهو حق شرعي يحفظ زينة المرأة في الوقت الذي يمثل قيدًا على أعين الرجال أن تتطلع إلى غير ما أحل الله لهم من زينة النساء، فالرجل بطبيعة شهوته وغرائزه يحب للمرأة التعري وعدم الستر ليعب من الملذات والشهوات، فيأتي حجاب المرأة المسلمة ليسلب الرجل هذا الحق في التمتع بزينة النساء إلا بضوابط شرعية معينة، ولذا قدم الله تبارك وتعالى أمره للرجال بغض البصر وحفظ الفرج عن أمره للنساء بالحجاب ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ [النور: 30].



• عدم مصادرة فطرة المرأة وحرية تزينها الفطري في إطار المحيط الاجتماعي الذي تحتاجه المرأة أو تحتك به عادة، أو تستطيع أن تقول حرية التزين لعالم المرأة الخاص يستثنى من ذلك فئة هم الرجال الأجانب الذين يحلون للزواج من تلك المرأة، أو المتطفلين الذين يتطفلون على مفاتن المرأة وزينتها، فلقد أباح الإسلام للمرأة إشباع فطرتها للتزين والجمال وإظهار ذلك لزوجها، ووالدها ووالد الزوج وأبنائها وأبناء الزوج، وإخوانها وأبناء إخوانها وأخواتها، والنساء المسلمات، والأطفال غير المميزين، فأصبح الاستثناء في الآية الكريمة يشمل كل عالم المرأة الخاص تقريبا، وأصبح الأصل في ستر الزينة والحجاب ممن لا يشكلون قيمة حقيقية في حياة المرأة الخاصة، في الشوارع والطرقات وغيرها من الأماكن العامة التي لا تربط المرأة بهم علاقة اجتماعية خاصة.



• الحجاب ينسجم مع فطرة المرأة المجبولة على الحياء والتستر، يقول تعالى واصفا طبيعة المرأة في قصة نبي الله موسى عليه السلام مع أهل مدين ﴿ فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ ﴾ [القصص: 25] ، حتى صار حياء المرأة قمة ومثل يضرب لصفة الحياء " فكان صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها "[30]، وهذا الحياء والستر مما يزيد المرأة غموضا ويجعل عالمها لذيذا في أعين الرجال.



• الحجاب تمييز للحرائر عن الإماء والجواري، حتى كان بعضهم ينهى الإماء من الخمار والجلباب حتى لا تتشبهن بالحرائر من النساء[31]، فهو رمز العفة والحرية.



• الحجاب حماية للمرأة من الإيذاء المادي والمعنوي ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 59].



• لا عقوبة دنيوية على ترك المرأة الحجاب، ليس على ترك الحجاب حد في الدنيا – وإن ترك الأمر لولي الأمر يضع التعزير المناسب لذلك -، لتبقى هذه الفريضة علاقة بين المرأة وربها يحاسبها عليها في الآخرة.



• الإسلام يصنع مناخا عاما من التربية الإيمانية والأخلاقية وغض البصر المتبادل وتقوى الله، هذا المناخ هو الذي يساعد مع الحجاب على وقاية المجتمع من الانحراف والرذيلة، ولذا اهتم الإسلام بالأخلاق والآداب العامة وسلوكيات الرجل والمرأة اهتمامه بالزي الشرعي الساتر للبدن.



لماذا لا يتحجب الرجل؟ وهل هذا يعد تمييزا بين الرجل والمرأة؟

أ- الرجل مأمور شرعا كما أمرت المرأة بحجب العورة وسترها، لكن عورة الرجل غير عورة المرأة، فالقضية ليست الستر ولكن القضية قضية نسبية العورة واختلافها بين الرجل والمرأة، يقول القرطبي: لا خلاف بين العلماء في وجوب ستر العورة [32].



ب- أصل الفتنة الناتجة عن جمال الشكل، والزينة أمر مرتبط بالنساء أكثر من الرجال، حتى يكاد يكون وقفا على المرأة، حتى إذا خيفت الفتنة على النساء من الرجال وجب غض بصر النساء عن الرجل مصدر الفتنة، وقد ورد عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أنه سمع امرأة تنشد:
هل من سبيل إلى خمر فأشربها
أم هل من سبيل إلى نصر بن حجاج



فقال عمر: أما في عهد عمر فلا، فلما أصبح استدعى نصر بن حجاج فوجده من أجمل الناس وجهاً، فأمره بحلق شعره فازداد جمالا، فنفاه إلى الشام[33]



ج- نهى الإسلام عموما عن كل ما يلفت النظر في اللباس ولو كان ذلك للرجال، فنهى عن لباس الشهرة، ونهى عن الخيلاء باستطالة الثياب إلى ما بعد الكعبين، وكره لبس ألوان محددة كونها لافتة للنظر، لقد اعتبر الإسلام اللباس وسيلة لستر العورة والزينة المقبولة في غير إسراف، لتبقى قيمة الإنسان بإنسانيته وتقواه لا بلباسه[34].



د- القوة البدنية والمادية للرجل أكبر من المرأة ولذا قد يستطيع الرجل قهر المرأة ماديا وإجبارها على ما تكره – إذا وُجدت الفتنة - بينما العكس غير وارد، ولذا أوجب الله عز وجل حماية المرأة بالتستر، ومن أجل هذا اتفق الفقهاء على أنه إذا أكرهت المرأة على الفاحشة فلا حد عليها ولم يخالف في ذلك أحد من أهل العلم، وإنما اختلفوا في وجوب الصداق لها [35]، فإذا أُكرهت المرأة سواء باغتصاب أو نحوه فيعاقب الجاني بالجلد أو الرجم، وهذا هو الحق المدني أو حق المجتمع، ويدفع لها تعويضا ماديا عما أصابها من ضرر [36]، فالمرأة تُعذر وتسقط عنها العقوبة بالإكراه، بينما الرجل لا عذر له ولا سقوط لحد الفاحشة، لأنه لا يعقل عقلا ولا عرفا أن يستكره الرجل استكراها ماديا لإتيان الفاحشة دون رغبة منه وشهوة، لذلك كانت حماية المرأة بالستر والحجاب أوجب من حماية الرجل بمثله.



المبحث السابع:

قوامة الرجل قاعدة عامة تقبل الاستثناء، وهذه القوامة لها واجبات وضوابط كما أنها تقوم على الشورى وحسن المعاشرة وتمنع الرجل من التعسف في استخدام هذا الحق.



• الشورى أساس العلاقة في كل شأن من شؤونها وخاصة بشأن الرضاعة: ﴿ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ﴾ [البقرة: 233] ، فمنع الله تبارك وتعالى أن ينفرد أي من الأب أو الأم بقرار الفطام قبل انقضاء الحولين، وأوجب عليهما التراضي والتشاور.



• لا تعسف في استخدام حق القوامة، وحُكم الرجل ليس مطلقاً، فليس للرجل أن يحمل زوجته على ما لا يُرضي الله، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وإن تعسف الرجل في حق زوجته، فلها أن تلجأ إلى حَكم من أهلها وحَكم من أهله للتحكيم والإصلاح بينهما، فإن لم ينتهِ الزوج فلها أن تلجأ إلى الوالي أو القاضي الشرعي، وهكذا فالزوج ليس الحاكم بأمره في البيت.



• القوامة لها شروط منها النفقة والعدل والإحسان، ورُجحان العقل، يقول تعالى في حسن المعاشرة ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19]، ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾ [البقرة: 229] ، وفي الإنفاق يقول تعالى: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾ [النساء: 34]، وينهى الله تعالى عن ظلم الرجل زوجته ﴿ وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ ﴾ [النساء: 19].



• ولي المرأة وهو من عصبتها الأب أو العم أو الأخ أو الجد أو من يقوم مقامهم من العصبة، لا يحق له أن يظلم المرأة أو أن يفرض عليها زواجا بغير إذنها ورضاها، ولا أن يظلمها فيمنعها الزوج الكفء إذا تقدم لها بغير عذر ﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 232]، فإذا منعها في هذه الحال كان من حقها أن ترفع أمرها إلى القاضي ليزوجها [37].



المبحث الثامن:

الطلاق في الإسلام والتخبط الغربي في المسألة.. لقد عاش الغرب قروناً طويلة يمنع الطلاق نهائياً، ثم لما أفاق من غفلته على المصائب والجرائم التي خلّفها هذا الجور في حق الأسرة وهي البنية الاجتماعية فلم يكن سبيل إلى انفصال الزوجين بإحسان، إلا بالقتل أو الهجر، وكانت هذه النظرة تعيب على الإسلام سماحه بالطلاق الذي هو فراق بالمعروف بضوابط وآداب، ثم لما أفاق على هول ما صنع منع الطلاق، أراد أن يبيحه بغير ضابط ولا رابط، يبيحه للرجل وللمرأة على المشاع، ويعود فيعيب على الإسلام أنه وضع الطلاق في يد الزوج وحده!، فكفى بهذا التخبط المتطرف من النقيض إلى النقيض إشعارا بأن تلك النظرة الغربية آذنة إلى زوال، لأنها لا تجد لها هاديا من تشريع رباني حكيم، أما الإسلام فقد أباح الطلاق لضرورة فقد رأى الأحناف والحنابلة: حظره إلا لحاجة [38]، وقد قيد الله تعالى الطلاق بضوابط كثيرة منها:

• الطلاق ليس حقا مرسلا في يد الرجل، ولكنه مقيد بالضرورة والعدد ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾ [البقرة: 229]، وقيد الطلاق بالضرورة فقال صلى الله عليه وسلم: أبغض الحلال إلى الله عز وجل الطلاق [39]، وقال: ما أحل الله شيئا أبغض إليه من الطلاق [40]، وقال: لعن الله كل ذوّاق مطلاق [41].



• حذر الإسلام الرجل من أن يتلاعب بشرع الله بخصوص النساء فيمسكها ضرارا، أو أن يعتدي عليها بالظلم، وتوعد من يفعل ذلك بأنه قد ظلم نفسه ﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا ﴾ [البقرة: 231].



• حث الإسلام على المعروف والإحسان سواء في امتداد الحياة الزوجية أو فصمها بالطلاق، ولقد أكد في آيات الطلاق على ذلك، وأمرهم بعدم نسيان الفضل بينهم، ﴿ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ﴾ [البقرة: 237]، وختم الآيات بالتذكير بتقوى الله، فالتشريع الإسلامي قائم على صلاح النفوس ومراقبتها في كافة المعاملات لله تعالى، وللحاكم أن يأخذ من هدي القرآن نبراسا فيضع من القوانين التنظيمية بما يتفق عليه أهل العلم بما يحقق أمن الأسرة وحمايتها من العبث والفسوق.



• كما وضع الله الطلاق في يد الرجل مقيدا فقد أوجب عليه النفقة.



• هناك حالات نقل فيها الله تعالى حق الطلاق إلى القاضي لعدم النفقة أو للضرر أو لغيبة الرجل بلا عذر أو حبسه [42]



• الخلع حل بيد المرأة إذا تعذرت العشرة واستحال استمرار الحياة الزوجية ورفض الرجل الطلاق وكانت الكراهية من جهة المرأة , فقد أباح لها الإسلام أن تتخلص من الزوجية بطريق الخلع بأن تعطي الزوج ما كانت أخذته منه باسم الزوجية لينهي علاقته بها [43]،وذلك لقوله تعالى ﴿ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ﴾ [البقرة: 229]، جاءت امرأة ثابت بن قيس بن شماس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله: ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: أتردين عليه حديقته؟، قالت: نعم، فقال رسول الله: اقبل الحديقة وطلقها تطليقة [44]، وعرّف الفقهاء الخلع بأنه فراق الرجل زوجته ببدل يحصل له [45]



المبحث التاسع:

تعدد الزوجات وعظمة التشريع الإسلامي في حفظ حقوق المرأة والمجتمع، لقد عاش الغرب واحدة من أكبر مشكلاته كإفراز طبيعي من إفرازات الحضارة الحديثة التي تعتمد على المادة وحدها ولا تجد من دون الإنسان بعقله القاصر هاديا لها من وحي أو عون من الله تعالى، فأثناء الحرب العالمية الأولى فقدت أوربا مئات الألوف من شبابها ورجالها، ووجدت المرأة نفسها وحيدة في مجتمع مادي تسحقها الحاجة وتعصف بها المتطلبات المادية للحياة، فاضطرت للخروج لعمل هي في الواقع غير مؤهلة له علميا ومهنيا فلم تجد من الأعمال سوى الدونية منها، ولم تجد من الأجور سوى الحدود الدنيا باعتبارها امرأة أولا وباعتبارها غير مؤهلة ثانيا، وعانت المرأة في سبيل استخلاص بعض حقوقها الضرورية وحاجات أبنائها الماسة، ما عانت، فلما وضعت الحرب أوزارها، كانت المرارة قد أخذت من المرأة كل مأخذ فانطلقت الحركة العالمية لتحرير المرأة ومساواتها بالرجل كرد فعل عنيف غير منضبط، وما زالت المرأة الغربية تصارع لاهثة من أجل تحصيل تلك الحقوق التي كفلها الإسلام للمرأة المسلمة دون جهد منها ولا كف
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
مدخل إلى فهم مكانة المرأة في الإسلام
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  مكانة المرأة في الإسلام
»  مكانة الأخلاق.. في الإسلام
» مكانة الصلاة في الإسلام
»  بحث عن مكانة المرأة فى المسيحية
» مدخل لمزايا الأخلاق في الإسلام

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ Known to the islam ۩✖ :: شبهـات حــول الاسـلام-
انتقل الى: