سلسلة مغبة أكل الحرام (
المخدرات
في إطار حديثنا عن مظاهر أكل أموال الناس بالباطل، وضمن سلسلة "مغبة أكل الحرام"، عرفنا في الجمعة ما قبل الماضية موضوع: "تَأَكُّلِ الأقلام المرتابة بسبب كرام الصحابة"، وتبين لنا كيف تُسخِّر بعض الجرائد والمجلات أقلام بعض كتابها المأجورين، من أجل الطعن على رموز المسلمين، من الصحابة الكرام، والتابعين الأخيار، والعلماء الأبرار، زرعا للفتنة بين المسلمين الآمنين، وإثارة للبلبلة والشكوك في تاريخهم، ومصادر تدينهم، مما يجعل الأموال التي يجنونها من هذا السب والشتم أموال حرام، اكتسبوها بطرق غير شرعية، ستمسهم مغبتها في الدنيا ويوم القيامة، ﴿ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ﴾ [الأنفال: 36].
وها نحن اليوم مع آفة أخرى من آفات تحصيل المال الحرام، غزت الأحياء والأزقة، وتسربت إلى المدارس والجامعات. آفة سوقها قائمة، وتجارتها في إفساد العقول والنفوس رائجة. آفة جمعت من المضار أشدها، ولملمت من المخاطر أعظمها. آفة ما حلت بأرض إلا وحدقت بها الأخطار، ولا أناخت بباب قوم إلا وكانت علة الخراب والدمار. كم شجارٍ وقع بسببها؟ وكم عرضٍ هتك من جرائها؟ وكم مالٍ سرق في سبيل الحصول عليها؟ وكم روح أزهقت لما دارت برؤوس أصحابها؟
إنها المخدرات، التي يبدأ صاحبها بالتدخين، الذي ابتلي به أزيد من 40% من سكان العالم. المخدرات التي تجعل صاحبها بلا عقل يفكر، ولا وعي يميز، ولا قلب يلين ويرحم. المخدرات التي تمنع صاحبها من أعظم قيم الإسلام، فَيُحْرَم الصدق، والأمانة، والوفاء، والإخلاص، والتعاون على البر، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. المخدرات التي ثبت أنها من أعظم أسباب الطلاق، والتفكك الأسري، ومن أشد أسباب الأمراض السرطانية والعصبية وضعف القوة.
فلا غرابة أن يكون هذا السلاح الفتاك محط نظر الصهيونية العالمية لإفساد البشرية، حتى قالوا: "لا بد أن نشغل غيرنا بألوان خلابة من الملاهي، والألعاب، والمنتديات العامة، والفنون، والجنس، والمخدرات، لنلهيهم عن مخالفتنا، أو التعرض لمخططاتنا".
ولهذا اتفقت دول العالم على جعل يوم 26 يونيو يوما عالميا لمكافحة المخدرات، استشعارا لخطورة هذا الأمر. كما أنشأت الأمم المتحدة مكتبا، يسمى "مكتب الأمم المتحدة لمحاربة المخدرات والجريمة". غير أن تسطير القوانين وحده لا ينفع، ما لم يُصحب بإرادة قوية وصادقة في التغيير.
ففي يوم الأربعاء من الأسبوع الماضي، أتلفت مصالح المديرية الجهوية للجمارك والضرائب غير المباشرة بمراكش ما يقارب طنين من المخدرات من مختلف الأصناف، تم حجزها ما بين شهر مارس الماضي و16 يونيو. كما ضبطت المصالح الأمنية بمدينة صغيرة قريبة منا، خلال الثلاثة أشهر الأولى من السنة الجارية، 142 قضية بيع واستهلاك للمخدرات بالمدينة، تورط فيها 75 شخصا أحيلوا على العدالة. والوقائع من هذا الصنف كثيرة.
أما في الخارج، فإن التجارة العالمية في المخدرات، تجاوزت 800 مليار دولار سنوياً، أي: أزيد من 8% من حجم التجارة العالمية، محتلة بذلك المرتبة الثالثة في العالم بعد تجارة السلاح والدواء، ومتفوقة على تجارة النفط.
أما عدد متعاطي المخدرات في العالم، فتقترب من 300 مليون شخص. ويقدر بأن 10% من مرضى "السيدا/الإيدز"، هم ممن يتعاطون المخدرات عن طريق الحقن في الوريد.
وأحصي في أمريكا أزيد من 25 ألف حالة انتحار وقتل، بسبب الكحول، لأن 10% من سكان هذه الدولة يتعاطون نوعاً من المخدرات.
وفي روسيا يوجد أزيد من أربعين مليون شخص مدمنين على شرب الكحول، ويشربون نوعا منه يوميا.
وفي بريطانيا، تجاوزت تكاليف مكافحة المخدرات 20 مليار جنيه استرليني، وهو مبلغ يتجاوز ميزانية التعليم والدفاع، لأن 75% من مختلف الجرائم هناك لها علاقة بالمخدرات.
وفي فرنسا يوجد خمارة لكل 67 شخصا، و10% من سكانها يتعايشون من إنتاج المشروبات الكحولية وتسويقها؟ فهل نصدق أن الغرب يمكن أن يعلمنا الأخلاق والآداب، وقد دمرت فيه المخدرات أواصر الأخلاق والآداب؟.
وإنه لمن المؤسف جدًّا، أن نعلم أن هناك 100 مليون طفل في العالم يعيشون فقراء مشردين، ترجح منظمة الصحة العالمية أن معظمهم يستعملون المخدرات، للتأقلم مع حياة التشرد والأوضاع النفسية القاسية التي يعيشونها. فعلى من تقع مسؤولية هؤلاء، والمخدرات تباع في كل مكان؟.
ويزداد أسفك حين تعلم أن أزيد من 70% من أربعة أنواع مشهورة من المخدرات المضبوطة في أوربا هي من أصل شرق أدنى وأوسط، أي إن الدول الإسلامية والعربية تعتبر أكبر مصدر لهذا الخبث المهلك. فلا ضير أن يكون ثلث الذين يموتون بسبب التدخين، في الدول النامية، والنسبة مرشحة لتصل 70% بعد ثلاثين سنة، حين يكون عدد الأموات بسبب التدخين أكثر من 10 ملايين سنويا.
وأفضل قَسْمِ الله للمرء عقله
وليس من الخيرات شيء يقاربه
ويزري به في الناس قلة عقله
وإن كرمت أعراقه ومناسبه
الخطبة الثانية
لقد اعترف بعض تجار المخدرات في بعض البلاد الإسلامية، أن طلبة الكليات ومدارس الثانويات، يشكلون ثلث زبائنهم، ومن هؤلاء الطلبة من ارتقى به الحال إلى أن صار من مروجي المخدرات.
وحتى يستفيق الآباء والأمهات، الذين ينشغلون عن تربية أبنائهم بمشاغل الدُّنيا، فإن عليهم أن يعلموا أن واحداً من كل أربعة فتيان بين الحادية عشرة والسادسة عشرة، تعاطوا - ولو على سبيل التجربة - للمخدرات، أو الكحول، أو المنشطات، أو الدخان.
يقول أحد الطلبة: "إن مروجي المخدرات هم الطلبة أنفسهم، يَنصبون فخا للطلبة الجدد، فيقدمون لهم حبوب هلوسة بالمجان، لجرهم إلى عالم الإدمان، ليشتروها بعد ذلك بأثمان باهظة، حتى اضطر أحدهم إلى سرقة السيارات وبيعها لهم، مقابل جُرَع من هذا السم القاتل".
واعترف أحدهم بقوله: "إنني خسرت دراستي الجامعية، وضيعت ثروتي على المخدرات، كما تحولتُ إلى سارق حين مددت يدي إلى متاع والدتي ذات يوم".
ولم يقتصر الأمر على الذكور، بل شمل الإناث أيضا، وبشكل خطير، فهذه طالبة جامعية تعترف في عيادة طبيبها بأن 25 من زميلاتها يتعاطين حبوبا مخدرة أو مهلوسة. وتقول الأخرى بأنها أدمنت على الحبوب المهلوسة بعد أن غررت بها إحدى رفيقات السوء، فقدمت لها حبوبا مخدرة، مدعية أنها حبوب طبية لمعالجة آلام الرأس.
فعجبا لمن يقتل نفسه عبر الموت البطيء الذي تسببه المخدرات، والله تعالى يقول: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴾ [النساء: 29- 30].
فالمخدرات إما مهدئات تؤدي إلى الإصابة بالصرع، وأمراض الكبد، والآلام، وإما مهيجات تؤدي إلى إصابات الدماغ المختلفة، وأمراض القلب، وإما مهلوسات تؤدي إلى الشلل والارتعاش، أما الحقن، فتقود صاحبها إلى مرض فقدان المناعة (السيدا/الإيدز).
وقد اتفق العقلاء على أن المخدرات كلها سم قاتل قتلا بطيئا، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "من تحسى سما فقتل نفسه، فسمه في يده يتحساه في نار جهنم، خالدا مخلدا فيها أبدا"؛ متفق عليه.
ويقول صلى الله عليه وسلم: "أنهى عن كل مسكر"؛ صحيح الجامع.
فالقطران الذي يستقبله جسم المدخن من السيجارة المحترقة، هو عذاب أعده الله تعالى للمجرمين يوم القيامة، قال تعالى: ﴿ سَرَابِيلُهُمْ (أقمصتهم) مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ ﴾ [إبراهيم: 50].
سيجارة في فم والنار داخلَها
تجر للقلب نيرانا ودخانا
وكم طبيب نهى عنها السقيمَ فلم
يزل مصرا فَذَاقَ الموتَ ألوانا