السؤالالسلام عليكم.أنا
فتاةٌ قاربَت العِشرين، تَعرَّضتُ في صِغري لاعتداءٍ جِنسيٍّ وأنا في
الصفِّ الأوَّل الابتدائي تقريبًا، ثم تَعرُّضت للتحرُّشِ مِن قِبَل أختي
المراهقة التي تَكبُرني ببِضع سَنواتٍ، وقتَها كنتُ قد تجاوزتُ العاشرةَ
مِن عُمري، واستمرَّ الأمرُ مُدَّة لا أذكُرها، ولم أكُن أُعارضها أبدًا،
حتى امتنعتْ عنِ ارْتِكاب هذا الفِعل بي بعدَ التزامِها، ثم تزوَّجَتْ.بعدَ
ذلك بدأتْ تَجتاحني مشاعرُ لا أعرِف لها معنًى، حتى وصلتُ سِنَّ 16 سنة،
حينَها بدأتْ معاناتي مع العادة السريَّة التي مارستُها ولم أكُنْ أعرِف ما
هذا الشيء الذي أفْعَلُه؟ إلاَّ أنَّها كانتْ تُريحني مِن تلك المشاعِر
الغريبة! حتى عَرَفتُها بعدَ ذلك وعرَفتُ أنَّها حرامٌ، جاهدتُ نفْسي أن
أبتعدَ عنها، لكن كنتُ أضْعُف كثيرًا وأعود لها، وقَبل فترة بُليتُ بقراءة
القِصص الجنسيَّة!أنا
أعلمُ أنَّ ما أفعله حرام، وكنتُ أجاهِد نفسي كثيرًا في تَرْك هذا، ولكن
الشيطان يُسوِّل لي فأعود، أشعُر بحقارةِ نَفْسي حين يَراني الناس كأنِّي
مَلاك، ويظلُّون يَمدَحون أخلاقي والْتِزامي وأنا مِن ورائهم شيطانة،
سَتَرني ربِّي كثيرًا، ولكنِّي تماديتُ في عِصياني، حتى حدَث ما لم أكن
أتوقَّعه؛ كنت أتصفَّح (الإنترنت) مِن جوَّالي في اللَّيلِ، وأخذتُ أتنقَّل
بيْن الرِّوايات والقِصص المثيرة، وأثناء ذلك غلبَني النومُ والجوَّال في
يدي مفتوح على إحدى الرِّوايات الساقِطة، ولم أصحُ إلا على نِداء أُختي،
صُدمتُ حين استيقظتُ؛ أخشَى أن تكونَ أختي أمسكتْ بالجوَّال أثناء نَوْمي،
لا أدري ماذا أفعل؟ شعرتُ بنظراتٍ غريبة مِن أختي حين استيقظتُ.أرجوكم أخْبِروني ماذا أفعل، وكيف أتصرَّف؟أنا لا أَعلم إنْ كانتْ شاهدتْ أو لا؟واللهِ لقدْ تُبتُ، وأنا نادمةٌ كثيرًا على ما فعلتُ، وأرجو مِن الله أن يُسامِحني، ولكن كيف أتصرَّف مع أختي؟ أرْجوكم أرشدوني. الجوابأختي الحبيبة، السلام عليكم ورحمة الله.أهلاً ومرحبًا بكِ على صفحاتِ هذا الموقع الطيِّب (الألوكة)، أسأل الله لك الحفظَ والصون. ما سَبَق ممَّا حصَل في صِغرك
نوعٌ مِن الابتلاء، والابتلاءُ سُنَّة الله في خلْقه، ويُبتلى المرءُ على
قَدر دِينه، كما في الحديث؛ يقول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أشدُّ
الناسِ بلاءً الأنبياء، ثم الأمْثَل فالأمْثَل، ويُبتلَى المرءُ على قَدْر
دينه))؛ صحَّحه الترمذي.
وفي حياة كلِّ البشر ابتلاءات
مختلفة، وذِكريات سيِّئة، وماضٍ لا يُحبُّون استرجاعَه بعدَ أن تجاوزوه
وصاروا أكثرَ نُضجًا ووعيًا، والله يعفو ويَصفح، فكيف وقدْ حصَل هذا وأنت
صغيرة جاهِلة؟! عن رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما يُصيب
المسلمَ مِن نَصَبٍ ولا وَصَبٍ، ولا هَمٍّ ولا حزن، ولا أذًى ولا غمٍّ، حتى
الشوكة يُشاكها، إلاَّ كَفَّر الله بها مِن خطاياه))؛ متفق عليه.
لكنَّكِ اليومَ مُحاسَبة على
فِعلك بعدَ إدراكك كُنهَه ووعيِكِ، راقبي الله في السرِّ والعَلن؛ فهو
يراك، وهو مُطَّلع على أسرارِك ولو أخفيتِ عن كلِّ البشرية، وهو الذي يعفو
ويَصْفَح بعدَ التوبة الصادِقة، ومِن شُروط التوبة: العَزْم، والإقلاع عن
الذنبِ، والنَّدَم على ما صَدَر منك. والنَّفْسُ الزكيَّة التي تتطلَّع
للسموِّ، تمتنع عنِ العملِ القبيح، حتى بيْنها وبيْن ذاتها؛ خوفًا من الله
المطَّلع على السرائرِ، وتقديرًا للذات الإنسانية واحترامًا لها.
(لا يَتفاضَل الناسُ في مراقِي
الشَّرَف والمجْد، ولا تنزل الهِممُ وتسقط التطلعاتُ، إلاَّ بمقدار ما
تَتمتَّع به النفوسُ مِن ضبط السلوك وقوَّة الإرادات)، وإنَّ قِيمةَ المرء:
إيمانُه بربِّه، وصِدقه في مُراقبته، وميزانَه: نزاهَته وسُمعته،
وشَرَفَه: في طهارةِ عِرْضه وبياض صفْحَتِه، وبُعدِه عن كلِّ ساقطٍ مِن
الفِعال وخبيثٍ مِن الخِلال.
وقدْ وضَع الله في النَّفْس
البشريَّة شهواتٍ ورغباتٍ، لكنَّه هذَّبها بالتقوى، وضبَطها وَفْقَ منهجٍ
معيَّن، وحدَّدها بإطار؛ فشهوةُ الجِنس هذَّبها، فأمَر بغضِّ البصرِ
بدايةً، والتفريق بين الإخوة في المضاجِع، وضَبطها بالتَّقْوى، وحدَّدها
بالزواج، فانتظري واسألي الله الزوجَ الصالِح الذي يُعفُّ قَلْبَك وبدنَك،
وسَيرزُقك الله به حينَ تكونين مؤهَّلةً لذلك، وكلَّما جاءَكِ هذا الهاجسُ
ورُحتِ تبحثين عن إشباعٍ ذاتيٍّ أوِ استثارة، تذكَّري أنَّ مَن ترَك شيئًا
لله عوَّضَه الله خيرًا منه.
تَذكَّري: ((احفظِ الله
يَحفظْك، احفظِ الله تَجِدْه تُجاهَك..))، كما في الحديثِ عن رسولِ الله -
صلَّى الله عليه وسلَّم - ومِن حِفظِ الله تقواه ومُراقبتُه في السرِّ
والعَلن؛ إذا حَفظت الله حَفِظَك، وأسْبَغ عليك نِعمَه الظاهِرة والباطِنة،
وحماك مِن شرِّ نفْسِك الأمَّارة بالسُّوءِ، وعَصَمك مِن المنكرات، وحال
بيْنك وبيْن معصيتِه.
وقد قيل:
إِذَا مَا خَلَوْتَ الدَّهْرَ يَوْمًا فَلاَ تَقُلْ خَلَوْتُ وَلَكِنْ قُلْ عَلَيَّ رَقِيبُ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اليَوْمَ أَسْرَعُ ذَاهِبٍ وَأَنَّ غَدًا لِلنَّاظِرِينَ قَرِيبُ
|
ابدئي اليومَ حبيبتي، بدايةً
جديدةً خاليةً مِن الشوائب، وعاهدي نفسَكِ على ذلك، ولا تَتحدَّثي إلى
أُختِكِ في هذا الموضوع، فربَّما لم ترَ شيئًا، وإنْ رأت فخِصالك الآن خيرُ
شاهدٍ على حُسن تصرُّفك وخُلُقك السَّويّ.
اشْغَلي وقتَكِ بالمفيد
النافِع، وبذِكْر الله وقِراءة القرآن، اقرئي القصصَ التي تُنمِّي ذاتَكِ
وتَزيد إيمانَكِ، تَعرَّفي على صُحبةٍ خَيِّرة مِن بنات أو معلِّمات
طيِّبات ذواتِ دِين وخُلُق.
أسأل الله أن يُغنيَكِ بحلالِه عن حرامِه، وأن يُعينَكِ ويُلهمكِ الصوابَ.