السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تحيَّة طيِّبة, وبعد:
فأنا
متزوِّجة منذ 13 سنة، ومنذ أوَّل سنة عانَيتُ أنواعَ العذاب من زوجي، فهو
قاسٍ وبلا أخلاقٍ، ولا أجد منه ومن أهله سوى الضرب والإهانات، وأنا صبور
جدًّا، وقد تربَّيتُ على الأخلاق الطيِّبة، فلا أردُّ ولا أشتمُ، ولا
أُقابل السيِّئة بالسيِّئة، ودائمًا أحْتسِب أجري عند الله.
وبعد
مرور سنة من زواجنا، عَمِل زوجي بوظيفةٍ، ودخَل عالم النت، وبَدأَ في
خيانتي؛ ليس مع امرأة ولا اثنتين، بل مع العشرات والعشرات، فكان يكذب
عليهنَّ ويُوهِمُهنَّ بالزواج لأغراضه الجنسيَّة، وكان يُنفق عليهنَّ
أموالاً طائلة، ويَحرمني من كلِّ شيء.
أصبَح
لَدَي خمسة أبناء ولَم يتغيَّر، كثيرًا ما يُقسم بالمصحف أنه سيتغيَّر،
ولا يتغيَّر، يَخونني خيانات مُخجلة ومُفجعة تُوقف القلب، فهو يُصَوِّر
علاقاته الجنسيَّة، ويَحتفظ بها.
يُؤلِمني قلبي بشدَّة، ولا أجد مَن أشتكي إليه سوى الله.
يَضربني ضربًا مُميتًا ويُهينني، ويتلفَّظ عليّ بألفاظٍ مُخجلة، ويضربني أمام أبنائي ويَشتمني.
أصبَحت لا أحتملُ وجودَه في البيت، ويَرفض أن يُطلقني.
تَعِبت من التحمُّل ثلاث عشرة سنة، وها نحن ندخل في السنة الرابعة عشر.
أفيدوني جزاكم الله خيرَ الجزاء.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
يقول - عز وجل - في كتابه العزيز: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [النساء: 19].
"وهذا يشمل المعاشرة القوليَّة
والفعليَّة، فعلى الزوج أن يُعاشر زوجته بالمعروف؛ من الصُّحبة الجميلة،
وكفِّ الأذى وبَذْل الإحسان، وحُسن المعاملة، ويدخل في ذلك النفقة والكُسوة
ونحوهما، فيَجب على الزوج لزوجه المعروفُ من مثله لمثْلها في ذلك الزمان
والمكان". اهـ؛ "تفسير السعدي".
وليس مما ذَكرتِ من المعاشرة
بالمعروف شيئًا, ولكِ الحقُّ في طلب الطلاق؛ لِما تتعرَّضين له من أذًى
نفسي وجسدي قلَّ أن تَحتمله امرأة, وقد روى ثوبان - رضي الله عنه - أن رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أيُّما امرأةٍ سأَلت زوجها الطلاق في
غير ما بأسٍ، فحرامٌ عليها ريحُ الجنة)), والبأس: الشِّدَّة، وأن تتعرَّض
المرأة لِما يُلجئها لطلب الطلاق؛ كسوء العشرة, وقُبْح خُلق الزوج, وضَعْف
دينه, وأن تَخشى على نفسها ودينها معه.
ولا أظنُّ أنَّ أكثر من ثلاثة
عشر عامًا من العلاقات المحرَّمة، يُرجى علاجُ صاحبها واستقامته, خصوصًا
أنها على أقبح وأبشع ما يكون؛ مما لا يدلُّ على حياءٍ يُعين على الرجوع
وحدوث الإفاقة من تلك الغَفلة الطويلة, لكن مَهْما بدا لنا صعوبة أو
استحالة هداية العبد، لا يَجزم بذلك أحدٌ؛ إذ تبقى القلوب بيد خالقها
ومُصَرِّفها ومالكها - عز وجل - يقول الله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [النور: 46],
ويقول تعالى: ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [القصص: 56].
فيبقى أمرُ هدايته بيد خالقه
وحْده, لا بيدك, ولا بيد مستشارٍ تَسألينه, ولا بيد قريبٍ تَستفتينه, وما
عليكِ إلاَّ أن تَلزمي الدعاء وتُحْسني اللجوءَ إلى الله، وتُكثري من طَرْق
الباب؛ فهذه حياتكِ وحياة أبنائكِ معكِ، وقد فقَدوا القدوة، وعُدِموا
المُرشد؛ لهذا أنصحكِ بكثرة الدعاء أن يُصلحه الله، فلا أقبحَ في عيني
الأبناء من أبٍ لا يَخجل مما تَخجل منه الأنعام!
وفي الدعاء رحمةٌ وسكينة
يَستشعرها قلب المُبتلَى، فيطمئنُّ ويرتاح, فمهما تكالَبَتْ عليكِ الهموم
وحاصَركِ الكَدر، وغلَبكِ الهمُّ - فاللجوء إلى الله يَغسل ذلك كلَّه في
دمعة شكوى تَسكبينها بين يديه - عز وجل - اقتداءً بنبي الله يعقوب - عليه
السلام -: ﴿ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ ﴾ [يوسف: 86].
ولَم يردَّه الله خائبًا مخذولاً حين صدَق في لُجوئه، وأحسَن الظنَّ بربِّه, رغم ما مرَّ به من عظيم كربٍ وشديد هَمٍّ وغَمٍّ.
عليكِ مع ذلك أن تَجلسي مع نفسك جِلسةَ مصارحة بذهنٍ صافٍ، وتُدَقِّقي النظر في حالكِ:
هو يرفض أن يُطلِّق, لكن أنتِ فعلاً راغبة في الطلاق, أم أنَّكِ متردِّدة؛ فأحيانًا تَرغبين فيه، وأحيانًا تُؤثرين الصبر؟
إن كانت الأولى،
فلا يَقدر أن يَمنعكِ حقَّكِ في الطلاق أحدٌ, ولكِ أن تَرفعي أمركِ إلى
القضاء, وبإمكانكِ أن تَجعلي الشكوى من شديد ضرْبه وتَكرار اعتدائه البدني
عليكِ، إن لَم تَرغبي في فضْحه أمام الناس, وسيُعطيكِ القاضي حُكمًا
بالخُلع، أو يُطالبه بتطليقكِ, ولعلَّ في مثل هذه الخُطوة زاجرًا قويًّا
له, ولعلَّه أن يُفيق من غَفلته، ويَنهض من رَقدته.
وإن كانت الثانية، فانت