السؤالبسم الله الرحمن الرحيم
أرجو مساعدتكم في حل مشكلتي.أنا
فتاة مخطوبة لقريبٍ لي من عدة سنوات! وكنتُ في بداية الأمر غير موافقة
عليه، لكني استخرتُ الله تعالى، ووافقتُ، خاصة بعد موافقة أهلي عليه.علمتُ
بعد ذلك أنَّ خطيبي لا يُصلِّي، فصُعقتُ بالخبر، وكم كنتُ أتمنى أن
أتزوَّج رجلًا مُتدينًا صالحًا، أنَّبْتُه بشدة، وطلبتُ منه الاهتمام
بالصَّلاة، حتى هداه الله وبدأ يُصلِّي.علمتُ
بعد ذلك أنه يدخِّن، وذلك بعد أن رأيتُ صورًا له على الإنترنت وهو يدخن
فيها، حقيقة لا أقتنع بصفاته الحسَنة الموجودة فيه، فهو غير مُلتزِم،
ومُراوغ، وأحس أنه خبيثٌ؛ لأنه جعلني أعيش في وهْمٍ كل هذه السنوات!قمت
بإنشاء حساب على الإنترنت باسم (ذكر)، وعلمتُ من خلاله أن له صديقات على
(الفيس بوك)، يتودَّد إليهنَّ، ويعاكسهن، وينظر في جمالهنَّ، وله صديقة
خاصَّة به لها مكانة خاصة في قلبه، وينعتها بـ(صغيرتي) ويحبها!أنا الآن في حيرةٍ وضيقٍ وهمٍّ لا يعلمه إلا الله, فلم أكنْ أتصور أني طيلة هذه السنوات أنتظره وأخلص له وهو يخونني.أمامي الآن ثلاثة خيارات:الأول: أن أُظهر عدم اهتمامي بالأمر، وأحاول نسيان كل شيء، لكني في الحقيقة لا أعتقد أنه الحل الجيد، على الأقل على نفسيتي.والثاني:
أن أفسخ الخطوبة فورًا، وهذا القرارُ ستكون له عواقب وخيمة عليَّ، إذ
تخطيتُ سن العشرين من عمري، وأغلب قريناتي وصديقاتي تزوجن، وأخاف العنوسة،
كما أخاف توتر العلاقة بين الأسرتين - أهلي وأهل خطيبي.لذا فهذا الخيار هو الأصعب بالنسبة إليَّ، وأرجو ألا تشيروا عليَّ به؛ إلا إذا كنتم ترون أنه الأفضل والأحفظ لي ولديني.والثالث:
هو المصارحة، وحسم الأمر، فأسأله عن تلك الفتاة، وأتحدث معه عن هذا الأمر،
وأقرأ من خلال إجاباته, وأحس أن هذا الحل هو الحل الأمثل لمشكلتي.كثيرًا ما أبحث له عنْ أعذار، ولكن لا أجد له عذرًا، إلا أنه تعرض لمشكلات كثيرة في حياته، وصاحب أصدقاء سيئين، جعلوا أخلاقه كذلك. وفي الختام أرجو منكم الاهتمام بحلِّ مشكلتي، وبذْل كلِّ ما في وسْعِكم لإفادتي مشكورين مأجورين - إن شاء الله. الجوابغير منتظم في صلاته, مُراوغ, غير مُلتزم, له صديقات على مواقع التواصل الاجتماعي, يحبُّ إحداهن أكثر من البقية، ويناديها بـ"صغيرتي"!
في الحقيقة لقد شعرتُ ببالغ
الاشمئزاز والتقزز من هذه الصفات التي لا تحتاج للبحث عن المزيد من المساوئ
لتقرير الانفصال, أو بمعنى أصح النجاة من هذا الزواج!
على كل حال فقد اتبعتِ السلوك الأمثل للتفكير العملي والعلمي لحل مشكلتكِ، والآن علينا أن نناقش كل حل تفضلتِ بطرحه على حدة:الحل الأول: تجاهل الأمر كله، وإتمام الزواج على أية حال:لا يجدر بعاقلة أن ترمي بنفسها
في بحور المعصية، وتتجاهل أمورًا عظيمة، تعلم أنها قد تجبرها يومًا على
الفراق، حينما يكون لديها ضحايا يشاركونها نتائج سوء اختيارها، ويقاسمونها
لهيب ندمها, بلا ذنب ارتكبوه, ولا جرم اقترفوه.
ففي جميع الأحوال لا أوافقكِ
على هذا الحل، ولا أؤيده، ولو أدى إلى سوء العلاقات بين الأسرتين، وتدهور
التعامل بين الأختين, والأجدر بكل والدة تحرص على ابنتها وتتحرى رضا ربها،
ألا تجعل سخط أو رضا أحد من المخلوقين فوق رضا الله, ولو كانت والدتها أو
أختها أو غيرها من القريبات.
الحل الثاني: فسخ الخطبة على الفور:لا أخفي عليكِ أني لو كنت
مكانكِ لما ترددتُ لحظة في هذا, لكنكِ تمنيتِ ألا أشير عليكِ بهذا الرأي!
والشخصيات تختلف في تقدير الأمور وترتيب الأولويات، وتقدير حجم الخسائر
ووجهات النظَر العامَّة, فلا حيلة لي إذًا إلا أن أنصحكِ بإرجاء هذا الرأي،
وتأخيره إلى حين التيقن مِن أنه لا بد لكِ منه، ولا وسيلة لحسن التصرف
غيره.
وأود فقط أن ألفتَ انتباهكِ إلى
أن عمركِ ولله الحمد ما زال صغيرًا، لا ينذر بقدوم شبح العنوسة الذي
تخافينه إلى هذا الحد, وإن كانتْ قريناتكِ أو مثيلاتكِ قد تزوجن فلا يعني
هذا تأخركِ أنت، وإنما قد تسير بعضُ العائلات على منوالٍ محددٍ من العادات
والتقاليد، قلَّ أن تحيدَ عنها؛ ففي بعض العائلات التي أعرفها كانت الأم
تتحسر على ابنتها التي ستكمل عامها الثامن عشر ولم تتزوج بعدُ! في حين كانت
بعض قريبات العروس يبكين على صغر سنها وكيف استعجل وليها وسارع بتزويجها،
ويرددن وهن سائرات خلفها في العرس: مسكينة! تزوجتْ وهي ما زالت في الخامسة
والعشرين من عمرها!
فأرجو ألا تلتفتي لذلك، وألا تضعيه في ذهنكِ؛ فيصيبكِ وسواس الخوف الذي يُجبر بعض الفتيات على قبول أي طارق مهما كان خلقه وخِلقته.
كما أنَّ محبتنا لأهلنا وخوفنا
على العلاقة بينهم وبين سائر أقاربنا أمر محمود، إلَّا أن يزيد عن حده؛
فيصبح هاجسًا يقض مضاجعنا، ويقلق راحتنا, فكيف لو زاد وطغى على حقوقنا،
وأجبرنا على السير في اتجاهٍ لا نقبله، وطريق لا نرضاه؟
لا يعيبكِ أن تجعلي النظر في
مصلحتكِ الشخصية مقدمًا على مصالح غيركِ من الأهل, هذا لو لم يتعلق الأمر
بالدين, أما لو كانتْ له علاقة بالدين، فيصير واجبًا عليك أن تقدمي الصالح
لدينكِ على ما سواه، وحينها لا يُعد الأمر مجرد وجهة نظر!
الحل الثالث: المواجَهة والمصارحة واستيضاح حاله وشخصيته مِن خلال ما يجيب به:في الحقيقة أستبعد أن تتحقق لكِ
الفائدة المرجوة من خلال المصارحة، أو أن تقفي على ما يعينكِ على اتخاذ
القرار السليم, وأخشى أن يجرفكِ بأسلوبه الذي جرف إليه الكثير من الصديقات,
وحببه إلى بعض الفتيات، وأن يجعلكِ واحدة منهن بدهائه الذي لن يطول وقوفكِ
أمامه.
هذا النوع من الشباب - بصرف
النظر عن الأسباب التي جعلته منهم - له قدرة كبيرة على كسب قلب الفتاة الغر
والإيقاع بها؛ فتارة يمثل دور الضحية حتى يقنع نفسه بذلك, وتارة يظهر
تحيرًا يستدر به عطفها، ويرقِّق قلبها, وتارة يظهر الجد والرغبة في الرجوع
للحق والتوبة على يديها، بما يجعلها في حيرة من أمرها, وهكذا حتى يضيع
العمر، وهي تسعى وتسعى لإصلاحه, فلا تفيق إلَّا وقد جرفها تياره، وتبخر ما
كانت تسعى إليه!
فإن كنتِ ترين في نفسكِ القدرة
على التراجع، والبعد عن الانسياق إليه، فلتفعلي ما بدا لكِ، على ألا تكون
خلوة بينكما، ولا تقتربي من أمرٍ محرم, وإن كنتُ لا أرجِّح لكِ هذا الحل,
لكن قلبكِ يرتاح إليه ونفسكِ تطمئن إليه، فلا مفر من جعله حلًّا مؤقتًا قبل
الحل الثاني, على ألا يطول العهد بكِ؛ فيصيبكِ ما خشيته عليكِ.
أخيرًا بخصوص المعرف غير النسائي:جرت الأعرافُ بأن بعض النساء
ينشئن حسابات خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي بأسماء أبنائهن، أو
أزواجهن؛ حتى لا يتعرضن للحرج، أو تلقي طلبات الإضافة من الرجال سيئي
النيات, ولكن لا أحبِّذ ذلك, ومن ترغب بالاشتراك دون تحديد هويتها, فأنصحها
بتخيُّر معرفٍ عام, غير صريح وغير موضح للجنس, فتسلم من ذلك، وتتجنَّب
الوقوع في الغِش أو الكذب, وللبتِّ في الأمر شرعيًّا فعليكِ باستشارة أهل
العلم الشرعيِّ.
أصلح الله حالكِ، ووفقكِ لما فيه الخير لكِ ولأهلكِ, والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل