السؤالالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.أنا
رجلٌ متزوِّج منذ سنوات، اكتشفتُ أن زوجتي على عَلاقة كلاميةٍ بشخصٍ منذ
سنوات، وقد واجهتُها بالأدلَّة واعترفتْ بذلك! وقالت: إنها في البداية
كانتْ مهدَّدة منه، وأنها ترفضه، ولكن في نهايةِ المطاف بدأتْ تتجاوبُ معه
في الكلام، وعند رؤيتي لجميع محادثاتها معه، وجدتُ أنها هي مَن يقوم
بمُغازلتِه، والتقرُّب إليه، علمًا بأنها تصلي، ووقفتْ إلى جانبي في العديد
مِن مشاكلي المالية، ولها العديد من المواقف الحسَنة معي.في
حالة أني طلقتُها فلا أكون ظلمتها، بل هي مَن ظلمت نفسَها، خصوصًا أنني
واجهتُها بالدليل، والدليل كان يُشِير إلى أنها هي مَن كان يقومُ بالتقرُّب
لذلك الشخص. أرجو منكم مساعدتي، ماذا أفعل؟! الجواببسم الله الموفِّق للصواب
وهو المستعان
أيها الأخ الكريم، اختلف المفسِّرون في المراد بخيانةِ امرأة نوحٍ وامرأة لوطٍ في قولِه - تعالى -:﴿
ضَرَبَ
اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ
كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا ﴾ [التحريم: 10]، لكنهم أجمعوا على أنَّ هذه الخيانة خيانةٌ في الدِّين لا
الفِراش؛ لأن نساء الأنبياء معصوماتٌ عن الوقوع في الفاحشة؛ لحُرْمَةِ
الأنبياء، وهذا الاختلاف يُلهِمنا بتعدُّد معاني "الخيانة" في الحياة
الزوجية؛ بحيث يتسع المعنى ليشملَ خيانة كلِّ الحواس؛ يدل على ذلك قولُ
الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: ((كُتِب على ابن آدمَ نصيبُه من
الزنا، مدركٌ ذلك لا محالة؛ فالعينانِ زناهما النظر، والأذنان زناهما
الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرِّجْل زناها الخطا،
والقلب يهوى ويتمنَّى، ويصدق ذلك الفرج ويكذبه))؛ متفق عليه، واللفظ
لمسلم.
مِن هنا أمكننا القول بأنَّ
مُحادثات امرأتك مع رجلٍ غريب منذ سنوات هو ضربٌ مِن ضروب الخيانة الزوجية،
بقطع النظر عن الأسباب الباعثة للخيانة، والنصح المقدَّم للتعامل مع موقف
الخيانة الزوجية يختلف باختلاف نوع الخيانة، وجنس مَن يكتب لنا، وظروفه
الاجتماعية، وسمات شخصيته، ونفسيته، ومشاعره تجاه زوجِه الخائن؛ فالمرأةُ
على سبيل المثال أكثر تسامحًا مِن الرجل في موقف الخيانة، لأجل ذلك نجد
كثيرًا من الزوجات يرفُضْن فكرةَ الطلاق، حتى وإن كانت الخيانة خيانة
الفراش! إما لظروفهن الاجتماعية، أو لأنهن يحببن أزواجهن، أو لأجل الأطفال،
بينما ينصرف فكرُ كثيرٍ مِن الأزواج إلى الطلاق، حتى وإن كانت الخيانة
خيانةً صوتية أو كتابية! من دون أن ننفي وجود الأزواج الذين يملكون
المقْدِرة على التسامح ومنح الفُرَص لزوجاتهم للتصحيح، مِن أجل ذلك تختلف
الأجوبة عن استشارات الخيانة باختلاف الحالة وظروفها النفسية والاجتماعية،
إلا أننا لا نختلف على مبدأين:
أحدهما: الستر على الزوج الخائن، رجلًا كان أو امرأة! فذلك من باب سترِ المسلم على
أخيه المسلم؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يسترُ عبدٌ عبدًا في
الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة))؛ رواه مسلم.
والثاني: مُراجَعة النفس، فإن النفس لا تبرأُ مِن الإساءة والتقصير، فابحثْ - أيها
الأخ الفاضل - عن الأسبابِ الحقيقية التي دفعتْ بامرأتِك إلى مغازلةِ رجلٍ
لا يحلُّ لها! أجبْ بصدقٍ بينك وبين نفسِك: كم مرَّة تقربت إلى قلب امرأتك
بالكلمة الطيبة؟! كم مرة تقول لها: "أحبك"؟! متى آخر مرة أسمعتَها ما
يطربها ويسرها عن جمالها وذكائها ومهاراتها، ولو كذبًا؟! هل تثني على
قيامِها بحقوقك؟ هل تُنَادِيها بأحبِّ الأسماء إليها؟! هل شكرتها على صبرها
على أداء واجباتها الوالدية والتربوية؟!
قُلْ لِي - وَلَوْ كَذِبًا - كَلَامًا نَاعِمًا قَدْ كَادَ يَقْتُلُنِي بِكَ التمْثَالُ
|
جُبِلت نفوسُ النساء على حبِّ
الكلام المستعذَب، ولذلك يسهل وقوعُهن فرائس المحادثات الإلكترونية،
والمكالمات الصوتية متى ما تعرَّين مِنْ لباس التقوى والمخافَة! أما الرجال
فعيونهم هي المنافذ إلى قلوبهم؛ لأجل ذلك يسهل وقوعهم فرائس الأفلام
الإباحية، والصور الفاتنة في التلفاز والإنترنت والشارع، إن لم يغضُّوا من
أبصارهم!
والشريعة الإسلامية موافقة
لسيكولوجية الرجال والنساء، ولهذا رخِّص الكذب للزوجين؛ استدامةً للحياة
الزوجيةِ! فعن أسماء بنت يزيد - رضي الله عنها - قالتْ: قال رسول الله -
صلى الله عليه وسلم -: ((لا يحلُّ الكذب إلا في ثلاثٍ: يحدِّث الرجل امرأته
ليُرضِيَها، والكذب في الحربِ، والكذب ليُصلِح بين الناس))؛ رواه الترمذي،
وأبو داود.
وعن أمِّ كلثوم بنت عقبة بن أبي
مُعَيْط - رضي الله عنها - أنها سمعتْ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
وهو يقول: ((ليس الكذَّاب الذي يُصلِح بين الناس، ويقول خيرًا، وينمي
خيرًا))، قال ابن شهاب: "ولم أسمع يرخَّص في شيء مما يقول الناس كذِبٌ إلا
في ثلاث: الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة
زوجها"؛ رواه مسلم.
والأمر الآخر المتعلِّق بمراجعة
النفس: أن تنظر فيما قد تكون وقعت فيه، "فما أصاب العبد من مصيبة قطُّ
دقيقة ولا جليلة إلا بما كسبتْ يداه، وما يعفو الله عنه أكثر، وما نزل
بلاءٌ قطُّ إلا بذنب، ولا رُفِع بلاء إلا بتوبة، ولهذا وضع الله المصائب
والبلايا والمحن رحمةً بين عباده، يكفِّر بها مِن خطاياهم؛ فهي من أعظم
نعمِه عليهم وإن كرهتْها أنفسهم"؛
000080]مفتاح دار السعادة"، لابن القيم].
والحل! هل الطلاق هو الحل؟!لا أرى الطلاق حلًّا عادلًا إلا لإحدى حالتين:إما في موقفِ عدم قدرة الزوج
على مسامحةِ امرأته في إساءتها إليه، حتى يعجزَ عن الوفاء بالحقوق الزوجية!
وإما في كون أسباب الخيانة نتيجةَ انحرافٍ في نفس الزوجة، وليس مجرَّد زلة
عابرة! وأنتَ وحدك مَن يُمكِنه تقويم المشكلة، ووحدك مَن يعلم مدى تأثيرها
الفعلي على حياتك الزوجية، ونفسيتك، ومشاعرك تُجَاه امرأتك بناءً على سمات
شخصيتك، وعَلاقتك بامرأتك، وحقيقة الباعث على الخيانة! ثم عليكَ
بالاستخارة، فإن عفوتَ ومنحتَ امرأتك الفرصة للتغيير والتصحيح؛ فإن الله
يقول: ﴿
فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾، وإن طلقتَها فلن يلومَك أحدٌ، وعسى الله أن يُصلِح الحال، وينعم البال،
ويرزقك السعادة والاستقرار، ويَستُر علينا وعليكم، ويهدينا وإياكم صراط
الذين أنعم عليهم، آمين.
والله - سبحانه وتعالى - أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب