السؤالالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.أنا
شاب متزوج من بضعة أشهر من طالبة جامعيَّةٍ، كنتُ أعلم أن لها علاقات
سابقةً! ولكني قصدتُ الخير، وتوكلتُ على الله، وتذكرتُ القول: "عفا الله
عمَّا سلف"، وأنها أخلصتْ لي جدًّا فترة الخطوبة.لكن
- وبكلِّ أسف - صُدمتُ صدمةً كبيرةً عندما وجدتُ لها محادَثة مع أحد
الأشخاص عبر الإنترنت، كانتْ على علاقةٍ به قبْلَ سنوات، وجدتُهما يتكلمان
عن الوضع الجديد، وأنها لم تنسه وهو كذلك، وكلام عن العشق والحب بينهما، ثم
أرسلتْ له صورتها وهي بغير حجاب، وزاد الكلام حتى إنه كان خادشًا للحياء!في اليوم التالي أرسلتْ له تُطالبه بالبُعد عنها، وأنها تشعر بالخيانة لزوجها!اكتشفتُ
هذه الخيانة، وواجهتُها فأنكرتْ، ثمَّ اعترفتْ بعدما عرضتُ عليها الكلام،
فانهارتْ في البُكاء، وتوَسَّلتْ لي، وبكتْ بكاءً شديدًا، أبقيتها في البيت
أيامًا، فحاولتْ أن تبيِّن أنها تابتْ إلى الله تعالى.الآن هي في فترة امتحانات، ففكرتُ أن أستغل هذه المدة لأفكِّر بشيء من الهدوء. أرجو أن تشيروا عليَّ: هل أطلقها؟ أو أترك لها فرصةً أخرى، وأستر عليها بعدما رأيتُ ندمها وتوبتَها؟! الجواببسم الله الرحمن الرحيم
أخي الكريم، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.نودُّ بدايةً أن نرحبَ بانضمامك إلينا ، ونسأل الله تعالى أن يُسدِّدنا في تفريج كربتك، وكرب جميع المستشيرين.كما أود أن أحَيِّي ما لمستُه
فيك مِن حلمٍ، وحكمةٍ، واتزان انفعاليٍّ عالٍ، وخشية من ارتكاب أيِّ ظلم في
حق حتى مَن يظلمك، وهي سماتٌ إيجابية أتمنى منك تعزيزها في نفسك.
أما عن استشارتك حول اتِّخاذك قرار الطلاق في حقِّ زوجتك، فأجد أن هذا القرار في حالة مثل حالتك، لا بُدَّ أن يحكمَ من وجهتَيْن:
الوجهة الأولى: شرعيَّة،
وتتمثَّل في أهمية مراجعتك لأحد الثقات من أهل العلم الشرعي؛ لطلب الفتوى،
والحكم الواجب اتِّخاذه في حالة كهذه، وإذا وجدتَ في ذلك حرجًا من
المواجهة، يُمكنك أن تقومَ بذلك عبر الإنترنت أيضًا، باختيار موقع العالم
أو الجهة التي يجيب على السائلين من خلالها.
أما الوجهة الثانية: فنفسيَّة،
وتتمثَّل في تعامُلك مع مشاعر الألم، وجرح الكبرياء والإحباط الذي تسبَّب
فيه تصرُّف زوجتك، ومن ثم كيفية تعامُلك معها، ومع كل تلك المشاعر.
بالتأكيد يا أخي الكريم أننا لن
نأخذ عنك قرارًا؛ لنقدمه لك كنصيحة، تحدِّد توجهك في هذا الموضوع، لشدة
خصوصيته وحساسيته وتبعاته من ناحية، ولأن دورنا من الناحية الثانية هو
مساعدة المسترشد على بلورة قراراته الشخصية الصائبة، مِن خلال وصوله إلى
رؤية فكريَّة ونفسيَّة واضحة، تُغنيه عن الندم والحسرة، أو أية مشاعر سلبية
أخرى، قد تجتاحه بعد اتخاذ قراره.
وحتى تتمكَّن منَ الوُصُول إلى
هذه المرحلة، فأنصحك أولًا بتَرْك مناقشة الأمر مع زوجتك حتى انتهائها من
أداء امتحاناتها؛ لأن عدم نجاحها سيتسبَّب لك في تأنيب ضميرك تجاهها – كما
استشففتُ من سياق رسالتك - وهو أمر (سيعوق) اتخاذك لقرار سليم؛ لأنك حينها
ستشعر أنك قد آذيتها أيضًا، وبعد انتهائها من الامتحانات لا بُد من الجلوس
معها والاستماع منها عن الأسباب التي دعتْها لفِعْل ذلك، خاصة وأن زواجكما
لم يمضِ عليه إلا بضعة أشهر! وبالطبع فإنها ومهما قدَّمَتْ من أسباب فلن
تكون مبررًا لفعلتِها، ولكن هذه الخطوة مهمة؛ لأنها تضمن لها حقًّا قد
تستخدمه هي للتأثير على اتجاهك نحو أي قرار، أو إشعارك بالندم حوله، كذلك
لا بُدَّ لك من استثمار هذه الخطوة للتعرُّف على أسلوب تفكير زوجتك، وتركيب
شخصيتها، من خلال إتاحة المجال لها للتحدُّث في هذا الموضوع دون أن تتدخل
في مسار حديثها، بل اتركها وحدها تعبِّر وتبرر، وليكن سؤالك محددًا عن
ماهية الأسباب عمومًا، ولا تسأل (أبدًا) إن كنتَ قد قصرتَ معها في شيء ما،
أو مِن قبيل تلك الأسئلة.
فإن قمت بذلك بمهارة، فسيكون
بإمكانك استكمال صورة انطباعك عنها، والتي أراها حتى الآن غير مكتملة في
ذهنك ونفسك، فقد استشففتُ من سياق رسالتك وجود مشاعر (قلق) لديك من إخلاص
زوجتك، حتى قبل أن تكتشف ما اكتشفتَه مؤخرًا، وفي نفس الوقت استشففتُ وجود
ميل لديك نحو تبرير تصرفاتها، والاستشهاد بسلوكياتٍ أخرى لتنفي أو تخفف بها
من دوافعها لما قامتْ به، ولذلك فإني أتمنى منك - وبعد قيامك بالخطوة
السابقة - أن تقوم بالتفكير مليًّا في شخصية زوجتك، من خلال استحضار جميع
المواقف والآراء التي صدرتْ عنها منذ بداية معرفتك بها وحتى الآن، لتحدد
بذلك ما يسمى بـ: (خط الشخصية)، والذي يُمَثِّل أسلوب تفكير وردود أفعال
الشخص في المواقف المختلفة، فيصبح في الإمكان التوقع بما قد يقوم به لمعرفة
سماته، وكثيرًا ما تكشف هذه الخطوات إذا ما نفِّذَتْ على أساس سليم عن
انطباعات ورؤية جديدة للإنسان عن الآخرين، كأن يكتشف التناقُض بين
ادعاءاتهم الكلامية وبين سلوكياتهم في المواقف الحقيقية، أو يكتشف قدرتهم
على الانتقال من موقع المدافع الضعيف إلى موقع المبادر... وهكذا.
ولكي تُؤتي هذه الخطوة ثمارها،
لا بُدَّ أن تتمَّ بموضوعيَّة وحياديَّة - رغم صُعُوبة ذلك - ولكن عدم
استحالته بتَكرار المحاولة والاقتناع بها، فتقوم بها وكأنك تقيم شخصًا آخر
لا تربطك به علاقة، لتبعد تأثير مشاعرك الشخصية تجاهها.
وبعد تكوينك لهذا الانطباع،
سيكون بإمكانك اتخاذ قرار حازم، يُبنَى على تلك الرؤية الواضحة، فلا يصيبك
ندم بعده إذا قررت الانفصال عن زوجتك، ولا يوجد مجال مبرر لمزيد من المشاعر
السلبية إذا ما قررتَ الاستمرار معها.
وإذا ما اتخذت القرار الأول،
فأتمنى منك عدم إِطْلاع أي شخص عن أسباب الانفصال، أما إذا اتخذت القرار
الثاني، فإني أنصحك بتأخير إنجاب الأطفال، حتى تتثبَّت تمامًا من وجود
الاستقرار النفسي لكليكما نحو هذا الزواج، وتتأكد من أن الثقة قد أصبحت أحد
أسسه.
كما لا يفوتني أن أذَكِّرك بإعادة إقامتك لصلاة الاستخارة بعد تلك الخطوات مرة أخرى، والاستزادة من التضرُّع والدعاء إلى الله تعالى.
وأخيرًا، أختم بالدُّعاء إلى الله تعالى: أن يصلحَ شأنك كله، ويرشدك إلى ما فيه الخير في دينك ودنياك، وسنسعد بسماع أخبارك الطيِّبة.