السؤالأنا
فتاة ابتُلِيتُ بعشق فتاةٍ مثلي؛ أحبُّها كثيرًا، وأعرف أنني مخطئة، وأن
هذا حرامٌ، ولكني لم أفَكِّر أبدًا في ممارَسَة السُّحاق معها، ولا توجد
شهوةٌ تجاهها، سِوى أني أحبها، وأفكِّر فيها كثيرًا، وأجتهد قدْر الطاقة أن
أبعدَ عنها، ولكن إذا حدَّثتُها أو قابَلْتُها، أنسى نفسي، وأعود لحالتي
مِن جديد!قرأتُ
كتاب الداء والدواء؛ لابن القيِّم - رحمه الله، وقرأتُ كثيرًا مِن الكُتُب
التي تدور حول هذا الموضوع، وأحاول أن أبتعدَ عن أي فعل محرَّمٍ، والحمدُ
لله أصَلِّي فروضي، وأُكثر مِن الطاعات، وأشغل نفسي بذِكْر الله تعالى، لكن
لم أستَطِع أن أتخلَّصَ مِن هذا الحبِّ.أخاف
مِن عذاب الله تعالى، وأخاف النار، لكن ما ذنبي وقد سَيْطَر هذا الحبُّ
على مشاعري، حقًّا أنا أتَأَلَّم مِن هذا الشعور المضاد للطَّبيعة
البشريَّة، وفي نفس الوقت أتألم لفراقِها، وأتألَّم لوُجُودِها!هناك أمرٌ
آخر وهو: أني كلما قرأتُ عنْ هذا الموضوع تظهر لي الممارَساتُ الجنسيَّةُ،
ولا أستفيد مِن الكلام فيه بالدرَجة الكبيرة، فما الفرقُ بين الحبِّ
المثلي، والممارسات الجنسيَّة؟! وهل إذا تزوَّجتُ سيخفُّ هذا الحبُّ؟ أرشدوني للصواب، جزاكم الله خيرًا. الجواببسم الله الرحمن الرحيم
ابنتي الكريمة، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.نرحِّب
أولًا بانضمامكِ إلينا ، ونشكُر اختيارَكِ لها، سائلين اللهَ
تعالى أن يُسَدِّدَنا في تقديم ما ينفعكِ، وينفع جميع المستشيرين.كما أودُّ أن أحَيِّي ما لمستُه
فيكِ مِن قُدرةٍ على تقييم الخطأ، والسَّعي الجادِّ لتصحيحه، وكذلك اللوم
الذاتي لديكِ، وخشيتكِ مِن الله تعالى، وهي سماتٌ إيجابيةٌ تُحسَب لكِ،
وأتمنى منكِ تعزيزها في نفسكِ، وتنميتها واستثمارها في تفعيل الحلِّ - بإذن
الله تعالى.
عزيزتي، لقد أَصَبْتِ حين قلتِ:
إنَّ ما تشعرين به أمرٌ مُنافٍ للطبيعة البشريَّة، ومِن ثَمَّ فإنَّ كلَّ
ما هو مُنافٍ لهذه الطبيعة سيكون أمرًا (مكتسبًا)؛ أي: اكْتَسَبَهُ
الإنسانُ خلال مراحل تنشئتِه، ولم يُولَدْ معه، وأجد أنَّ هذا الأمرَ هو
السَّبب فيما تعانين منه اليوم؛ إذ يبدو أنكِ قد سمِعْتِ مِن قريناتكِ أو
أسرتكِ عنْ مِثْلِ تلك العلاقات، وقد يكنَّ قد أوغلْنَ في تلك الأحاديث؛
مما أدَّى بكِ (وببعض الفتيات في مثل حالتكِ) إلى المسارَعة في تفسير
شُعُور الصداقة الطبيعيَّة بين الرفيقات بما تختزنه ذاكرتكِ بما سمعتِه
سابقًا عن الحالات الشاذَّة، ثم اقتناعكِ بهذا التفسير، ثم البناء عليه مِن
أفكارٍ ومخيلاتٍ، حتى أصبحَ يُمَثِّل في ذهنكِ حقيقةً واقعةً، وما يدل على
كلامي هو اقتِصار حالتكِ على المشاعر فقط، وعدم تجاوُزها إلى خيالاتٍ، أو
أفعالٍ سلوكيةٍ، رغم أن هذا التفسير ينطبق أيضًا على مَن انْزلقْنَ في
سياقاتٍ سلوكيةٍ شاذَّة، بعد أن تركْنَ لتفسيراتهن الذهنيَّة المجال
لتأخذهنَّ بعيدًا عن الصواب، وتَبَنّينَ تلك السلوكيات نفسيًّا وجسديًّا
بالتَّكرار والتعزيز.
ومن العوامل التي تعزِّز تلك السلوكيات: شُعُور الفتاة بالحاجة إلى الحبِّ والعاطفة،
لا سيَّما مع مُشاهدتها للمَشاهِد الرُّومانسيَّة في المسلسَلات وغيرها، والتي تفرض عليها بوعيٍ أو بلا وعيٍ
استبطان بطلات تلك المشاهِد؛ مما يَدْفَعُها لتعويض تلك الحاجة تعويضًا خاطئًا في إسقاط تلك المشاعر على المقرَّبات لها!
وإني يا عزيزتي إذ أفصِّل
وأحلِّل حالتكِ، فإنما لأصل بكِ إلى حقيقة مَشاعركِ تُجاه صديقتكِ،
وكيفيَّة تطوُّر تلك المشاعر معكِ، ولتتبيَّني مِن ذلك أن ما تشعرين به ليس
واقعًا كما تظنين، بل إنه خطأٌ في التفسير؛ ولذلك فإنِّي أتمنَّى منكِ أن
تعمدي إلى تطبيق جلسات تأمُّليَّة، تختلين فيها مع ذاتكِ، وتتفكرين في
حقيقة وأصل تطوُّر هذا الشُّعور لديكِ، وتكررين استرجاع هذه الحقيقة في
ذهنكِ ومخيلتكِ مرات عدة، وبجلسات عديدة، دون أن يتخلَّلَها تذكُّركِ
لمشاعر الاشتياق الشاذَّة لصديقتكِ
أبدًا، بل اقتِصار تلك الجلسات على التفَكُّر في الأسباب الحقيقيَّة لمشكلتكِ فقط.
واعلمي يا عزيزتي أنَّ زواجكِ
واستئناسكِ مع الزوج سيكون - بمشيئة الله تعالى - عاملًا آخر في تجاوُز هذه
المشكلة؛ لذا أنصحكِ بالتوجه إلى الله تعالى؛ أن يمُنَّ عليكِ بالزوج
الصالح، كما أنصحكِ بالانخِراط في أعمالٍ تطوُّعيَّةٍ تقدِّمينَ فيها
الخدمة للمحتاجين؛ ابتغاء وجه الله تعالى، فبالإضافة إلى ما يأتي ذلك به
مِن صالحات، فإنه سيشغل فكركِ، ويجرُّه بعيدًا عن كثيرٍ من السلبيَّات التي
يقَع فيها، كما أنَّ تلك الأعمال تسدُّ حاجاتٍ نفسيةً كثيرةً، وترتقي بها
بعيدًا عن النفس الغريزيَّة.
وأخيرًا، أختم
بالدُّعاء إلى الله تعالى أن يصلحَ حالكِ كله، ويمنَّ عليكِ بالرِّضا،
وينفع بكِ، وسنكون سُعداء بسماع أخباركِ الطيِّبة مجدَّدًا.