السؤالالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.أريد
استشارتكم في أمرٍ خاصٍّ؛ حيث إني أدمنتُ الحشيش مدة (8 سنوات)، ومنذ مدة
تتجاوز (6 أشهر)، بدأتُ أسمع أصوات نقْر في أذني كنقر الخشب، كانتْ تقلقني،
وكنتُ أتجاهلها!بدأتُ
- ولله الحمد - أُصلي، وأقرأ القرآن، وأوقفتُ الحشيش تمامًا، طرأ في ذهني
أن أبحث عن مصدر صوت النقر في أذُني على الإنترنت، فوجدتُ البعض يفسِّرها
على أنها نتيجة للحسَد أو السحر، وأنها تتعلق بالجنِّ، وبالفعل صدَّقْتُ
هذا الكلام، وخفتُ جدًّا، وبدأت أحسُّ بأن داخلي جنًّا!عدتُ
للحشيش مرة أخرى، وأكثرتُ منه ذات مرة، ففوجئتُ بخوفٍ شديدٍ، ورعشةٍ قوية
غير طبيعية في الجسم، وزادتْ ضرباتُ القلب جدًّا بطريقة غير عادية، فشربتُ
ماءً كثيرًا وشعرتُ بأني أموتُ!منذ هذه اللحظة قررتُ ألا أعود للحشيش مرةً أخرى، وقررتُ المحافظة على الصلاة، وقراءة القرآن.ذهبتُ إلى طبيب المخ والأعصاب، فطلب مني تحليلًا، والحمد لله النتائج كلها سليمة، ثم أعطاني دواءً اسمه: (buspar)، وآخر اسمه: (nodeprine)،
جربتهما مدةً، وشعرتُ بزغللةٍ في العين، وعدم وُضُوح في الرُّؤية، مع
توتُّر في كلِّ عضلات جسمي، مع اضطرابات في المعدة، وارتجاع في المريء.الشيء
الذى يخوِّفني أكثر شعوري بأنني في حلمٍ مستمرٍّ، كما أشعر بغثيان، مع قلة
نوم، وكثير مِن النسيان، أصبحتُ لا أشعر بطَعْمِ الحياة، أريد أن أعرفَ ما
سبب هذه الأعراض؟ الجواببسم الله الموفق للصواب
وهو المستعان
أيها الأخ الكريم، أأنتَ صديقٌ
أم عدُوٌّ لنفسِه؟! أمَا تريد أن تُصَدِّقَ أن لهذه الخبائث ضررًا، حتى تجد
آثارَها في عقلك ونفسك وجسدك؟! إن كانتْ صحتُك رخيصةً عند نفسك، فهي جد
غالية عند أهلك وأحبَّتِك، وإذا كانتْ نفسُك رخيصةً عند نفسك، فما هي
برخيصةٍ عند خالِقِها - عز وجل! فكيف تجترئ على إتلاف شيءٍ خَلَقَهُ اللهُ
وكرَّمه وحَرَّم قتْلَه؟! فمِن صُوَر قتْلِ هذه النفس الكريمة: أكْلُ هذه
الحشيشة الخبيثة؛ ولذلك حُرِّم أكْلُها على المسلمين؛ قال شيخ الإسلام ابن
تيميَّة - رحمه الله تعالى، ورَضِي عنه - في "
الفتاوى الكبرى":
"أكْلُ هذه الحشيشة الصلبة حرامٌ، وهي من أخبث الخبائث المحَرَّمة، وسواء
أكَلَ منها قليلًا أو كثيرًا؛ لكن الكثير المسكِر منها حرام باتفاق
المسلمين، ومَنِ اسْتَحَلَّ ذلك فهو كافرٌ يُستتاب، فإن تابَ وإلَّا قُتِلَ
كافرًا مرتدًّا؛ لا يُغَسَّل، ولا يُصَلَّى عليه، ولا يُدْفَنُ بين
المسلمين"؛ وقال في موضعٍ آخر: "والصحيحُ أن الحشيشة مسكرة كالشراب؛ فإن
آكليها ينتشون بها، ويُكثرون تناولها، بخلاف البنج وغيره، فإنه لا ينشي،
ولا يشتهى، وقاعدةُ الشريعة: أنَّ ما تشتهيه النفوس مِنَ المُحَرَّمات -
كالخمر والزنا - ففيه الحد، وما لا تشتهيه كالميتة، ففيه التعزير،
"والحشيشة" مما يشتهيها آكلوها، ويمتنعون عنْ تَرْكِها؛ ونصوصُ التحريم في
الكتاب والسنة على من يتناولها كما يتناول غير ذلك"، فاصْدُق مع الله -
تعالى - في توبتك مِنَ الإدمان عليها؛ فإن الله غفور رحيم! وأقْلِع عن
هَدْمِ صحتك النفسية والعقلية والجسدية، فإن لبَدَنِك عليك حقًّا، وإنَّ
لنفْسِك عليك حقًّا، وقد قال الله في مُحْكَم كتابه: ﴿
وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ [البقرة: 195].
ما ينبغي أن تُدركَه أن هذه
الحشيشة الخبيثة تعمل في البدَن والعقل عمَلَ الأدوية المهَدِّئة؛ فتعطي
شعورًا كاذبًا بالاسترخاء والبهجة، وهو ما يجعلك تشتهيها وتمتنع عن تركها،
ومِن جملة آثارها على المدى القريب: شعورُ المدمن كأنه في حلم، وغيرها من
الآثار السلبية تجدها مبسوطة في استشارة: "
كيف نعالج أخي المدمن؟!"، أرجو أن يكون فيها غنية إذا أردتَ الوقوف على معرفتها.
أما صوتُ النقر على الخشب،
فربما كان تفسير ذلك حدوث هلوسة سمعيَّة مؤقَّتة؛ فقد لُوحِظ على بعض مدمني
الحشيشة ظهورُ بعض الأعراض الذهانيَّة، وإن لم تظهر هذه الأعراض في صورتها
الكاملة.
بعد التوقف عن أكل الحشيشة تظهر
في مدمن الحشيشة علاماتٌ انسحابيةٌ بيِّنة جدًّا، تدلُّ على القلق النفسي؛
بعضُها نفسي؛ كالمخاوف غير الحقيقية، والتوجُّس، والوساوس، والذُّعر،
وبعضها جسدي؛ كشدة خفقان القلب، وكثرة القيء والغثيان، وتوتُّر العضلات
والرجفان، وتعذُّر الإبصار بسبب توسُّع حدقة العين، وضروب من الاضطرابات
الهضميَّة المختلفة، وقد وُفِّق طبيبُك في وصف الأدوية المناسبة لحالتك
النفسية، فدواء
Buspar ينفع في حالة القلق، ودواء No
Deprine موصوف
لقطع الأعراض الجسدية للقلق؛ لأجْلِ ذلك أرجو أن تُواظِبَ على تناول
الأدوية بالجرعة التي وَصَفَها لك الطبيبُ المعالجُ، فإنِ استمرت الأعراضُ،
فلا تقطع الأدوية مِنْ تِلْقاء نفسك، بل عُدْ إلى طبيبك، واطْلُب رأيه في
زيادة الجرعة، أو لعله يستبدل بها غيرها، أو استَشِر طبيبًا نفسيًّا؛ فلعله
يصف لك دواءً نفسيًّا لعلاج القلق أقوى مفعولًا من (البوسبار)، مع أهمية
الاستمرار في العلاج الدِّيني الذي هداك اللهُ إليه، ومُزاولة الرياضة،
ومُفارقة صُحبة الأشرار، والاشتغال بما يُفيدك في أمر دينك ودنياك، كما تجد
في الاستشارات المتعلِّقة بالقلق النفسي كثيرًا مِنَ النصح والإرشاد، فإنْ
أردتَ استقصاءها فخُذْها – فضلًا - مِنْ هناك، والله أسأل أنْ يصرفك عما
يوبقك، وأنْ يهديك لما يرشدك، وأن يغفرَ لك ويتوبَ عليك، ولا بأس عليك،
طهور إن شاء الله تعالى.
والله - سبحانه وتعالى - أعلم بالصواب، وله الحمد والنعمة، وبه التوفيق والعِصْمة