السؤال
السلام عليكم
أنا محب ومتابع لكم منذ فترة طويلة, وأحببت أن أشاوركم بأكثر من مشكلة تواجهني.
في الحقيقة هي أكثر من مشكلة، وأعتقد أنها لها علاقة ومتصلة بمشاكل أخرى, وباختصار المشكلة تتمثل فيما يلي:
أولا: بسبب قراءتي وإبحاري في عالم الكتب بت أعاني من الجدية الزائدة، ومصادمة الواقع بكثرة وشدة، ولهذا ابتعدت عن القراءة، وأجواء الكتب فترة، ولم تنجح الطريقة معي، ومن ثم أحس بأنني ذو عقل مسن (وهذه منذ الصغر)، وقد لاحظها من هم أكبر مني من زمان، بل إنني أرى الأمور كلها من حولي بنظرة تافهة, وفقدت متعتي بكل من وما حولي.
كما أن المنطقية الزائدة جعلتني أعاني كثيراً من الشواهد عليها مقولة أحد الأصدقاء، وهو من المتوفقين تجاريا، واجتماعيا حين قال لي: إن ذكائي السبب في تراجعي وتخبطي!
أما في الغربة (3 سنوات) - وهذه كانت آخر المستجدات معي - فإنني أجد ضغطا وقلقا واكتئابا قليلا نسبياً لأسباب معلومة وغير معلومة.
أفيدونا، جزاكم الله خيراً, وأمنياتي لكم بالتفوق والازدهار.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
شكرا لك على الكتابة إلينا، وعلى مصاحبتنا لفترة طويلة.
سؤالك ذكرني بقول الشاعر:
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله وأخو الجهالة بالشقاوة ينعم
فالعقل والفهم قد يجلب التعب لصاحبه، إلا أنه أمر لابد منه في هذه الحياة. وما تمرّ به من مقارنة الفكر بالواقع، وما يسببه هذا لك، يمرّ به الكثيرون من أمثالك، وهي مرحلة لابد منها للتأقلم والتكيّف مع الحياة، وستخرج منها بعون الله قريبا، تخرج وأنت أكثر حكمة واستيعابا لسنن الحياة وظروفها.
طبعا هناك أكثر من شكل في طبيعة خروج الإنسان من هذه المرحلة، فهناك من يخرج وقد استسلم للواقع وغيّر من معرفته وفهمه ليساير الواقع بكل عيوبه، وهناك من يخرج بنتيجة أن علينا العمل على تغيير هذا الواقع، ولكن وفق السنن الكونية، حيث لابد من التدرج، ووفق إمكانات الإنسان وظروفه، وأنه لابد من الفهم الأعمق لطبيعة الحياة وتحدياتها، وبالتالي معرفة الطرق الأنسب لهذا التغيير، والذي لابد من أن يبدأ على تغيير الداخل من أفكار وقناعات... وفق قوله تعالى: {إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم} (الرعد :11)
فهيا تابع قراءتك واطلاعك للتعمق في الفهم والإدراك، فمساعدة الله لك وكرمه معك سيأتي، بعد عبادته تعالى، من باب القراءة وكما يقول تعالى: { اقرأ وربك الأكرم}.
وبالنسبة لبعض معاناتك في الغربة، فهذه أيضا مرحلة صعبة معروفة، وهذه المعاناة لا تعكس طبيعتك، وإنما الغربة بحد ذاتها تحد صعب، ومؤلم أحيانا، ولكنك ستخرج من هذه المعاناة كما ستخرج من المعاناة الأخرى، وهي وكما قلت أنت في سؤالك، أمور متصلة ببعضها، فسدد وقارب، وحاول إيجاد الظروف المناسبة لك في هذه الغربة.
وفقك الله ويسر لك الخير.