يظن البعض أن المسلمون شغوفون جدا بمهاجمة الكتاب المقدس والمسيحية , بل ويصفون نقدهم للكتاب المقدس بالغباء والانحياز الواضح. يجب أن نلاحظ هنا أن المسلم يرحب بالمسيح عليه السلام نبيا كريما ضمن سلسلة الأنبياء الذين أرسلهم الله , وبالتالي فليس هناك تحيزا شخصيا ضد المسيح أساسا. إن نقد المسلمين يجب أن ينظر إليه أنه نقد للأتباع وما كتبوه عن شخصية المسيح وليس نقد لشخصية المسيح. المسلمون يؤمنون أن المسيح في الحقيقة ليس كما تعرضه الأناجيل الحالية. ولا يؤمن المسلمون أن الأناجيل الحالية هي الإنجيل التي تحدث عنه القرآن الكريم, وكذلك التوراة الحالية ليست هي توراة موسى القديمة.
في الواقع يقدم المسلمون العديد من الأدلة الحاسمة على رؤيتهم هذه ويمكن للقارئ الكريم طلب السلسلة الكاملة لهذه المقالات
( سلسلة أعظم مائة خطا في الكتاب المقدس).
ويتفق الجميع أن أي كتاب مقدس يجب أن لا يحتوي على أخطاء مهما كان نوعها. وإلا فإن هذا الكتاب ليس كتابا إلهيا , بل هو تأليف بشري أرضي خاضع للنقاش والتصحيح.
ويمكننا هنا أن نقدم عشرة أدلة على بشرية الكتاب المقدس ووجود الأخطاء البشرية فيه , وبالتالي لا يصح القول أن هذا الكتاب كتب بوحي الهي , أو تحت إشراف الروح القدس (؟) فلا يمكن أن يخطأ الله سبحانه :
الخطأ الأول:
يبدأ إنجيل متى في الإصحاح الأول بذكره نسب المسيح الشهير مبتدأ من إبراهيم عليه السلام , ويحرص كاتب الإنجيل على أن يقسم النسب إلى ثلاثة أقسام. القسم الأول من زمن إبراهيم حتى زمن الملك داوود.والقسم الثاني من بعد الملك داوود حتى عصر سبي اليهود إلى بابل في العراق. والقسم الثالث من بعد السبي البابلي حتى زمن المسيح عليه السلام. ويؤكد كاتب الإنجيل أن كل قسم من تلك الأقسام تحتوي على أربعة عشرة جيلا ,
فيقول : " فجميع الأجيال من إبراهيم إلى داود أربعة عشر جيلا. ومن داود إلى سبي بابل أربعة عشر جيلا. ومن سبي بابل إلى المسيح أربعة عشر جيلا "- متى 17:1- .
كان هدف كاتب الإنجيل من تركيزه على الرقم (14) أن يؤكد على أن يسوع هو المسيح المنحدر من الملك داوود. في الماضي كان اليهود يستخدمون الحروف كأعداد أيضا , ولم يكونوا يستخدمون الأرقام بعد. فكان كل حرف يمثل قيمة عددية ( أ = 1 , ب = 2 ...الخ). وكان اسم داوود في اللغة العبرية يتكون من ثلاثة أحرف ( د / ف/ د ) بدون حروف العلة. وقيمة هذه الأحرف( د= 4 / ف= 6 / د= 4) والإجمالي هو (14).
لكن الكاتب وقع في خطأ غريب , فعدد الأسماء من (إبراهيم) إلى الملك (داوود) هو ( 14) فعلا. وعدد الأسماء من (سليمان) إلى (يكنيا) الذي كان آخر ملك قبل سبي بابل هو ( 14) اسما. لكن عدد الأسماء من بعد السبي البابلي إلى المسيح هو ( 13) اسما وليس ( 14) اسما كما يدعى كاتب الإنجيل. والخطأ الذي وقع فيه كاتب الإنجيل هو تكرار اسم ( يكنيا) مرتين , قبل السبي البابلي وبعد السبي البابلي أيضا. لاحظ الجدول:
الخطأ الثاني:
يحكي إنجيل يوحنا حديث المسيح مع تلاميذه يخبرهم انه سيذهب عنهم قريبا( يوحنا 33:13) , ونسمع التلاميذ يسألون المسيح إلى أين سيذهب؟؟. يقول بطرس: " يَا سَيِّدُ إِلَى أَيْنَ تَذْهَبُ؟ "- يوحنا 13 : 36 - . ثم بعد أعداد قليلة يسأله أيضا توما التلميذ : " "يَا سَيِّدُلَسْنَا نَعْلَمُ أَيْنَ تَذْهَبُ؟؟ فَكَيْفَ نَقْدِرُ أَنْ نَعْرِفَ الطَّرِيقَ؟ " – يوحنا 5:14 – .
لكننا نفاجأ بعد دقائق قليلة بالمسيح نفسه وهو يوبخ تلاميذه قائلا لهم : "وَأَمَّا الآنَ فَأَنَا مَاضٍ إِلَى الَّذِي أَرْسَلَنِي. وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْيَسْأَلُنِي أَيْنَ تَمْضِي؟" – يوحنا 5:16.
ما هذا , هل كان المسيح شارد الذهن عندما كان التلاميذ يسألونه عدة مرات إلى أين يذهب!!!!
طبعا حاول البعض أن يدافع بالقول أن قصد المسيح هو النهي بمعنى " لا تسألوني " , لكن هذه غير صحيح , النسخ الانجليزية توضح أكثر صيغة النص: " " none of you asks me where I'm going?. فلم يستخدم صيغة الفعل الأمر: Don't asks me" " الذي يدل على النهي, لكن الجملة نفي وليست نهي.
الخطأ الثالث:
نستمر مع إنجيل يوحنا العجيب , حيث يذكر لقاء المسيح مع بعض المؤمنين به من اليهود , ولفظ " المؤمنين" يدل بالضرورة على أن هؤلاء قد آمنوا به وصدقوه بما يقول أنه رسولا من الله سبحانه وانه طريق الخلاص وأنه هو المسيح . يقول الإنجيل : " وبينما هو يتكلم بهذا آمن به كثيرون. فقال يسوع لليهود الذين آمنوا به : إنكم إن ثبتم في كلامي فبالحقيقة تكونون تلاميذي" – يوحنا 31:8 - , ويستمر الإنجيل بسرد أحداث القصة بين المسيح والمؤمنين به, لكن فجأة وبعد قليل نشاهد هؤلاء المؤمنين يقولون له: " 33 أجابوه إننا ذرية إبراهيم ولم نستعبد لأحد قط.كيف تقول أنت أنكم تصيرون أحرارا؟؟! " , ثم فجأة نجد المسيح شخصيا يقول لهؤلاء الذين هم مؤمنين به : " 37 أنا عالم أنكم ذرية إبراهيم.لكنكم تطلبون أن تقتلوني لان كلامي لا موضع له فيكم.". ؟؟؟!!!
هل يمكن أن يتهم المسيح أشخاصا آمنوا به بأنهم يريدون أن يقتلوه ؟؟ عجيب !!. يدافع البعض بالقول أنهم لم يؤمنوا في الحقيقة بل كانوا يتظاهرون بالإيمان كذبا , لكن هذا مخالف لنص الإنجيل الواضح الذي يقول بصراحة أن المسيح كان يخاطب الذين آمنوا به من اليهود , فلا يمكن لنا أن نفهم عكس ما يقوله الكاتب , فهو لم يقل أنهم يكذبون , ولم يقل أنهم منافقون. كما أن بداية القصة في الإصحاح تقول: " وبينما هو يتكلم بهذا آمن به كثيرون", فلا مجال للتشكيك .البعض أيضا يدافع بالقول أن الكلمة اليونانية تعني " التصديق" وليس الإيمان , وهذا الدفاع أضعف من السابق , المعروف أن الإيمان هو التصديق , فلا فارق بينهما. فعندما نصدق شخصا في كلامه وأفعاله فهذا يعني أن نؤمن ونصدق بما يدعوا إليه. جاء في القاموس الموسوعي لمفردات العهد الجديد باللغة اليونانية نفس التأكيد أن كلمة "الإيمان" تعني "التصديق" أيضا بالضرورة :
الحقيقة النص واضح جدا , لكن الكاتب نسي سياق الموضوع. فهو بشر عادي , نتعرض جميعنا أحيانا لنسيان الكثير من الأشياء وهذا ليس عيبا , لكن العيب أن نقول أن هذا وحيا من الله سبحانه. النقاد يرجعون السبب كون إنجيل يوحنا يكره اليهود كثيرا. فهو أكثر الأناجيل الأربعة تحقيرا لليهود , لأنه كُتب متأخرا.
الخطأ الرابع:
من المعروف لدى المتابع للمسيحية أن التلميذ الثاني عشر هو التلميذ الخائن للمسيح , وهذا يعني بالضرورة أنه لن يدخل الملكوت الأبدي ( الفردوس) الذي تعد به المسيحية المؤمنون. وقصة خيانة التلميذ الثاني عشر للمسيح نجدها في نهايات الأناجيل , قبل قصة الصلب بقليل. لكننا نفاجأ بنص في إنجيل متى للمسيح وهو يبشر التلاميذ الحاضرين معه أنهم سوف يجلسون على اثني عشر كرسيا لمحاكمة بني إسرائيل: " فقال له يسوع الحق أقول لكم إنكم انتم الذين تبعتموني في التجديد متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده تجلسون انتم أيضا على اثني عشر كرسيا تدينون أسباط إسرائيل الاثنى عشر"- متى 28:19.
لماذا اثني عشر كرسيا ؟ لان عدد التلاميذ اثني عشر تلميذا, نفس عدد أسباط بني إسرائيل. ومن الطبيعي أن يهوذا الاسخريوطي كان ضمن الاثنى عشر تلميذا حينها. وهو من الأوائل الذين تبعوا المسيح في دعوته التجديدية ( تجديد لليهودية). وعلى هذا فالمسيح وعد التلميذ الخائن بالجنة أيضا بل والحكم على كرسي على أسباط بني إسرائيل !!!؟. لاحظ أن الكاتب لم يستثني أحدا من التلاميذ الاثنى عشر على الإطلاق.
من الواضح أن الكاتب لم يركز تماما , فهو متعود على أن يكتب المصطلح الخاص بالتلاميذ "الاثنى عشر" بشكل متكرر , فكتب على عادته دون تركيز , فهو كبشر معرض أحيانا لمثل هذه المواقف.
الدفاع اللاهوتي هنا في غاية الطرافة , فهو يبرر وعد المسيح للإثنى عشر بالجلوس على كراسي يوم ( الدينونة) بأن المسيح اضطر لقول ذلك حتى لا يكشف خطته للشيطان !!!. يا سلام..الم يكن قادرا على أن يقول الوعد للتلاميذ بدون تحديد للعدد ؟!! البعض يقول أن الثاني عشر هو(متياس) التلميذ الذي انتخب لاحقا بدلا عن الاسخريوطي الخائن(أعمال 26:1), وهذا غير صحيح فالمسيح خاطب الحاضرين وقال " أنتم".
الخطأ الخامس:
من المعروف للجميع أن اسم أم المسيح هو (مريم) , وهذه الحقيقة مذكورة عدة مرات في الأناجيل. لكن يبدوا أن كاتب إنجيل يوحنا له رأي آخر مخالف للإجماع. ففي نص غريب يتحدث كاتب الإنجيل الرابع عن النساء اللواتي كن حاضرات وقت الصلب فيقول: " وكانت واقفات عند صليب يسوع أمه, وأخت أمه مريم زوجة كلوبا , ومريم المجدلية. " – يوحنا 25:19.
الجملة غير واضحة في العربية, لتداخل الضمائر. فالقارئ يظن أن الكاتب يتحدث أن مريم أم المسيح لها أخت متزوجة من رجل يدعى كلوبا,هذا غير صحيح. فالكاتب يقول أن أم المسيح (مريم) لها أخت اسمها مريم أيضا :
المشكلة تظهر بوضوح في النسخة الانجليزية التي تظهر معناها ( ترجمة ESV) :
" but standing by the cross of Jesus were his mother and his mother's sister, Mary the wife of Clopas, and Mary Magdalene"
وحتى نفهم النص يجب أن يُقرأ بالعربية كالتالي : " والنساء الواقفات عند الصليب هن أم المسيح , وأيضا أختها التي تدعى مريم المتزوجة من كلوبا , وامرأة أخرى تدعى مريم المجدلية ".
النص السابق يتحدث عن الوقفات بجانب صليب المسيح , ويذكر أن أم المسيح كانت واقفة , ومعها أختها التي اسمها مريم أيضا !! وهي التي كانت متزوجة من شخص يدعى (كلوبا). لكن من المعروف تماما أن الناس لا يعطون أسماء مكررة لأولادهم, وهذا يشمل اليهود أيضا. فلا يمكن أن تكون أخت أم المسيح اسمها مريم أيضا !!.. لا يعقل أن يطلق أبو مريم اسم ( مريم) على اثنتين من بناته في وقت واحد !!.
وأمام هذا التخبط يحاول أساتذة الدفاع اللاهوتي التخلص من هذه المشكلة الإنجيلية , فقالوا أن لفظ ( أخت) يأتي في اللغة بمعنى قريب من العائلة وليس بالضرورة أخت مباشرة, كما يقول القرآن الكريم مثلا عن النبي صالح أنه أخو ثمود وهي قبيلته ( سورة الشعراء 141-142) . وسياق النص القرآني صحيح مبدئيا . ولكن سياق نص إنجيل يوحنا مختلف تماما , فالكاتب يتحدث عن أقرباء من الدرجة الأولى وليس عن قرابة غير مباشرة. فهو يقول ( أم المسيح) و( زوجة كلوبا) و(أخت مريم) فهذه الألفاظ حقيقية, ولم يقل أحد مثلا أن معنى ( أم المسيح) يعني قريبته , أو أن معنى ( زوجة كلوبا ) يعني قريبته ولا تعني زوجته. فالنص يستخدم لغة واضحة جدا , ويقصد بالتحديد ما يقوله بالضبط. وكاتب إنجيل يوحنا مشهور بطبيعته التوضيحية للأمور.
المسألة هنا أن الأناجيل كتبت عبر أشخاص مختلفين , وفي أماكن مختلفة , وفي زمن مختلف. سندهش إذا عرفنا أن كاتب إنجيل يوحنا لا يعرف مطلقا أن اسم أم المسيح هو (مريم). وهو يدعوها في إنجيله بلقب " أم يسوع" و لا يذكر أبدا أن أسمها مريم. وذلك طبيعي بالنسبة لإنجيل يوحنا الذي يهمل الأصول اليهودية للمسيح. إنجيل يوحنا أيضا هو أكثر الأناجيل عدائية ضد أم المسيح عليهما السلام. لاحظ النصوص التالية:
أ- " ولما فرغت الخمر قالت أم يسوع له ليس لهم خمر. قال لها يسوع ما لي ولك يا امرأة "- يوحنا 3:2_4.
ب- " فلما رأى يسوع أمه والتلميذ الذي كان يحبه واقفا قال لامه يا امرأة هوذا ابنك."- يوحنا 26:19.
لاحظ الكاتب وهو يناديها بلقب ( أم يسوع) فهو لا يعرف اسمها أصلا. ولاحظ كيف يخاطبها المسيح بقسوة " يا امرأة " وكأنها امرأة عادية لا يعرفها. ولاحظ عدم قوله " أيضا" عندما قال لها " يا امرأة هوذا ابنك" !!!؟
الخطأ السادس:
يحكي لنا كاتب إنجيل لوقا قصة جميلة عن المسيح وهو في زيارة تفقدية لمدينة الناصرة , ودخل المعبد اليهودي يوم السبت من أجل العبادة , ولكن شخصا ما من الجمهور ناوله كتاب إشعيا ليقرأ منه.
وبالصدفة يفتح على صفحة من سفر إشعيا تتحدث عن مجيء المسيح , يقول كاتب إنجيل لوقا : " فدُفع إليه سفر إشعياء النبي. ولما فتح السفر وجد الموضع الذي كان مكتوبا فيه : " روح الرب عليّ لأنه مسحني لأبشر المساكين , أرسلني لأشفي المنكسري القلوب , لأنادي للمأسورين بالإطلاق وللعمي بالبصر , وأرسل المنسحقين في الحرية " – لوقا 17:4_18– .
الكاتب هنا يتحدث أن المسيح فتح بالصدفة على صفحة من سفر إشعيا فيها هذه النبؤة , فقام بالقراءة للناس. يبدوا أن النص المقتبس موجود بالفعل في سفر إشعيا في الإصحاح 61 الفقرات (1-2) , ولكن المشكلة تمكن في أن جزء من نص النبؤة القائل : " لأنادي للمأسورين بالإطلاق وللعمي بالبصر" ليس موجودا في نفس المكان المشار إليه سابقا , بل هو موجود قبل ذلك بكثير, في إشعيا الإصحاح 42 الفقرة رقم 7. أي قبل النص الذي في الإصحاح 61 بكثير , في الواقع قبله بحوالي 18 إصحاح كامل .
طبعا من المفترض أن ترتيب الفقرات في سفر اشعيا زمن المسيح هو نفس الترتيب الموجود حاليا , ولكن بدون التشكيل والترقيم في النص العبري اليوم. تكمن المشكلة في لو أننا صدقنا كاتب الإنجيل أن المسيح كان يقرأ من موضع محدد في سفر إشعيا , فهذا يعني أن المسيح كان يقرأ بالمقلوب !!! فبدأ من الإصحاح 61 ثم عاد إلى الوراء إلى الإصحاح 42 .
وبرغم أن الكاتب قال : " ولما فتح السفر وجد الموضع الذي كان مكتوبا فيه ..." إلا أن دراسة واعية للنص تشير إلى أنه ليس موضعا واحدا كان مكتوبا فيه هذه النبؤة , نحن في الواقع أمام ثلاثة احتمالات مؤسفة:
أ- إما أن المسيح كان يقرأ بالمقلوب , و هذا لا يصح . فالناس لا يقرؤون بالمقلوب كتابا مقدسا !!
ب- أو أن المسيح كان يختار النصوص من سفر اشعيا بنفسه, هذا يعني أن كاتب إنجيل لوقا كذب حين تحدث عن صدفه في فتح النص من السفر , وكذب عندما قال أنه مكتوب في مكان واحد فقط , بل في مكانين.
ج- أو أن سفر إشعياء كان في الماضي مكتوبا بشكل مختلف عن شكله اليوم, وبالتالي فقد تعرض للتحريف.
الخطأ السابع:
يحتوي إنجيل متى على قصة مدهشة حول زيارة مجموعة من المجوس لفلسطين لرؤية المسيح وهو مولود, وتدور أحداث ممتعة ومسلية جدا. فيظهر لهم نجم من السماء يقودهم , ويخدعون الملك الذي يطلب قتل الصبي . فيهربون سرا , ثم يقف النجم السماوي فوق بيت الصبي المولود بالتحديد (؟؟!!). فيعرفون أنه المسيح فيسجدون له ويقدمون له الكنوز ( الذهب , واللبان , والمر). هذه القصة الدرامية موجودة في إنجيل متى الإصحاح الثاني. وهي وإن كانت غير تاريخية إلا أن الكاتب كان له هدفه الخاص.
في الواقع كاتب إنجيل متّى مهتم باليهود بشكل خاص جدا. فهو يقدم يسوع لليهود ليقنعهم انه هو المسيح الذي تحدثت عنه التوراة , لذلك فهو يكثر من الاقتباسات من العهد القديم حتى ولو كانت بشكل خاطئ. وفي محاولته المميزة لإقناع اليهود , أراد الكاتب أن يظهر المسيح بشكل يشبه سيرة موسى وبني إسرائيل. فبنو إسرائيل دخلوا إلى مصر وهم أمة ناشئة , ثم دعاهم الله سبحانه للخروج منها مع موسى فخرجوا . كما أن فرعون أراد قتل الطفل موسى كما أراد هيرودس قتل الطفل يسوع .لذلك كان على المسيح أن يعيش في مصر مدة زمنية ثم يهرب منها بنداء الهي كما هرب منها موسى وبنو إسرائيل بالضبط و" من مصر دعوت ابني".
المشكلة أنه من المعروف أن المسيح كان من أسرة فقيرة جدا. فكيف يمكنه السفر مع أسرته وهو طفل إلى مصر والعودة منها دون مال. من أجل ذلك جاء كاتب إنجيل متّى بالمجوس من بلاد فارس كي يقدموا كنوزهم وهداياهم (الذهب واللبان والمر) وبهذا لا يستطيع أحد أن يعترض على إمكانية سفر الأسرة الفقيرة إلى مصر.
* لكن كاتب إنجيل لوقا يقص علينا في الإصحاح الثاني أن مريم ذهبت بعد اكتمال عدة الولادة (وقبل السفر المفترض إلى مصر) إلى الهيكل لتقدم ذبيحة كما تأمر بها شريعة التوراة, فقدمت فرخين من الحمام للكاهن.
في الواقع تأمر التوراة بنوعين من الذبائح ( اللاويين 8:12), نوع للأغنياء الذين يملكون المال, هؤلاء عليهم أن يذبحوا شاة. ونوع للفقراء الذين لا يجدون المال, هؤلاء عليهم أن يقدموا يمامتين أو فرخي حمام.
لكن لو قبلنا رواية متى كان عليهم وهم يملكون الذهب والكنوز أن يذبحوا شاة, فالرب لا يمكن خداعه.!
الخطأ الثامن:
هل سمعتم عن المجيء الثاني للمسيح؟. عودة المسيح إلى الأرض مرة أخرى عقيدة يشترك فيها المسلمون والمسيحيون. لكن طبعا مع الفارق الشاسع بين العقيدتين. فالمسيحيون يؤمنون بعودته كإله سيعود ليخطف المؤمنين به إلى الملكوت. بينما في الإسلام سيعود المسيح ليكمل بقية حياته ثم يموت بشكل طبيعي بين المسلمين الذين يحترموه ويؤمنون به, سيحكم بشريعة الإسلام , ويرفض تماما عقيدة المسيحيين.
كانت الصورة مختلفة كثيرا في القرن الأول. فالمسيحيون الأوائل آمنوا أيضا بعودة المسيح ثانية , ولكن بشكل سريع جدا. في الواقع لقد قال المسيح أنه سيعود قبل أن ينتهي الجيل الأول من الناس في عصره. ووعد أنه قبل أن يكمل تلاميذه التبشير به في مدن إسرائيل سوف يرونه وقد عاد. يقول إنجيل متى عن هذا:
أ- " ومتى طردوكم في هذه المدينة فاهربوا إلى الأخرى.فاني الحق أقول لكم لا تكملون مدن إسرائيل حتى يأتي ابن الإنسان "- متى 23:10.
ب- "الحق أقول لكم إن من القيام ههنا قوما لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الإنسان آتيا في ملكوته" متى28:16.
ج- " وحينئذ تظهر علامة ابن الإنسان في السماء.وحينئذ تنوح جميع قبائل الأرض ويبصرون ابن الإنسان آتيا على سحاب السماء بقوة ومجد كثير....الحق أقول لكم لا يمضي هذا الجيل حتى يكون هذا كله" متى30:24_34.
ووقف المفسرون المسيحيون أمام هذه النصوص العجيبة كثيرا ليجدوا حلا للورطة التي أوقعهم فيها مبالغات كاتب إنجيل متى. يقول الأب متى المسكين في تفسيره (متى 23:10):
" شرح هذه الآية أخذ من العلماء كل مأخذ، وأعلنوا أن حلّ هذه المعضلة غائب تماماً من أمام عيونهم، وهذا صحيح للغاية، لأنه لا يوجد لها حلّ، إذ أن المسيح سبق وحدَّد أن مجيئه لا يمكن أن يُحسب حسابه زمنياً، أو على حوادث زمنية أو في محيط قدرة الإنسان في قياسات الأزمنة والأوقات وتحديد مجيئه بأي حال من الأحوال.". انتهى.
ويحمل المفسر (وليم باركلي) كاتب الإنجيل مسؤولية ذلك فيقول متهما "متّى" بسوء الفهم لكلام المسيح :
" إننا لا نستطيع أن نقول أن السيد المسيح كان مخطئا في توقعه, حاشا أن يكون الأمر كذلك. لكن " متّى" استطاع أن يفهم من كلمات المسيح ما ظنه وعدا بسرعة مجيء المسيح ثانية في وقت حياة كثيرين من الأحياء حينئذ. وقد فعل ذلك لأنه في وقت الألم والفزع والاضطهاد , كان الناس يتعلقون بالأمل وبوعد مجيء المسيح". انتهى.
لماذا يلمح الجميع باستحياء إلى خطأ كاتب الإنجيل؟؟
لأن هذا الكلام غير صحيح تاريخيا بشكل صارخ.
لكن المفاجأة أن يورد كاتب "متّى" في نهاية إنجيله كلاما للمسيح يأمر فيه التلاميذ بالذهاب إلى جميع أنحاء العالم للتبشير به : " فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس." متى 19:28. يبدوا هنا وكأن المسيح لم يقدم أي وعد بالمجيء السريع كما كان يؤكد " الحق الحق أقول لكم" !!
اليوم يشك معظم النقاد في مدى أصالة الفقرة الأخيرة من إنجيل متى, على الأرجح تمت إضافتها لاحقا.
الدفاع اللاهوتي هنا في غاية الضعف, فمن قائل أن المسيح يقصد بعودته القيام من الموت, وهذا يرده سياق النص الذي يقول "آتيا على سحاب السماء" . والبعض يقول أن المقصود بالملكوت هو انتشار المسيحية وهذا يرده التأكيد عن عودة " ابن الإنسان " بالتحديد. هناك نصوص أخرى تؤكد المجيء الثاني للمسيح في زمن الجيل الأول : (روما 11:13) (كورنثوس الأولى 51:15_52) (فيليبي 5:4) (يعقوب 8:5_9).
ويؤكد بولس هذه العقيدة لدى الجيل الأول بقوله: " إننا نحن الأحياء الباقين إلى مجيء الرب"- تسالونيكي الأولى 15:4. وتؤكد دائرة المعارف الكتابية عقيدة بولس حول المجيء الثاني للمسيح في زمن الجيل الأول:
" في شيخوخته عندما كان في سجنه الأخير في روما، وتأكد من استشهاده الوشيك، كف عن توقعه البقاء حيا إلى مجيء الرب ثانية، بل أكد أن وقت انحلاله قد حضر، ولكنه أوصى تيموثاوس أن يعكف على الكرازة بالإنجيل في انتظار مجيء الرب الذي قد يتم في أثناء حياة تيموثاوس. إذا لم يتوقع الرسول بولس ــ وهو يكتب في سجنه في رومية ــ أن الرب سوف يأتي في أي لحظة لينقذه من الموت، ولكنه توقع أن يأتي المسيح في ذلك الجيل."- دائرة المعارف الكتابية- مادة" مجيء المسيح ثانية ".
هذه النصوص تحمل عقيدة خطير للغاية, فهي التي جعلت الولايات المتحدة الأمريكية تدعم دولة إسرائيل بشكل مطلق, فهم يتصورون أن عودة المسيح متعلقة بوجود إسرائيل كدولة في فلسطين, كما قال الكاتب الملهم للإنجيل. يا للهول ... كيف أمكن لخطأ بسيط أن يتسبب في مقتل آلاف الفلسطينيين, ويشعل صراعا لا ينتهي في الشرق الأوسط , فقط لأن البعض في الولايات المتحدة أخذ كلام كاتب قديم على محمل الجد !!!؟
الخطأ التاسع:
ولادة المسيح من " مريم" العذراء عقدية دينية لدى المسلمين والمسيحيين على حد سواء. لكن هناك دائما بعض الاختلافات , ربما تبدوا هذه الاختلافات غير جوهرية لدى البعض , لكنها دائما تحمل أبعاد ذات دلالات خطيرة. سنوضح اليوم أحد هذه الاختلافات البسيطة التي لها مدلول مهم. في المسيحية كانت مريم لحظة نزول البشارة بولادة المسيح مازالت عذراء, لكنها كانت مخطوبة. تؤكد الأناجيل أنها كانت مخطوبة من شاب يهودي يدعى " يوسف ". بينما في الإسلام لا حديث عن خطوبة أو زواج لمريم , الواقع أن التراث الإسلامي يؤكد أن مريم استمرت بدون زواج (بتول). هذه هي أحد الاختلافات وسنشاهد أهميتها. ينقل لنا كاتب إنجيل لوقا خبر بشارة الملاك إلى مريم بولادة المسيح , وكيف تلقت مريم هذا الخبر فيقول:
" وفي الشهر السادس أرسل جبرائيل الملاك من الله إلى مدينة من الجليل اسمها ناصرة. إلى عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود اسمه يوسف.واسم العذراء مريم. فدخل إليها الملاك وقال سلام لك أيتها المنعم عليها.الرب معك مباركة أنت في النساء. فلما رأته اضطربت من كلامه وفكرت ما عسى أن تكون هذه التحية. فقال لها الملاك لا تخافي يا مريم لأنك قد وجدت نعمة عند الله. وها أنت ستحبلين وتلدين ابنا وتسمينه يسوع. ...... فقالت مريم للملاك كيف يكون هذا وأنا لست اعرف رجلا؟ . فأجاب الملاك وقال لها.الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك فلذلك أيضا القدوس المولود منك يدعى ابن الله." – لوقا 26:1_35.
في الواقع فإن معظمنا يقرأ النص السابق بدون تركيز. لنتذكر المعطيات السابقة. من المفترض أن مريم كانت مخطوبة وعلى وشك الزواج من يوسف , بعد أشهر تقريبا. فعندما يأتي إليها ملاك من السماء ويبشرها أن ستلد مولودا عظيما , كان من المفروض عليها أن لا تتعجب وهي المرأة المخطوبة وعلى وشك أن تتزوج. فالملاك لم يقل لها أنها ستحمل في فترة الخطوبة , ولم يحدد وقت حملها أصلا. فكان من المفترض أن السؤال الطبيعي للمرأة المخطوبة والتي على وشك أن تتزوج قريبا وقد بشرت بمولود أن يكون سؤالها : " متى يحدث هذا ؟ " !!! , ولكن النص في إنجيل لوقا غريب , فسؤال مريم كان كيف يمكنها أن تحمل وهي لا تعرف رجلا ؟!!. ويبدوا من ردة فعلها بوضوح أنها ليست لها علاقة بأي رجل أصلا. بل إنها نذرت نفسها كبتول لخدمة الهيكل .
لاحظ أيها القارئ الكريم أن الملاك لم يحدد مطلقا وقت حدوث الحمل في بشارته. ولاحظ أيضا أن كاتب إنجيل لوقا وعد بالتدقيق فيما يكتب : " إذ قد تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق" – لوقا 3:1 – , فلا يمكن مطلقا الحديث أن كلام الملاك غير واضح أو أنه غير منقول بالكامل هنا, وإلاّ فإننا سنشك في مصداقية الحدث فورا.
ومن العلماء المسيحيين الذين تنبهوا لهذا الخطأ الغريب القس/ تادرس ملطي يعقوب في تفسيره للعهد الجديد:
" يظهر من حديث العذراء أنها قد نذرت البتوليّة، فلو أنها كانت تود الزواج لما قالت هكذا، بل تقول: "متى يكون هذا؟! " , منتظرة تحقيق الوعد خلال الزواج.". تفسير العهد الجديد من تفسير وتأمُّلات الآباء الأولين.
وبهذا تبدوا رواية القرآن الكريم أكثر واقعية, فلا حديث عن خطوبة ولا عن زواج قادم. يقول القرآن الكريم:
" وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا . فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا .قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا . قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا . قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا . قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آَيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا " صدق الله العظيم.
( سورة مريم: 61-21).