بسم الله الرحمن الرحيم
جلست ذلك اليوم أتفكر في عدة خواطر , تقاذفتني الأفكار كما يتلاطم موج البحر على الصخر فيتكسر و يتحول الى رذاذ
يتلاشى في الجو . فحاولت أن ألتقط ما تبقى منها قبل أن تختفي. أحببت أن أقسمها الى محاور , حتى أحصرها في
ضوابط فكرية , لتكون رسالتها واضحة و مغزاها جلياً ...
شكر النعمة.يا لحالي السيئة !! صديقي فلان يسر الله الزواج من بنت ذات خلق و دين , و هو الآن في بيت مميز يعيش حياة هادئة
هانئة.... هنيئاً له !! و زميلي فلان يعمل بأرقى الوظائف و هو مقبل الى حياة الراحة و السعادة بعيداً عن هموم الدنيا ...
هنيئاً له .. و ذاك الصديق أيضاً حاله ..... و زميلي ..... و ذلك الرفيق .....
مرت بي تلك اللحظات , تأتيني هذه الخواطر , تتصارع في رأسي , و نتيجتها الحسرة على حالي , و التفكير بمن هو
أفضل حالاً مني , ناسياً النعم التي أنا فيها ... ناسياً حكمة الله في تقدير كل الأمور . حتى جاء ذلك اليوم!
بينما أسير في الطريق , و نسمات الهواء البارد تلطم وجهي الملثم بالشال الأسود , و ظلمة الليل تحجب تفاصيل الطريق
التي أسير عليها لولا الأضواء و الانارات في الشارع.. رأيت رجلاً يقف بطريقة مريبة .. يثني قدميه و ينحني للأمام ببطء , و
حين صرت على مقربة أمتار قليلة منه , هوى .... فجأة سقط !! على وجهه مباشرة ! حتى أنني سمعت صوت ارتطام
رأسه بالأرض . و قلت في نفسي: لقد مات !!! و اعترتني الجمدة لثوان قليلة , و الدهشة تغمرني لما رأيت .. و سرعان
ما أقبل رجل مسرعاً و أمسك به و بدأ يرفعه عن الأرض , و يقول بصوت مرتفع :" حسبي الله , سقط من جديد . هل وقعت
على وجهك ؟؟" و لكن ذلك الرجل لم يرد . لقد كان واعياً , ومالَ برأسه أن نعم , لكنه لو يرد .. نظرت و الدمعة كادت
تسيل ! و ما آلمني أن شاباً كان على مقربة منا قال: أتركه فهو سكران !! يا سبحان الله , هل بهذه السهولة أن نحكم
على الناس؟؟ ثم حتى لو كان سكراناً , أليس انساناً علينا مساعدته ؟؟ سبحان الله !!!
تركتهم و مضيت في سبيلي , و أنا أفكر: يا الله !!! كم أن نفسي خبيثة ! كم أنني جاحد لنعم ربي ! آواني في بيت , و
كساني من الثيات التي تقيني برد الشتاء , و هيأ لي أهلاً يسهرون علي , و اخوة أشد أزري بهم , و رفاقاً ألجأ اليهم , و
صحة و عافية .... و لست أشعر بالرضى , في حين أن ذلك الرجل قد يكون حرم الكثير من هذه الأمور . من الواضح أنه فقير
لأن ثيابه رثة , و أنه مريض لأن تحركه ليس طبيعياً و قد يكون بلا أسرة .... اللهم فرج همه. حتى الآن لا أعرف ما الذي
أصابه , و لا أعرف من هو. لكنني اعتصرت ألماً .. ليس لأنني حنون , بل لأن الله منّ علي بالقلب , الذي رغم قسوته
بسبب تقصيري , ليّنه لي ربي ...
الحمد لله ... هل يكفي أن أقولها ؟؟ هل يكفي أن أحمد ربي دبر الصلوات ؟؟ على أية نعمة أحمده ؟؟ البصر؟ العافية ؟
الأمن ؟ الأهل ؟ .... ان كل نعمة أنعمها علي ربي , لا أستطيع أن أؤدي شكرها كما يجب و لو أمضيت حياتي أردد
الحمد ... و إن من رحمة ربنا بنا أن أرشدنا إلى وسائل للتقرب منه , راجين أن يجعلنا ربنا ممن يرضى عنهم و يعفو عنهم
و يمدهم بالنعم , و يصبرهم على البلاء ... و في هذا الموقف خطرت ببالي الآية الكريمة:
"و إن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ,
إن الإنسان لظلوم كفار"
. كما استحضرني قول الحبيب المصطفى صلى الله عليه و سلم:
" إن المؤمن أمره كله له خير , و
ليس ذلك إلا لمؤمن , إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له , و إن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له "
اللهم اجعلنا من المؤمنين الذين يسيرون على هذا الصراط... آمين .