السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
صباح جميل عامر بذكر الله عز وجل.
أنا عندي مشكلة الحب, مع أنني لم أكن أحب بهذا الشكل.
والسؤال: ماذا أفعل فقد أحببت شخصًا لأخلاقه الجميلة, وأتمنى أن أتزوجه, ودائمة التفكير فيه, ولم أستطع أن أكرهه, علمًا بأنه من جنسية سورية, وعمره تقريبًا من 28 إلى 30 سنة, ولا يسكن قريبًا مني, وأتمنى أن أتزوجه في أسرع وقت, ولا أتمنى أن أتزوج غيره, علمًا بأنه لا يعلم أني أريد أن أتزوجه, وأنا طالبة محتشمة فحتى ملابسي لا تُرى, ولله الحمد, وذات أخلاق رفيعة, مطيعة لله, محافظة على الصلاة, فما هي نصيحتكم لي؟
جزاكم الله عني خير الجزاء.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حياتي جنتي حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت, وعن أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يزيدك صلاحًا واستقامة وهدىً وتقىً وفضيلةً وعفّة وحياءً, كما نسأله تبارك وتعالى أن يوفقك في دراستك حتى تنتهي منها على خير، وأن يمنّ عليك بزوج صالح طيب مبارك يكون عونًا لك على طاعته ورضاه.
وبخصوص ما ورد برسالتك - ابنتي الكريمة الفاضلة - فإن هذه المرحلة السنية التي أنت فيها تعرف بمرحلة تحرك الغرائز الداخلية, وعملية التحول الجسدي التي شاء الله تبارك وتعالى أن تتم بدءً من أول مرحلة البلوغ وإلى ما شاء الله تعالى، فلقد انتقلت من مرحلة الخمول والهدوء العاطفي والجسدي إلى مرحلة التحول من عالم الطفولة إلى عالم الأنوثة الكاملة، وهذه المرحلة يترتب عليه شعور بميل شديد إلى الطرف الآخر, والرغبة في الارتباط به, ووجود أشياء داخلية تلح على الإنسان إلحاحًا شديدًا أن يرتبط بالجنس الآخر، وهذا إحياءً لسنة الله تبارك وتعالى, وإعمالاً لفطرته في خلقه وكونه، إذ أن الله تبارك وتعالى جعل المرأة بطبيعتها طالبة ومطلوبة, وراغبة ومرغوبة، وجعل الرجل كذلك، وهذه الرغبة التي أودعها الله في الجنسين القصد منها والهدف إنما هو الحث على إشباع الرغبة التي بها تتم عمارة الكون, وتكاثر الناس, وانتشار الذرية - خاصة الصالحة - إلى غير ذلك, فهذا نداء فطري أودعه الله تبارك وتعالى في جسد كل أنثى - وكل رجل - إلا أنه يشتد في هذه المرحلة السنية من عمرك كما ذكرت، بدءً من مرحلة البلوغ وإلى أن يتم ذلك بإذن الله جل جلاله.
وهذا أمر كما ذكرت طبيعي، مسألة الحب أو التعلق أو الميل القلبي أو الجسدي أو غير ذلك، هذا أمر فطري فطر الله الناس عليه, وقضية الحب والميل القلبي قضية لا دخل للإنسان فيها غالبًا إذا وقفت عند حد الرغبة الداخلية، أما إذا تحولت إلى سلوك وتصرفات فإن الشرع يتدخل ليبين ما هو الحلال وما هو الحرام, وما هي الوسيلة المشروعة لتفريغ هذه الطاقة في مكانها المناسب والنافع والمفيد.
وهذا الشاب الذي ذكرتِ من أنه يزيد عليك سنًا بحوالي عشر سنوات أو أقل قليلاً، وهو لا يدري أنك تحبينه، فهذا حب من طرف واحد، وهذا أمر وارد وليس بمتعذر أو مستحيل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الأرواح جنود مجندة, ما تعارف منها ائتلف, وما تناكر منها اختلف), ولكنك تقولين: كيف تفعلين حتى تحلي هذه المشكلة؟
أقول لك: إنها حقيقة مشكلة؛ لأنه ليس من المألوف ولا مما تعارف عليه الناس أن الفتاة تعرض نفسها على الرجل، حتى وإن كان من أصلح أهل الأرض، فهذه مسألة تعتبر شاذة جدًّا في عرف معظم الناس، وهي لا تتكرر كثيرًا في تاريخ الإنسانية، وإن كانت قد حدثت في حدود مرة أو أكثر على عهد النبي - عليه الصلاة والسلام -, ومهما كان صلاح الرجل عندما تتقدم إليه فتاة لتعرض عليها نفسها أن يتزوجها وفق الضوابط الشرعية فإن هذا الأمر قد يقابل بنوع من الاستهجان وعدم الراحة، إذ قد يظن الشاب بهذه الفتاة سوءً - والعياذ بالله - وقد تكون صالحة قانتة من أفضل أهل الأرض، إلا أن - كما ذكرت لك - المرأة تكون مطلوبة ومرغوبة دائمًا، والناس يسعون إليها، ومن واقع الخبرة والتجربة أن المرأة كلما كانت متعززة مترفعة كلما زاد تعلق الرجل بها، وكلما كانت سهلة رخيصة كلما زهد فيها وأنكرها وأهملها.
ولذلك خير علاج إنما هو المحافظة على ما أنت عليه من الاستقامة على منهج الله، والمحافظة على دين الله من حيث الملابس المحتشمة, والطاعة, والعبادة لله تعالى, وكل المطلوب منك أن تتوجهي إلى الله جل جلاله بالدعاء: إذا كان هذا الرجل فيه من خير أن يجعله الله من نصيبك؛ لأنه قد يكون في الظاهر مناسبًا بالنسبة لك، ولكن قد يكون في حقيقة الأمر ليس كذلك؛ لأن الله تبارك وتعالى أخبرنا بقوله: {وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شرٌ لكم} فقد يكون الإنسان فعلاً يحب شيئًا وهو لا يدري هل فيه خير بالنسبة له أم لا.
فأنا أرى -بارك الله فيك- أن تتوجهي إلى الله بالدعاء قائلة: (اللهم إن كان هذا الأخ سيكون خيرًا لي في ديني ودنياي أن تجعله من نصيبي يا رب العالمين، وإن لم يكن كذلك فاصرفه عني), توجهي إلى الله عز وجل بالدعاء بذلك، وهذا أقصى ما تستطيعين فعله؛ لأن الأمر -كما ذكرت لك- شائك جدًّا, وفي غاية الحرج، وكما ذكرتُ أن الناس لا يقبلون مثل هذا التصرف، وأنا شخصيًا وكل من معي الذين يتعاملون مع الشؤون الزوجية لا يرغبون ولا يحبذون أبدًا أن تعرض الفتاة نفسها على رجل مهما كان صلاحه ودينه وتقواه؛ لأن هذا الأمر قد يترتب عليه سوء فهم من قبل الرجل لهذه الفتاة، وبالتالي تُصبح رخيصة في عينه، حتى وإن تزوجها وأصبحت أُمًّا لأولاده، فقد يحدث هناك خلاف لأي أمر من الأمور فيقول لها: (أنت التي عرضت عليَّ نفسك) فتشعر بحسرة وندامة، بل ويتقطع قلبها حسرات على تلك اللحظة التي تكلمت فيها بتلك الكلمات، بل والله قد تتمنى أن الأرض قد ابتلعتها ولم تنطق بمثل هذه الكلمة.
فتعففي وتمسكي وابتعدي وحاولي ألا تلفتي نظره بأي صورة من الصور؛ لأنه عبد من عباد الله وقلبه بيد الله، وكل الذي عليك أن تتوجهي إلى سيده وربه ومولاه أن يعطف قلبه عليك إذا كان في ذلك من خير لك في دينك ودنياك, أما أن تتصرفي أي تصرف إيجابي فلا أعتقد أن ذلك مفيد، لا عن طريقك أنت, ولا عن طريق أحد من الناس أيضًا، فقد يأتي هناك من يقول لك: (أنا من الممكن أن أتوسط), وأنا لا أحبذ ذلك أيضًا؛ لأنه في جميع الأحوال قد يعرف أيضًا بصورة أو بأخرى أنك أنت التي أرسلت إليه هذه الوساطة.
هناك أمر آخر أيضًا: أنه قد لا يكون مستعدًا للارتباط بك، بل قد يكون مرتبطًا، أو لا يفكر في الزواج، أو له ظروف تمنعه.
فاستعيني بالله، وسلي الله التوفيق والسداد، وأن يقدر لك الخير حيث كان ثم يرضيك به.