السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا أعاني من الاكتئاب النفسي منذ أكثر من خمسة عشر عامًا, وقد استخدمت كثيرًا من مضادات الاكتئاب القديمة والحديثة, ولكني لم أجد منها شفاء تامًا من الاكتئاب؛ مما جعلني أقتنع قناعة تامة أن الاكتئاب يعتبر من الأمراض المزمنة, وأنه إن تم الشفاء منه فما هي إلا شهور ويرجع, ولا أخفيك أنني قد استشرتك عدة مرات, واستفدت كثيرًا من توجيهاتك, ولا يسعني هنا إلا أن أتقدم لك بجزيل الشكر على خدمتك للمرضى وصبرك علينا.
ويبدو أنني من الأشخاص الذين لديهم ردة فعل للأدوية؛ حيث إنني عندما أستخدم علاجًا وأرتاح عليه فترة - وهي ما يقارب ستة إلى سبعة أشهر- فإنني أنتكس, وأبدأ بالبحث عن علاج آخر.
الأدوية التي ارتحت عليها هي:
1- البروزاك, واستمررت عليه فترة مع ريمرون, وكانت حالتي لا بأس بها, بعد ذلك استبدلته بعلاج اسمه (ولبترين ), ولم ينفع معي, وكذلك السبرالكس, وأنا الآن على حبة أفكسور 150m , وحبة ميرزاجين, وتحسنت عليه تقريبًا منذ 6 أشهر, إلا أنه الآن بدأ يفقد مفعوله معي, علمًا أن الميرزاجين - والذي على ما أعتقد هو (الريمرون)- لا أستطيع أن أتركه, وذلك لمساعدته لي على النوم, ولي عليه أكثر من 5 سنوات.
عند زيارتي آخر مرة للطبيب أضاف لي مع الميرزاجين والأفكسور حبة 10m تربتيزول ظهرًا, وحبة من علاج آخر اسمه (إنتابرو ) 10m, وعند قراءتي له اتضح أنه نفس السيبرالكس, ولا أدري لماذا أضافه لي؟! علمًا بأنني أخبرته أنني لم أستفد من السبرالكس.
كما أفيدك بأنني أعاني من مرض السكري, والضغط, وعسر في المعدة, وإمساك؛ حيث إنني عندما آكل أي شيء ينتفخ بطني, وقد صرف لي طبيب الباطنية علاج (دوغماتيل 50m) مرتين, وأفاد بأنني أعاني من القولون العصبي, وليس الهضمي, ولكن دون فائدة.
أسئلتي -يا دكتور-:
1. إن وزني زاد ووصل إلى 96 كم, علمًا بأن أكلي خفيف, وأعتقد أن ذلك بسبب الريمرون والأفكسور.
2- ألا ترى معي أن استخدام أربعه أدوية من مضادات الاكتئاب -والتي أستخدمها حاليًا- تعتبر كثيرة؟ وهل تسبب زيادة إفراز السيروتانبن؟
3- فكرت أن أستمر على الأفيكسور150m وألغي الريمارون, وأستبدله بالسيروكويل, فهل أقطع الريمرون مرة واحدة أم بالتدريج؟ حيث إنني لا أستطيع النوم إلا بالحبوب, وهل السيروكويل قد يفيد في تحسين الحالة؟ وكم جرعته؟ فأنا محتار بين الأفكسور والبروزاك, مع السيروكويل, علمًا بأن الأفيكسور قد يسبب زيادة الضغط, كما أن السيروكويل لا يوجد لدينا بالسعودية إلا بجرعة 100m؛ لذلك أحببت استشارتك وتوجيهاتك القيمة, وهل لديك وصفة تنصحني بها ترى أنها سوف تساعدني كثيرًا؟ حيث إن أغلب المشكلة التي أعاني منها هي الكآبة, وعدم الرغبة في أي شيء, وأغلب وقتي جالس في البيت؛ مما أثر ذلك في تعطل أعمالي وأعمال اسرتي.
بالنسبة للأطباء الذين أراجعهم: واللهِ إنهم يبدؤون كتابة وصفة الدواء قبل أن أكلمهم, وكذلك يخيرونك بين الأدوية, خاصة إذا كان المريض لديه معرفة بأسماء الأدوية, ويقولون للمريض: ما رأيك باستخدام كذا أو كذا, واللهِ لا نقول إلا حسبنا الله ونعم الوكيل, آسف للإطالة, واقبل تحياتي, وجزاك الله كل خير.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:
فنسأل الله لك العافية والشفاء, والمثوبة على قبول هذا الابتلاء البسيط، وبارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا على ثقتك في شخصي الضعيف.
أنا شخصيًا لدي قناعة كاملة أن الاكتئاب النفسي يمكن أن يُهزم, بل يجب أن يُهزم, وهذه النظرة ليست مفرطة في التفاؤل، إنما هي حقيقة، وحقيقة واقعة جدًّا بالرغم من أن هنالك نظريات متشائمة تقول: إن حوالي ثلث مرضى الاكتئاب سوف يعانون من مرض انتكاسي ومزمن.
فالاكتئاب يعالج، نعم قد تظل بعض الشقوق والجروح النفسية موجودة، لكني أستطيع أن أقول: إن تسعين بالمائة من مرضى الاكتئاب الآن يصلون إلى مرحلة من التواؤم والتكيف النفسي الممتاز جدًّا، والتواؤم والتكيف هو المطلوب لأن يعيش الإنسان حياة طيبة ومعقولة وهانئة.
أنا أريد منك أمرًا مهمًا جدًّا، وهو: ألا تنظر إلى الماضي كخبرة سالبة: تجاربك مع الأدوية الكثيرة، أنا أقدر الملل الذي يحدث للإنسان، لكن كلها خبرات، وكلها تجارب، وإن شاء الله تراكمها يفيدك كثيرًا. وأريد أن أؤكد لك في هذا السياق حقيقة مهمة جدًّا: أن بعض الأدوية تجرب مرة ومرتين وثلاث وقد تفشل، لكن قد تنجح في المرة الرابعة، فقط الأمر يتطلب الصبر والالتزام، ولا يعني أبدًا إذا فشل دواء في المرة الأولى أنه سوف يفشل مرة أخرى... وهكذا, هذه نقطة مهمة.
والنقطة الأخرى: لا شك أن الإنسان مهما تحسنت حالته فقد تأتيه لحظات من الكآبة والكدر، وهذا يحدث لعامة الناس، لكن الإخوة والأخوات الذين يعانون من الاكتئاب النفسي حين يصلون إلى درجة معقولة وجيدة من التحسن تجد أنه من الصعوبة عليهم تقبل أي انخفاض في مزاجهم، وهذه إشكالية كبيرة جدًّا؛ لأن الخوف من الفشل يؤدي إلى الفشل، فالإنسان حين يأتيه عسر المزاج, ويعتقد أن هذه انتكاسة فهذا قطعًا سوف يؤدي إلى أن يجعله في وضع مزاجي سلبي جدًّا.
فالهنات البسيطة، الزلات البسيطة، نواقص الوجدان واضطرابه البسيط يجب أن نقبلها إن كنا أصحاء أو كنا مكتئبين، فهي تأتي وتذهب - إن شاء الله تعالى - .
أمر آخر: أرجو ألا تقبل الأفكار السلبية كأفكار نمطية أوتوماتيكية تلقائية، فهذه أيضًا مشكلة في الاكتئاب، وأنا ألاحظها من خلال رسالتك، فبعض الناس تتقبل الأفكار السلبية لأنها تتساقط بتلقائية عليهم، لا، هذا الفكر أرْفضه، أصرفُ انتباهي عنه، أستبدله بفكر مخالف، وهذا مهم جدًّا.
النقطة الأخرى وهي: أن الطبيب حين يشاور مريضه حول الدواء – مع احترامي لوجهة نظرك – فهذا لا يعني أنه ضعف من الطبيب, أو تعجل من الطبيب، البعض قد يكون متعجلاً، ومن حق المريض أن تتم مشاورته مع شيء من التوجيه له، أي أن خطة العلاج يجب أن يشارك فيها المريض، هذا حق مشروع، وأنا شخصيًا أنتهج هذا المنهج، وهذا لا يعني أن هذا فيه شيء من التسويف أو عدم التأكد أو التردد، بل على العكس تمامًا هو احترام لذات المريض، وكثير من الناس يثنون على هذا المنهج.
فيما يخص علاجك: أنا أعتقد أن المبادئ الرئيسية في العلاج الدوائي يجب أن نرجع لها، وهي: لا داعي للإكثار من الأدوية، هذه الأدوية قد تأكل بعضها البعض إذا أعطيناها دون ضوابط أو معايير علمية.
والأمر الآخر والضروري جدًّا هو: الصبر على الدواء وبالجرعة الصحيحة هو سر نجاح العلاج.
أنا أرى أن عقار بروزاك مع سوركويل ربما يكون كافيًا جدًّا لحالتك, فالبروزاك لك تجربة إيجابية معه، وهو لا يزيد الوزن، وهو دواء يحسن من الدافعية، يحسن من درجة اليقظة، ويمكنك أن تصل حتى ثلاث كبسولات في اليوم.
أما بالنسبة للسوركويل: فحاول أن تقسم المائة مليجرام إلى قسمين، تناول خمسين مليجرامًا ليلاً، وبعد عشرة أيام إلى أسبوعين حتى وإن جعلت الجرعة مائة مليجرام فهذا لا بأس فيه أبدًا، لأن جرعة السوركويل يمكن أن تكون حتى ثمانمائة مليجرام في اليوم.
بالنسبة للأفكسر : يجب أن يكون التوقف عنه تدرجيًا.
أما بالنسبة للريمارون فلا توجد إشكالية في التوقف المفاجئ عنه.
حقيقة رسالتك أعجبتني كثيرًا، ونسأل الله تعالى أن ينفع بنا جميعًا، وبالله التوفيق والسداد، وأسأل الله لك العافية والشفاء.