حُسن الخلق
وإن مثَل حسن الخلق في الدين كمثل اللآلئ في المحار،
وإذا تجرّد المؤمن من مكارم الأخلاق ومحاسن الصفات لم يبق من دينه إلا الصورة والشّعائر،
ولم يبق من طبعه إلا الشكل والمظاهر.
فالدين كلّه خُلق،
ومن سبقك في الخلق، سبقك في الدين.
مثلما يُعنى المرء بجسده المنسوب الى الطّين، ينبغي أن يُعنى بتجميل نفسه وتطهير روحه المنسوبة الى رب العالمين.
إن الخُلق الذي يُعتدّ به يجب أن يكون هيئة راسخة في النفس، كما يقول الإمام الغزالي: «تصدر عنها الأفعال بسهولة ويسر، من غير ما حاجة إلى رويّة وفكر».
إن صاحب الخُلق الحسن كحامل المسك والطيب،
يُحذيك، أو تطلب منه، أو تجد منه ريحاً طيّبة؛
فعن خُلقه الكريم تصدر الآثار،
كما يصدر الشُّعاع عن الأنوار، و
الأريج عن الأزهار،
من غير توقّف أو تكلّف.
إن أَمارات رسوخ الأخلاق في الإنسان لا تخفى على العيان بالمصاحبة والمعاشرة،
وما أسرّ أحد سريرة إلا أظهرها الله على صفحات وجهه وفلَتات لسانه، و«مهما تكن عند امرئ من خَليقة.. وإن خالها تخفى على الناس تُعلم».
فربّ شحيح يتظاهر بالسّخاء، فيبذل المال سُمعةً أو رياءً، فهذا لا يصدُق فيه خُلق السّخاء. وربّ ناسكٍ يلزم محرابه راكعاً، ساجداً،
متبتّلاً، ومالُه حرام، وغُذِّي بالحرام، فأنّى يكون أميناً؟
وتأملوا معي هذه القصص الرائعه
جاءت امرأة بثوب من الحرير تبيعه الى الامام ابو حنيفة
فقال كم ثمنه؟
قالت مئة
فقال هو خير من مئة
يعنى هو من يقول لها ارفعى الثمن فهو يستحق أكثر و لا يستغل الفرصة كتاجر !
فقالت مئتين
، فقال هو خير من ذلك
، حتى وصلت إلى أربع مئة
فقال هو خير من ذلك،
قالت أتهزأ بي؟
فجاء برجل فاشتراه بخمسمائة...
.يعنى هو من جاءها بالمشترى ابتغاء مرضاة الله و لم يأخذ نسبة على الوساطة ...
***************
ذات يوم أعطى الامام ابو حنيفة شريكه فى العمل متاعاً وأعلمه أنَّ في ثوب منه عيبا ,
وأوجب عليه أن يبين العيب عند بيعه ,
و باع شريكه المتاع و نسي أن يبين ,
و لم يعلم من الذي اشتراه،
فلما علم أبو حنيفة تصدَّق بثمن المتاع كله.
****************
كان الامام أبو حنيفة يجمع الأرباح عنده من سنة إلى سنة
فيشتري بها حوائج الأشياخ و المحدثين
( منح دراسية مجانية لطلبة العلم )
و أقواتهم وكسوتهم و جميع لوازمهم ,
ثم يدفع باقي الدنانير من الأرباح إليهم ويقول :
أنفقوا في حوائجكم ولا تحمدوا إلا الله , فإني ما أعطيتكم من مالي شيئاً ولكن من فضل الله عليّ فيكم .
***************
عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ما من شئ في الميزان أثقل من حسن الخلق أخرجه أبو داود والترمذي وصححه.
عن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم أخلاقًا الموطئون أكنافًا الذين يألفون ويؤلفون، وليس منا من لا يألف ولا يؤلف أخرجه الطبراني في الأوسط والصغير، والبيهقي في شعب الإيمان.
ومن لطيف ما يذكر ما ساقه الذهبي عن بعضهم قال: إن الرجل السيئ في خلقه إذا دخل منزله توارى عنه أولاده، واختفى أهله حتى إن قطه ينزوي في الجدار من سوء خلقه،
فهذا دليل على أن سوء الخلق تتعدى مضرته وأثره
، قال صلى الله عليه وسلم: إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة القائم بالليل الصائم بالنهار
بعض الناس قد يكون قليل البضاعة العلمية، لكن بحسن خلقه، وطيب معشره، ولكونه يألف ويؤلف يؤثر في جلسائه، في سامعيه، في رأيه، وبعض الناس قد يكون كثير البضاعة فصيح الكلام بليغ العبارة، لكن لسوء خلقه نفر الناس عنه، وأبغض الناس الحق بسببه، فليكن هذا على داعي الخير أن يضعه نصب عينيه، ولهذا كان من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الحسن: اللهم كما حسنت خلقي فحسن خلقي
وكذا قوله -صلى الله عليه وسلم- وهو أحسن الناس أخلاقًا: اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت
وتأملوا معي ما قيل عن خير الخلق صل الله عليه وسلم
عن أنس رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقًا - الحديث رواه الشيخان وأبو داود والترمذي
وعن صفية بنت حيي رضي الله عنها قالت : ما رأيت أحسن خلقًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم - رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خُلقاً وأكرمهم وأتقاهم
قال تعالى مادحاً وواصفاً خُلق نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم (( وَإِنّكَ لَعَلَىَ خُلُقٍ عَظِيمٍ )) القلم 4
وعن أم المؤمنين عائشة لما سئلت رضي الله عنها عن خلق النبي عليه الصلاة والسلام ، قالت : ( كان خلقه القرآن) صحيح مسلم
ومن هذه الكلمة للسيدة عائشة نعرف أن أخلاقه عليه الصلاة والسلام هي اتباع القرآن ، وهي الاستقامة على ما في القرآن من أوامر ونواهي ، وهي التخلق بالأخلاق التي مدحها القرآن العظيم وأثنى على أهلها والبعد عن كل خلق ذمه القرآن
قال ابن كثير في تفسيره: ومعنى هذا أنه صلى الله عليه وسلم صار امتثال القرآن أمراً ونهياً سجيةً له وخلقاً .... فمهما أمره القرآن فعله ومهما نهاه عنه تركه، هذا ما جبله الله عليه من الخُلق العظيم من الحياء والكرم والشجاعة والصفح والحلم وكل خُلقٍ جميل.أ.هـ
عن عطاء رضي الله عنه قال: قلت لعبد الله بن عمرو أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة، قال: أجل والله إنه لموصوف في التوراة بصفته في القرآن يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وحرزًا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا لا إله إلا الله، ويفتح بها أعينًا عميًا وآذانًا صمًا وقلوبًا غلفًا - رواه البخاري
جعلنا اللّه وإياكم ممن قال فيهم الرسول صلى اللّه عليه وسلم: { إن أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحسنكم أخلاقاً } [رواه أحمد والترمذي وابن حبان].
وصلى الله وسلم وبارك على رسول الله، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.