هي الرميصاء ام سليم بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن
عامر بن غنم بن عدي بن النجار الانصارية الخزرجية.
كانت ذات انوثه وجمال تزينها رزانة وسداد راي وتتحلي بذكاء نادر وخلق
كريم حتي غدت حديث طيبة يشار لها بالبنان ويثني عليها كل لسان.
ولهذه الصفات العظيمه سارع ابن عمها مالك بن النضر فتزوجها فولدت له
انسا
وكانت ام سليم مع السابقين الى الاسلام من الانصار, وكان من اوائل من وقف
في وجهها زوجها مالك الذي غضب وثار عندما رجع من غيبته وعلم باسلامها
فقال لها بغضب بالغ: اصبوت؟ فقالت بيقين ثابت : ماصبوت ولكني امنت.
وجعلت تلقن انسا: قل لا اله الا الله قل: اشهد ان محمدا رسول الله ففعل
فيقول له ابوه : لا تفسدي على ابني فتقول : اني لا افسده بل اعلمه واهذبه.
وكانت ام سليم عزيمتها تمتاز بعزيمة اقوي من الصخر فخرج زوجها من البيت
غاضبا فلقيه عدو له فقتله.
ولما علمت ام سليم بمقتل زوجها احتسبت وقالت لاجرم لا افطم انسا حتي يدع
الثدي ولا اتزوج حتي يامرني انس.
وذهبت ام سليم الى الحبيب العظيم صلوات الله عليه وسلامه على استحياء
وعرضت عليه ان يكون فلذه كبدها انس خادما عند معلم البشريه كل خير,
فرحب رسول الله صلي الله عليه وسلم واقر عينها بذلك.
ومضي الناس يتحدثون عن انس بن مالك وامه باعجاب وتقدير ويسمع ابو طلحه
بالخبر فيهفو قلبه بالحب والاعجاب فيتقدم للزواج من ام سليم وعرض عليها
مهرا غاليا. الا ان المفاجأه اذهلته وعقلت لسانه عندما رفضت ام سليم كل
ذلك بعزه وكبرياء وهي تقول:
انه لا ينبغي ان اتزوج مشركا اما تعلم يا ابا طلحة ان الهتكم ينحتها عبد
ال فلان وانكم لو اشعلتم فيها نارا لاحترقت.
فاحس ابو طلحه بضيق شديد فانصرف وهو لا يكاد يصدق ما يري ويسمع ولكن حبه
الصادق جعله يعود في اليوم التالي يمنيها بهمر اكبر وعيشه رغده عساها
تلين وتقبل.
ولكن ام سليم الداعيه الذكيه تشعر بان قلعه الاسلام في قلبها اقوي من كل نعيم
الدنيا فقالت بادب جم
ما مثلك يرد يا ابا طلحة ولكنك امرؤ كافر وانا
امرأة مسلمة لا تصلح لي ان اتزوجك .
فقال:ماذاك دهرك .
قالت: وما دهري؟
قال: الصفراء والبيضاء.
قالت: فاني لا اريد صفراء ولا بيضاء اريد منك الاسلام.
قال: فمن لي بذلك؟
قالت: لك بذلك رسول الله صلي الله عليه وسلم .
فانطلق يريد النبي وهو جالس فجاء فاخبر النبي بما قالت ام سليم
فتزوجها على ذلك.
وفي رواية
والله ما مثلك يا ابا طلحة يرد ولكنك رجل كافر وانا امرأه
مسلمة ولا يحل لي ان اتزوجك فان تسلم فذاك مهري ولا اسالك غيره).
لقد هزت هذه الكلمات اعماق ابي طلحة وملات كيانه فقد تمكنت ام سليم من
قلبه تماما فليست هي بالمراه اللعوب التي تنهار اما المغريات ,انها
المراه العاقله التي تفرض وجودها وهل يجد خيرا منها تكون زوجا له واما
لاولاده؟؟!!
وما شعر والا لسانه يردد ( انا على مثل ما انت عليه اشهد ان لا اله الا
الله واشهد ان محمدا رسول الله).
فالتفتت ام سليم الى ابنها انس وهي تقول بسعاده بالغه ان هدي الله على
يديها ابا طلحه: قم يا انس فزوج ابا طلحة فزوجها وكان صداقها الاسلام.
وبذلك قال ثابت راوي الحديث عن انس ( فما سمعت بامراه قط كانت اكرم مهرا
من ام سليم كان مهرها الاسلام).
وعاشت ام سليم مع ابي طلحه حياه زوجيه تقوم على المعاني الاسلامية التي
تضمن للزوجين الحياه الهادئة الهنيئه.
وكانت ام سليم مثال الزوجه الصالحه التي تقوم بحقوق الزوج احسن قيام
كما كانت مثال الام الرؤوم والمربية الفاضلة الداعية.
وهكذا دخل ابو طلحه مدرسه الايمان على يد زوجته واصبح ينهل من نبع النبوه
حتي غدا كفؤا كريما لام سليم.
ولنستمع الى انس رضي الله عنه يروي لنا كيف كان يتفاعل ابو طلحة مع
كتاب الله ويلتزم به مبدا وسلوكا فيقول:
كان ابو طلحه اكثر انصاري بالمدينه مالا وكان احب امواله اليه_بيرحى-وكانت
مستقبله المسجد وكان رسول الله صلي الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء
فيها طيب فلما نزلت هذه الايه:
( لن تنالوا البر حتي تنفقوا مما تحبون) ايه92 من سوره ال عمران قام ابو
طلحه الى رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال: ان الله عز وجل يقول في
كتابه( لن تنالوا البر حتي تنفقوا مما تحبون) وان احب اموالي الى بيرحى
وانها صدقه لله ارجو برها وذخرها عند الله فضعها يارسول الله حيث شئت.
فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم :
( بخ بخ ذلك مال رابح وذلك مال رابح قد سمعت ماقلت فيها واني ارى ان
تجعلها في الاقربين).
فقسمها ابو طلحه في اقاربه وبني عمه.
ويكرم الله هذين الزوجين بولد ذكر فرحا لقدومه اعظم الفرح واصبح قره عين
لهما يأنسان به وبحركاته وقد سمياه ابا عمير وقد اتخذ الطفل طائرا يلعب به
فمات فحزن عليه وبكى من اجله فمر رسول الله صلي الله عليه وسلم به فقال له
مداعبا ومواسيا ( يا ابا عمير مافعل النغير).
وشاء الله ان يمتحنهما بالطفل الجميل المحبوب فمرض ابو عمير وشغل الابوين
به وكان ابوه اذا عاد من السوق اول ما يواجه به اهل الدار بعد السلام السؤال
عن صحه ابنه ولا يطمئن حتي يراه.
وخرج ابو طلحه مره الى المسجد فقبض الصبي وتلقت الام الصابرة الحادث بنفس
راضيه طيبه وسجته في فراشه وهي تردد:
انا لله وانا اليه راجعون وقالت لاهلها: لا تحدثوا ابا طلحة بابنه حتي
اكون انا احدثه.
ولما رجع ابو طلحه كانت ام سليم قد جففت دموع الرحمة من عينيها وهشت
لاستقبال زوجها واجابته عن سؤاله المعهود: مافعل ابني؟ فقالت له: هو اسكن
ما يكون.
فظن انه عوفي ففرح لسكونه وراحته ولم يدن منه لكيلا يعكر عليه سكونه
ثم قربت اليه ام سليم عشاء اهدته له فاكل وشرب ثم صنعت له احسن ما كانت
تصنع قبل ذلك ولبست اجمل ثيابها وتزينت وتطيبت فاصاب منها.
فلما راته قد شبع واصاب منها وهدأت على ولده حمدت الله انها لم تفجعه
وتركته يغط في نوم عميق.
فلما كان من اخر الليل قالت:
يا ابا طلحة ارايت لو ان قوما اعاروا عاريتهم اهل بيت فطلبوا عاريتهم فهل
لهم ان يمنعوها عنهم؟
قال : لا.
قالت: فما تقول اذا شق عليهم ان تطلب هذه العاريه منهم بعد ان انتفعوا بها.
قال: ما انصفوا.
قالت: فان ابنك كان عاريه من الله فقبضه فاحتسب ابنك ولم يتمالك ابو طلحه
اعصابه فقال غاضبا:
تركتيني حتي تلطخت اخبرتني بابني؟!!
فما زالت تذكره حتي استرجع وحمد لله وهدأت نفسه.
فلما اصبح غدا الى رسول الله صلي الله عليه وسلم واخبره بما كان فقال
رسول الله صلي الله عليه وسلم( بارك الله لكما في ليلتكما).
فكان ذلك حملها بعبد الله بن اب طلحة فلما ولدت ليلا ارسلت بالمولود
مع انس الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يارسول اله ولدت ام سليم
الليلة. فمضغ رسول الله تمرات ثم حنكه فقال انس: سمه يارسول الله فقال:
( هو عبد الله).
يقول عباية احد رجال السند فقد رايت لذلك الغلام سبع بنين كلهم قد ختك القران.
ومن ماثر هذه المراه الفاضله وزوجها المؤمن ان الله انزل فيهم قرانا يتعبد
به الناس .
يقول ابو هريره رضي الله عنه:
جاء رجل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اني مجهود , فارسل الى
بعض نسائه فقالت : والذي بعثك بالحق ماعندي ماء, ثم ارسل الى اخري فقالت
له مثل ذلك وقلن كلهن مثل ذلك . فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم
( من يضيفه يرحمه الله) فقام رجل من الانصار يقال له : ابو طلحه فقال:
انا يارسول الله , فانطلق به الى رحله فقال لامراته (ام سليم) هل عندك شيء؟
قالت : لا الا قوت صبياني قال : فعلليهم بشيء ونوميهم فاذا دخل ضيفنا فاريه
انا نأكل فاذا هوي بيده ليأكل فقومي الى السرج كي تصلحيه فاطفئيه ففعلت
فقعدوا فاكل الضيف وباتا طويين فلما اصبح غدا الى رسول الله صلي الله عليه
وسلم فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم ( لقد عجب الله او ضحك الله من
فلان وفلانة).
وفي راويه اخرى
قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة وفي اخر الحديث
فانزل الله عزوجل ( ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصه) ايه 9 من سوره
الحشر.
ولم يتمالك ابو طلحة نفسه من الفرح واسرع ليثلج صدر زوجته ويقر عينها بانه
قد انزل الله بهم قران يتلي.
ولم يكف ام سليم ان تؤدي دورها في نشر دعوه الاسلام بالبيان بل حرصت
على ان تشارك ابطال الاسلام في جهادهم فقد كان لها يوم حنين موقف بطولي
في تذكيه نار الحماسه في صدور المجاهدين ومداواه الجرحي بل كانت مستعده
للدفاع مواجهه من يتعرض لها . فقد خرج مسلم في صحيحه وابن سعد في الطبقات
بسند صحيح ان ام سليم اتخذت خنجرا يوم حنين فقال ابو طلحه : يارسول الله
هذه ام سليم معها خنجر.
فقالت يارسول الله ان دنا مني مشرك بقرت به بطنه.
ويقول انس رضي الله عنه:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بام سليم ونسوة من الانصار معه
اذا غزا فيسقين الماء ويداوين الجرحي.
وهكذا كان لام سليم منزلة عالية عند رسول الله صلي الله عليه وسلم فلم يكن
يدخل بيتا غير بيت ام سليم وقد بشرها عليه الصلاه والسلام بالجنه حين قال:
( دخلت الجنة فسمعت خشفة فقلت من هذا؟ قالوا هذه الرميصاء بنت ملحان ام انس
بن مالك).
فهنيئا لك يام سليم فانت تستحقين كل ذلك فانت زوجه صالحه ناصحه وداعيه
حكيمه وام مربيه واعيه حيث ادخلت ابنك في اعظم مدرسه عرفتها الدنيا
هي مدرسه النبوة ولما يبلغ العشر من العمر وبذلك غدا علما من اعلام
الاسلام فهنيئا لك..