السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فإن لي صديقة تعرفت عليها منذ سنة تزوجت من شاب أحبته طويلاً حتى تزوجا وأنجبت منه طفلة، ولكن الصدمة الكبرى التي عرفتها منذ يومين أن زوجها نصراني مسيحي وهي مسلمة، فلم أصدق وحزنت على حالها كثيراً.
وسؤالي هو: ما هو حكم هذا الزواج؟
مع العلم أنه تزوجها عند المأذون، ولكنني علمت أنه لا زال على دينه، فهل يرضى الله سبحانه وتعالى بهذا الزواج؟ وكيف يمكنني أن أنصحها؟ أو على الأقل أجعلها تصبح متدنية تخاف الله لكي يسلم زوجها وتصحح هذا الوضع الخاطئ، لأنني أريد أن أساعدها ولكن لا أدري كيف أتمكن من ذلك.
أفيدوني أفادكم الله.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ وفاء حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فقد قال الله تعالى:{وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}، وقال تعالى:{والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم}.
فهذا السعي الكريم في نصح هذه المرأة المسلمة هو سعي داخل في التعاون على البر والتقوى وفي الموالاة الإيمانية التي أمر الله تعالى بها، بل أخرج مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
الدين النصيحة)، فثبت بذلك أن نصيحتك هذه المرأة وسعيك في إرشادها هو من أعظم واجبات الدين التي نسأل الله يثيبك عليها أعظم الثواب.
وأما حكم هذا الزواج الذي قد علمت أن صديقتك المسلمة قد تزوجت من رجل نصراني، فهذا الزواج باطل بنص القرآن العظيم وبإجماع أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فقد قال الله تعالى: {ولا تُنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشركٍ ولو أعجبكم}، فحرم الله جل وعلا زواج المسلمة من المشرك أيـًّا كان دينه، سواء كان مشركاً كتابيًّا كاليهود والنصارى أو كان مشركاً من عامة المشركين الذين لا كتاب لهم كالمجوس والبوذيين والهندوس وغيرهم من ملل الشرك والكفر، وأجمع الفقهاء بلا خلاف بينهم أنه يحرم على المؤمنة التي تؤمن بالله واليوم الآخر أن تتزوج بغير المسلم أيـًّا كان دين هذا الرجل الذي تريد الزواج به كما بيَّنَّا، وقال تعالى في موضع آخر:{لا هنَّ حِلٌّ لهم ولا هم يحلون لهنَّ} أي: لا المؤمنات يحللن للمشركين ولا المشركين يحلون للمؤمنات.
إذا عُلِمَ هذا فإن الزواج من المشرك سواء كان نصرانيًّا أو غير نصراني مع كونه حراماً فهو أيضاً باطل، بل إن المرأة المسلمة إذا عقد عليها النصراني ونحوه من المشركين فهذا العقد باطل وليس بعقد زواج، فتعتبر المرأة في هذه الحالة زانية وليست بمتزوجة، وكل ما ولد لها من الذرية فهم أولاد زنى وليسوا من أولاد عقد الزواج الشرعي، فإن النكاح لا ينعقد أصلاً بين المسلمة والمشرك، وهذا إجماع من أهل العلم وأئمة الدين أيضاً.
وأما زواج المسلم بالكتابية كالنصرانية مثلاً فهذا حكمه يختلف؛ كما قال الله تعالى:{اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حلٌ لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهنَّ أجورهنَّ محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان}، فهذه شروط نص الله جل وعلا على وجوبها في هذه الحالة، مضافاً إلى شروط أخرى ليس هذا مجال بسطها في هذا الموضع.
وأيضاً فلا ينفع هذه المرأة أنها عقدت العقد بالزواج عند المأذون، بل كل هذا من الحرام الغليظ؛ فإن العقد باطل من جميع الوجوه ولا يمكن أن يلحقه تصحيح أو إجازة، فهذا عقد باطل ولو كان برضا أوليائها ولو وثِّق عند المأذون، فإن الشرع هو ما شرعه الله وليس ما شرعه غيره ممن يفترون على الله الكذب؛ كما قال تعالى:{أم لهم شركاءُ شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله}، وقال تعالى: {ولا يشرك في حكمه أحداً}.
فالواجب نصح هذه المرأة المسلمة وتذكيرها بالله تعالى وبيان الحكم الشرعي الذي يترتب على هذا الفعل ولا نقول الزواج لأنه ليس بزواج أصلاً، بل هو من جملة أمور الزنا التي لا تباح بحال من الأحوال، فعليك بنصحها وبيان الحكم الشرعي في فعلتها، فإن كانت جاهلة فعرِّفيها، وإن كانت عالمة بهذا الحكم فذكريها بالله وخوِّفيها الوقوف أمام الله تعالى وبيِّني لها أن الله يقبل التوبة عن عباده ولو فعلوا الفواحش العظام، بل قال صلى الله عليه وسلم: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) رواه الطبراني، وقال صلى الله عليه وسلم: (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) رواه الترمذي.
وهذا ونلفت نظرك الكريم إلى أن حرصك على نصح هذه المرأة لا بد أن يكون مقروناً بالحذر والاحتياط خوفاً على سمعتك ودينك، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل) رواه أبو داود، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي) رواه الترمذي.
ونود أن تعيدي الكتابة إلى الشبكة الإسلامية لمتابعة هذه الحالة وإبداء النصح والمشورة، ولو تكرمت بالإشارة إلى رقم هذه الاستشارة في رسائلك القادمة.
نسأل الله عز وجل لك التوفيق والسداد، وأن يرد هذه المرأة إلى الحق ردًّا جميلاً.
وبالله التوفيق.