ماذا تعرف عن العلمانية؟
نبذة :
العلمانية: تأتي لمعان منها: العالمية، وانها اللادينية، ومنها فصل الدين عن الدولة وعن السياسة أو عن الحياة، وكلمة (العلمانية) اصطلاح جاهلي غربي يشير إلى انتصار (العلم) على الكنيسة النصرانية التي حاربت التطور باسم الدين
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وسلم:
- تعريف العلمانية:
العلمانية: تأتي لمعان منها: العالمية، وانها اللادينية، ومنها فصل الدين عن الدولة وعن السياسة أو عن الحياة، وكلمة (العلمانية) اصطلاح جاهلي غربي يشير إلى انتصار (العلم) على الكنيسة النصرانية التي حاربت التطور باسم الدين.
إذن فالعلمانية في اصطلاح الغربيين تعني: فصل الدين عن شئون الحياة، وعزله في الضمير وفي الكنيسة.
- العلمانية مفهوم خاطئ:
والعلمانية بمفهومها هذا، تعتبر في ميزان الإسلام مفهوماً جاهلياً إذ تعني (عزل الدين عن شئون الحياة) وذلك أن الإسلام دين متكامل جاء لينظم الحياة بجميع نشاطاتها ويوجه الناس إلى ما فيه سعادتهم في الدنيا والآخرة، وإبعاد الدين عن الحياة وعن شئوون الدنيا، وعزله عن السياسة والاقتصاد والأسرة والمجتمع والتعليم وغيرها - إنما يعني في الإسلام الكفر وحكم الجاهلية والصد عن سبيل الله، وتعطيل حدوده، لذلك ينبغي أن نطلق على العلمانية (الجاهلية الحديثة).
كما أن اسم (العلمانية) يوحي بأن العلم والدين ضدان وأن الصراع قائم بينهما، كما يوحي بأن الدين لا علاقة له بالدنيا، وأن التمسك به يعني التأخر والجهل، وهذا خطأ فاحش، لأن الدين - الذي هو الإسلام - هو دين العلم والسعادة والتقدم، ولا يخفى على الغربيين أنفسهم - فضلاً عن المسلم - أن الإسلام هو الذي فتح لهم آفاق العلم والاختراع والتقدم والحضارة.
والسبب الأول في تسمية (الجاهلية) علمانية، هو ما فعله رجال الكنيسة النصرانية الذين وقفوا ضد التحضر و التقدم في الغرب زاعمين أن الدين - دينهم المحرف - يحرم - العلم التجريبي والإختراعات والاكتشافات الناتجة عنه.
- تاريخ العلمانية وأصولها:
العلمانية كما ذكرنا فكرة غريبة خالصة وتاريخها جزء من التاريخ الغربي ويتلخص فيما يلي:
مع نهاية القرن العاشر الميلادي وصل الانحراف والفساد الديني والاجتماعي على يد الكنيسة النصرانية ورجالها وتعاليمها المزيفة إلى حد لم يعد يحتمله الناس ولا تطيقه فطرة البشر، وقد شقيت أوروبا برجال الدين الدجالين، وبتسلطهم ونفوذهم باسم الدين وباسم الرب.
وكانت الحضارة الإسلامية في هذه الفترة وما بعدها مزدهرة في الأندلس والشرق وبلاد المغرب، وتغزو العالم بما تحمله من فكر نير، ودين قويم ونظام عادل، وقامت الدولة الإسلامية في أوروبا - دولة الأندلس - تحمل رايات العلم والفكر والحرية بمعناها الإسلامي الأصيل، وبدأ أبناء كبار رجالات الغرب والنابهون منهم يبتعثون لتلقي بعض العلوم في جامعات الأندلس الإسلامية، فتأثرت أفكارهم بالعقلية الإسلامية المستنيرة بنور الله وعادوا إلى قومهم فعرفوا أن الكنيسة ورجالها عمله مزيفة، ووسيلة للدجل والتحكم الظالم في عباد الله.
وأخذ هؤلاء الذين تأثروا بالمسلمين يقاومون الكنيسة ودينها المزيف، وأعلنوا كشوفاتهم العلمية والجغرافية التي تحرمها الكنيسة، فقامت قيامة من يسمون لدى النصارى (برجال الدين) واحتدم الصراع ومكث قروناً بين رجال العلم ورجال الكنيسة، فأخذوا يكفرون ويقتلون ويحرقون ويشردون المكتشفين، أنشأت الكنيسة محاكم للتفتيش لملاحقة حملة الأفكار الإسلامية الجديدة في أوروبا، ومكث هذا الصراع عدة قرون وانتهى بإبعاد الكنيسة ورجالها عن التدخل في نظم الحياة وشؤون الدولة.
وهكذا انتهى الصراع الدامي الطويل بأول انتصار حاسم لأعداء الكنيسة أثناء الثورة الفرنسية.
ونتيجة لوضع الكنيسة ودينها المحرف الذي أشعلت باسمه الفتنة كان من الطبيعي أن تتبنى الثورة عزل الدين النصراني المحرف (الذي حارب العلم) عن الحياة وعن الدولة وحصره في الكنيسة وإبعاد رجالها عن التحكم الظالم، ثم سرت الثورة إلى كل الغرب لأنه لا يدين بالإسلام دين العلم والحق والعدل.
وهيمن هذا الاتجاه الجاهلي على أوروبا كلها، وأصبح يحمل شعارات الإلحاد والفوضى الأخلافية عناداً للكنيسة ورجالها.
وكانت هذه الفكرة الجاهلية (فكرة أن العلم لا صلة له بالدين وأن الدين يحارب العلم) هي الفكرة السائدة في الغرب طيلة القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين، ومع إطلالة القرن العشرين بدأت بوادر التفاهم والمصالحة بين رجال الكنيسة والإتجاه الجاهلي، وانتهت بتنازلات كبيرة من الطرفين إلى أن دخلت الأحزاب الدينية النصرانية مجالات السياسة في بعض الدول الغربية.
هذا وقد أثبت الدين الصحيح (الإسلام) أنه دين العلم للعالم كله كما أثبت العلم بكل فروعه أنه لا يعادي هذا الدين ولا ينافيه بل يسير في ركابه ويكشف جوهره الثمين للناس.
- تاريخ العلمانية في العالم الإسلامي:
بدأت فكرة العلمانية تغزو العالم الإسلامي منذ أكثر من قرن لكنها لم تتمكن إلا في بداية هذا القرن (العشرين الميلادي) حين طبقت على مستوى الدولة على أنقاض الخلافة العثمانية ثم سرت إلى بقية العالم الإسلامي وكانت هناك عدة عوامل رئيسية ساعدت على ظهور (الجاهلية الحديثة) بين المسلمين أهمها:
1- انحراف كثير من المسلمين عن العقيدة السليمة وكثرة البدع والأهواء وقلة الفقه في الدين بينهم.
2- الاحتلال الغربي للعالم الإسلامي، فقد حرص الغربيون على إبعاد الإسلام من واقع الحياة وسياسة الدولة، واستبدلوا به مناهج علمانية غربية (إلحادية).
3- الأقليات غير المسلمة كالنصارى واليهود والشيوعيين وأصحاب الاتجاهات المنحرفة من جمعيات وأحزاب ونحوهم، وكل هؤلاء لا ينعمون بضلالهم وانحرافهم وفسادهم إلا تحت شعار كشعار ما يسمى بالعلمانية، لذلك تضافرت جهودهم على نشرها وبثها والدعاية لها حتى انخدع بذلك كثيرون من السذج وأنصاف المتعلمين من أبناء المسلمين.
4- تقدم الغرب الهائل في مضمار العلم المادي والقوة العسكرية جعل كثيرين من المسلمين ينبهرون بذلك التقدم ويعزونه إلى الاتجاه الجاهلي الحديث (العلماني)، وصدقوا دون تفكير مزاعم الكفار بأن الدين معوق للعلم، وظنوا أن بلادهم لا تتقدم حتى تفصل الدين - عن الدولة والحياة - وهذا لا شك جهل بالإسلام جنى ثماره النكدة جميع المسلمين.
5- تمكن عملاء الغرب والمخدوعين به وأصحاب الاتجاهات والمذاهب المنحرفة من الحكم والسلطة في أكثر بلاد المسلمين بدعم من أسيادهم.
- أبرز الاتجاهات الجاهلية (العلمانية) في الإسلام:
1- العلمانية في تركيا:
قامت العلمانية أولاً في تركيا على أنقاض الخلافة العثمانية على يد مصطفى كمال أتاتورك، وحاربت الإسلام حرباً عنيفة ومنظمة على النحو التالي:
أ) إلغاء الخلافة الإسلامية، لأنها وسيلة لجمع المسلمين كلهم وهذا أمر يشكل خطراً على الغرب، وتحاربه الجاهلية الحديثة (العلمانية).
ب) محاربة الإسلام والمظاهر الإسلامية في تركيا وسائر بلاد المسلمين وتربية جيل جاهلي يتنكر للدين والفضيلة.
ج) محاربة اللغة العربية - لغة الإسلام - وتحريم التكلم بها والكتابة بحروفها واستبدال اللغة التركية والحروف اللاتينية بها.
ء) إلغاء الشعائر الإسلامية التي ترمز إلى إسلام الشعب التركي مثل الآذان والصلاة جماعة وقراءة القرآن ولبس العمامة ونحو ذلك.
وهكذا سارت تركيا بهذا الاتجاه تريد العزة والرفعة والمجد، فأصابها الله بالذلة والهوان والضعف، وتلك سنة الله في المسلمين، فإنهم ما طلبوا العزة بغير الإسلام إلا نكبوا وذلوا، أما الكفار فقد قال الله تعالى فيهم: { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ اِلَيْهِمْ اَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * اُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْاخِرَةِ اِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [هود:16].
2- العلمانية في مصر وبعض البلاد العربية:
بدأت العلمانية في مصر اتجاهاً فكرياً في الثلاثينات من هذا القرن العشرين الميلادي، خاصة أيام الاحتلال البريطاني، وقد خطت مصر خطوات نحوها آنذاك وبرزدعاة إليها في كثير من جوانب الحياة أمثال:
أ) قاسم أمين في الجانب الأخلاقي والأسري.
ب) الدكتور طه حسين في جانب الثقافة والأدب والفكر.
ج) الشيخ علي عبدالرزاق في الجانب السياسي والتشريعي.
وغيرهم كثيرون كسلامة موسى، وسعد زغلول، ولطفي السيد، وبالرغم من هذه الاتجاهات القوية نحو الجاهلية الحديثة إلا أنها لم تكن ذات أثر في واقع الشعب المصري والدولة المصرية إلا بعد الثورة التي قادها عبدالناصر عام 1952 م والتي تبنت في واقع الشعب ما يسمى بالعلمانية وأقامت عليها الدولة، ومن أهم الخطوات التي حققتها هذه الثورة في سبيلها ما يلي:
أ) الإشادة بالقومية العربية بإعتبارها بديلة عم الإسلام في جمع كلمة العرب.
ب) تبني الاشتراكية باعتبارها نظاماً اقتصادياً بديلاً عن أحكام الإسلام وتشريعاته، وإبرازها بأنها هدف سام من أهداف الدولة والشعب.
ج) البحث عن بدائل ثقافية وفكرية، وعقائد للشعب المصري، كالفرعونية بدلاً من الإسلام، والبحث عن بذور الجاهليات الأولى لتكون مرتكزات جديدة للمصريين.
ء) تحويل حماس الشعب والأمة عن الجهاد في سبيل الله إلى نضال في سبيل القومية والاشتراكية والحرية والعروبة.
هـ) استبعاد التشريع الإسلامي من الحياة ووضع (الميثاق) كبديل عنه ليكون الميثاق المصدر الأساسي للتشريع والتوجيه في الدولة، ثم تلته قوانين وضعية لا تزال هي السائدة حتى الآن.
و) تصدير الثورة بما تحمله من علمانية واشتراكية وشعارات غير إسلامية إلى الدولة العربية والعالم الثالث وهذا ما حصل فعلاً، كما مهدت لقيام شعارات جاهلية أخرى.
وبهذا ترسخت العلمانية في مصر وبعض الدول العربية التي سارت في التيار الجاهلي (العلماني) الوافد.
وكذلك بقية العالم الإسلامي في آسيا وأفريقيا، رسخ المحتلون فيه هذا الاتجاه حتى صار هو صبغة الشعوب الإسلامية الآن.
- حكم الإسلام فيما يسمى بالعلمانية:
- العلمانية في الجانب التشريعي تعني فصل الدين عن الدولة أو عن الحياة كلها، وهذا يعني الحكم بغير ما أنزل الله، وقد فصل علماء العقيدة الحكم بهذا على النحو التالي:
1- إذا وقع الحكم بغير ما أنزل الله تعالى والحاكم (سواء كان فرداً أو مجموعة) يرى أن حكم الله غير صالح أو غير جدير أو أن الحكم البشري أصلح وأكمل من حكم الله فهذا كفر.
2- وإذا وقع ذلك عن جهل أو ضعيف مع اعتقاد أن حكم الله أصلح وأحق وأجدر فهذا فسق وظلم ويجب على المسلم أن يتوب منه وأن يرجع إلى الله.
- والعلمانية من الجانب العقدي تعني الإلحاد أو التنكر للدين وعدم الإيمان به، وترك العمل بأحكامه وحدوده وهذا هو الكفر الصريح.
- ومن الجانب الأخلاقي تعني: الانفلات والفوضى في إشاعة الفاحشة والرزيلة والشذوذ، والاستهانة بالدين والفضيلة وسنن الهدى وهذا ضلال مبين وفساد في الأرض.
والعلمانيون في العالم الإسلامي يعرفون بالاستهانة بالدين والتهكم والاستهزاء بالمتمسكين به، كما يعرفون بظهور المعاصي على سلوكهم ومظاهرهم وألسنتهم.
كما يعرفون بإثارة الشبهات، وإشاعة الفواحش (كالسكر والتبرج والاختلاط المحرم) ونشر الرذائل ومحاربة الحشمة والفضيلة والحدود الشرعية والاستهانة بالسنن.
كما يعرفون أيضاً بحب الفساق و (الكفار) والإعجاب بمظاهر الحياة الغربية وتقليدها.
- علاقة المسلمين بالكفار كما رسمها القرآن الكريم:
لقد بين الله تعالى في كتابه العزيز ما يجب أن تكون عليه علاقة المسلمين بالكفار بياناً واضحاً، فقد نهى المسلمين أن يثقوا بالكفار، أو يؤاخوهم، أو يوالوهم، أو يتخذوا منهم أعواناً.
قال تعالى: { يَا اَيُّهَا الَّذِينَ امَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ }، ثم علل ذلك بقوله:
1- { لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ }.
2- { قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ اَفْوَاهِهِمْ }.
3- { وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ اَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْايَاتِ اِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ }.
4- { هَا اَنْتُمْ اُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ }.
5- { وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ }.
أي: تؤمنون بجميع كتب الله المنزلة، لكن الكفار لا يؤمنون بالقرآن.
6- { وَاِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا امَنَّا }.
7- { وَاِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْاَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ اِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ *}.
8- { اِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ }.
9- { وَاِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا }.
10- { وَاِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شيئًا اِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ }.
الآيات [آل عمران: 120-118].
وهذه الأحكام تشمل كل الكافرين سواء كانوا من أهل الكتاب (اليهور والنصارى) أو المشركين و الوثنيين، أو الشيوعيين، أو المرتدين عن الإسلام الذين يريدون الحكم بغير ما أنزل الله أو يدعون إلى دعاوي الجاهلية من القوميين والبعثيين ونحوهم.