شرح الحديث الشريف - الشرح المختصر - الدرس ( 018 - 207 ) : إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن.....
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2001-02-19
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم
أيها الأخوة الكرام: لا زلنا في أبحاث المسلم بما في الترغيب والترهيب من كتاب صحيح البخاري ومسلم والحديث اليوم:
(( عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا سَمِعْتُمُ النِّدَاءَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ ))
(صحيح البخاري)
إذا قال المؤذن: أشهد أن لا إله إلا الله ينبغي أن يقول السامع: أشهد أن لا إله إلا الله، إذا قال المؤذن: أشهد أن محمداً رسول الله ينبغي أن يقول السامع: أشهد أن محمداً رسول الله فإذا قال: حي على الفلاح ماذا نقول ؟ لا حول ولا قوة إلا بالله، وقد قال عليه الصلاة والسلام في بعض ما يروى عنه: ألا أنبئكم بمعنى لا حول ولا قوة إلا بالله ؟ لا حول عن معصيته إلا به، ولا قوة على طاعته إلى به، وهذا معنى قوله تعالى:
﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)﴾
(سورة الفاتحة)
ومعنى الركوع الخضوع ومعنى السجود طلب العون من الله، أنت حينما تقرأ الفاتحة تقول إياك نعبد وإياك نستعين، اهدنا الصراط المستقيم، إنك تسأل الله أن يهديك الصراط المستقيم فتأتي الآيات بعد الفاتحة:
﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ﴾
(سورة الزمر)
هذا الصراط المستقيم.
﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾
(سورة النور)
﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾
(سورة الإسراء)
هذا هو الصراط المستقيم. فأنت سألت الله أن يهديك الصراط المستقيم فجاءت الآيات تبين لك الصراط المستقيم، أنت ما موقفك ؟ تركع خضوعاً لله، يا ربي سمعاً وطاعة، أنا خاضع لهذا الأمر، لكنني ضعيف فتسجد لتطلب العون من الله، هذه بعض الخواطر الإيمانية حول الفاتحة والقراءة والسجود، فينبغي أن يكون ركوع الآية التي قرأتها بعد الفاتحة شعوراً بالطاعة لله وخضوعاً له. إِذَا سَمِعْتُمُ النِّدَاءَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ
((عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ ))
(صحيح مسلم)
نقول نحن قبل أن نصلي: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة آتي سيدنا محمداً الوسيلة والفضيلة و ابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته وارزقنا زيارته وشفاعته يا أرحم الراحمين، فهذا الدعاء ورد في هذا الحديث، سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هو سيد الخلق، ألا يكفي أن الله أقسم بحياته ؟ قال:
﴿ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72)﴾
(سورة الحجر)
ألا يكفي أن الله لم يخاطبه باسمه أبداً ؟ يا أيها النبي، يا أيها الرسول، هناك أدلة كثيرة على أن النبي سيد الأنبياء والمرسلين، فهذا توجيه النبي: أن تقول مثلما قول المؤذن ثم تصلي على النبي، وفحوى صلاة النبي، إنك إن اتصلت به أو صليت عليه رحمك الله عز وجل، كما قال:
﴿ وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ﴾
(سورة التوبة)
راحة لهم، لأن النبي الكريم المثل الأعلى في البشرية، فأنت إذا دققت قي رحمته في عفوه في حلمه وأناته وصبره وسخائه وكرمه وإنصافه وتواضعه رأيت شيئاً عجيباً، ينبغي أن تستوعب شمائله وأن تقتضي بها، والدليل:
﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (21)﴾
(سورة الأحزاب)
وفي رواية أخرى:
((عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ ))
(صحيح البخاري)
(( عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ.... ))
(صحيح مسلم)
فالأذان عبادة، وسماع الأذان عبادة، ماذا ينبغي أن نفعل إذا سمعنا الأذان؟ أنا والله أعرف أناس كثيرين ورعين جداً إذا أذن المؤذن يصمتون حتى ينتهي، بجلسة بلقاء بسهرة باجتماع، إذا سمعنا النداء ينبغي أن نقول مثلما يقول، ثم نقول: لا حول ولا قوة إلا بالله أن تصغي إليه وكأنه شيء ينبغي أن يتفرغ له، هذا أدب سماع الأذان.
(( عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ فَقَالَ أَحَدُكُمُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ قَالَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ قَالَ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ قَالَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مِنْ قَلْبِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ ))
(صحيح مسلم)
المفتاح من قلبه، إذا كنت تكبر الله حقيقة وتوحده وتشهد برسالة النبي وترى أن منهج النبي هو الأمثل والأفضل ولا ينبغي أن نقدم بين يدي الله ورسوله لا اقتراحاً ولا تطويراً ولا فهماً ولا تعديلاً آخر معاصراً، وحينما نرى أن القرون الثلاثة الأولى شهد النبي لها بالخيرية، وأن فهم أصحاب رسول الله لأحاديثه هي الفهم الأمثل، حينما تشهد أنه لا إله إلا الله وتوحد وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، حينما تصل إلى نهاية العلم وهو التوحيد أشهد أن لا إله إلا الله، وحينما تصل إلى نهاية السلوك الحسن ان تقتدي برسول الله وأشهد أن محمداً رسول الله، وحينما تطلب العون من الله كي تعمل العمل الصالح لا حول ولا قوة إلا بالله، وحينما تكبر الله وتراه أكبر من كل شيء، وأكبر مما عرفته، مما عرفت عن كماله فهو أكبر، وهذا من قلبك مخلصاً متشبعاً ممتلئاً طبعاً دخل الجنة.
أيها الأخوة: أرجو الله أن تترجم هذه الأحاديث إلى وقائع وإلى حياة روحية نعيشها، والله مرة سمعت عن رجل كنت بأمريكا بواشنطن قلبه تصحر، مرة مرّ أمام المركز الإسلامي فسمع أذاناً عذباً من فم شجي أقسم بالله أن هذا الأذان حمله على اتخاذ قرار بالعودة إلى بلده ! وهو الآن في دمشق ! شيء لا يصدق، سبب عودته لبلده هو هذا الأذان، لذلك المؤمن أشد طرباً بتلاوة كتاب الله وسماع الأذان من أشد الناس تعلقاً بأغنيات يحبونها، ويتغنى بالقرآن والأذان، هذا ينتج عنه إذا أحد صوته غير شجي صوته منفر مزعج لا يؤذن، يكون قد أساء إساءة كبيرة، قد يكون قلامة ظفره أحسن من ألف مؤذن، لكن غير مؤذن.
لاحظ بالأرياف شيء ظاهرة طيبة، يضعوا قرآن قبل الأذان لقراء كبار، وفي الأرياف أذان يقشعر له البدن ! أيام بدمشق مع الأسف لا يهم من مسك المكبر يؤذن، والله البارحة سمعت أذان والله كدت أخرج من جلدي غير معقول !
فهذه نصيحة لا تعتبر أن الأذان تجربة، إن لم تكن مؤذناً إن لم يكن صوتك شجي قال:
((ألقه على بلال فإنه أندى منك صوتا))
(الجامع لأحكام القرآن للإمام القرطبي)
أحياناً آذان يحرك المشاعر ويلفت إلى الله عز وجل ويدعوك إلى طاعة أو إلى توبة، فالأذان له دور خطير، وأنا متألم جداً من مساجد دمشق أي إنسان يؤذن فيها ! صوته مقبول غير مقبول ينفر، أحياناً تسمع أذان من بعض البلاد أنا أشبهه بالصخور تتدحرج بالجبل ! لا يزيد عن ذلك، أهذه السنة ؟ أن تؤذن أذان تخرج من جلدك منه ؟
فأيها الأخوة: لا أريد أحد قد يكون إيمانه كبير لكنه غير مؤذن، لا صوت عنده، فالأذان لمن له صوت ندي.
والحمد لله رب العالمين