شرح الحديث الشريف - الشرح المختصر - الدرس ( 017 - 207 ) : لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول …..
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2001-02-18
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الأخوة الكرام: لازلنا في أبحاث المسلم بما في الترغيب والترهب من صحيح البخاري ومسلم، واليوم ننتقل إلى موضوع الصلاة:
((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا ))
(صحيح البخاري)
هذا الذي يدعو الناس إلى الصلاة وإلى ذكر الله وطاعته وللاتصال به، وهناك من يدعوه إلى معصية وإلى إباحية وزنى وكسب مال حرام وإلى إتباع للشهوات، فشتان بين المؤذن وبين الذي يدعو الناس إلى المعصية، إن أردت أن تعرف مقامك فانظر فيما استعملك، شتان بين قارئ القرآن والمغني، شتان بين من يبني مسجداً وبين من يبني ملهى.
((لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا))
لكان بالقرعة، وسمعت أن في بعض البلاد الإسلامية الأذان شرف كبير، يتنافس الناس عليه يتدافعون، والذي يؤذن يكتسب شرفاً عظيماً، وقد تجد مؤذن في بلد إسلامي ليس له هذه المكانة من ضعف إيمان الناس.
حدثني أخ كان في بلد إسلامي رأى ضرير فأشفق عليه وأعطاه مبلغ من المال، قال: لا يا بني أنا مؤذن ولي دخل كبير، يعطونه دخلاً يليق بمؤذن ويتناسب مع حاجته ومع كرامته الإنسانية، قال: إنني أتقاضى مبلغاً جيداً لأنني مؤذن.
(( لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِير))
ِ التبكير إلى المسجد، النبي عليه الصلاة والسلام بأسلوب رائع قال:
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتِ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ))
(موطأ مالك)
فالذي يأتي في الركعة الثانية الله عز وجل حينما قال:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾
(سورة الجمعة)
اقرءوا كل التفاسير ما معنى فاسعوا إلى ذكر الله ؟ إلى الخطبة، وكنت أقول فيما مضى أن إنسان أعرفه ينتقل من طرف المدينة الشمالي إلى طرفها الجنوبي يخترق كل المدينة ليأكل فولاً من عند بائع يثق بصنعته في أطرف الجنوبي، أما إذا حضرته صلاة الجمعة يختار أقرب مسجد إلى بيته ولو لم يكن قانعاً لا بالخطيب ولا بالإمام، لا بد من أن تؤدى هاتين الركعتين لأن دينه عنده أرخص من كيلو فول، أما لو كان دينه غالياً لبحث في أطراف المدينة عن جامع ينتفع بخطبة خطيبه، ويثق بإخلاصه وعلمه ويقدم شيئاً ثميناً يكون زاده في هذا الأسبوع، لأن النبي قال:
((..... بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً....))
(صحيح البخاري)
فأنت إن لم تبلغ كيف تبلغ ؟ الحد الأدنى الأدنَى الأدنى ، الإنسان إذا كان مستلقٍ ونائم يحتاج إلى ثمانمائة حريرة كي ينبض القلب، وتتحرك الرئتان، الحد الأدنى من الطاقة لتحريك الأجهزة في الجسم ثمانمائة حريرة، الناس تأكل ثلاثة آلا أحياناً، لكن الحد الأدنَى الأدنى من تلقي العلم حضور خطبة الجمعة هذه عبادة تعليمية، والحد الأدنى الأدنَى من الدعوة إلى الله نقل ما تعلمته في هذه الخطبة لمن حولك لأهلك أولادك زملائك جيرانك لمن تعرف فقط، فأنت في حدود ما تعلم وفي حدود من تعرف الدعوة إلى الله فرض عين عليك، هذا يحتاج إلى تهجير أي تبكير لسماع الخطبة، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
(( لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا))
.من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي، ومن صلى الله في جماعة فهو في ذمة الله حتى يصبح، ومن صلى الفجر في جماعة والعشاء في جماعة فكأنما قام الليل.
مثل طريف للعمل الجماعي: مرة دعانا أخ لأن نجري رياضة كل يوم باكراً، ولبيت دعوته وارتحت كثيراً، أمضيت ستة اشهر نشأ ظرف طارئ منعني من متابعة الجري، قلت: أنا أجري وحدي لا مشكلة، لكن لم أجري إلا مرة واحدة، الإنسان وحده يتكاسل، لكن يد الله مع الجماعة هذا بالرياضة فقط، أن تلتزم بجامع الفجر تجد نفسك مضطراً أن تستيقظ مهما كان النوم متأخر.
لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا قال تعالى:
﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً (6)﴾
(سورة المزمل)
حدثني أخ موظف في مكان حساس قال أنا ألزمت نفسي بالصلاة في جامع معين، قال: حينما لا أستيقظ وتفوتني الصلاة أخاف أن أغادر بيتي لأنه لابد من مشكلة، خرج من ذمة الله ومن رعايته، قال: عندئذ آخذ إجازة لئلا أقع في مشكلة انتهى أنا لا أقره على عمله، لكن أبين لكم كيف أنه تعود من الله أنه إذا صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله.
وسـر نحونا في الليل لا تخشى وحشته فالأنس في طيب ذكرنا
وسـلم إلينا الأمر في كل ما يكن فمـا لقرب والإبعاد إلا بأمرنا
فيـا خجلي منه إذا هو قـال لي أيـــا عبدنا ما قرأت كتابنا
أما تستحي منا ويكفيك ما جرى أما تختشي من عتبنا يوم جمعنا
أما آن أن تقنع عن الذنب راجعاً وتنظر مـا بـه جـاء وعدنـا
فأحبابنا اختاروا المحبة مذهباً وما خالفوا في مذهب الحب شرعنا
فـلو شاهدت عيناك من حسـننا الذي رأوه لما وليت عنا لغيرنا
ولا سمعت أذنـاك حسن خطابنا خلعت عنك ثياب العجب وجئتنا
ولا ذقت من طـعم المحبة ذرة عذرت الذي اضحى قتيلاً بحبنا
ولو نسـمت من قربنا لك نسمة لــمت غريباً واشتـياقاً لقربنا
نحن جميعاً تذوقنا الطعام، هل في الطعام مفاجئات ؟ ماذا نأكل صباحاً ؟
قطعة جبن وكأس شاي يوم حمص ويوم فول هل يوجد مفاجآت ؟ ماذا نأكل في الظهيرة ؟ طعام مألوف، النوم ألفناه والزواج ألفناه والطعام ألفناه والأولاد ألفناهم فهل فكر أحدنا أن يذوق طعم القرب ؟ في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الله !
أحد العلماء يقول: ماذا يفع أعدائي بي ؟ إن أبعدوني فإبعادي سياحة وإن حبسوني فحبسي خلوة وإن قتلوني فقتلي شهادة فماذا يفعل أعدائي بي ؟
يقول الله عز وجل:
﴿ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6)﴾
(سورة محمد)
أذاقهم نموذج منها
﴿ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6)﴾
فمن لم يذق في الدنيا جنة القرب لايدخل في الآخرة جنة الله، في الدنيا جنة وفي الآخرة جنة، في الدنيا جنة القرب وقد يكون الإنسان في بطن الحوت سيدنا يونس.
﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)﴾
(سورة الأنبياء)
وقد يكون في الكهف.
﴿ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً (16)﴾
(سورة الكهف)
وقد يكون في النار سيدنا إبراهيم وجاءته رحمة الله، وقد يكون في الغار كالنبي الكريم وجاءته رحمة الله، إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان الله عليك فمن معك ؟
فيا أيها الأخوة الكرام هذا الحديث دقيق جداً أعيده على أسماعكم:
(( لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا ))
رواه البخاري ومسلم، أصح أحاديث على الإطلاق ما اتفق عليه الشيخان ثم ما انفرد به البخاري، ثم ما انفرد به مسلم، هذه قمة الأحاديث الصحيحة
وفي حديث آخر:
(( عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الْأَنْصَارِيِّ ثُمَّ الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ لَهُ إِنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ أَوْ بَادِيَتِكَ فَأَذَّنْتَ بِالصَّلَاةِ فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ إِلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ))
(صحيح البخاري)
الأولى أنك إذا كنت في صلاة لا مسجد فيها أن تؤذن لك صلاة والحمد لله رب العالمين.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم
والحمد لله رب العالمين