ي أخاف الله
نبذة :
من خاف الله بصدق وجد حلاوة الإيمان في قلبه ، فعاش مع الناس جسماً ومع الرحمن قلباً وأنساً، وكثير من الناس قد حرم هذا بسبب ذنوبهم ، والله المستعان.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على الرسول المصطفى وبعد:
أحبتي: إن الخوف من الله تاج للقلوب، وزكاة للنفوس، وحياة للأرواح، فهو دليل الإيمان، وعنوان السعادة، وهو سر الحياة؟! ومن العجائب أحبتي أن هناك عدوًّا لنا يقال له شيطان عرف مصيره أين سيكون فمأواه الأخير نار تلظى، ومع ذلك كله فهو يدعو إلى منهج منحرف، ويعمل لإضلال الخلق عن الحق في كل لحظة ولا ييأس ولا يمل من رفض الناس لدعوته، أهلكنا بالذنوب، فأهلكناه بالاستغفار، فهو ينظر إلى غفلتنا فيرمينا بسهام قوسه المسموم، فمنا الرَّاد لقوسه بسلاح الإيمان، ومنا السَّاقط في جحيم قوسه متلطخًا بدماء الشهوات، فلا يفيق من غفلته إلا في عسكر الأموات، لمثل هذا الساقط نقول: "أحسن الله العزاء وجبر المصيبة".
أحبتي: إن هذا العدو يخاف الله رب العالمين، قال الله -عز وجل-: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّـهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الحشر: 16]، سبحان الله يدعونا إلى الكفر ثم يتبرأ منا يوم القيامة ويقولها صريحة: {إِنِّي أَخَافُ اللَّـهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الحشر: 16].
يا شباب: عدونا يخاف الله فلماذا لا نخاف الله حقيقة في قلوبنا وجوارحنا؟!
أحبتي: فمن خاف الله خافه كل شيء وهابته النفوس البشرية وعلى قدر خوفكم من الله يهابكم الناس.
سائل يسأل ويقول: ما الدليل على أني أخاف الله؟
إن الدليل أحبتي هو لزوم الصدق، والإخلاص لله، وصفاء القلب من الأمراض والشهوات، وترك المعاصي، ومجالسة الصالحين، ومراقبة الله في الخلوة، فإن عين الله لا تنام، والبكاء من خشية الله، والإقبال على الطاعات، وغيرها كثير.
معاشر الأخوة: من خاف الله بصدق وجد حلاوة الإيمان في قلبه، فعاش مع الناس جسمًا ومع الرحمن قلبًا وأنسًا، وكثير من الناس قد حرم هذا بسبب ذنوبهم، والله المستعان.
يا شباب: وفي نهاية المطاف لا يسعني إلا أن أقدم لكم نماذج مضيئة من خوف السلف من الله تعالى، لعلها أن تكون مفتاحًا لقلوبكم، والله المستعان.
كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كثير البكاء من خشية الله تعالى فربما مر بالآية من ورده بالليل فتخنقه العبرة فيبكي حتى الصباح، ثم يبقى بالبيت أيامًا يعاد يحسبونه مريضًا.
وكان علي بن الفضيل -رحمه الله- لا يستطيع أن يقرأ سورة القارعة ولا تقرأ عليه، وإذا قُرِئَت عليه سقط مغشيًا عليه من البكاء!!
وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جعل يردد آية حتى الصباح وهو يبكي، وهي قوله سبحانه: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 118].
أما في زماننا هذا فإن جهال الأمة ينكرون على أئمة المساجد الذين يرددون الآيات الزاجزة المخيفة لبضع دقائق، ويقولون: شق علينا، ونقول لهم: لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة فهل تعي العقول ما أقول؟
وقال الأصمعي: "راود رجل امرأة عن نفسها (أي أراد الفاحشة بها) فقالت له: أما لك زاجر من عقل، إذا لم يكن لك ناه من دين، فقلت لها: ما يرانا إلا الكواكب، فقالت له: وأين مكوكبها؟".
نعم أحبتي إن مكوكب الكواكب هو رب العالمين، وإن الخوف من الله ينقذ الإنسان من مواطن الرذيلة، وكان بعض السلف إذا أصبح يقول لنفسه: "يا نفس اليوم يومك لا يوم لك غيره. فاجتهدي بالعمل"، ثم يبكي، وإذا أمسى قال: "الليلة ليلتك لا ليلة لك غيرها فاجتهدي بالقيام".
وعن مالك بن دينار قال: "قالت ابنة الربيع بن خثيم: يا أبتاه ما لي أرى الناس ينامون ولا تنام؟ قال: إن جهنم لا تدعني أنام".
وقال بعض السلف: "دخلنا على إبراهيم النخعي نعوده في مرضه، فوجدناه يبكي، فقلنا له: ما يبكيك؟ فقال انتظر ملك الموت لا أدري يبشرني بالجنة أم بالنار؟".
وقال رجل لأبي حنيفة: "اتق الله" فانتفض واصفر وتغيرت حاله خوفًا من الله، ثم قال أبو حنيفة للرجل: "جزاك الله خيرًا".
ما أحوج الناس في كل وقت إلى من يقول لهم هذا؟
ذكر الذهبي في السير عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "والله لوددت أني كنت نسيًا منسيًا".
وكان عبد الله بن شداد إذا دخل فراشه يتقلب على فراشه لا يأتيه النوم؛ فيقول: "اللهم إن النار أذهبت مني النوم" فيقوم فيصلي حتى يصبح.
وعن بكر بن عياش قال: "صليت خلف الفضيل بن عياض المغرب، وكان خلفه ابنه علي فقرأ الفضيل قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} حتى وصل: {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} فسقط علي مغشيًا عليه فما أفاق إلا في منتصف الليل".
وكان سفيان الثوري -رحمه الله- يقوم في آخر الليل، وينادي: "النار .. النار، شغلني ذكر النار عن النوم والشهوات".
وأصاب ابن سيرين -رحمه الله- دين في آخر حياته، فقال: "والله لأعرف كيف أصابني الدين، إني قلت لرجل منذ أربعين سنة: يا مفلس، فجعل يبكي ويقول: كثرت ذنوبي!!".
وسافر الخطيب البغدادي إلى مكة فطلب الناس منه أن يحدثهم في الصباح وكان معه مصحف، فقال: "أنظروني حتى أقرأ القرآن"، فابتدأ بالفاتحة حتى وصل إلى سورة الناس قبل المغرب وهو يقرأ ويبكي.
وخالد بن الوليد -رضي الله عنه- لما فتح الفتوحات وخاض مائة معركة وقتل في سيفه أكثر من مائة رجل لما كبر سنه أخذ يومًا المصحف فبدأ بالقرآن يقرأ من بعد صلاة الفجر حتى الظهر وهو يبكي، ويقول: "شغلني الجهاد عن القرآن!".
ونحن نقول: عندنا شباب شغلهم اللعب بالبلوت والسهر على الفضائيات والتفحيط بالسيارات عن القرآن يا خالد لقد شغلك الجهاد عن القرآن، وإن جهادك أعظم من قراءة القرآن؛ لأنك رفعت لا إله إلا الله بجهادك، خالد قدم دمه ودموعه ووقته للإسلام، وأنا وأنت ماذا قدمنا للإسلام؟
بعض شبابنا هداه الله قدم دموعه للحب والفن، ووقته لمتابعة المباريات، ودمه ضحية للمخدرات، نعم ما أهون الخلق على الله إذا هم ضيعوا أمره. يا شباب إذا لم تتوبوا إلى ربكم الله في هذه الدنيا فإنه لا ينفع الندم هناك يوم الحسرات والزفرات، {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ۗ} [الأنعام: 158].
أخي: تذكر وقوفك بين يدي ربك {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّـهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [البقرة: 281]، ألا هل بلغت اللهم فاشهد!!