الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد:
فصاحبة اليد البيضاء امرأة.. ليست كالنساء..
آثرت شظف العيش على رغده.. واختارت طريق التعب والعناء، وسبيل النصب والشقاء.. تارة تمسح عبرة، وأخرى تمحو مرارة وحسرة..
إنها ذات العطف الكبير، والقلب الرحيم..
تراها بين المرضى..
طبيبة.. تقدم -بإذن الله- العلاج الناجع.
أو ممرضة.. تعين مرضاها على دائهم الواجع..
أو أخصائية إجتماعية.. تزيل عن المرضى أحزانهم، وكلَّ همَّ فاجع..
وتراها في المختبر والصيدلية والإدارة ترعى مصالح المرضى، وتسعى في حاجات ذوي البلوى..
موفقة أينما هلّت.. مباركة أينما حلت.
أختاه.. هذه وصايا نابعة من قلب مشفق ولسان ناصح، يرجو لك السعادة في الدنيا والآخرة. أرعي لها سمعك، وافتحي لها قلبك.. أسأل الله تعالى أن يرزقك محبة منه تقر بها عينك.
الأولى: تقوى الله ومراقبته
فهي جماع كل خير، ومنبع كل فضل.. وهي وصية الله للأولين والآخرين، وطريق النجاة يوم الدين قال تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:131].
ولما سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أكثر ما يدخل الناس الجنة؟، قال: «سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ قال: تقوى الله، وحسن الخلق»
[حسنه الألباني].
وتقوى الله: أن يجعل العبد ببينه وبين عذاب الله وقاية، وذلك باتباع أوامره وإجتناب نواهيه، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران: 102].
قال ابن مسعود رضي الله عنه: "أن يُطاع فلا يُعصى، ويُذكر فلا يُنسى، وأن يُشكر فلا يُكفر".
ومن جعل الله تجاهه؛ كفاه شر حاضره وما أمامه، وفي الحديث «احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك» [رواه الترمذي وأحمد وابن حجر وصححه الألباني].
الثانية: تحقيق غاية الخلق
فالله جلّ وعلا خلقك وأوجدك لهدف جليل وغاية سامية، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56].
فلا تُنسك متاعب الدنيا وهمومُها وزينتُها وغرورُها، هدفك الأساس وغايَتك العظمى.. فأنت مسلمة قبل أن تكوني موظفة.
فاحرصي -رعاك الله- على تعلم أمور دينك، وابذلي جهدك ووقتك لرضى ربك وإنقاذ نفسك.. وتداركي عمرك قبل فواته وأجلك قبل نفاذه، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اغتنم خمسا قبل خمس حياتك قبل موتك وصحتك قبل سقمك وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك وغناك قبل فقرك» [صححه الألباني].
بل لتكن همّتك علياء، وعزيمتك شاهقة بارتفاع هامات السماء.. وليكن الوصول إلى رضا ربك هدفاً لا مناص من تحقيقه، وغاية لا سبيل للركون عنها؛ طمعاً في فضل الله وكرمه.. واجعلي نصب عينيك قول الله عز وجل في الحديث القدسي: «وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه, فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه, وإن استعاذني لأعيذنه» [صححه الألباني].
وليكن ميزانك للأمور، وترتيبك للأولويات موافقاً لتعاليم دينك.. فحق الله تعالى مقدم على حق كل أحد، وحقوق الوالدين والزوج والأولاد مقدمة على مشاغل الدنيا ومتاعها.
الثالثة: التفكر في نعم الله وشكرها
فأنت تتقلبين بين مكروب فَقَدَ صحته، أو محزون أهمه أمر مصيبته.. وأنت سالمة معافاة، أنعم الله عليك بنعم جليلة، حيث أسبغ عليك لباس الصحة والعافية والسلامة من البلاء، وقبل ذلك نعمة إختيارك لأن تكوني من حملة دينه.
نعم.. إنها النعمة العظمى، فكم ممن ترينهم قد ضلّ دربه وأضل طريقه، وصدق الله إذ يقول: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات:17]، فلله تعالى الحمد والمنة.
الرابعة: حسن النية واحتساب الأجر
قال صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات» [رواه البخاري وابن تيمية وصححه الألباني].
فالعمل متى ما أحسن العبد فيه النية أُجر عليه -بإذن الله- وإن كان ظاهره عملاً دنيوياً.. ومجال إحسان النية واحتساب الأجر في عملك واسع..
فمن ذلك: إحتساب الأجر في تخفيف آلام المرضى وتفريج كربهم، ومواساة منكوبهم، ومسح دمعة مريضهم، وحل مشاكلهم قدر المستطاع، وكذلك إحتساب الأجر في ستر عوراتهم.
فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة» [رواه البخاري].
فتطبيبك لأختك وقيامك على شؤونها وستر عورتها من أعظم أبواب الأجر وأوسعه.
ومن ذلك: احتساب أجر عيادة المرضى، وهو ما غفلت عنه كثير من الأخوات..
عن ثوبان رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من عاد مريضا لم يزل في خرفة الجنة. قيل: يا رسول الله! وما خرفة الجنة؟ قال: جناها» [رواه مسلم].
وعن علي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من مسلم يعود مسلما غدوة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي وإن عاده عشية صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح و كان له خريف في الجنة» [صححه الألباني].
أليست خسارة -وأيّ خسارة- أن يُفوِّت العبد على نفسه كلَّ هذا الفضل لمجرد غفلته عن نية صادقة؟! وبعض الموفقات يقمن برقية المريضة وقراءة آية الكرسي والمعوذتين عليها، والدعاء بالشفاء لها، وحثها على تعلق قلبها بالله، وتذكيرها أن الدواء سبب من الأسباب وإلا فالشافي هو الله -عز وجل- وبهذا يتحقق التوحيد ويُغرس في نفوس المسلمات.
الخامسة: الإخلاص في العمل وإتقانه
وهو من سمات المؤمنين الصادقين الذين وهبوا دنياهم لأخراهم، والذين استشعروا مراقبة الله لهم واطلاعه على أعمالهم..
ولذلك يحسن بك - حفظك الله - إتقان عملك، والحرص على أدائه على أكمل وجه..
وفي الحديث: «إن الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه» [حسنه الألباني].
فمن وجوه إتقان العمل والإخلاص فيه: بذل النصيحة للمسلمين، فالمريض عادةً يكون في حالة ضعف يحتاج معها لعون كل مخلص، ولنصيحة كل غيور.
وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بقوله: «الدين النصيحة» [رواه مسلم وابن تيمية وابن عبد البر والترمذي والشوكاني والزرقاني وصححه الألباني].
ومن ذلك.. كتمان خبايا المرضى وأسرارهم..
فأنت تطّلعين على كثير من الأسرار التي قد يخفيها أصحابها عن أقرب الناس منهم، ويظهرونها لك ثقة بك ورجاء مساعدتك، فكوني -رعاك الله- عند حسن ظنهم، ولا تكوني ممن «إذا اؤتمن خان» [رواه البخاري وابن تيمية وابن كثير]
السادسة: الدعوة إلى الله
الوظيفة العظمى والمهمة الكبرى.. وظيفة الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام.. هداية الناس وإرادة الخير لهم.. فليكن لك حظ وافر ونصيب كبير منها..
قال صلى الله عليه وسلم : «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا» [رواه مسلم وصححه الألباني].
فمساهمتك في رفع درجة إيمان مسلم، أو دلالة كافر على الإسلام خير لك من الدنيا وما فيها، قال صلى الله عليه وسلم : «فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا ، خير لك من أن يكون لك حمر النعم» [رواه البخاري ومسلم].
ثم أليس من الغبن أن يعاشر المسلم الكفار ويحادثهم في كلِّ جليل ووضيع ثم لا يكون لأغلى ما يملك نصيبٌ من ذلك؟!
فكوني داعية إلى الله تعالى بخلقك، وحسن تعاملك، وإلتزامك بدينك واعتزازك به.. لكن حسن التعامل مع غير المسلمين بقصد دعوتهم لا يعني محبتهم أو موالاتهم، فالمحبة لا تكون إلا في الله، قال تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴿٥٥﴾ وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة: 56-55].
السابعة: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
فهو واجب على كل مسلم ومسلمة بقدر طاقته وحسب حاله وقدرته، ولا يختص بفئة كما يظن البعض، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه ومن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان» [رواه مسلم وابن تيمية وصححه الألباني].
بل إنه من أعظم الواجبات، وأكثرها نفعاً في الدنيا والآخرة.. قال صلى الله عليه وسلم: «إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب»[رواه النووي والترمذي وصححه الألباني].
واعلمي -حفظك الله- أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من علامات تراحم المسلمين.. فإنكارك للمنكر وتغييره مع ما فيه من الأجر والثواب، فيه كذلك شفقة على صاحب المنكر لئلا يناله غضب الله وعقابه.
ثم إن الله تعالى قادر على ألا يقع المنكر ابتداءً، أو أن يقع دون علمك به.. لكن وقوعه واطلاعك عليه إمتحان لغيرتك على دينه وتعظيمك لحرماته.. قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليسأل العبد يوم القيامة حتى يقول ما منعك إذا رأيت المنكر أن تنكره» [رواه الوادعي].
فحذاري أن يكون جوابك خشية الناس أو حياءً منهم.. أو ليس الله تعالى أحق أن يُخشى ويُستحيى منه؟!
واحرصي -أقر الله عينك- على التزود من العلم الشرعي خاصة في مجال تخصصك، وليكن لديك من العلم ما يفيد المرضى مثل أحكام صلاة المريض وغيرها.
الثامنة: الإلتزام بالحجاب الشرعي وغض البصر والعفاف
إن الإلتزام بالحجاب طاعة لله وامتثالاً لأمره حين قال: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب:59]. وحجابك الشرعي من أعظم القربات، فهو عزكِ وحصنكِ، ووقايةٌ لك من تطفل المتطفلين وجرأة العاصين.
واحرصي -وفقك الله لطاعته- على غض بصرك عمّا حرّم الله، ومجاهدة نفسك على ذلك، قال تعالى: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور:31].
ولَئن يصبر المرءُ على مرارة الحرمان طاعة لله، خير له من أن ينزلق وراء لذة عابرة تهوي به في النار.
التاسعة: من التبرج والخلوة والاختلاط
تجنبي - رعاك الله - الاختلاط بالرجال والخلوة بهم لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم» [رواه البخاري].
وإياك والخضوع بالقول أو المزاح والضحك معهم لقوله تعالى: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا} [الأحزاب:32].
واحذري من التبرج وإظهار الزينة أو التطيب عند المرور بالرجال ففي الحديث: «أيما امرأة استعطرت ثم خرجت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية</span>» [حسنه الألباني].
ثم لا تكوني ممن يتعذرون بالواقع وينساقون وراءه، بل كوني ممن يصنعون الواقع ويصيغونه..
العاشرة: الدعاء
الأصل في عمل المرأة القيام بشؤون بيتها والقرار فيه {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب:33]. وحين تتقربين إلى الله عز وجل بعملك لا تنسي أنك في مكان تصوب لك فيه السهام، وتنحدر عليك الفتن من كل جانب، فالزمي جانب الدعاء واحرصي عليه فإنَّ هذا ديدن الأنبياء والمرسلين، ومن أسباب الثبات والتمكين. هذا نبي الأمة وخير من وطأت قدمه الثرى يدعو ربه الثبات على هذا الدين «اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك» [صححه الألباني]، وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى» [رواه مسلم وأحمد وصححه الألباني].
الحادية عشر: التوبة والاستغفار
اجعليها شعارك في كل حين، وعلى كل حال.. فهي وصية النبي صلى الله عليه وسلم لك فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا معشر النساء تصدقن وأكثرن الاستغفار، فإني رأيتكن أكثر أهل النار» [رواه مسلم وصححه الألباني].
يا كثير الذنب عفو *** الله من ذنبك أكبر
ذنبك أعظم الأشياء *** في جانب عفو الله يغفر
فالله تبارك وتعالى جوادٌ كريمٌ، يفرح بتوبة عبده وإنابته..
يقول تعالى في الحديث القدسي: «قال الله تعالى: يا ابن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم! لو أنك أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة» [رواه المنذري وحسنه الألباني].
سدد الله خطاكِ، وبارك مسعاكِ، ورزقكِ السعادة في دنياكِ وأُخراكِ.
دار القاسم