السؤال
مما عمت به البلوى هذه الأيام قضية تحرش الشباب الضال بالفتيات بالشوارع والطرقات, وكنا نظن أن هذه الأفعال المشينة يكون ضحيتها الفتيات المتبرجات اللاتي بمظهرهن ولباسهن يغرين الشباب الضال لمثل هذه الأفعال الخبيثة, ولكن ما جدَّ علينا وأذهلنا أن الشباب الآن لا يفرقون بين متبرجة ومحجبة ولا حتى منتقبة, فما حكم خروج النساء هذا فقد عمت هذه البلوى بلاد المسلمين؟ وماذا نفعل كي نستطيع التصدي وعلاج أمثال هذه الأفعال؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يطهر مجتمعات المسلمين من هذه الرذائل, وأن يرزقهم التمسك بالطاعات, والبعد عن المحرمات.
ثم إن أول ما يتعين على من رأى الفساد في المجتمع وأراد الإصلاح ممن لا سلطة له هو إنكار المعصية على فاعلها، والسعي في عدم انتشارها في المجتمع, والتركيز على تقوية الإيمان, وإصلاح القلوب, والحرص على تقوية صلة النفوس بالله تعالى، والإكثار من الحديث عن الأسباب المعينة على خشية الله تعالى، والرغبة في ما عنده, واستشعار مراقبته، والإكثار من الحديث عن الآخرة والقبر والجنة والنار، والترغيب في ذكر الله تعالى، وتعليم الأحكام الشرعية, فقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا: لا ندع الخمر أبدًا، ولو نزل لا تزنوا لقالوا: لا ندع الزنا أبدًا .... وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب. وقال تعالى: إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ {العنكبوت:45 }، وفي الحديث: وآمركم بذكر الله عز وجل كثيرًا، وإن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعًا في أثره فأتى حصنًا حصينًا فتحصن به، وإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله عز وجل. رواه أحمد والترمذي والحاكم وصححه الألباني, وقد دل الحديث على أن العلم بأحوال القبور والآخرة يقمع الشهوات والأهواء, وذلك حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم وصححه الحاكم ووافقه الذهبي والألباني.
وقال ابن القيم: وعلى قدر العلم والمعرفة يكون الخوف والخشية، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إني لأعلمكم بالله وأشدكم له خشية, وفي رواية: خوفًا, وقال: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا ولما تلذذتم بالنساء على الفرش ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله تعالى, وقال: ومقام الخشية جامع لمقام المعرفة بالله, والمعرفة بحق عبوديته، فمتى عرف الله وعرف حقه اشتدت خشيته له، كما قال تعالى: إنما يخشى الله من عباده العلماء, فالعلماء به وبأمره هم أهل خشيته، قال النبي: أنا أعلمكم بالله وأشدكم له خشية. اهـ من مدارج السالكين.
ومن الوسائل المهمة في تحصين الشباب حضهم على الصوم والبدار بالزواج، والسعي في تعجيل الزواج حتى تسهل أسباب العفة في المجتمع, ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء.
ويحسن الحوار مع الشباب لإقناعهم بالتمسك بالشرع, وضرورة البعد عن الفواحش والاعتداء على البنات, فقد حاور النبي صلى الله عليه وسلم أحد الشباب الراغبين في الزنى حتى صار الزنى أبغض الأشياء إليه؛ كما روى الإمام أحمد عن أبي أمامة قال: إن فتى شابًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا: مه مه فقال: ادنه فدنا منه قريبًا قال: فجلس قال: أتحبه لأمك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك, قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم, قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك, قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم, قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك, قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم, قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك, قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم. قال: أفتحبه لخالتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك, قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم, قال: فوضع يده عليه, وقال: اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء.
وقال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى: القلوب التي لها فهم وقصد تدعى بالحكمة فيبين لها الحق علمًا وعملا فتقبله وتعمل به, وآخرون يعترفون بالحق لكن لهم أهواء تصدهم عن اتباعه هؤلاء يدعون بالموعظة الحسنة المشتملة على الترغيب في الحق والترهيب من الباطل, والوعظ أمر ونهي بترغيب وترهيب, كما قال تعالى: ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به, وقال تعالى: يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا، فالدعوة بهذين الطريقين لمن قبل الحق ومن لم يقبله فإنه يجادل بالتي هي أحسن... اهـ.
ثم إنه يشرع للسلطات منع هؤلاء الشباب بالقوة, وتعزير المعتدين منهم, فإن التعزير مشروع في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة، سواء كانت حقًّا لله أو لعباده، وهو من اختصاص ولي الأمر أو نائبه، ولا يشرع لغيرهم من الناس إلا الزوج في تأديب زوجه الناشز، وولي أمر الصغير ومعلمه، فمن ارتكب معصية لله تعالى لا يلزم فيها حد شرعي ولا كفارة، فيعزره الإمام أو نائبه بحسب المصلحة عقوبة له وردعًا لغيره عن المعاصي، قال الإمام السبكي في الأشباه والنظائر: قاعدة: من أتى معصية لا حد فيها ولا كفارة عزر، كذا قال صاحب التنبيه وتبعه الرافعي والنووي وغيرهما. انتهى.
وفي شرح الدردير على مختصر خليل المالكي: واعلم أنه لا يجوز لأحد تأديب أحد إلا الإمام أو نائبه, أو السيد في رقيقه في مخالفته لله أو له, أو الزوج للنشوز أو تركها نحو الصلاة إذا لم ترفع للإمام أو الوالد لولده الصغير, أو معلما. انتهى.
وأما عن خروج النساء: فيجوز إذا توفرت الضوابط الشرعية، والتي منها: أمن الفتنة، وعدم الاختلاط مع الرجال على وجه محرم، وأمن الطريق من توقع المفسدة.
وإذا كانت المرأة ذات زوج فلا تخرج من بيتها لغير ضرورة إلا بإذن زوجها.
والله أعلم.