السؤال
فقد انتشرت في بلادنا – السودان - البدع والضلال والشرك بصورة مخيفة؛ حتى أصبح الأغلبية - غير العامة - من أهل البدع, بل وإن أكثر العامة يدافعون عن الصوفية، وقد علمنا - كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "من انتشرت بدعته بين الناس فلا يرد عليه إلا بين الناس" - أن الواجب الرد عليهم على الملأ، ونشر التوحيد, لكن السؤال هو: هل من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أو السلف الصالح, أوهناك ما يدل على جواز التلفظ بكلام في قمة البذاءة -نقلًا عن أهل البدع - كما ذكر الشعراني في كتابه الطبقات في [ص:184] - والكتاب مليء الشرك والإباحية - وكما ذُكر عن كرامات إبراهيم العريان, وكتاب طبقات ود ضيف الله [ص:119], وكخليل الرومي [ص:83], كذكر أحداث فاحشة الزنى أو اللواط على سبيل المثال, وسرد ما حدث أثناء الجريمة، واتخاذ ذلك منهجًا ثابتًا في الخطب؟ وهذه خطبة من لُبِّ الذي عنيته:
http://www.mediafire.com/?3pna3cc505p3hyc وهذا جزء منها على اليوتيوب:
https://www.youtube.com/watch?v=qQBkw427vGI فإن كان ذلك جائزًا: فأريد دليلًا مفصلًا من الكتاب أو السنة الصحيحة أو أثرًا صحيحًا. وما قولكم في الاستدلال على الجواز: أن القرآن الكريم ذكر الفحش صراحة, مثل ذكر قوم لوط, وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم, وأن الشيخ محمد بن عبدالوهاب عندما طلب منه تلاميذه التنويع بالفقه, فقال: "إن هناك رجلًا يطوف بالقباب, ثم ذكر أنه وقع على أمه, فقالوا: لا حول ولا قوة إلا بالله, فرجع إلى التوحيد؛ لأنه أعظم الذنوب على الإطلاق, وأن هذا أمر عادي؟ وإن كان غير جائزًا: فأريد الرد الكافي والجواب الشافي لهذه المسألة, وأرجو أن تحيلوني إلى رد مفصل ككتب أو فتوى العلماء أو ما أشبه ذلك. سامحونا للإطالة، وجزيتم الجنة.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمما لا شك فيه أن الدعوة إلى الله من أفضل الطاعات، ولا سيما الدعوة إلى توحيد الله تعالى، فهو أشرف العلوم؛ إذ شرف العلم بشرف المعلوم, كما قال ابن أبي العز في شرحه على العقيدة الطحاوية, وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث تميم الداري - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" الدين النصيحة, قلنا: لمن؟ قال:" لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" فمن النصيحة لعامة المسلمين بيان التوحيد لهم, وتحذيرهم من الشرك والخرافة, وما شاب عقائدهم من معتقدات فاسدة, هذا أولًا.
ثانيًا: إن كثيرًا من عوام المسلمين قد غلب عليهم الجهل, ووقعوا بسببه فيما وقعوا فيه من أفكار باطلة، هذا بالإضافة إلى استغلال بعض رؤوس الضلال لهم لمنافع لا يستطيعون الوصول إليها إلا من خلال جهل هؤلاء البسطاء، وصدق فيهم الحديث المتفق عليه عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول:" إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد, ولكن يقبض العلم بقبض العلماء, حتى إذا لم يبق عالمًا اتخذ الناس رؤوسًا جهالًا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا", فكون هؤلاء الناس عوام بسطاء مضللون لا ينبغي أن يغيب عن ذهن الداعية إلى الله حتى يسلك في دعوتهم السبيل الذي سنذكره وهو:
ثالثًا: أن الرفق هو الأصل في الدعوة إلى الله، فإذا كان الله تعالى قد أمر بمجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن، وهم أهل كتاب، فكيف بالمسلمين، قال تعالى: وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ {العنكبوت:46}، قال ابن العربي في تفسير هذه الآية: وقد بينا في القسم الثاني أنها ليست منسوخة, وإنما هي مخصوصة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث باللسان يقاتل به في الله، ثم أمره الله بالسيف واللسان حتى قامت الحجة على الخلق لله, وتبين العناد, وبلغت القدرة غايتها عشرة أعوام متصلة، فمن قدر عليه قتل, ومن امتنع بقي الجدال في حقه, ولكن بما يحسن من الأدلة, ويجمل من الكلام, بأن يكون منك للخصم تمكين, وفي خطابك له لين, وأن تستعمل من الأدلة أظهرها وأنورها, وإذا لم يفهم المجادل أعاد عليه الحجة وكررها, كما فعل الخليل مع الكافر حين قال له إبراهيم: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ، فقال له الكافر: أنا أحيي وأميت، فحسن الجدال, ونقل إلى أبين منه بالاستدلال، وقال: إِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ، وهو انتقال من حق إلى حق أظهر منه, ومن دليل إلى دليل أبين منه وأنور. اهـ.
وروى مسلم عن عائشة - رضي الله عنها - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه", فالرفق هو الأصل، والإغلاظ استثناء قد يحتاج إليه أحيانًا مع المعاندين، كما في الاستثناء في الآية السابقة, نعني قوله تعالى: إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ {العنكبوت:46}، قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: هم الذين كابروا وأظهروا العداء للنبي صلى الله عليه وسلم وللمسلمين وأبوا أن يتلقوا الدعوة, فهؤلاء ظلموا النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين حسدًا وبغضًا.... .اهـ.
رابعًا: إن التحذير من الكتب المذكورة أمر واجب, فقد اغتر بعض الناس بما يذكر فيها من أمور تنسب إلى بعض من يدعى له الولاية والصلاح, على أنها كرامات لهم، وقد تكون نسبت إليهم زورًا وبهتانًا وهم منها براء، وهي ليست من الكرامات في شيء، بل لا يقبلها العقل فضلًا عن الشرع كفعل الفواحش, فإذا ذكر مثل هذا على سبيل التحذير لا التشفي والمكايدة فلا حرج في ذلك, على أن يكون بالقدر الذي يتحقق به المقصود، أما أن يتخذ نهجًا في الخطاب فلا, قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة: ولهذا قال من قال من العلماء: إن هذا يدل على جواز التصريح باسم العورة للحاجة والمصلحة, وليس من الفحش المنهي عنه, كما في حديث أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من سمعتموه يتعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا رواه أحمد. اهـ.
ومثل ذلك قول أبي بكر - رضي الله عنه - لعروة بن مسعود يوم الحديبية: امصص بظر اللات، وقول حمزة - رضي الله عنه - لسباع: يا ابن مقطعة البظور, فكان ذلك يقتضيه المقام, وتستدعيه المصلحة.
ومن الكتب التي يمكن أن نحيلك عليها بخصوص هذا الموضوع كتاب: " شذور ولطائف في آداب الرد على المخالف", ومعه ملحق بعنوان الكاشف لمنهج ابن باز في الرد على المخالف. مؤلفها هو الشيخ حمد بن عبد العزيز بن حمد بن عتيق مدير المكتب التعاوني للدعوة وتوعية الجاليات بحي العزيزية بالرياض, وكتاب أصول الدعوة لعبد الكريم زيدان, والحكمة في الدعوة إلى الله تعالى للشيخ سعيد بن علي بن وهف القحطاني, وكتاب منهج الدعوة للشيخ عدنان عرعور.
والله أعلم.