الرد على شبهة حديث الثقلين
ما هو حديث الثقلين؟
حديث الثقلين أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «وأنا تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور؛ فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به», قال زيد: فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال: «وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي .. أذكركم الله في أهل بيتي .. أذكركم الله في أهل بيتي».
ماذا فيه؟
فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إني تارك فيكم الثقلين» الثقل الأول كتاب الله، وكما هو ورد في الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالأخذ به، والتمسك به. ثم الثقل الثاني وهم أهل بيته قال: «أذكركم الله في أهل بيتي .. أذكركم الله في أهل بيتي .. أذكركم الله في أهل بيتي».
ظاهر الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم يأمر برعاية حقوق أهل بيته صلى الله عليه وآله وسلم، ولكنهم لا يتوقفون عند هذا الحديث، أعني حديث زيد بن أرقم، وإنما يتجاوزون ذلك إلى حديث أم سلمة وحديث علي وحديث أبي سعيد الخدري.
أما حديث علي رضي الله عنه ففيه: «إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا؛ كتاب الله سببه بيد الله وسببه بأيديكم وأهل بيتي». ظاهره أنه أمر بالتمسك بأهل بيته، وهذا أخرجه ابن أبي عاصم في السنة, ولكن مشكلته أنه لا يصح، حيث إن في رواته سفير بن زيد، ضعفه أبو حاتم والنسائي وأبو زرعة ويعقوب بن شيبة وابن المديني؛ فلا يمكن الاستدلال بمثل هذا الحديث.
ندعه ونأخذ الحديث الذي بعده وهو حديث أبي سعيد الخدري، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إني قد تركت الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله عز وجل حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ألا إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض»، وهذا أخرجه أحمد والترمذي وأبو يعلى وابن أبي عاصم، ولكن هذا أيضاً فيه عطية العوفي ضعفه أحمد وأبو حاتم والنسائي وغيرهم، بل هو متفق على ضعفه عند أهل العلم. إذاً لا يسلم هذا أيضاً.
الحديث الرابع وهو حديث زيد بن ثابت، وفيه: «إني تارك فيكم خليفتين كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض، أو ما بين السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض» أخرجه أحمد والطبراني، وفيه القاسم بن حسان، وثقه أحمد بن صالح والعجلي، وذكره بن حبان في الثقات، وضعفه البخاري وابن قطان، وسكت عنه ابن أبي حاتم، وضعفه الذهبي، وقال ابن حجر: مقبول، وفيه شريك بن عبد الله وهو سيئ الحفظ.
الحديث الخامس حديث جابر بن عبد الله: «يا أيها الناس! إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي» أخرجه الترمذي والطبراني، وفيه زيد بن الحسن الأنماطي، قال أبو حاتم: مُنْكر الحديث. وكذا قال الذهبي، وقال ابن حجر: ضعيف.
من هذه الروايات يظهر لنا أن حديث الثقلين إنما يصح من رواية زيد بن أرقم رضي الله عنه، وليس فيه شيء من الأمر بالتمسك بالعترة, وإنما فيه الأمر برعاية حق العترة, والأمر إنما هو في التمسك بكتاب الله؛ لذا جاء حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه في صحيح مسلم: «وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده أبداً إن اعتصمتم به, كتاب الله»، فقط ولم يتطرق لأهل البيت ولا للعترة، وهذا رواه جعفر الصادق عن أبيه محمد الباقر، عن جابر بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم, وحديث الأمر بالتمسك بالعترة ضعفه أحمد وابن تيمية, نعم صححه بعض أهل العلم كالألباني وغيره، ولكن العبرة بما يكون فيه البحث العلمي، وهو أن هذا الحديث لا يصح علمياً من حيث النظر إلى الأسانيد والدلالات وهذه منهجية أهل السنة والجماعة، وأنهم لا يقلدون أحداً في مثل هذه الأمور؛ بل يتبعون بحسب القواعد الموضوعة.
صح هذا الحديث فكان ماذا؟ سلمنا بصحته فكان ماذا؟ أمر بالتمسك بالثقلين, من هم الثقلان؟ كتاب الله وعترة النبي صلى الله عليه وآله وسلم, يقول ابن الأثير: "سماهما الثقلين لأن الأخذ بهما والعمل بهما ثقيل، ويُقال لكل خطير نفيس ثَقَل فسماهما ثقلين إعظاماً لهما وتفخيماً لشأنهما" [قاله بن الأثير ج1 ص 216 في غريب الحديث].
ومعنى الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بحفظ حقوقهم, ولذلك الصحابة رضي الله عنهم أعطوا الثقلين حقهم, هذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه يقول: "ارقبوا محمداً في أهل بيته" [أخرجه البخاري في صحيحه]، وقال: "والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصِلَ من قرابتي" [أخرجه البخاري كذلك في صحيحه].
ثم نرد على شبهتهم هذه من عدة وجوه:
الوجه الأول: من عترة النبي صلى الله عليه وسلم؟
عترة الرجل هم أهل بيته, وعترة النبي صلى الله عليه وسلم هم كل من حرمت عليه الزكاة وهم, بنو هاشم, هؤلاء هم عترة النبي صلى الله عليه وسلم, ولننظر من أولى الناس بالتمسك بهؤلاء السنة أم الشيعة؟
الشيعة ليس لهم أسانيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يقرون بأنه ليس عندهم أسانيد في نقل كتبهم ومروياتهم, وإنما هي كتب وجدوها فقالوا: "ارووها فإنها حق".
أما أسانيدهم كما يقول الحر العاملي وغيره من أئمة الشيعة: إنه ليس عند الشيعة أسانيد أصلاً، ولا يعولون على الأسانيد, فأين لهم أن ما يروونه في كتبهم ثابت عن عترة النبي صلى الله عليه وسلم؟!
بل نحن أتباع عترة النبي صلى الله عليه وسلم الذين أعطيناهم حقهم ولم نزد ولم ننقص كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم ولكن قولوا عبد الله ورسوله».
الوجه الثاني: إمام العترة علي بن أبي طالب رضي الله عنه, وبعده يأتي في العلم عبد الله بن عباس الذي هو حبر هذه الأمة, وكان يقول بإمامة أبي بكر وعمر قبل عليّ رضي الله عنه؛ بل إن عليّ بن أبي طالب قد ثبت عنه بالتواتر أنه قال: "أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر".
بل ثبت عنه عند الشيعة أنه قال: "أَنَا لَكُمْ وَزِيراً خَيْرٌ لَكُمْ مِنِّي أَمِيراً", فعليّ يقر بفضل الشيخين وهو إمام العترة.
الوجه الثالث: هذا الحديث مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبداً, كتاب الله وسنتي».
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «عليكم بسنتي وسُنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ», فأمر بالعضِّ عليها بالنواجذ.
وقال: «اقتدوا بالَذّين من بعدي, أبي بكر وعمر».
وقال: «اهتدوا بهدي عمار، وتمسكوا بعهد ابن مسعود».
ولم يدل هذا على الإمامة أبداً, وإنما دلَّ على أن أولئك على هدى الرسول صلى الله عليه وسلم. ونحن نقول: إن عترة النبي صلى الله عليه وسلم لا تجتمع على ضلالة أبداً.
الوجه الرابع: أن الشيعة يطعنون في العباس, ويطعنون في عبد الله ابنه, ويطعنون في أولاد الحسن, وقالوا: إنهم يحسدون أولاد الحسين, ويطعنون كذلك في أبناء الحسين نفسه من غير الأئمة الذين يدعونهم كزيد بن عليّ, وكذلك إبراهيم أخي الحسن العسكري, وغيرهم فهم ليسوا بأولياء النبي صلى الله عليه وسلم وعترته هم الذين مدحوهم وأثنوا عليهم وأعطوهم حقهم ولم ينقصوهم.
الوجه الخامس: نظرة الشيعة ليست نظرة اتباع وإنما هي نزعة شعوبية فارسية, فالنظر عندهم ليس نظراً في إسلام وكفر, وإنما النظر نظر فرس وعرب, وهذا يدل عليه أمور منها:
1. تعظيمهم لسلمان الفارسي من دون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، حتى قالوا إنه يوحى إليه, لماذا؟! لأنه من فارس.
2. تعظيمهم لأولاد الحسين دون أولاد الحسن، لماذا؟! لأن أخوال أولاد الحسين من الفرس, من شهربانو بنت يزدجرد وهي أم عليّ بن الحسين رضي الله تبارك وتعالى عنهم أجمعين, فيرون أن الشجرة الساسانية الكريمة التقت مع الشجرة الهاشمية.
3. قالوا كسرى في النار والنار محرمة عليه, لماذا؟! نظرة فارسية تعظيم لكسرى حتى وهو قد مات على الكفر، قالوا: النار محرمة عليه.
4. ثم جاء آخرهم - ولعله ليس بأخيرهم - وهو الإحقاقي الحائري, وقال عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لما فتحوا بلاد فارس: "أولئك العرب الأعراب الأوباش عُبَّاد الشهوات الذين يتعطشون إلى عفة نساء فارس".
انظر كيف يصف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ وكيف يصف نساء فارس في ذلك الوقت, لما كُنَّ مجوسيات, يقول عنهن: عفيفات، ويقول عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم عطاش لأعراض نساء فارس, فالنظرة إذاً ليست نظرة إسلام وكفر, أو نظرة إمامة عليّ وترك إمامة غيره, لا. إنما النظرة نظرة شعوبية بحتة.
المصدر: شبكة الدعاة إلى العلم النافع الإسلامية