شبهة حديث الحوض ومعنى الارتداد والذي استدل به الموسوي على ردة الصحابة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:
هذا بيان لمعنى الارتداد المذكور في حديث الحوض، والذى استدل به الموسوي ظلماً وعدواناً على ارتداد الصحابة رضوان الله عليهم.
نص الحديث من صحيح البخاري:
1- 6099 حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي حدثنا محمد بن فليح حدثنا أبي قال حدثني هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بينا أنا قائم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلم، فقلت: أين؟ قال: إلى النار، والله قلت: وما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى. ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلم، قلت: أين؟ قال: إلى النار، والله قلت: ما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى؛ فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم».
قال الحافظ ابن حجر في تعليقه على الحديث: "قوله: (بينا أنا نائم) كذا بالنون للأكثر وللكشميهني "قائم" بالقاف وهو أوجه, والمراد به قيامه على الحوض يوم القيامة, وتوجه الأولى بأنه رأى في المنام في الدنيا ما سيقع له في الآخرة.
قوله: (ثم إذا زمرة, حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال هلم) ، المراد بالرجل الملك الموكل بذلك, ولم أقف على اسمه.
قوله: (إنهم ارتدوا القهقرى) أي رجعوا إلى خلف, ومعنى قولهم رجع القهقرى رجع الرجوع المسمى بهذا الاسم وهو رجوع مخصوص وقيل معناه العدو الشديد.
قوله: (فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم) يعني من هؤلاء الذين دنوا من الحوض وكادوا يردونه فصدوا عنه, والهمل بفتحتين الإبل بلا راع، وقال الخطابي: الهمل ما لا يرعى ولا يستعمل ويطلق على الضوال، والمعنى أنه لا يرده منهم إلا القليل, لأن الهمل في الإبل قليل بالنسبة لغيره.
2- 6045 حدثني محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن المغيرة بن النعمان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : قام فينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: «إنكم محشورون حفاة عراة غرلا كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ﴾ الآية، وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا رب أصحابي، فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح: ﴿وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ﴾ [المائدة:117] ﴿الْحَكِيمُ﴾، قال: فيقال: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم».
اختلف العلماء في حـقيقة الردة المذكورة في الحديث، قال الحافظ ابن حجر : "قوله: (قال فيقال إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم) وقع في رواية الكشميهني: "لن يزالوا " ووقع في ترجمة مريم من أحاديث الأنبياء قال الفربري ذكر عن أبي عبد الله البخاري عن قبيصة قال: هم الذين ارتدوا على عهد أبي بكر فقاتلهم أبو بكر يعني حتى قتلوا وماتوا على الكفر. وقد وصله الإسماعيلي من وجه آخر عن قبيصة.
وقال الخطابي: لم يرتد من الصحابة أحد وإنما ارتد قوم من جفاة الأعراب ممن لا نصرة له في الدين، وذلك لا يوجب قدحاً في الصحابة المشهورين، ويدل قوله: «أصيحابي» بالتصغير على قلة عددهم. وقال غيره: قيل هو على ظاهره من الكفر، والمراد بأمتي أمة الدعوة لا أمة الإجابة، ورجح بقوله في حديث أبي هريرة: «فأقول بعداً لهم وسحقاً»، ويؤيده كونهم خفي عليه حالهم ولو كانوا من أمة الإجابة لعرف حالهم بكون أعمالهم تعرض عليه.
وهذا يرده قوله في حديث أنس: «حتى إذا عرفتهم»، وكذا في حديث أبي هريرة. وقال ابن التين يحتمل أن يكونوا منافقين أو من مرتكبي الكبائر.
وقيل هم قوم من جفاة الأعراب دخلوا في الإسلام رغبة ورهبة.
وقال الداودي: لا يمتنع دخول أصحاب الكبائر والبدع في ذلك.
وقال النووي, قيل هم المنافقون والمرتدون فيجوز أن يحشروا بالغرة والتحجيل لكونهم من جملة الأمة فيناديهم من أجل السيما التي عليهم فيقال إنهم بدلوا بعدك أي لم يموتوا على ظاهر ما فارقتهم عليه.
قال عياض وغيره: وعلى هذا فيذهب عنهم الغرة والتحجيل ويطفأ نورهم.
وقيل لا يلزم أن تكون عليهم السيما بل يناديهم لما كان يعرف من إسلامهم
وقيل هم أصحاب الكبائر والبدع الذين ماتوا على الإسلام وعلى هذا فلا يقطع بدخول هؤلاء النار لجواز أن يذادوا عن الحوض أولا عقوبة لهم ثم يرحموا ولا يمتنع أن يكون لهم غرة وتحجيل فعرفهم بالسيما سواء كانوا في زمنه أو بعده.
ورجح عياض والباجي وغيرهما ما قال قبيصة راوي الخبر إنهم من ارتد بعده صلى الله عليه وسلم، ولا يلزم من معرفته لهم أن يكون عليهم السيما لأنها كرامة يظهر بها عمل المسلم.
والمرتد قد حبط عمله فقد يكون عرفهم بأعيانهم لا بصفتهم باعتبار ما كانوا عليه قبل ارتدادهم ولا يبعد أن يدخل في ذلك أيضا من كان في زمنه من المنافقين وسيأتي في حديث الشفاعة: «وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها»، فدل على أنهم يحشرون مع المؤمنين فيعرف أعيانهم ولو لم يكن لهم تلك السيما فمن عرف صورته ناداه مستصحبا لحاله التي فارقه عليها في الدنيا.
وأما دخول أصحاب البدع في ذلك فاستبعد لتعبيره في الخبر بقوله: "أصحابي" وأصحاب البدع إنما حدثوا بعده. وأجيب بحمل الصحبة على المعنى الأعم واستبعد أيضاً أنه لا يقال للمسلم ولو كان مبتدعاً سحقاً.
وأجيب بأنه لا يمتنع أن يقال ذلك لمن علم أنه قضي عليه بالتعذيب على معصية ثم ينجو بالشفاعة فيكون قوله سحقا تسليما لأمر الله مع بقاء الرجاء وكذا القول في أصحاب الكبائر.
وقال البيضاوي: ليس قوله "مرتدين" نصاً في كونهم ارتدوا عن الإسلام بل يحتمل ذلك، ويحتمل أن يراد أنهم عصاة المؤمنين المرتدون عن الاستقامة يبدلون الأعمال الصالحة بالسيئة انتهى.
وقد أخرج أبو يعلى بسند حسن عن أبي سعيد: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم" فذكر حديثاً فقال: «يا أيها الناس! إني فرطكم على الحوض فإذا جئتم قال رجل: يا رسول الله أنا فلان بن فلان، وقال آخر: أنا فلان ابن فلان، فأقول: أما النسب فقد عرفته ولعلكم أحدثتم بعدي وارتددتم».
وقال الإمام الحافظ أبو عمر بن عبد البر صاحب التمهيد: كل من أحدث في الدين فهو من المطرودين عن الحوض كالخوارج والروافض وسائر أصحاب الأهواء.
وقال أبو إسحاق الشاطبي: الأظهر أنهم من الداخلين في غمار هذه الأمة، لأجل ما دلّ على ذلك فيهم، وهو الغرة والتحجيل؛ لأن ذلك لا يكون لأهل الكفر المحض، كان كفرهم أصلاً أو ارتداداً، لقوله: "قد بدلوا بعدك"، ولو كان الكفر لقال: قد كفروا بعدك، وأقرب ما يحمل عليه تبديل السنة وهو واقع على أهل البدع ومن قال إنه النفاق، فذلك غير خارج عن مقصودنا؛ لأن أهل النفاق إنما أخذوا الشريعة تقية لا تعبداً، فوضعوها في غير موضعها وهو عين الابتداع، وعلى ذلك فالمراد بالمرتدين في الحديث يشمل الصنفين المرتدين والمنافقين، بالإضافة لأهل الأهواء والمبتدعة... " انتهى.
بعض أقوال علماء الشيعة في الحديث:
قال الفضل الطبرسـي: في تفسيره (مجمع البيان) عند تفسير قولـه تعـالى: فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ [آل عمران:106]، فقال: "اختلف فيمن عنوا به على أقوال فذكر أربعة أقوال"، وذكر في آخرها أنهم أهل البدع والأهـواء مـن هـذه الأمـة، ثم استدل على ذلك من حديث (الارتداد) فقال: ورابعها أنهم أهل البدع والأهواء من هذه الأمة عن علي (ع) ومثله عن قتادة أنهم الذين كفروا بالارتداد ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "والذي نفسي بيده ليردن على الحوض ممن صحبني أقوام حتي إذا رأيتهم اختلجوا دوني فلأقولن: أصحابي أصحابي أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعد إيمانهم، ارتدوا على أعقابهم القهقري"، ذكره الثعلبي في تفسيره فقال أبو أمامة الباهلي: هم الخوارج ويروي عن النبي أنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية" انتهى.
فهذا هو تفسير الطبرسي لهذا الحديث أنهم الأهواء كالخوارج ونحوهم وهذا هو عين تفسير أهل السنة لهذه الآية وهذا الحديث، ولم يشر ولو مجرد إشارة إلى أنهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا العلامة الكاشانى عند تفسيره للآية السابقة يستدل من خلال هذا الحديث على أنهم من أهل الأهواء فيقول: (في المجمع عن أمير المؤمنين (ع) هم أهل البدع والأهواء والآراء الباطلة من هذه الأمة، وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده ليردن على الحوض ممن صحبني حتى إذا رأيتهم اختلجوا دوني فلأقولـن: أصحابي أصحابي، فيقال لي: إنك لا تدري ما أحـدثوا بعـدك أنهم ارتـدوا على أعقابهم القهقري، ذكره الثعلبي في تفسيره" انتهى.
فهذا هو قول قدماء علماء الشيعة فيمن يقع عليهم معنى الارتداد في الحديث، وليس كما يزعم الموسوي وغيره ممن يؤولون الحديث كما تهوى أنفسهم ويطبقونه على صحابة النبي صلى الله عليه وسلم.
الصحابي هو من لقي رسول الله مؤمنا به ومات على ذلك، وهذا تعريف الصحابي بإجماع أهل السنة والجماعة، والحديث الذي تكلم عن ارتداد من يرتد وصده عن الحوض ليس في الصحابة حتماً؛ لأن الصحابة هم من اجتمعوا برسول الله مؤمنين به وماتوا على ذلك الإيمان، فالصحابة ليسوا هم المقصودين في الحديث، ثم إن الحديث الذي جاء به الموسوي لا يوجد لفظة أصحابي، أما بالنسبة للحديث الثاني الذي فيه لفظة أصحابي، وقوله: (أصحابي) ليس بالمعنى الشرعي، خاصة أنه قال قبل ذلك: (وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال)، فهو يتكلم عن رجال من أمته ارتدوا، وليس أصحابه المؤمنين به وماتوا على إيمانهم، والدليل قوله عليه الصلاة والسلام بعد ذلك: «فأقول: يا رب أصحابي، فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا»، خاصة أن الحديث جاء بلفظ آخر فيه قوله عليه الصلاة والسلام: «أمتي أمتي»، وفي لفظ: «أمتي» ]صحيح البخاري - جزء 6 - صفحة 2587]
6641 - حدثنا علي بن عبد الله حدثنا بشر بن السري حدثنا نافع بن عمر عن ابن أبي مليكة قال: قالت أسماء: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أنا على حوضي أنتظر من يرد علي فيؤخذ بناس من دوني فأقول: أمتي، فيقول: لا تدري مشوا على القهقرى»، قال ابن أبي مليكة: اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نفتن". [مسند أحمد بن حنبل - جزء 6 - صفحة 121].
24945 - حدثنا عبد الله حدثني أبي، قال ثنا عفان ثنا وهيب قال ثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم عن بن أبي مليكة عن عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إني على الحوض أنتظر من يرده عليَّ منكم، فليقطعن رجال دوني، فلأقولن: يا رب أمتي أمتي، فليقالن لي: إنك لا تدري ما عملوا بعدك، ما زالوا يرجعون على أعقابهم».
[تعليق شعيب الأرنؤوط: حديث صحيح].
فهذه اللفظة (أمتي) ولفظة (أمتي أمتي) توضح لنا معنى اللفظ الآخر (أصحابي أصحابي)، فالأصحاب إذا أُضيفت إلى نبي قد تعني الأمة أي أمة الدعوة، بينما الصحابة الذين اجتمعوا بالرسول مؤمنين به وماتوا على ذلك الأيمان فهم أمة الإجابة، قال تعالى ﴿وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ﴾ [التوبة:101]؛ فإن الله أحب.
المصدر: شبكة الدعاة إلى العلم النافع الإسلامية