الاحتساب والأسرة
بقلم/ د. حياة بنت سعيد باأخضر.
أستاذة العقيدة المساعد بجامعة أم القرى.
أختي الفاضلة : إن دور المسلمة في بيتها,ومع أسرتها يوضحه هذا الحديث:قال :e( إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحصنت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها : ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت ) . رواه ابن حبان وصححه الألباني في صحيح الجامع
ألست معي بأن حسن التبعل جهاد شاق يساوي الكثير جداً من أعمال الرجال, يتطلب معاملة خاصة للزوج ,ولأهله, ولأقربائه, ولمعارفه , وهل فتح كل أبواب الجنة أمام الزوجة الصالحة لتختار منها ما تشاء يكون بأمور هينة أم تحتاج إلى جهاد متواصل؟
المرأة هي نصف المجتمع ,وتلد ,وتربي النصف الآخر؛ فهي أمة بأكملها, وفي حديث المسؤولية جمع الرسول e بين الإمام, والمرأة, والرجل ,والخادم في تحمل المسؤولية وتبعاتها, والمحاسبة عليها في الآخرة, فروى عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ يقول سمعت رسول الله e يقول: ( كلكم راع ، وكلكم مسؤول عن رعيته ، الإمام راع ومسؤول عن رعيته ، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته ، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها ، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته . قال : وحسبت أن قد قال : والرجل راع في مال أبيه ومسؤول عن رعيته ، وكلكم راع ومسؤول عن رعيته ) صحيح البخاري ,وهذا الحديث الجامع لنظم الإدارة الاجتماعية بجوامع كلم نبوية, يعلمنا كيف نعيش في الدنيا, والآخرة في سلام وأمن, ومن خلاله نضع مقدمة للاحتساب ,والأسرة الذي يقوده قائدان عظيمان هما الرجل, والمرأة .
ومن هي المرأة في الأسرة ؟
إنها الأم, والزوجة, والابنة, والأخت ,والحفيدات, وزوجة الابن, والعمة ,والخالة ؛ كل هؤلاء هن نساء الأسرة السوية ,وإذن مساحة الاحتساب في نطاق الأسرة المسلمة ليست ضيقة ,ولا محجر عليها؛بل هي شاسعة واسعة تبدأ من داخلها لتشمل الحي, والعائلة الكبيرة ثم تعم المجتمع.
فما هو دوري؟ ودورك يا مسلمة في أسرنا الحبيبة ؟ فكري معي قليلا,وتأملي مملكتك الغالية بهدوء؛ حدثي نفسك: هل أنا مجرد رقم في العالم كتب في هذه الأسرة, وسينتهي بلا أثر ممتد إلى قيام الساعة ,وماذا أنتجت في مملكتي التي سأسأل عنها ؟ ماهو تأثيري على كل من حولي في أسرتي؟ هل حاولت أن أكون منتجة بفعالية متجددة ؟ هل فتحت لنفسي آفاق التزود للعلم الشرعي من خلال القنوات المتاحة لي من داخل مملكتي الخاصة, ومن خلال برامج إذاعة القرآن, والقناة العلمية بقناة المجد ,والكتب النافعة ؟ هل رتبت مع زوجي وأولادي درسا أسبوعيا ؟
والآن أيتها المسلمة التي شحنت همة ورغبة في التنافس, والتسابق إلى الجنان,لننطلق معا في الاحتساب مع أسرنا من خلال الأزواج,ومن هو الزوج في حياتك؟ إنه إنسان لا تعرفينه غالبا, ورضيت بالاقتران به ,واخترته دون غيره؛ لتعيشي معه ما شاء الله لك أن تعيشي,إنه إنسان تحلمين بأن تنجبي منه أولادا يملئون حياتك بفطرة الأمومة,وإنه إنسان ستعطينه قلبا, وجسدا, وعمرا,وعافية,وإنه إنسان ستبنين معه أسرة جديدة تتمنين أن تكون مثالا للأسرة المسلمة,وإنه إنسان قد يظلمك, ويعين الشيطان عليك أحيانا,وإنه إنسان يكون حينا في صورة رجل قوي, وحينا في صورة طفل وديع ,وإنه إنسان له حق القوامة الشرعية لا القوامة المبنية على هوى البشر.
إذن أنت في احتسابك معه لا تعتقدي أن الأمر هين؛ بل يحتاج إلى جهاد كما وضحت لك في الأسطر الأوائل ,وإليك هذه الإضاءات التي أتمنى أن تضيء حياتك الزوجية, والأسرية بها :-
الإضاءة الأولى :-
1- تجديد الإخلاص وتنقيته من أدران الدنيا ,وحظوظ النفس, وهذا جهاد شاق, ويحتاج إلى متابعة مستمرة للقلب.
2- الدعاء في جوف الليل بتحري ساعات الإجابة بأن يلهمك الله رشدك ,ويقيك شر نفسك, وأن يؤتيك من لدنه رحمة, ويهيئ لك من أمرك رشدا, ويرزقك الثبات, واحتساب الأجر منه.
3- المحاولات المستمرة بتجديد علمك الشرعي من مصادرة الموثوقة.
4- إن تيسر لك فاحرصي على حضور دورات شرعية مؤصلة في وسائل الإتصال الفعالة,وتطوير ذاتك بما يرضي الله تعالى, والعلاقات الزوجية.
5- الصحبة الصادقة الصالحة التقية التي تشد من أزرك إذا وسوست شياطين الإنس, والجن, وتعينك بحسن الاستشارة ,وصادق الدعاء بظهر الغيب.
الإضاءة الثانية:-
1- كوني على يقين بأن الرجل لا يفضل أن يكون دائما هو التلميذ, وأنت الأستاذة؛فتذكري دائما كيف تحولين نفسك من شيخة أو موجهة إلى تلميذة تطرح سؤالا عليه يخصه هو بطريقة غير مباشرة؛ ليتعرف على الإجابة عن طريقك,وأيضا بطريقة غير مباشرة.
2- تفنني في وسائل عرض ما تريدين على زوجك من خلال وضع شريط في سيارته أو مطوية على السرير؛ كأنك ستقرئينها أو إطار جميل تكتبين عليه عبارة تؤدي الغرض أو رسالة حب تحمل دعواتك الصادقة في عبارات آسرة,وتذكري قول الرسول:e(إن من البيان لسحرا).صحيح البخاري
3- استعيني بغيرك أحيانا ليعينك على ما سبق من خلال أناس يحبهم زوجك, ويثق بنصائحهم.
4- تجنبي أوقات غضبه ,وجوعه, ونومه؛فإنها من أشد الساعات حضورا للشيطان ,ومداخله.
5- اختاري أوقات الصفاء التي لايعرفها أحد غيرك.
6- إن أمكن رتبي معه حضور درس أسبوعي أو شهري, بالتنسيق مع أهلك أو أهله للمحافظة على أولادكم ,وقت غيابكم.
7- ثقي بأن قيامك بواجباتك كاملة له ولأولادكما ,ولأهله هو خير سبيل في احتساب الأجر, فلا تكوني؛كبعض النساء اللاتي يعتبرن القيام بمهام المنزل, وظيفة الخادمات, وإن لم توجد خادمات فتؤديها على أسوء وجه.
الإضاءة الثالثة:-
1- الدعاء المستمر للزوج بالهداية لكل ما يحبه الله ويرضاه, وسيأتيك أثر الدعاء أنت أيضا كما قال e: (دعاء المرء المسلم مستجاب لأخيه بظهر الغيب عند رأسه ملك موكل به كلما دعا لأخيه بخير قال الملك :آمين ولك بمثل ذلك ). رواه مسلم وأحمد وابن ماجه
2- تأملي الأمر الذي تودين نصيحة زوجك حوله, وهل هو من الخلاف القائم على أدلة صحيحة؟ إذن لا تفتحيه معه؛ فالأمر فيه سعة ,وكلاكما على حق.
3- عليك بالرفق؛ فهو كما قال e لعائشة رضي الله عنها
عليك بالرفق إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه ). صحيح
4- عليك بحسن الخلق فقد قال :e (عليك بحسن الخلق وطول الصمت فو الذي نفسي بيده ما عمل الخلائق بمثلهما ) .حسنه الألباني في صحيح الجامع
5- عليك بالأدعية الجامعة تعلمينها نفسك وزوجك, ومنها هذا الدعاء الذي أوصى به الحبيب e عائشة رضي الله عنها: ( عليك بِـحـُمـَل الدعاء وجوامعه قولي: اللهم إني أسألك من الخير كله عاجله وآجلة ما علمت منه وما لم أعلم, وأعوذ بك من الشر كله عاجله و آجله ما علمت منه وما لم أعلم ,وأسألك الجنة, وما قرب إليها من قول أو عمل, وأعوذ بك من النار, وما قرب إليها من قول أو عمل, وأسألك مما سألك به محمد e ,وأعوذ بك مما تعوذ به محمدe, وما قضيت لي من قضاء فاجعل عاقبته رشدا ). صحيح الجامع
لنخطط معا كيف نحتسب أنا ,وأنت في أسرنا التي يسير حبها مع دمائنا في العروق ,ونقوم أنفسنا في الخطوات التالية:-
1- الإخلاص لله تعالى بلا رياء يسير أو كثير, والإتباع للرسول e بلا ابتداع يسير أو كثير.
2- المحاسبة اليومية لأنفسنا ومراقبة أعمالنا فمن حاسب نفسه نجا,وصار مرآة صافية تلتقط ما حولها بوضوح, وتحتسب بحب .
3- تعليم أنفسنا أساليب الدعوة إلى الله؛ لأن الحماس, والرغبة, والمحاسبة الذاتية بدون الوسائل النافعة,والناجحة تؤدي غالبا إلى نتائج عكسية ، وتترك آثارا غائرة تستمر مدى, وتجعل القلوب تنفر فتعاند وتحارب.
4- إشاعة الحب في كل من حولنا بالهمسة الرقيقة ,واللمسة الحانية, والعبارات الآسرة في الجوال ,وفي الإطارات الأنيقة التي تضعينها بجوار رأس زوجك ,وابنك ,وابنتك, وحفيدتك, وأم,وأب زوجك ,وأخته, وأختك ،والهدايا الغير مكلفة التي تعني التذكر لمن نحب ،والزيارة الهادفة،والابتسامة المعبرة؛فهي من أيسر العبادات لمن يسر الله له ذلك, وقد قال :e ( لا تحقرن من المعروف شيئا ، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق ). صحيح مسلم
5- الغيرة على الدين ,والغيرة من الآخرين الذين سبقوك في خدمته فنقول لأنفسنا : من خدمت الإسلام ماذا تملك زائدا على ما أملكه ؟ فكلانا عنده عقل, وحواس, ولسان, وهي عامة عند الجميع فلماذا سبقونا ؟
6- الطمع في طلب العلم الشرعي الصحيح من مصادرة المعلومة ؛ فالعلم أول المسائل الأربع الواجبة على المسلم لتصح باقي المسائل, وهي : العمل, والدعوة, والصبر.
7- بما سبق تكونين قدوة صالحة تؤثر بفعلها مع قولها.
وأختم معك بأن أقول لك بصدق أخوي : لتعلمي أنك قد تفشلين أحيانا ,وقد تتعبين وقد تقررين في لحظة غضب أو حزن التوقف فأقول لك: تذكري الجنة, وأبوابها الثمانية, ولا تقرري التوقف نهائيا إلا بعد طول صبر ومجاهدة, وحسن استشارة, وتوكل بعد الاستخارة, والله سيعوضك كل خير والحياة لا تقف,والجنة مشرعة أمامك, ورددي قوله تعالى :{ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ.}[الشعراء:62]
___________________________