الاحتساب على منكرات الأمهات
يحمل الإسلام الوالدين مسؤولية رعاية الأبناء بالدرجة الأولى، ويخصهما قبل غيرهما بهذا الواجب، قال الله - تعالى - حاضاً الوالدين على تربية الأبناء: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)[التحريم: 6].
ومن المعلوم أن للأم دور كبير تجاه أولادها، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - خصها بمسؤولية مستقلة عن الرجل، فهي راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((...والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم... ))[2]، فالأم مسؤولة أمام الله - عز وجل - عن رعيتها التي استرعاها الله عليها في بيتها وأولادها.
ومن المؤسف أن تجد بعض الأمهات تخل في هذه الأمانة العظيمة، وفي هذه الصفحات سأذكر بعض الأخطاء التي تقع فيها بعض الأمهات، وواجب المرأة المسلمة المحتسبة في تصحيح هذا الخطأ فمن ذلك ما يلي:
الكذب على الأولاد:
مما هو معلوم أن الكذب خلق يكتسبه الصغير من بيئته، فالأم أو الأب الذي لا يفي بوعوده لأولاده يزرع فيهم خلق من غير أن يشعر، ومن حرص النبي - صلى الله عليه وسلم - على غرس فضيلة الصدق في نفوس الأطفال حتى يشبوا عليها وقد ألفوها في أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم؛ حذر من الكذب عليهم، فعن عبد الله بن عامر - رضي الله عنهما - أنه قال: دعتني أمي يوماً ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيتنا، فقالت: ها تعال أعطيك، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما أردت أن تعطيه؟)) قالت: أعطيه تمراً، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أما إنك لو لم تعطيه شيئاً كتبت عليك كذبة))[3].
فالنبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - من خلال هذا الحديث يأمر الأمهات بالتخلق بخلق الصدق، وينكر عليهن الكذب على أولادهن، حيث رهب هذه المرأة من مغبة فعلها فيما لو لم تصدق مع ولدها بقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((أما إنك لو لم تعطيه شيئاً كتبت عليك كذبة))، وهذا دليل واضح على أهمية الصدق في القول والفعل.
فكان استنكار النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - على هذه الأم حينما قالت لولدها: ((تعال أعطيك))، قال: ((ما أردت أن تعطيه)) تأكيداً منه - صلى الله عليه وسلم - على أهمية تثبيت هذا الخلق في الولد وهو يراقب تصرفات والديه، وفيه أنه لا يحق للوالدين خداع الطفل، والواجب عليهما التعامل معه بالصدق [4].
ومن المؤسف أن نجد هذه الظاهرة منتشرة في زمننا، عند كثير من الآباء والأمهات فيكذبون على أولادهم ظناً منهم أن الولد لا يتأثر بهذا الخلق المشين.
وهنا يأتي دور المرأة القائمة على حدود الله- تبارك وتعالى - بتحذير الأمهات من الوقوع في هذه الظاهرة المنتشرة في أوساطهن لا سيما مع وجود الجهل، فالكثير من النساء لا تعرف حرمة الكذب على الأولاد، فلو سمعت المرأة المحتسبة أماً تكذب على ولدها فواجبها أن تنكر عليها، مقتدية بالنبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -، وتبين لها الطريقة الصحيحة في التربية، وأنه إذا خالف قول الأم فعلها، فإن هذا له أثره السيئ على نفس الولد وسلوكه، وأن الله- تبارك وتعالى - قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) [الصف: 2- 3]، فكيف يتعلم الصدق من يرى والده وأمه يكذبان؟ وكيف يتعلم الأمانة من يرى والده يغش؟ وكيف يتعلم الولد حسن الخلق وهو يرى من حوله يسب ويفحش في القول ويسيء خلقه؟
التساهل في بعض الأمور المحرمة:
فمن ذلك وصل الأمهات الشعر لبناتهن، وقد نهى النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - عن هذه العادة المشينة، فعن أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنها - قالت: سألت امرأة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، إن ابنتي أصابتها الحصبة فامرق شعرها وإني زوجتها أفأصل فيه؟ فقال ((لعن الله الواصلة والمستوصلة))[5].
فقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لعن الله الواصلة)) أي: التي تصل الشعر سواء كان لنفسها أم لغيرها، (والمستوصلة) أي: التي تطلب فعل ذلك ويفعل بها [6].
وفى هذا الحديث أن الوصل حرام سواء كان لمعذورة أو عروس أو غيرهما [7].
فالواجب على المرأة المسلمة أن تذكر النساء بحرمة الوصل، وأنه لا رخصة في استعماله أبدا و لو كان هناك رخصة فيه لأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - للمرأة استأذنته في وصل شعر ابنتها، ولكن الجواب قد جاء من النبي - صلى الله عليه وسلم - قاطعاً بلعن الواصلة والمستوصلة، مما يدل على إنكاره - صلى الله عليه وسلم - لهذا الفعل من النساء.
وعلى المحتسبة أن تبين للنساء أن ما استحدثت مصانع التجميل من أنواع مختلفة من الشعور المستعارة، وهو ما يعرف بـ "الباروكة" حرامٌ؛ لأنه من الوصل، وأولى بالحكم.
وتذكرهن بعظم الذنب وخطره، فالاحتساب على هذه الأمور تتمكن منه المرأة المحتسبة أكثر من غيرها؛ كون هذه المخالفات غالباً ما تحصل في الأعراس، وربما من غير علم الرجال.
الجزع والتسخط عند فقد الأولاد:
وحينما رأى النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - إحدى الأمهات تبكي على وليدها وقف محتسباً عليها بقوله: ((اتقي الله واصبري))، فعن أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى على امرأة تبكى على صبى لها فقال لها: ((اتقى الله واصبري))، فقالت وما تبالى بمصيبتى، فلما ذهب قيل لها: إنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخذها مثل الموت فأتت بابه فلم تجد على بابه بوابين، فقالت: يا رسول الله لم أعرفك، فقال: ((إنما الصبر عند أول صدمة))، أو قال: ((عند أول الصدمة))[8].
ففيه الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر مع كل أحد [9]، فالنبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - أمر هذه المرأة بالصبر والثبات حينما رأى جزعها على فقد وليدها، حيث تضمن هذا الحديث الإشارة إلى أن عدم الصبر ينافي التقوى [10].
وأكد النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - للأمهات أهمية الصبر عند فقد الأولاد فيما جاء عن أسامة بن زيد - رضي الله عنه - قال: كان ابن لبعض بنات النبي - صلى الله عليه وسلم - يقضي فأرسلت إليه أن يأتيها فأرسل: ((إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل إلى أجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب))... [11].
ومن الملاحظ أن بعض الأمهات إذا أصيب أحد أبنائها بشيء أنها تتسخط على ما أصابها، وقد تأتي بالألفاظ المنكرة، وهذا مخالف للتسليم بقضاء الله وقدره.
فيا أيتها الأخت المحتسبة المباركة، إذا حضرت مجلس من مجالس العزاء، فمن واجبك أن تصبّري من أصيبت بالبلاء، وتذكريها بالأجر العظيم، والثواب الجزيل، لا أن تجلسي معها وتذكريها بماضي الميت وأنه وأنه، كما تفعل كثير من نساء المسلمين اليوم، من الندب والبكاء مع أهل الميت.
بل عليك أختي المحتسبة أن تذكري الأم المصابة بأن الله - تعالى - أراد أن يرفع درجتها بموت ابنها، وأن ترضى بقضاء الله وقدره، فقد جاء في حديث جبريل الطويل في بيان الإسلام والإيمان والإحسان فقال عن الإيمان: ((.. أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره))[12].
وقال - صلى الله عليه وسلم - أيضاً: ((إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله - تعالى - إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط))[13].
التقليل من الإنجاب والسعي لتحديد النسل لغير ضرورة:
من المعلوم أن هذا الفعل مخالف لمقصد عظيم من مقاصد النكاح، وهو تكثير النسل الذي به مباهاة النبي - صلى الله عليه وسلم - لسائر الأمم، وقد جاءت النصوص الكثيرة بالحث على تكثير النسل، فمن ذلك ما جاء عن معقل بن يسار قال جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني أصبت امرأة ذات حسب وجمال وإنها لا تلد أفأتزوجها قال: لا، ثم أتاه الثانية فنهاه، ثم أتاه الثالثة، فقال: ((تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم))[14].
ومع هذا الترغيب في النسل والمكاثرة فيه تجد كثيراً من الأمهات من ترغب عن الأولاد ولا تحب أن تلد، إما خوفاً من الفقر، أو حفاظاً على رشاقتها كما هو مشتهر عند النساء.
فإذا علمت المرأة القائمة على حدود الله- تبارك وتعالى - بهذا المنكر، فيجب عليها أن تذكر من أردت تحديد النسل بالأحاديث المرغبة في النسل، وتذكر لها الثواب الجزيل في تربية الأولاد على الدين والتقى، وأن ذلك خير لها من المال ومن الرشاقة ومن الدنيا، فـ((إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له))[15].
عمليات الإجهاض وقتل الأولاد:
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يبايع النساء بالكلام بهذه الآية: (عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ)[الممتحنة: 12])... الحديث [16].
وهذا النهي يشمل قتله الولد بعد وجوده، كما كان أهل الجاهلية يقتلون أولادهم خشية الإملاق، ويعم قتله وهو جنين، كما قد يفعله بعض الجهلة من النساء تطرح نفسها لئلا تحبل إما لغرض فاسد أو ما أشبهه([17]).
فالأمهات أمينات على ما في بطونهن فكان نهي النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - لهن عن قتل الأولاد لأي سبب كان.
فلتعلم الأخت المسلمة أنها مؤتمنة شرعاً على ما خلق الله - سبحانه وتعالى - في رحمها من الحمل فلا ينبغي لها أن تكتمه.
قال تعالي: (وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)[البقرة: 228].
فعلى المحتسبة أن تبين للأمهات أن ما شاع في هذا العصر من عمليات الإجهاض عمل محرم، وإذا كان الحمل قد نفخت فيه الروح ومات بسبب الإجهاض فإن ذلك يعتبر قتلاً للنفس التي حرم الله قتلها بغير حق ورتب على ذلك أحكام المسئولية الجنائية من حيث وجوب الدية على تفصيل في مقدارها، ومن حيث وجوب الكفارة وهي عتق رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، وإن تيسر للمحتسبة أن تزور الطبيبات وتذكرهن بحرمة هذا العمل الشنيع فيكون أمرا حسنا.
نسأل الله- تبارك وتعالى - أن يوفق نساء وبنات المسلمين لما يحب ويرضى، والحمد لله رب العالمين
____________
[2] - رواه أبو داود (3/91)، (2930)، والترمذي (4/208)، برقم (1705)، وصححه الألباني.
[3] - رواه أبو داود (4/455)، برقم (4993)، وأحمد (3/447)، برقم (15740)، وحسنه الألباني، انظر صحيح سنن الإمام أبي داود (3/ 942 - 943).
[4]- انظر: منهج التربية النبوية للطفل ص (172).
[5]- رواه البخاري (5/2218)، برقم (5597)، و مسلم (6/165)، برقم (5687)، واللفظ للبخاري.
[6] - انظر: فتح الباري ابن حجر(10/375).
[7] - شرح النووي على مسلم(14 / 105).
[8]- رواه البخاري (6/2615)، برقم (6735)، ومسلم (3/40) برقم: (2179)، واللفظ له.
[9] - شرح النووي على مسلم (6/227).
[10]- انظر فتح الباري (3/125).
[11] - رواه البخاري (6/2711)، برقم (7010)، ومسلم (2/635)، برقم (923)، واللفظ للبخاري.
[12]- رواه مسلم برقم (
.
[13]- رواه الترمذي (4 / 601)، برقم (2396)، وابن ماجه (2 / 1338)، برقم (4031)، وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح (1 / 353).
[14] - رواه أبو داود (2 / 175)، برقم (2052)، وصححه الألباني، انظر: صحيح أبي داود (6 / 291)، برقم (1789).
[15] - رواه الترمذي (3 / 660)، برقم (1376)، وصححه الألباني.
[16]- رواه البخاري (4/1856)، برقم (4609)، ومسلم (3/1489)، برقم (1866).
[17] - تفسير ابن كثير(4/425).