واجب الفتاة المسلمة
بقلم/ أ.د.مازن إسماعيل هنيــة .
رئيس لجنة الإفتاء بالجامعة الإسلامية في غزة .
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، رب السموات والأرض ورب العرش العظيم، والصلاة والسلام على الهادي البشير، المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه، ومن سار على هديه إلى يوم الدين، وبعد:
إن أول واجب للفتاة المسلمة أن تعلم من هي؟، وأن تتذكر جملة من الحقائق يجب أن تكون دائماً نصب عينيها، ومن هذه الحقائق:
أولاً/ أن تتذكر دوماً الغاية من وجودها في هذه الحياة، كما قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ*مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ*إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات57-59] , والعبادة يقصد بها أن يعيش المرء في الحياة وقد خضعت عواطفه، ومشاعره، وقلبه، ونفسه، وجوارحه لله رب العالمين، قد خضع لدين الله وحكمه، وانقاد لأمره وشريعته. وأما الصلاة والصيام والزكاة فما هي إلا محطات على هذا الدرب، يتزود منها المرء الزاد، ليتمكن من مواصلة المسير.
ثانياً/ أن تتذكر الفتاة المسلمة قيمة الحياة الآخرة بالنسبة للحياة الدنيا، فتقدم دوماً الباقي على الفاني، والعظيم على الحقير، فلا تطمئن للحياة الدنيا، ولا تركن إليها، وقد جاء في هذا السياق قول الله تعالى: {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} [التوبة38] , وعن الْمُسْتَوْرِدُ بْنُ شَدَّادٍ قَالَ: (إِنِّي لَفِي الرَّكْبِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم إِذْ أَتَى عَلَى سَخْلَةٍ مَنْبُوذَةٍ فَقَالَ: "أَتُرَوْنَ هَذِهِ هَانَتْ عَلَى أَهْلِهَا" قِيلَ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ هَوَانِهَا أَلْقَوْهَا" قَالَ صلي الله عليه وسلم":فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ عَلَى أَهْلِهَا") . أخرجه الترمذي، وابن ماجة، وأحمد، واللفظ لابن ماجة
ثالثاً/ يجب على الفتاة المسلمة أن تتذكر دوماً حتمية الموت، وأن تعلم أنها في كل يوم تبتعد عن الدنيا خطوة وتقترب خطوة من لقاء الله تعالى, عَنْ أَبِي هُرِيْرَة رضي الله عنه قَالَ: ( أكثروا ذكر هادم اللذات يعني الموت ) . حديث صحيح
رابعاً/ تذكري أختي المسلمة أن الإخلاص أساس القبول والفلاح، وكذلك أساس النجاح والتوفيق فقد قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة5] . عن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم يَقُولُ: (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ) حديث صحيح أخرجه البخاري , فإذا أدركت الفتاة المسلمة مثل هذه المعاني، فيجب أن تعلم طريقها في الحياة وواجبها، يجب أن تعلم إن أوجب واجباتها هو العمل للإسلام، إن واجبها أن تتحرك في الحياة حركة مادية لإعلاء كلمة الله، لتكون مدوية في الآفاق، عالية لا تعلوها كلمة ولا راية، وهذا يحتاج لحركة مستمرة لا تتوقف من الفتاة المسلمة، فهناك دروب للدعوة وهناك مهمات عظمى دور الفتاة فيها قوي وبناء. وفي هذا المقام لا يكفي الفتاة مجرد الأماني فليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل, يجب على الفتاة وهي تتحرك لنصرة دين الله أن تستشعر معاني الاعتزاز بالحق والثقة بنصر الله وتأييده للمؤمنين، يجب على الفتاة المسلمة أن تشعر بالعلو بإيمانها واعتصامها بحبل الله المتين، قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [المنافقون8] , وقال أيضاً: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمـران139] , يجب على الفتاة المسلمة أن تشارك المسلمين في حمل همّ هذا الدين، وهمّ المؤمنين، فتتحرق لنصرة الدين، ونصرة المؤمنين، فقد جاء في المستدرك على الصحيحين عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: ( من أصبح والدنيا أكبر همه فليس من الله في شيء، ومن لم يتق الله فليس من الله في شيء، ومن لم يهتم للمسلمين عامة فليس منهم) , يجب على الفتاة المسلمة أن تتقصى مصلحة الإسلام، ومصلحة المسلمين، فتتحرى الالتزام بكتاب الله تعالى، فتدور مع كتاب الله حيثما دار فقد جاء في المستدرك على الصحيحين عن حذيفة بن اليمان قوله: (دوروا مع كتاب الله حيثما دار) وعماد الأمر في ذلك مشاركة الفتاة المسلمة في واجب الدعوة إلى الله، الذي هو واجب الأمة بأسرها، فواجبها أن تحمل دعوة نبيها لتبلغها للعالمين، وهذا مناط الخيرية التي وصفها الله تعالي بها {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران110] فكيف إذا كان مقصد البلاغ رد المسلمين إلى دينهم، وعقيدتهم، وردهم عن غيهم وضلالهم، والأخذ بيدهم على طريق عزتهم، وكرامتهم، ومجده، الذي خطه نبيهم صلي الله عليه وسلم بيمينه. وكيف تتقاعس الفتاة المسلمة عن واجب الدعوة إلى الحق والخير ومكارم الأخلاق، ونساء خرجن عن قيم الإسلام، وتعاليم السماء يتحركن في الأرض للنساء بل الناس جميعا أن يدعوا شريعة الله وراء ظهورهم، وهذا يجعل دورة الفتاة المسلمة من أوجب الواجبات فهي الأقوى على رد دعوة الشر في هذا المضمار, كلما ادلهمت المحنة وعظم الخطب، كلما عظم الواجب، وهل هناك أعظم من محنة أمة الإسلام في هذا الزمان؟, فالواجب عظيم على المسلمين كافة رجالهم ونساؤهم، شبابهم وشيوخهم فالله نسأل أن يرزقنا القيام بما يجب علينا نحو ديننا، ونحو أمتنا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ