اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 دروس من غزوة تبوك

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 99315
دروس من غزوة تبوك Oooo14
دروس من غزوة تبوك User_o10

دروس من غزوة تبوك Empty
مُساهمةموضوع: دروس من غزوة تبوك   دروس من غزوة تبوك Emptyالثلاثاء 2 يوليو 2013 - 15:38

ملخص الخطبة
1- تجهز الصحابة لغزوة تبوك. 2- اعتذار المنافقين وتذرعهم بالذرائع الواهية. 3- انفاق عثمان &. 4- البكاءون لما حرموا في الخروج إلى الجهاد. 5- علي على ولاية المدية. 6- أبو قتادة يحفظ النبي حال تعبه وسفره. 7- أبو ذر يلحق بالرسول إلى تبوك. 8- دفن ذي البجادين. 9- المجاهدون بنياتهم.
الخطبة الأولى
 
 أما بعد:
فيا عباد الله، اتقوا الله ـ تعالى ـ، واعلموا علم اليقين أن حكمة الله اقتضت أن يكون الحق والباطل في خلاف دائم، وصراع مستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، كل ذلك ليميز الله الخبيث من الطيب، فمذ بزغ هذا الدين وأعداؤه من يهود ونصارى ومشركين ومنافقين يحاولون القضاء عليه، بكل ما يستطيعون، دروس من غزوة تبوك Start-iconيُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوٰهِهِمْ وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَـٰفِرُونَدروس من غزوة تبوك End-icon [الصف:8]، والتاريخ في ماضيه وحاضره يشهد بذلك أنى لهم أن يفلحوا ما تمسكنا بكتابنا وسنة نبينا محمد دروس من غزوة تبوك Salla-icon.
كل العدا قد جنـدوا طاقاتهـم      ضدا الهدى والنور، ضـد الرفعة
إسلامنا هو درعنـا وسلاحنا       ومنارنا عبر الدجى في الظلمـة
هو بالعقيدة رافـع أعـلامـه      فامشي بظـل لوائهـا يــا أمتي
لا العرب يقصد عزنا كلا ولا       شـرق التحـلل إنــه كالحيـة
الكل يقصـد ذلنا وهواننــا       أفغيـر ربـي منقـذ مـن شـدة
إخوة الإيمان، يوم يقلب المرء صفحات الماضي المجيد، ويتدبر القرآن الكريم، ثم ينظر لواقعنا ويقارنه بذلك الماضي، يتحسر يوم يجد البون شاسعا والفرق عظيما، يتحسر يوم يرى تلك الأمة التي كانت قائدة، وقد أصبحت تابعة حينما ابتعدت عن شرع ربها ونهج نبيها، فعودا والعود أحمد، عودا سريعا إلى الماضي المجيد، لنستلهم منه الدروس والعبر في هذا الحاضر العاثر، عودا لسيرة من لم يطرق العالم دعوة كدعوته، ولم يؤرخ التاريخ عن مصلح أعظم منه، ولم تسمع أذن عن داعية أكرم منه، وما أحرانا ونحن في الأيام العصيبة أن تتجاوز المدة الزمنية كي نعيش يوما من أيام محمد دروس من غزوة تبوك Salla-icon، لنأخذ العبر والدروس، نعود بكم إلى شهر رجبَ في السنة التاسعة من الهجرة لنعيش وإياكم أحداث غزوة العسرة التي تساقط فيها المنافقون وثبت فيها المؤمنون وذل فيها الكافرون وعز فيها الصادقون.
إخوة الإيمان، بلغ النبي دروس من غزوة تبوك Salla-iconأن الروم تتجمع لحربه ولتهديد الدولة الإسلامية في ذلك الوقت، يريدون مبادرته بالحرب قبل أن يبادرهم، فعند ذلك أعلن النبي دروس من غزوة تبوك Salla-iconلأول مرة عن مقصده وعن تجهيز الجيش، فتجهز أقوام وأبطأ آخرون، تجهز ثلاثون ألف مقاتل، باعوا أنفسهم إلى الله نصرة لله ورسوله، وتساقط المنافقون فها هو أحدهم يقول له رسول الله دروس من غزوة تبوك Salla-iconكما روى ابن هشام: ((هل لك في جلاد بني الأصفر أي الروم؛ فيقول: يا رسول الله ائذن لي ولا تَفْتنَّى، فو الله لقد عرف قومي أنه ما من رجل أشد عجبا بالنساء مني، وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر أن لا أصبر، فأعرض عنه دروس من غزوة تبوك Salla-icon))، ولكن الله ـ جل وعلا ـ فضحه وأذله، دروس من غزوة تبوك Start-iconوَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ ٱئْذَن لّي وَلاَ تَفْتِنّى أَلا فِى ٱلْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِٱلْكَـٰفِرِينَدروس من غزوة تبوك End-icon [التوبة:49][1]، وتحدثت الآيات في القرآن عمن نكص كذلك من هذه المعركة وتحجج بحجج واهية، حين آثروا ظل القعود في بيوتهم وحقولهم على حر الصحراء ووعثاء السفر، مقابل الجلاء، دروس من غزوة تبوك Start-iconفَرِحَ ٱلْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَـٰفَ رَسُولِ ٱللَّهِ وَكَرِهُواْ أَن يُجَـٰهِدُواْ بِأَمْوٰلِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِى ٱلْحَرّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَدروس من غزوة تبوك End-icon، وتجلت في الإعداد لهذا الجيش طوايا النفوس، ومقدار ما استودعت من قبل من إخلاص وسماحة ونشاط، فهناك أغنياء أخرجوا ثرواتهم ليجهزوا الجيش من الرواحل والسلاح والخيل، منهم عثمان ابن عفان، سبق في بذله سبقا بعيدا حتى إن رسول الله دروس من غزوة تبوك Salla-iconعجب من كثرة ما أنفق وقال: ((ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم)) رواه الحاكم وصححه الألباني[2].
ومنهم الفقراء الذين لم يجدوا زادا ولا راحلة، فأتوا رسول الله دروس من غزوة تبوك Salla-iconيقولون يا رسول الله لا زاد ولا راحلة، فيبحث لهم دروس من غزوة تبوك Salla-iconعن زاد وراحلة فلا يجد ما يحملهم عليه، فيرجعوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون، إنهم بكاؤون لم يبكوا على فقد متاع أو فقد دنيا، بل يبكون على فقد جهاد وقتال في ساعةٍ عسيرة، قد تذهب أرواحهم فدا لهذا الدين الذي آمنوا به، روى عن علبة بن زيد: أنه قام من الليل يصلي فتهجد ما شاء الله ثم بكى وقال: "اللهم إنك أمرت بالجهاد ورغبت فيه ثم لم تجعل عندي ما أتقوى به ولم تجعل في يدي رسولك ما يحملني عليه، وإني أتصدق على كل مسلم بكل مظلمة أصابني فيها في مال أوحد أو عرض"، وأصبح الرجل على عادته مع الناس فقال رسول الله: ((أين المتصدق هذه الليلة))، فلم يقم أحد، ثم قال: ((أين المتصدق هذه الليلة؟ فليقم فقام إليه فأخبره، فقال له رسول اللهدروس من غزوة تبوك Salla-icon: أبشر فوالذي نفسي بيده لقد كتبت في الزكاة المتقبلة))، حديث صحيح صححه الألباني[3].
ويخرج دروس من غزوة تبوك Salla-iconويستخلف على المدينة عليا دروس من غزوة تبوك Radia-iconويخيم في ثنية الوداع ومعه ثلاثون ألفا ويأتي المنافقون الخلوف الذين لايتركون دسائسهم وإرجافهم على مر الأيام، يلاحقون أهل الخير والاستقامة، يلمزون ويهمزون ويتندرون ويسخرون، ـ سخر الله منهم ـ، ويستهزئون به، والله يستهزئ بهم، يأتون إلى علي ويقولون له ماخلفك رسول الله دروس من غزوة تبوك Salla-iconإلا استثقالا لك، فتأثر بذلك ولبس درعه وشهر سيفه يريد الجهاد في سبيل الله ويصل إلى النبي دروس من غزوة تبوك Salla-iconويقول له زعمهم فيجيبهم دروس من غزوة تبوك Salla-iconيقول: ((كذبوا يا علي أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لانبي بعدي))، وعاد رضي الله عنه إلى المدينة راضيا[4].
ويتوجه دروس من غزوة تبوك Salla-iconإلى تبوك فيمر بديار ثمود، ديار غضب الله على أهلها، فتلك بيوتهم خاوية وآبارهم معطلة وأشجارهم مقطعة، فيدخلها وقد غطى وجهه وهو يبكي، ويقول لجيشه: ((لا تدخلوها إلا باكين أو متباكين لئلا يصيبكم ما أصابهم))[5].
انظروا يا عباد الله كيف فعل الله بهذه الأرض وأهلها التي سكنها الظلمة، فكيف بمن يجالس الظَلَمة، ويؤيد الظَلَمة، ويركن إلى الظلمة، ويكون لهم أنيسا ولسانا وصاحبا، فكيف تكون حاله ؟ ألا يخاف غضب الله عليه ونقمته حين يأخذه أخذ عزيز مقتدر، دروس من غزوة تبوك Start-iconوَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُدروس من غزوة تبوك End-icon [هود:113]، حتى الماء في هذه الأرض نهى دروس من غزوة تبوك Salla-iconالمسلمين عنه حينما استقوا منه فقال لهم: ((لا تشربوا من مائها ولا تتوضئوا منه للصلاة وما عجنتم من عجين بمائها فأعطوه الإبل ولا تأخذوا منه شيئا))[6] واستمر دروس من غزوة تبوك Salla-iconفي طريقه إلى تبوك، وقد بلغ به الجوع والتعب مبلغا عظيما، ومع السَّحَر ينام من التعب على دابته حتى يكاد يسقط، كما في صحيح مسلم، فيقرب منه أبو قتادة فيدعمه بيده، حتى يعتدل، ثم يميل أخرى فيدعمه، أبو قتادة حتى يعتدل، ثم يميل ميلة أخرى أشد حتى كاد يسقط فيدعمه أبو قتادة بيده، فيرفع رأسه دروس من غزوة تبوك Salla-icon، ويقول من هذا قال أنا أبو قتادة فقال له: ((حفظك الله بما حفظت نبي الله يا أبا قتادة))[7] يقول المؤرخون فما زال أبو قتادة محفوظا بحفظ الله في أهله، وذريته، ما أصابهم سوء حتى ماتوا. درس لمن حفظ أولياء الله فإن الله يحفظه، و((صنائع المعروف تقي مصارع السوء))[8].
عن عبد الله بن عباس أنه قيل لعمر بن الخطاب حدثنا عن شأن ساعة العسرة؟ فقال عمر: "خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد فنزلنا منزلا، وأصابنا فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع، حتى أن الرجل لينحر بعيره، فيعتصر فرثه فيشربه، ثم يجعل ما بقي على كبده، فقال أبو بكر الصديق: يا رسول الله إن الله عودك في الدعاء خيرا فادع الله لنا ؟ فقال: أو تحب ذلك؟ قال: نعم، فرفع رسول الله دروس من غزوة تبوك Salla-iconيديه إلى السماء فلم يرجعهما حتى أذنت السماء بالمطر، فأطلت ثم سكبت فملؤوا ما معهم ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت المعسكر"، حسن هذا الألباني[9].
ويتأخر عن الجيش أبو ذر ببعيره الهزيل، فماذا فعل يا ترى؟ لقد ترك بعيره وأخذ متاعه وحمله على ظهره، وينزل دروس من غزوة تبوك Salla-iconفي أحد المنازل على الطريق، وينظر أحد المسلمين ويقول يا رسول الله رجل يمشي إلى الطريق وحده، متاعه على ظهره، فقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ: ((كن أبا ذر كن أبا ذر فإذا هو أبو ذر؛ فأخبروا النبي دروس من غزوة تبوك Salla-iconبذلك، فقال: رحم الله أبا ذر يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحده))[10].
وتمضي الأيام والأعوام ونفي أبو ذر إلى الربذة ويحضره الموت هناك، وليس معه إلا امرأته وغلامه، وقبل موته أوصاهما أن يغسلاه، ويكفناه، ويضعاه على الطريق، وأن يقولا لأول ركب يمرّ بهم هذا أبو ذر صاحب رسول الله دروس من غزوة تبوك Salla-iconفأعينونا على دفنه ،فيفعلان ذلك ويأتي عبد الله بن مسعود ومعه رهط مسافرون فما رءاهم إلا الجنازة على قارعة الطريق فأخبرهم غلامه فاندفع عبد الله بن مسعود باكيا يقول صدق رسول الله: ((تمشي وحدك وتموت وحدك)) ثم دفنوه.
إخوة الإيمان، وينتهي المسير برسول الله إلى تبوك، ويقيم بها بضع عشرة ليلة، فلم يجدوا بها كيدا أو يواجهوا عدوا ولكنهم بذلك أرهبوا الروم وحلفاءهم، وفرضوا عليهم الجزية، وحصلت الأحداث أثناء بقائه ـ عليه الصلاة والسلام ـ فيها، منها أنه دروس من غزوة تبوك Salla-iconلما نام ليلة في تبوك أتاه جبريل ـ عليه السلام وقال ـ: (يا رسول الله قم صل صلاة الغائب على معاوية بن معاوية الليثي، فقد توفي بالمدينة)، أما معاوية هذا، إخوة الإيمان، فهو صالح عابد يذكر الله قائما وقاعدا، وسأل عنه النبي دروس من غزوة تبوك Salla-iconفأخبر أنه كان يقرأ (قل هو الله أحد) قائما، وقاعدا وعلى جنب ، بالليل والنهار، وقد صلي عليه بالمدينة وشهد الصلاة عليه صفَّان من الملائكة في كل صفٍ سبعون ألف ملك .. فقام وصلى عليه[11].
وحدث عبد الله بن مسعود فقال: نمنا ليلة متعبين في تبوك وانتبهت في وسط الليل، فالتفت إلى فراش النبي دروس من غزوة تبوك Salla-iconفلم أجده، والى فراش أبي بكر وعمر فلم أجدهما، وإذا بنار وسط الليل تضيء آخر المعسكر، فذهبت أتبعهما فإذا رسول الله دروس من غزوة تبوك Salla-iconحفر قبرا، ومعه أبو بكر وعمر، وعنده سراج بيده قد نزل وسط القبر فقلت: يا رسول الله من الميت؟ قال هذا أخوك عبد لله ذو البجادين. إنه أحد الصحابة أسلم، وكان تاجرا، فأخذ أهله وقومُه مالَه كله حتى لباسه فذهب فما وجد لباسا غير شملة قطعها إلى بجادين وفر بدينه يريد الله والدار الآخرة، وأخبر دروس من غزوة تبوك Salla-iconبخبره، فقال: ((تركتَ مالكَ لله ولرسوله، أبدلك الله ببجاديك إزارا ورداء في الجنة أنت ذو البجادين))[12]، فلقب بذلك .. يقول عبد الله بن مسعود وأنزله دروس من غزوة تبوك Salla-iconإلى القبر فوالذي لا إله إلا هو مانسيت قوله دروس من غزوة تبوك Salla-iconوهو في القبر وقد مد ذراعيه لذي البجادين وهو يقول لأبي بكر وعمر أدنيا إلَّي أخاكما، فدلياه في القبر، وهو يبكي ودموعه تتساقط على الكفن، ثم وقف ـ عليه الصلاة والسلام ـ لما وضعه في القبر رافعا يديه مستقبلا القبلة، وهو يقول: ((اللهم إني أمسيت عنه راضيا فارض عنه، اللهم إني أمسيت عنه راضيا فارض عنه)) يقول ابن مسعود فوالله ما تمنيت إلا أن أكون صاحب الحفرة لأنال دعاءه دروس من غزوة تبوك Salla-icon[13]، وغزوة تبوك مشابهة لغزوة الأحزاب، فإن بلاء المسلمين أولها كان شديد ثم جال ختامها طمأنينة وعزا. وقفل النبي دروس من غزوة تبوك Salla-iconعائدا إلى المدينة موفورا منصورا، حتى قدم إلى المدينة، ولاحت له معالمها من بعيد فقال هذه طابة، وهذا أُحد يحبنا ونحبه، وتسامع الناس بمقدمه، وفرح النساء والصبيان وهم يقولون:
طلع البـدر علينا          من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا          مـا دعا لله داع
وقوبل جيش العسرة بحفاوة بالغة، ولم ينس النبي دروس من غزوة تبوك Salla-iconفي ذهابه وإيابه أصحاب القلوب الكبيرة الذين صعب عليهم أن يجاهدوا معه فتخلفوا راغمين والعبرات تملأ عيونهم، روى البخاري عن أنس ابن مالك دروس من غزوة تبوك Radia-icon: أن رسول الله دروس من غزوة تبوك Salla-iconرجع من عزوة تبوك فدنا من المدينة، فقال: ((إن في المدينة أقواما ماسرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم ؛ فقالوا: يا رسول الله وهم بالمدينة؟! قال: وهم بالمدينة حبسهم العذر))[14].
بهذه المواساة الرقيقة كرم النبي الرجال الذين شيعوه بقلوبهم، وهو ينطلق إلى الروم فأصلح بالهم، وأراح هما ثقيلا عن أفئدتهم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: دروس من غزوة تبوك Start-iconيٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱثَّاقَلْتُمْ إِلَى ٱلأرْضِ أَرَضِيتُم بِٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا مِنَ ٱلآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا فِى ٱلآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ دروس من غزوة تبوك Mid-iconإِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدِيرٌدروس من غزوة تبوك End-icon [التوبة:38، 39].
بارك الله لي ولكم في الفرقان العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم…





[1] أخرجه ابن إسحاق (سيرة ابن هشام 4/516) مرسلاً.
[2]  أخرجه الحاكم (3/102) وصححه ووافقه الذهبي ،  وانظر فقه السيرة للغزالي بتعليق الألباني (ص405).
[3]  أخرجه الطبراني كما ذكر ذلك الحافظ في ((الإصابة)) (7/42-44) في ترجمة علبة بن زيد رضي الله عنه ولم أجده في المطبوع من المعجم الكبير ، وذكر غيرها من الروايات. وانظر سيرة ابن هشام (4/518) ، وفقه السيرة للغزالي بتعليق الألباني (ص405).
[4] أخرجه البخاري (4416) ، ومسلم (2404) ، دون ذكر قول المنافقين ، وأخرجه تاماً ، ابن إسحاق كما في سيرة ابن هشام (4/519، 520).
[5]  أخرجه البخاري (433، 3380) ، ومسلم (2980) دون قوله : ((متباكين)) ، ودون ذكر بكائه دروس من غزوة تبوك Salla-icon.
[6]  أخرجه الطبراني في الأوسط (3/361) بنحوه ، قال الهيثمي في المجمع (6/193) : وفيع عبد الرحمن بن بشير الدمشقي ضعفه أبو حاتم.
[7]  صحيح مسلم (681).
[8]  أخرجه الطبراني في الكبير (8014) ، قال المجمع (3/115) : إسناده حسن ، وصححه الألباني في الصحيحة (1908).
[9]  أخرجه البزار في مسنده (1/331) وقال : وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن النبي دروس من غزوة تبوك Salla-iconبهذا اللفظ إلا عن عمر بهذا الإسناد. وأخرجه أيضاً الطبراني في الأوسط (2/323). قال الهيثمي في المجمع (6/195) : رواه البزار والطبراني في الأوسط ، ورجال البزار ثقات. وانظر فقه السيرة للغزالي بتعليق الألباني (ص407).
[10]  أخرجه الحاكم (3/50، 51) وصححه ، قال الذهبي : فيه إرسال.
[11]  أخرجه الطبراني في الكبير (8/116) والأوسط (4/163) ، والبيهقي في دلائل النبوة (5/246) ، وضعفه ابن حبان في المجروحين (2/181) ، وقال ابن عبد البر في الاستيعاب (10/156) : أسانيد هذه الأحاديث ليست بالقويّة.
[12]  لم أجده بهذا اللفظ في جميع مصادر من ترجموا الذي البجادين رضي الله عنه ، وروى ابن إسحاق سبب تسميته بذي البجادين ، كما ذكر هنا (سيرة ابن هشام 4/528) وفي إسناده انقطاعن ، وانظر الإصابة (6/149).
[13]  أخرجه ابن إسحاق (سيرة ابن هشام 4/527) ، قال ابن حجر في الإصابة (6/149) : وإسناده ثقات ، إلا أن فيه انقطاعاً. وأخرجه البزار في مسنده (5/122-123) ، قال الهيثمي في المجمع (9/369) : رواه البزار عن شيخه عباد بن أحمد المرزحي وهو متروك.
[14]  أخرجه البخاري (4423) ، ومسلم (1911).
الخطبة الثانية
 
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه.
أما بعد:
فيا أيها الإخوة المؤمنون، ها قد عشتم بعض أحداث غزوة تبوك التي انتهت بنصر المؤمنين، ولئن انتهت فما انتهت دروسها وعبرها ومواعظها، ففي كل حديث منها قصة، وفي كل قصة عبرة وعظة، وحذار أن يكون نصيبنا منها تغنياً بالماضي، وسرد الحديث الغابر، فإن هذا لا يجدي شيئا، وقد آلت الأمة إلى ما آلت إليه وتداعى الأكلة إليها.
وأول هذه الدروس: أن هذه الأمة أمة جهاد ومجاهدة وصبر ومصابرة، وحتى ما تركت الجهاد ضربت عليها الذلة والمسكنة، ولذلك فقد رأينا حياة النبي دروس من غزوة تبوك Salla-iconجهاداً في جهاد، فإذا فرغ من جهاد المشركين رجع إلى جهاد ومقاومة المنافقين ثم جهاد الروم.
وثاني هذه الدروس: أن الله كتب العزة والقوة لهذه الأمة، متى ما صدقت وأخلصت، فها هي دولة الإسلام الناشئة تقف في وجه الكفر كله بقواه المادية فتهزمه وتنصره عليه دروس من غزوة تبوك Start-iconوَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُدروس من غزوة تبوك End-icon [الحج:40].
ومن هذه الدروس أن العدو ما تسلل سبعا ولا خفا إلا من خلال صفوف المنافقين والمرجفين، ولم يكن الضعف والتفرقة في هذه الأمة إلا من قبل أصحاب المسالك الملتوية والقلوب السوداء، دروس من غزوة تبوك Start-iconلَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولاَوْضَعُواْ خِلَـٰلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ ٱلْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّـٰعُونَ لَهُمْدروس من غزوة تبوك End-icon [التوبة:47].
ومن الدروس أن مواجهة الأعداء لا يشترط فيها تكافؤ القوة ثم يكفي المؤمنين أن يُعِدُّوا أنفسهم بما استطاعوا من قوة ثم يتقوا الله ويتعلقوا به، ويصبروا وعندها ينصرون، فها هو عبد الله بن رواحة دروس من غزوة تبوك Radia-iconيقول: "والله ما نقاتل الناس بعدد ولا عدة وما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به".
ومنها أن الحق لا بد له من قوة تحرسه وترهب أعداءه حتى لا يكفي حق بلا قوة.
دعا المصطفى دهرا بمكة  لم يُجَبْ                 وقد لان منه جانب وخطاب
فلما دعا والسـيف بالكـف مسلطة                 له أسلموا واستسلموا وأنابوا
ومن الدروس العظيمة من هذه الغزوة أن تمكن العقيدة في قلوب رجال الإسلام أقوى من كل سلاح وعتاد، وقضى الله أن الأمة متى ما حادث عن عقيدتها وتعلقت بغيرها، إلا تقلبت في ثنايا الإهانات والنكبات والنكسات، حتى ترجع إلى كتاب ربها وسنة نبيها.
هذه تبوك غزوة العسرة وهذه دروسها فاعتبروا بها عباد الله وتدبروها.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
دروس من غزوة تبوك
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» غزوة تبوك دروس وعبر ..
» غزوة تبوك (2) الآيات والمعجزات
» غزوة تبوك
»  نظرات في غزوة تبوك
»  غزوة أحد: دروس وعبر (2)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: